المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


إعتداءات لبنان

"اسرائيل" وزرع الالغام خرق القوانين الدولية

الكاتب: د. حسن جوني / اكاديمي لبناني‏‏
الملخص: زرع الاحتلال الصهيوني، في جنوب لبنان وبقاعه الغربي، عشرات الالاف من الالغام بانواعها كافة، وقد قدرت بعد انسحابه بمئة وثلاثين الف لغم مزروعة على الحدود اللبنانية الفلسطينية، وعلى الشاطئ الممتد من البياضة الى الناقورة، فضلا عن مناطق واسعة مأهولة واراض زراعية.‏‏
وقد وزعت هذه الالغام بطريقة عشوائية، حيث ان القسم الاكبر منها مزروع في اماكن غير مسيجة وغير محددة، دون لافتات تشير الى وجودها.‏‏
تسبب هذه الالغام بمئات الضحايا، اثناء الاحتلال وبعده، ويكفي ان نشير الى انه قد وقع ضحيتها اكثر من خمسة وثمانين شخصا، بينهم اكثر من عشر حالات وفاة، فقط في الفترة الواقعة بين شهري ايار وكانون الاول 2000، ذلك عدا عن الخسائر الكبيرة على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والديموغرافية.‏‏
يشكل الكيان الصهيوني، منذ زرعه في هذه المنطقة، النقيض التام للقانون الدولي العام، واذا كان لا مجال هنا للدخول في تفاصيل هذه القضية الا انه لا بد لنا من الاشارة الى ان العدو الصهيوني لا يتعارض وجوده مع هذا القانون، فقط انما يخالف هذا العدو في ممارساته كل القوانين الدولية، وخصوصا القانون الدولي الانساني.‏‏
جاء هذا القانون يسعى الى وضع حد للتجاوزات اللاانسانية اثناء النزاعات المسلحة، وهكذا لم يعد المتقاتلون احرارا في اختيار وسائل وطرق الحاق الضرر بالفريق الاخر.‏‏
لقد كانت وسائل القتال، دائما سببا لويلات ومآس تلحق بالانسان، وخصوصا الحديثة منها والتي تشكل الالغام احدى هذه الوسائل.‏‏
فاللغم هو سلاح يزرع في الارض، مطمورا او مموها، معد للانفجار بفعل ملامسة اي جسم له، وتختلف الالغام باشكالها وانواعها، منها ما يستهدف الافراد ومنها ما يستهدف الاليات.‏‏
وتتميز الالغام عن غيرها من الاسلحة بعدة خصائص، نذكر منها:‏‏
ـ ان الضحية هي التي تفجر اللغم من جراء ملامستها له، وذلك على عكس كل الاسلحة.‏‏
ـ ان مدة فاعلية الالغام بعد زرعها طويلة جدا.‏‏
وهذه الخصائص تزيد من بشاعة الالغام كوسيلة قتال من جهة، كما ان طول مدة الفاعلية والتي قد تتجاوز الخمسين عاما تشل الحياة في جوانبها كافة، ليس فقط في المناطق التي زرعت فيها وانما تتجاوزها الى مناطق اخرى حيث تبلبل مسارات الانماء.‏‏
يطرح علينا هذا الواقع المأساوي اسئلة متعددة حول شرعية استعمال الالغام كوسيلة قتال في القانون الدولي، وحول القواعد والمبادئ التي يخرقها العدو باستعماله هذه الالغام، وبالطريقة التي اتبعها ومدى الزامية هذه القواعد والمبادئ للعدو الصهيوني؟ وما هي القواعد والمبادئ القانونية التي تلزم هذا العدو بازالة الالغام وتسليم خرائطها قبل انسحابه؟‏‏
ان زرع العدو الالغام في المناطق المحتلة يعتبر خرقا للقانون الدولي، وذلك ليس فقط لقواعد هذا القانون التي تمنع حصرا الالغام، وانما ايضا لمبادئه واعرافه. وكذلك الامر بالنسبة لازالة الالغام. فالعدو عندما لم ينزع الالغام قبل انسحابه، ولم يسلم المعلومات الموجودة لديه والتي تدل على اماكن ونوعية الالغام، فان ذلك يشكل خرقا آخر لهذا القانون.‏‏
اولا: زرع العدو الصهيوني للالغام‏‏
خرق لمبادئ واعراف القانون الدولي الانساني‏‏
ان اهم المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي الانساني، هي ان المتقاتلين ليسوا احرارا في اختبار وسيلة القتال وطريقة استعمالها، لذلك عليهم اثناء النزاعات المسلحة التقيد بالمبادئ التالية:‏‏
ـ التمييز بين المدنيين والعسكريين.‏‏
ـ عدم اللجوء الى الاعمال الحربية، التي لا تكون ذات فائدة عسكرية محددة.‏‏
ـ التناسب بين الخسائر الناتجة عن الاعمال العسكرية، وبين الفائدة العسكرية الناتجة عنها.‏‏
ـ رفض اي قصف عشوائي او هجمات عشوائية.‏‏
ـ احترام وحماية كل الاشخاص الذين اصبحوا خارج المعركة، والذين لا يشاركون فيها مباشرة.‏‏
ـ تمتع المدنيين بحماية عامة ضد الاخطار الناتجة عن الاعمال العسكرية.‏‏
اكدت على هذه المبادئ قرارات الامم المتحدة ومؤتمرات الصليب الاحمر الدولي، وكذلك العدديد من الاعلانات والمعاهدات الدولية، خصوصا تلك المتعلقة بالقانون الدولي الانساني.‏‏
فالامم المتحدة لعبت دورا اساسيا في تثبيت مبادئ القانون الدولي الانساني، وان كان لا مجال لنا هنا للتوسع بهذا الموضوع، الا اننا نذكر المؤتمر الدولي لحقوق الانسان، المنعقد في طهران عام 1968، وكذلك القرارات المتعددة للجمعية العامة التي ادت الى صدور اتفاقية جنيف (1980) واتفاقية اوتاوا (1997)، واللتين سنأتي على ذكرهما لاحقا.‏‏
اما الصليب الاحمر الدولي، فقد اكد على هذه المبادئ في الكثير من مؤتمراته، ونذكر هنا المؤتمر العشرين المنعقد في فيينا عام 1965، والذي جاء فيه: ان الحرب دون تمييز تشكل خطرا على المدنيين، وان الفرقاء في النزاع العسكري لا يملكون الحق الكامل في اختيار الوسيلة المستعملة للنيل من العدو. وكذلك المؤتمر الحادي والعشرين المنعقد في استنبول عام 1969، والذي اكد ان على المتحاربين الامتناع عن استعمال الاسلحة التي:‏‏
ـ تسبب الاما مفرطة.‏‏
ـ بسبب عدم دقة استعمالها، لا تميز بين المدنيين والعسكريين.‏‏
وكان قد اتى اعلان بطرسبرغ، عام 1868، ليؤسس لهذه المبادئ، حيث اعتبر ان التقدم الحضاري يجب ان يخفف، قدر الامكان، من نكبات الحرب، وان الهدف الوحيد الذي يجب ان تسعى اليه الدول اثناء الحرب هو اضعاف القوى العسكرية للعدو، وان استخدام الاسلحة التي تزيد من الام الاشخاص الذين اصبحوا عاجزين عن القتال او تجعل موتهم محتوما مخالفا للقوانين الانسانية.‏‏
وقد جاءت اتفاقية لاهاي عام 1907، الخاصة باحترام قوانين واعراف الحرب البرية، لتؤكد في مادتها الثانية والعشرين ان فرقاء القتال ليسوا احرارا في اختيار وسائل وطرق القتال.‏‏
ولتحدد في مادتها الثالثة والعشرين تلك الوسائل الممنوع استعمالها، وخاصة في الفقرة "هـ" منها، استخدام الاسلحة والقذائف والمواد التي من شانها احداث اصابات وآلام لا مبرر لها.‏‏
ان الخطوة الكبيرة في تاكيد هذه المبادئ حصلت عندما تبنى البروتوكول الاول الاضافي لاتفاقيات جنيف 1949، والصادر عام 1977، في مادته الخامسة والثلاثين النص الحرفي للمادة 22 من اتفاقية لاهاي 1970. وحين حظر في مادته الحادية والخمسين الهجمات العشوائية.‏‏
ان استعمال الالغام من قبل العدو الصهيوني كوسيلة حرب، وبالطريقة التي لجأ اليها، هو دون شك يتعارض والمبادئ التي ذكرناها اعلاه، وذلك بالرغم من ان هذه المبادئ لم تمنع استعمال الالغام حصرا.‏‏
فالالغام تعتبر من وسائل القتال التي لا تميز، بطبيعتها، بين المدنيين والعسكريين، كما انها تستمر في جعل المقاتلين الذين اصبحوا خارج المعركة هدفا لها، وكذلك المدنيين الذين لا يشاركون بالاعمال العسكرية بشكل مباشر. فضلا عن انها سلاح عشوائي بطبيعته، الا انها يمكن استعمالها ايضا بطريقة عشوائية كما استعملها العدو الصهيوني.‏‏
وتعتبر الالغام ايضا من وسائل القتال التي لا يؤدي استعمالها فائدة عسكرية محددة، كونها تهدد المدنيين والعسكريين، ليس فقط اثناء المعركة وانما ايضا بعد انتهائها. كما ان الخسائر الناتجة عن استعمالها لا تتناسب والفائدة العسكرية المتوخاة، وقد اكدت الدراسات على ان الالغام لا تمنع فريقا من احتلال ارض فريق آخر او الانتصار عليه، ولا تستطيع منع تقدم الجيوش التي تكسح بوسائلها المتقدمة حقول الالغام.‏‏
واخيرا، فان الالغام تعتبر بطبيعتها من الاسلحة التي تسبب آلاما مفرطة، وذلك لما تسببه من خسائر وتشويهات مريعة لا تهدف اساسا لوضع المقاتل خارج المعركة.‏‏
اذا، يبدو واضحا ان الالغام هي وسيلة قتال تتناقض بطبيعتها مع كل مبادئ القانون الدولي الانساني.‏‏
ثانيا: زرع العدو الصهيوني للالغام‏‏
خرق لاتفاقيات جنيف 1980 واوتاوا 1997‏‏
خصصت اتفاقية حظر او تقييد استعمال اسلحة تقليدية معينة، يمكن اعتبارها مفرطة الضرر او عشوائية الاثر، الموقعة في جنيف عام 1980، بالبروتوكول الثاني، لحظر او تقييد استعمال الالغام والذي جرى تعديله عام 1996.‏‏
حظر هذا البروتوكول في مادته الثالثة استعمال الالغام ضد المدنيين، وطلب من الفرقاء عدم استعمالها الا لاهداف عسكرية واتخاذ كل الاحتياطات لحمايتهم من نتائج استعمال هذا السلاح، وكذلك حظر استعمال اي لغم وفي جميع الظروف مصمم لاحداث اصابة لا داعي لها، او معاناة لا ضرورة لها او من طبيعتها احداث ذلك. وايضا، في نفس المادة، حظر استعمال الالغام ضد السكان المدنيين في الظروف كافة، سواء في الهجوم او الدفاع او على سبيل الرد الانتقامي، وكذلك الاستعمال العشوائي لها.‏‏
وقد فرضت المادة الخامسة من البروتوكول على المتحاربين ان يضعوا الالغام داخل منطقة مسيجة ومحددة بعلامات مميزة وواضحة، يرصدها افراد عسكريون.‏‏
وقد اتت معاهدة اوتاوا عام 1997 لتحظر استعمال الالغام ضد الافراد وتخزينها وانتاجها ونقلها وتطلب من كل دولة طرف فيها تدمير كل الالغام ضد الافراد الموجودة لديها.‏‏
ان اهمية هذه المعاهدة تأتي من كونها محصورة بمنع الالغام ضد الافراد من ناحية، وكونها من ناحية اخرى لا تهدف الى التخفيف من الاخطار الناجمة عن استعمال الالغام. كما هدفت معاهدة جنيف عام 1980 الى منع استعمال هذا السلاح كليا، وتدمير مخزونه لدى الدول.‏‏
ثالثا: عدم ازالة العدو الصهيوني للالغام وعدم تسليمه لخرائط اماكنها خرق للقانون الدولي‏‏
ان العدو الصهيوني يخرق القانون الدولي، ليس فقط حين يزرع الالغام وبالطريقة التي يزرعها كما بينا اعلاه، وانما ايضا بعدم ازالتها قبل انسحابه، وبرفضه تسليم كل الخرائط التي تدل على اماكن وجود الالغام.‏‏
وعلى عكس الاسلحة جميعها، ان الالغام تشكل خطرا دائما ومستمرا لغاية انفجارها، كما ان عملية ازالتها هي عملية طويلة ومكلفة جدا. فكل لغم يحتاج نزعه الى مئة ضعف مما يحتاجه زرعه من وقت، واللغم الذي يكلف ثلاثة دولارات اميركية يكلف نزعه حوالي الف دولار اميركي، ويتسبب نزع خمسة الاف لغم بمقتل واحد واصابة اثنين بجروح من العاملين في نزعها.‏‏
وعلى ذلك، ان ازالة مئة وثلاثين الف لغم زرعها العدو في لبنان تكلف حوالي مئة وثلاثين مليون دولار اميركي على الاقل، وقد تؤدي الى مقتل 36 شخصا واصابة 75 شخصا بجروح، وتتطلب هذه العملية سنوات، ناهيك عن ابقاء هذه المناطق عرضة لحالات الرعب الدائمة.‏‏
وتفاديا لمثل هذه النتائج، فرض القانون الدولي الانساني على من يزرع الالغام ازالتها، وان لم يستطع، التعاون مع الامم المتحدة من اجل تحقيق ذلك عن طريق تسليم الخرائط التي تحدد اماكن زرع الالغام.‏‏
نصت المادة التاسعة من البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لعام 1980 على انه:‏‏
ـ يجب ان تسجل ... كل المعلومات المتعلقة بحقول الالغام والمناطق الملغومة.‏‏
ـ يجب على اطراف النزاع ان تقوم دون تأخير بعد توقف الاعمال العدائية باتخاذ كل التدابير الضرورية المناسبة، بما في ذلك استعمال هذه المعومات لحماية المدنيين من آثار حقول الالغام والمناطق الملغومة. وعليها ان توفر للطرف الاخر وللامين العام للامم المتحدة كل ما في حوزتها من معلومات عن حقول الالغام والمناطق الملغومة... في المناطق التي لم تعد تحت سيطرتها.‏‏
وقد فرضت المادة الخامسة من البروتوكول الثاني في فقرتها الثانية بند "ب": على الدول ان تكسح الالغام قبل مغادرة المنطقة الملغمة.‏‏
وفي هذا الاطار، جاءت المادة العاشرة من البروتوكول لتؤكد في فقرتها الاولى على انه: بدون تأخير، وبعد توقف الاعمال العدائية، تكسح كل حقول الالغام والمناطق الملغمة. كما ان المادة تؤكد على الفريق الذي زرع الالغام، في مناطق لم يعد يمارس السيطرة عليه، ان يوفر للطرف المسيطر على المنطقة المساعدة التقنية والمادية اللازمة للنهوض بهذه المهمة.‏‏
وقد جاءت معاهدة اوتاوا لتفرض على كل دولة طرف فيها ان تقدم للامين العام للامم المتحدة، في اقرب وقت ممكن، تقريرا عن كل المواقع المزروعة بالالغام.‏‏
بالرغم من ان العدو الصهيوني لم يوقع هاتين المعاهدتين، فان ذلك لا يعفيه من نزع الالغام قبل انسحابه ومن تسليم الخرائط، باعتبار ان ازالة الالغام وتسليم الخرائط اصبحا اليوم من المبادئ العامة للقانون الدولي الانساني، وقد اكدت على ذلك قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الامن.‏‏
ففي عام 1975، ادانت الجمعية العامة للامم المتحدة القوى الاستعمارية التي اهملت نزع معداتها العسكرية، وخصوصا الالغام التي تركتها في المناطق التي استعمرتها، واعتبرت الجمعية ان هذه الدول هي مسؤولة عن الضرر المادي والمعنوي الذي يلحق بهذه المناطق. وطالبت الدول التي زرعت الالغام ان تضع فورا بتصرف الدول المتضررة كل المعلومات التي تتعلق بالمناطق التي زرعت فيها هذه الالغام، بما فيها الخرائط التي تحدد مواقع هذه الالغام وايضا نوعية تلك الالغام.‏‏
كما ان مجلس الامن قد اكد ايضا على هذا المبدأ في القانون الدولي، حين فرض على العراق في حرب الخليج الثانية من بين الشروط لانسحاب قوات التحالف، بان يقدم كل المعلومات والمساعدات من اجل تحديد اماكن ونوعية الالغام التي زرعها.‏‏
ان الفقه الدولي اليوم يذهب الى اكثر من ذلك، اذ يحمل مسؤولية نزع الالغام ليس فقط الدول التي تزرعها، وانما ايضا الدول التي تصنعها.‏‏
ان ادعاءات العدو الصهيوني بعدم امتلاكه لخرائط الالغام التي زرعتها ميليشيات "جيش لبنان الجنوبي" هي ادعاءات ساقطة في القانون الدولي، لان هذا القانون يحمل الدول المحتلة المسؤولية الكاملة في الاراضي المحتلة وذلك على الاصعدة كافة، وخصوصا الامنية منها والعسكرية.‏‏
اذا كان العدو الصهيوني غير ملزم بمعاهدة جنيف ومعاهدة اوتاوا لانه لم ينضم اليهما، الا ان ذلك لا يبرر استعماله للالغام وبالطريقة التي استعملها بها.‏‏
فمبادئ القانون الدولي الانساني، التي اشرنا اليها، تعتبر اليوم من المبادئ الاساسية، وتشكل جزءا اساسيا من القانون الدولي العرفي، وبالتالي فهي تطبق على جميع الدول بصرف النظر عن انضمامها او عدمه الى المعاهدات المذكورة.‏‏
25-شباط-2008
استبيان