المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


الوعد الصادق

يقول المقاوم: هكذا أفكر ولهذه الأسباب أواجه "إسرائيل"


جريدة السفير - 14/08/2008
زينب ياغي

كان اللقاء بعد انتهاء حرب تموز، كان أول رجل من حزب الله ألتقيه بعد الحرب؛ صاحب اختصاص مدني، شديد الانفتاح، قادر على أن يصبح بسرعة صديقاً؛ مساء ذاك اليوم، قال إنه كان مشاركاً في الحرب. لم يكن عنصراً، إنما قائد مجموعة ساهمت في خوض معارك بنت جبيل، لأن لبنت جبيل معارك متعددة في تموز.

لم يكن فيه ما يوحي أنه خارج من الحرب. يرتدي بنطالاً صيفياً، وقميصاً ملوناً. كان طلق الكلام، واضح الملامح.

انتبهت سريعاً لوقوفي في مواجهة قائد مجموعة من مقاتلي حزب الله، عندما كان الصحافيون الذين وفدوا إلى لبنان من معظم أنحاء العالم يبحثون عن الرجال الذين خرجوا منتصرين من حرب تموز، لإجراء لقاءات معهم.

تمهلت كثيراً في الحديث معه عن كيفية خوضه الحرب؛ رغبت بعد تعرفي إليه أن أخبره أولا عما شاهدته، شعرت أنه الشخص المناسب في تلك اللحظة الذي يترتب عليّ إخباره، لأنه سوف يعرف معنى ما أخبره إياه.
خطر في باله أن يخبرني أولاً عن الشبان الأربعة الذين استشهدوا معه في المجموعة خلال الحرب، وصفهم بأنهم أصحاب الشمائل والجمال، لم يكونوا شهداء ومضوا، بدوا كأنهم رفاق عمر رحلوا، توقف عند أحدهم وقال إنه أمسك بيده وشد عليها خلال لقاء قصير جرى بينهما، ثم قبلها، نظر إليه الشاب، وسأل مبتسماً بخجل: تقبل يدي؟ فرد عليه: لقد فعلت ذلك، لأني شعرت أن عليّ فعله.

عاد ذلك الشاب مع الشهداء خلال عملية التبادل بين حزب الله وبين "إسرائيل"؛ شارك رفيقه وقائده في موكب تشييعه، وقف عند ضريحه، ذرف دموعاً وغادر؛ كان شديد الرقة والجمال، هكذا وصفه، حمل السلاح وقاتل، ثم استشهد.

لا خيار في المواجهة

بعد عامين على انتهاء الحرب، وثلاثة أعوام من عمر الأزمة الداخلية، ربما لم يعد كافياً معرفة كيف حصلت معارك تموز؟ أصبح مهماً أكثر معرفة كيف يفكر المقاومون الذين يحملون السلاح وإلى أين يتجهون؟

يقول قائد المجموعة إن المقولة السائدة بوجود خيار في مقاتلة "إسرائيل" أو عدمها، بالنسبة إليّ، لا معنى لها، لأن مجرد وجود "إسرائيل"، يفرض المواجهة معها. ليست "إسرائيل" شعباً اضطهد ويبحث عن مكان، وإنما مشروع إنهاء لوجودنا في المنطقة التي نعيش فيها، بالأبعاد النفسية والثقافية والاقتصادية وغيرها، لذلك لا خيار لنا سوى المواجهة. إنه بالضبط، كما يقال، صراع وجود، لا شيء غير ذلك. لن ينهي الأمر مجرد تحرير لبنان، لأن الكيان الإسرائيلي لن يسمح لأحد بالحياة إن استطاع فعل ذلك.

يتابع فكرته قائلاً: إن ظاهرة الإرهاب في العالم، مثلاً، هي ظاهرة موت، سببها الرئيسي النقص المتزايد في إيجاد الفرص في الحياة، الأمر الذي يدفع البعض إلى الانضواء في لوائها. وهؤلاء يعيشون في بلادهم، بين أهلهم، فكيف يكون الوضع في حالة وجود كيان، لا يعيق فقط الفرص، إنما يستولي على مقومات الحياة نفسها، يستولي على مستقبلنا ومستقبل الأجيال التي ستأتي بعدنا؟ "إسرائيل" تشكل مشروعا أستيلائياً، بكل ما تتضمنه أو تحتمله العبارة من معنى.

المظلوم يستولي على أرض غيره؟

لا يمكن له الموافقة على مقولة إن اليهود أرادوا دولة، بوصفهم كانوا شتاتا ومضطهدين في أوروبا. علينا أن نتذكر عندها كل الشعوب والديانات والأقليات التي تعرضت للاضطهاد في التاريخ. الأكراد والأرمن في منطقتنا، جبل عامل نفسه استبيح عشرات المرات من قبل الأنظمة والدول التي حكمت المنطقة. وهناك الهنود الحمر في أميركا، ومحاكم التفتيش خلال مرحلة سيطرة الكنيسة المسيحية. لقد حصلت محارق كبرى في العالم، هل أعطى ذلك الحق للشعوب التي اضطهدت بالاستيلاء على أماكن أخرى؟ أو على مقدرات ومستقبل شعوب أخرى؟

إن مسار الطغيان في تاريخ البشرية لا حدود له، لذلك لا يستطيع شعب أن يقول نحن ظلمنا، ثم يستولي على أرض غيره. إن استخدام المحرقة اليهودية هو استخدام مدروس جداً، لتبرير الانزلاق الخطير لليهود في فلسطين، وليس صحيحاً أنهم مقتنعون بأن فلسطين أرض بلا شعب، لذلك قاموا بالاستيلاء عليها. وهم يعلمون أبناءهم في المدارس تاريخا مزورا تدحضه الحقائق كل يوم. إذا كان الأمر كما يعتبرون، لماذا تتحدث السياسات المعاصرة عن اللاجئين وعن حق العودة؟

يضيف: لا أؤمن بالسلام عبر الاتفاقيات، لأن للسلام مقومات غير موجودة بيننا وبين "إسرائيل"، المشكلة هي مع الكيان نفسه. يختلف الأمر مثلاً مع الولايات المتحدة الأميركية، نحن الآن في حالة عداء مع الإدارة الأميركية، وسبب ذلك العداء هو سياساتها في المنطقة. عندما تتغير تلك السياسات وتصبح الولايات المتحدة صديقة، يصبح السلام معها ممكناً.

نحن من أكثر الناس الذين يريدون السلام، والذين لهم مصلحة حيوية فيه، نحن من يقاتل من أجل السلام، لذلك لا نرى له طريقا آخر غير إزالة الكيان، حتى بمساعدة من يريد من اليهود.
كل مشروع للحياة في المنطقة موسوم بمواجهة المشروع الاسرائيلي، لأن "إسرائيل" ليست أمرا يجري إدخاله في مجال التفكير اختياريا أو إخراجها منه إراديا، إنما تفرض نفسها علينا من خلال وجودها.

يتابع فكرته: إذا أردنا القيام بمشروع يتعلق بتطوير مقومات الحياة، سواء أكان فردياً أم عاماً، لا يمكننا إغفال مخاطر وجود "إسرائيل"، عندها يكون تفكيرنا منقوصاً، ويرتب ذلك مخاطر على المشروع نفسه.

الاستعداد الدائم طريقة حياة

يقول قائد المجموعة إن الاستعداد لمواجهة "إسرائيل"، ليس موضوع سلاح كما هو سائد، الاستعداد هو مسألة أبعد من ذلك بكثير، إنه يشكل عنصراً رئيسياً من عناصر حضورنا، في المجال الذي نتواجد فيه، ونعيش ونحب أن نموت فيه.

يفترض ذلك الجهوزية، وتفرض الجهوزية بدورها، طريقة حياة، وبرامج حياة، وأنماطاً من السلوك والمشاعر والمعرفة والخبرة، تفرض توقيتها في العلاقات الاجتماعية والأسرية، تحرم الشخص من أمور كثيرة يرغب بفعلها، وهي بذلك المعنى تؤدي إلى حصول الاختلاف بين حياة شخص موجود في سياق الجهوزية، وبين شخص موجود خارجها.

إنما ينطلق الاستعداد أولاً من رغبة الشخص بأن يكون الوضع الذي يعيش فيه، أفضل مما هو عليه حاليا، وأن قضية الصراع مع "إسرائيل"، تشكل طريقا نحو ذلك الأفضل، عندها يعطيها ما تحتاجه وما يستطيعه، من وقت ومن جهد.

لو كان الأمر محصوراً به فقط، لأعطاها أكثر مما يعطيها حاليا، لأنها ضرورية، لكن التزاماته تجاه عمله وتجاه عائلته ترتب عليه الاهتمام بهما.

أما لو كان يعيش الحياة من دون وجود "إسرائيل"، لفكر بتوسيع مجالات عمله إلى مناطق أخرى في العالم، لأنه يملك الطاقة والإمكانية لفعل ذلك، لكن بين الطموح الشخصي وبين الالتزام بالنضال ضد "إسرائيل"، يفضل النضال، لأنه من أجل مستقبل كل الناس الذين يعيش معهم وبينهم، ومن ضمنهم عائلته.

الكلفة.. مضاعفة

يرى في تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، إنجازا مرحليا، باتجاه المهمة الكبرى، أي أنه من التدابير الموصلة إلى إنجاز أكبر، يوضح: إذا لم ننهض بتلك المهمة، سوف تبقى عبئاً على الأجيال اللاحقة.

أما حرب تموز فلم تشكل مفاجأة له، ولم يشكل انتهاؤها خلاصاً من عبء ما. لم يكن خائفاً من سير المعارك، لأنه كان في الجبهة الأمامية ويعرف كيف تمسك المقاومة بزمام الأمور، المشهد بالنسبة لمن كان بعيداً عن الميدان، يختلف عمن كان في داخله.

يعتبر أن موضوع النصر منفصل عن كلفة الحرب التي تكبدها لبنان، لا تتم قراءة النصر من زاوية الكلفة، لأن النصر عادة مكلف، والكلفة تعود إلى طبيعة العدو وإمكانياته وموازين القوى، وإلى حجم المواجهة بكل أبعادها الميدانية، ونتائجها القريبة المدى منها والبعيدة. يقول: لو فرضنا أنه كان على "إسرائيل" الخيار بين دفع أكلاف مضاعفة عما دفعته، للحصول على النصر نفسه، أو الهزيمة من دون كلفة، فماذا تختار؟ الجواب طبيعي، لا أحد يتخلى عن النصر، لأنه مكلف، سوف تدفع "إسرائيل" كلفة باهظة في سبيل تحقيق النصر، وما حصل في حرب تموز مهم من تلك الزاوية أيضاً.

عن الموت والشهادة

الخوف من الموت شعور طبيعي لدى البشر، لكن وجوب تغيير معادلة الحرب مع "إسرائيل"، كان يمده بالعزم للتغلب على الخوف، تحقيق النصر من جهة وهزيمة العدو من جهة ثانية، كانا يعنيان له أن ما يقوم به يشكل إنجازاً كبيراً، في سياق الانجاز النهائي الذي يسعى إليه.
إذا نال الشهادة في ذلك الطريق فإن وجوده المتحقق في الحياة، لن ينعدم عندئذ بالموت، بل سيتحقق ويكتمل أيضا، وتلك مسألة عقائدية، تجعله متماسكاً عندما يكون في وضع تكبر فيه احتمالات مواجهة الموت.

مقابل ذلك تعنيه في الموت مشاعره العاطفية المتعلقة بالتفكير بالافتراق عمن يحبهم، والخشية على من هو مسؤول عنهم، مثل عائلته.

كما يخاف من الموت كانفعال عصبي تلقائي عندما يكون مثلاً في مواجهة حادث سير أو في حالة مرض، لكن يفكر أنه عندما يصل إليه سوف يكون تتمة لمسار وجوده.
لو لم يكن لبنانياً جنوبياً لاختار أن يكون مناضلا ضد "إسرائيل"، لكن ربما لن يكون بالنسخة نفسها التي هو عليها الآن، وفي المكان الذي يتواجد فيه.

14-آب-2008

تعليقات الزوار

استبيان