المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


التحرير عام 2000

فرحة التحرير... عيد تحت شمس المقاومة

أيام الانتصار
فرحة التحرير... عيد تحت شمس المقاومة

وتعود الذكرى... وهي ما غابت يوماً... عن الربوع والمعالم... فبوابة القنطرة ازدادت عنفواناً بعبور الالاف... وبوابة فاطمة تتمايل عزاً بمشهد الجندي الصهيوني المختبىء في دشمته ذليلاً خلف السياج الشائك.. وبوابة حسن في كفرشوبا تشد الرحال الى النصر.. عبر طريق "السماقة ورويسة العلم" الى مزارع شبعا.
هو المعتقل في الخيام أفعم طهراً من دنس الاحتلال بعرق عذابات المعتقلين. هو العبّاد يزهو محرراً حتى آخر حبة تراب فيه، وتمضي قلعة الشقيف علواً في أحضان الوطن والراية خفاقة صفراء عند قمتها.
هكذا غدت معالم الانتصار غنية بنتاج الدم والارادة بعد عام على ذكرى الانتصار والتحرير.
نعود معها الى هناك الى حيث البداية في الغندورية..
الحادي والعشرون من أيار الساعة الحادية عشرة من قبل الظهر أنهى أهالي بلدتي القنطرة والغندورية حفلهم التأبيني في النادي الحسيني للأخيرة وتجمهر الناس عند المدخل الغربي لبلدة القنطرة بعدما تبلغ الجميع بقرار الدخول الى البلدة.. وانطلق الجمع.
قوات الطوارئ الدولية المتمركزة في المنطقة أقدمت على خطوة لا يمكن أن تندرج الا في سياق التنسيق مع قوات الاحتلال فأقفلت بوابات العبور الحديدية بوجه الأهالي واتخذت وضعاً قتالياً فبادرها الاهالي بازالة بوابة الحديد الأولى والثانية وإبعاد الجنود الدوليين عنها، ما هي الا دقائق معدودة حتى وصل العابرون الى التحرير على مشارف القنطرة، دقائق أخرى وتحقق الحلم بدخول الاهالي وعودة البلدة الى حضن الوطن.
يقول علي محمد عطوي (60 عاماً) أحد سكان القنطرة إبان الاحتلال انه سمع صراخاً وتهليلاً وأبواق السيارات. للوهلة الأولى شعر بأن القيامة قد حان وقتها وما هي الا لحظات حتى أحسّ بنفسه يركض باتجاه الساحة ليرى ماذا يجري، واستطرد الحاج عطوي لقد رأيت ثلاثة شبان يرتدون ثياباً عسكرية قرب بستان زيتون قبالة منزلي وشكلهم لا يعبّر عن كونهم عملاء وتذكرت وقتها بأن الزمن قد تبدّل وحصل هرج ومرج في الساحة وكل واحد منّا بدأ يقوم بتصرفات لم نفعلها أيام الشباب.. نعم انها عودة الروح الى الجسد.
.. حان اذان الظهر فأم الشيخ حسن حمادي أول صلاة جماعة في ساحة البلدة منذ عشرين عاماً وفي غمرة الشعور بالفرح تقرر اعادة التجربة بالدخول الى البلدة المجاورة ـ القصير ـ انطلق الجميع تسبقهم الراية، المشهد تكرر، القوات الدولية أقفلت البوابات الحديدية ووضعت مصفحاتها العسكرية بوجه الأهالي الذين اقتحموا البوابات يتقدمهم النائب نزيه منصور والشيخ حمادي، لحظات قليلة وتقتلع البوابة الأولى ثم الثانية وتبدأ الهرولة باتجاه القصير. وحدها الدراجات النارية كانت تسابق الريح ووصل الجميع وحررت البلدة.
محمد فرحات أحد الداخلين يقول انه كان يعيش لحظات هي الأجمل في حياته كونه من أوائل المحررين لهذه البلدة التي كان يسمع باسمها عبر الاذاعة والتلفزيون، ولفت فرحات ابن العقد الثالث الى انه تفاجأ عندما شاهد البلدة خالية من سكانها باستثناء المقاومين الذين كانوا يتمشون في طرقاتها اذ كانوا قد حرروها قبلنا ليفتحوا لنا الطريق بالوصول اليها.. يضيف: لم نصدق ما كنا نراه، مواقع العدو خالية الا من العتاد والمخلفات وهذا دليل بأنهم فروا كالفئران المذعورة.
لم ينته موكب التحرير باستعادة البلدة الثانية ولم يكتف بذلك.. أكمل الجمع نحو دير سريان، العدو لم يستفق من الصدمة بعد.. بدأ موقع العدو في الطيبة المقابلة لدير سريان باطلاق القذائف على محيط البلدة لكن المسيرة أكملت.. خرج أهالي دير سريان مذهولين بحصول المعجزة.. كباراً وصغاراً بدأوا يهللون وأكياس الأرز بين أيديهم.. تنثر بأكملها وكأن الدنيا تمطر ارزاً وزهوراً وحلوى، لم يعد لأي شيء حدود في الفرح، فاختلط الدمع بزغاريد النسوة، كل يعانق قريبه أو شقيقه، مشهد قطع الأنفاس للحظات، أم وأب خرجا من منزليهما حفاة لملاقاة ولديهما المقاومين العائدين بعد سنوات الغربة، فكانت الصورة غاية في الرهبة والجمال معاً، انها فرحة الانتصار..
تشير الحاجة فاطمة أشمر الى انها كانت في حقلها عندما شاهدت رايات تلوح من بعيد من جهة القصير فركضت باتجاه الطريق وإذا بقافلة دراجات نارية وسيارات تطلق العنان لأبواقها وترفع رايات صفراء وحمراء لم أعد أعرف ماذا سأفعل توجهت نحو المنزل مسرعة وحملت كيساً كبيراً من الأرز وصرت أصرخ بالجيران قوموا وانظروا ماذا يحصل وبعد دقائق وصلت قافلة التحرير ولم أعد أعي ماذا فعلت حينها لكن أتذكر جيداً عندما صرت أصرخ "الحمد لله لتحررنا".
وبينما كان الأهالي يعيشون أجمل لحظات حياتهم انتقل الجميع نحو النادي الحسيني للبلدة حيث اقيم احتفال للمناسبة وحتى ذلك الحين لم يكن مقرراً الدخول الى بلدة الطيبة المجاورة بسبب قيام الموقع الموجود جنوب البلدة باعتداءات على الطريق المؤدية، لكن ارادة كسر القيد دفعت بعدد من أهالي بلدة الطيبة بالتوجه الى دير سريان وقالوا ان العدو بدأ بالهروب من البلدة والأهالي ينتظرون في الساحة عندها استعد الجميع وانطلقت مسيرة التحرير باتجاه الطيبة وهناك أقيم العرس الكبير في الساحة العامة حيث أعلن الاهالي بداية فجر جديد..

أربعة أيام توالت وعملية تحرير القرى جرت كما اليوم الأول وأضحت اعراس النصر تنتقل من بلدة الى بلدة ورايات التحرير ترتفع فوق كل مواقع العدو التي تهاوت ليكتب التاريخ مجداً جديداً تحقق بفعل دماء الشهداء وتضحيات المجاهدين..
عام على التحرير والفرحة لم تفارق القرى.. ما زالوا يعيشون ذكرها..
يقول الحاج علي أشمر (أبو أحمد) من دير سريان اننا اليوم بفضل المقاومين ننعم بحرية فقدناها طويلاً بعدما انتقلنا من جهنم الى الجنة، نحن ننام اليوم مطمئنين لا نشغل بالنا بسرقة "داباتنا أو دخاناتنا" اليوم بدأنا نشعر بطعم النوم بعدما سرقوه منّا لسنوات، كنا ننتظر هذا الوقت منذ زمن، صحيح أننا تعذبنا وتعرضنا لأبشع صور الارهاب لكن الحمد لله صبرنا وتحملنا وقطفنا أخيراً ثمن صبرنا ووفائنا لمقاومتنا.
ويشاطر علي خليل "أبو حسن" من بلدة كفركلا موقف أبي أحمد أشمر، لكنه عاتب على الدولة لأن المقاومة قامت بدورها ودفعت ثمناً باهظاً من دماء شهدائها لتحرير أرضنا واعادتنا الى وطننا بعد أن كانت أرضنا سليبة.. لم تكن الدولة بمستوى الآمال فالوضع الاقتصادي والانمائي بحالة تدهور مستمر.. الى متى سيبقى الحال كذلك. على أي حال نحن هنا أفضل حالاً بمئات المرات على الأقل أصبحنا ننتقل بحرية دون أن يعترضنا أحد.
والأفضل من كل هذا أننا استعدنا كرامتنا وأذلينا عدونا وجعلناه ينكفىء خاسئاً خلف السياج الشائك. ومن كفركلا الى رب ثلاثين التي شهدت أعراس الحرية في اليوم الثاني للتحرير الذي يستذكره علي حسين جواد عندما كان "يدبك" فرحاً وقال لم "أدبك" منذ عشرين عاماً.
انها لحظات لا تنسى "تدمع عيناه قليلاً" ويتابع عندما كنت أعانق ولدي "ما شبعت منه لأنني غير مصدق".. اليوم كما ترانا نعيش حياة أكثر من طبيعية، وهادئة كل شيء على ما يرام لكننا نعاني من الوضع الاقتصادي. وطالب بعودة الدولة الى المناطق المحررة انمائياً بعدما بسطت يدها أمنياً لأن الناس هنا بحاجة الى فرص عمل.
أما جواد ديب من بلدة الخيام فقال: ان ما فعلته المقاومة منذ عام بتحرير أرضنا لم يكن سوى معجزة تحققت بفعل تضحيات شهدائها ومجاهديها. وأضاف ما زلنا نعيش فرحة النصر التي ستظل ذكرى لن ننساها أبداً ونحن مع مقاومتنا سنحاول نقل هذه الفرحة الى اهلنا وجيراننا في شبعا وكفرشوبا باسترجاع ارضهم المحتلة.

علي شعيب
*من ذاكرة التحرير – تحقيق نشر في "جريدة العهد" في الذكرى الأولى لاندحار العدو الصهيوني.
21-أيار-2010
استبيان