المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


مزارع شبعا

أزمة "اسرائيل" المائية ومياه لبنان

الكاتب: رضى سلمان‏
المصدر: الدراسات الفلسطينية - العدد 3 - 30-6-1990‏
الملخص: تشير معطيات ازمة المياه في "اسرائيل" الى عجز متزايد ، والى انعدام الحلول الممكنة والمقبولة ضمن حدود "اسرائيل" الحالية. و "اسرائيل" التي دأبت منذ الستينات على تلبية استهلاكها المتزايد من المياه من موارد اضافية استولت عليها من العرب بالحرب، هي اليوم في حالة تأهب لضمان امنها المائي بالاستيلاء على مورد جديد خارج حدودها. وبذلك يكون لبنان بثروته المائية في عين العاصفة. فالبدائل المائية الممكنة ، بالنسبة الى "اسرائيل" ، تكاد تكون مستحيلة اقتصاديا ومحرمة سياسيا. واستيعاب طلائع الهجرة الجماعية اليهودية المتوقعة خلال النصف الاول من التسعينات سيفاقم المشكلة الى حد تحولها الى حافز على الحرب.‏
"فاسرائيل" ذات الموارد المائية الشحيحة، اعتمدت منذ الستينات على الموارد المائية الاضافية التي سبقت العرب اليها واستولت عليها منهم في غزواتها، لتلبية معدلات استهلاكها المدني العالية، وتطوير زراعتها، وتنفيذ سياستها الاستيطانية. ويتراوح الحجم الاجمالي للموارد المائية العربية المسلوبة بين 600 و 700 مليون متر مكعب من المياه في السنة، يمثل نحو 40% من استهلاك "اسرائيل" السنوي من المياه. (1) فعندما احتلت "اسرائيل" اراضي عربية في مصر وسوريا والاردن سنة 1967 ، كانت تحقق توسعا اقليميا وتلبي حاجتها المائية في ان واحد، فتستولي على ما تبقى من روافد نهر الاردن بما فيها مياه نهر بانياس العذبة في الجولان ، وعلى مياه الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحسم نزاعها مع سوريا في شأن بحيرة طبريا، وتسيطر في الهضبة السورية على نقطة انطلاق الى مياه الليطاني ، لكن "اسرائيل" ، ومنذ اواخر السبعينات، كانت قد استخدمت اخر هذه الموارد المائية الاضافية التي استولت عليها في الستينات ، بينما بقيت معدلات استهلاكها من المياه تزداد فتزداد معها حاجتها الى موارد جديدة خارج حدودها بسبب محدودية الطاقة الانتاجية لمعامل معالجة المياه المستعملة ومعامل تحلية المياه.‏
واذا وضعنا احتلال "اسرائيل" في الجنوب اللبناني ضمن سعيها الدائم لضمان امنها المائي، فانها تكون قد تجاوزت مرحلة التطلع شمالا صوب مياه لبنان ودخلت مرحلة التوسع الاقليمي نحوها منذ "عملية الليطاني" سنة 1978 ، ويكون اقدم اهدافها الجيو - سياسية قد اصبح في متناول اليد بعد الاجتياح الذي قامت به سنة 1982 .‏
ان سيطرة "اسرائيل" على منطقة 20 ميلا من مجرى نهر الليطاني تجعل مسألة تحويله الى اراضيها خيارا مغريا ومتاحا في اوضاع لبنان غير المستقرة ، اذ انها تجد في هذا الخيار حلا لمشكلتها المائية سبق ان اعتمدته في الماضي . ففشل الحركة الصهيونية في تضمين حدود فلسطين (تمهيدا لمشروع الدولة اليهودية فيها) تلك الاجزاء من اراضي لبنان الغنية بالموارد المائية، لم يضع حدا لهذه الاطماع التي تتجاوز الرغبة في التوسع الاقليمي - بحد ذاته - الى الحاجة الاستراتيجية الى ضمان موارد مائية وفيرة لهذه الدولة العتيدة. وقد وضع احتلالها في الجنوب اللبناني هذه الاطماع التاريخية على اسس جديدة تنطوي على اخطار تعد لبنان بالكارثة. فغنائم "اسرائيل" المائية من حروبها مع العرب اصبحت بالنسبة اليها ثمنا للسلام، وغنائمها المائية من حروبها في لبنان تكتسب قيمة حيوية اكبر في سياق ما هو مشكلة مائية جوهرية لا مشكلة عابرة تواجهها "اسرائيل" اليوم ، وتجعل من احتلالها في لبنان ضرورة مائية استراتيجية يترتب على لبنان دفع ثمن باهظ لقاء ذلك.‏
الحافز المائي‏
دأبت "اسرائيل" منذ احتلالها منطقة تضم نحو 50 قرية في الجنوب اللبناني ، في اعقاب عملية الليطاني، على سوق الحجج الامنية، لتبرير سياستها التوسعية فيه ، وكانت هذه الحجج هي نفسها التي بررت بها الاجتياح الذي قامت به سنة 1982 والذي وسعت به رقعة احتلالها لحزام بعمق يتراوح بين 10 و 30 ميلا ، بحيث بات يضم 171 بلدة وقرية. ودأب المسؤولون "الإسرائيليون" على نفي نيتهم البقاء في الجنوب اللبناني بصورة دائمة وتأكيد ان هذا الوجود مؤقت ويزول بزوال الضرورات الامنية التي استوجبته . لكن، اذا كان صحيحا ان "لاسرائيل" اهدافا امنية في الجنوب اللبناني فان هذه الحجج كانت تخفي دائما الحاجة المائية الكامنة وراء توسعها فيه وان الكثير من ممارسات الاحتلال في الجنوب لا يبدو من عوامل الضرورات الامنية واجتثاث المخاطر لضمان امن مستعمراتها الشمالية . لكن هذه الممارسات تجد تفسيرها المنطقي في سياق اضطرار "اسرائيل" الى الاستيلاء على موارد مائية جديدة خارج حدودها . وقد كان ابرز اجراءات الاحتلال بعد غزو سنة 1978، منـع المزارعين اللبنانيين من حفر ابار مياه جديدة واغلاق ابار قديمة (2) تماما كما فعل الاحتلال في الضفة الغربية بعد حرب 1967 ، من اجل توفير مياهها لتل ابيب ويافا وغيرهما من المدن الساحلية في "اسرائيل" . وليس الزهد الذي ابداه المسؤولون "الاسرائيليون" في مياه الليطاني بعد اجتياح سنة 1982 بحجة انه "مجرد مجرى شحيح عند النقطة الاقرب الى حدود "اسرائيل" ... فلا يستحق الذكر او المشقة الان " ، (3) سوى تغطية واهية للنيات الحقيقية لا يضاهيها في اثارة الريبة الا امتناع "اسرائيل" من اثارة اهتمامها بمقاسمة لبنان مياه الليطاني في المفاوضات اللبنانية - الاميركية - "الاسرائيلية" ، التي انبثق منها اتفاق 17 ايار / مايو 1983 . فهذا الزهد يتناقض مع تعليلات الحركة الصهيونية لاطماعها في مياهه، ومع الاجراءات والممارسات "الاسرائيلية" في الجنوب التي لا تتصل بالضرورات الامنية التي يدعيها الاحتلال.‏
لقد طالبت الحركة الصهيونية منذ سنة 1919 بتحديد حدود فلسطين من الشمال من عند نقطة على البحر الابيض المتوسط بالقرب من صيدا تتبع مصادر المياه لتشمل نهر الليطاني كله حتى منعطفه، وتتجه شمالا حتى جسر القرعون وتشمل راشيا وحاصبيا وقمم جبل الشيخ، لان مستقبل الدولة الصهيونية العتيدة سيعتمد على مدى وفرة الموارد المائية المتدفقة من منحدرات جبل الشيخ ومن نهري الليطاني والاردن (5) لكن تنازع المصالح الاستعمارية بين فرنسا وبريطانيا ادى الى رسم حدود فلسطين النهائية بصورة ابقت منابع نهري الحاصباني وبانياس خارج حدود فلسطين . وابقت نهر الليطاني من منبعه حتى مصبه ضمن حدود لبنان. وفي الواقع، كانت المنطقة الوحيدة التي اجبرت القوات الصهيونية على الجلاء عنها بعد حرب 1948 هي منطقة تضم اربع عشرة قرية لبنانية كانت احتلتها في عملية "حيرام" بهدف الوصول الى الليطاني، لان لبنان اصر على ان يكون خط الهدنة مع "اسرائيل" مطابقا على امتداده لخط الحدود الدولية (5) .‏
لكن على الرغم من هذه الاخفاقات فقد ظلت مياه الليطاني ، في نظر "اسرائيل" ، عنصرا دائم الوجود في خطط الخبراء بالشؤون المائية قبل قيام الدولة وبعده - من لاودرميلك سنة 1938 الذي وضع خطة الاستيلاء على مياه الحاصباني والليطاني وبانياس ، الى كوتون سنة 1934 الذي وضع خطط مفصلة تعطي "اسرائيل" حصة الاسد من مياه الليطاني ، الى "مؤتمر ارماند هامر للتعاون الاقتصادي في الشرق الاوسط" الذي عقد في تل ابيب مطلع حزيران / يونيو 1986 ، وطرح فيه مشروع تعاون ثلاثي بين لبنان والاردن و "اسرائيل" يتضمن شراء "اسرائيل" مياه الليطاني التي تصب في البحر وتحويلها من لبنان الى بحيرة طبريا والاردن والضفة الغربية ، على ان تستغل "اسرائيل" فوارق الارتفاع في التصريف لانشاء مساقط مياه في اراضيها لتوليد الطاقة الكهربائية (6) .‏
وقد اعتبرت "اسرائيل" مشروع الليطاني اللبناني ضربة اقتصادية لها ، ونظرت بخطورة الى مشروع لبنان لتحويل مياه ينابيع الحاصباني وشبعا في منطقة الحاصباني الاعلى الى حوض الليطاني لتخزينها في سد ميفدون في قضاء النبطية بموجب توصيات اول مؤتمر قمة عربي عقد سنة 1964 ، في سياق الصراع بشأن الموارد المائية، وقضت بالرد على المشروع "الاسرائيلي" بتحويل مياه نهر الاردن، واسترداد مياه روافده الى الاراضي العربية. وتعرض لبنان لسلسلة اعتداءات "اسرائيلية" ، حرصت "اسرائيل" على تبريرها بحجة ان لبنان مسؤول عن "اعمال ارهابية" تنطلق من اراضيه (7) لكن غارات سلاح الجو "الاسرائيلي" سنة 1965 استهدفت ، بين ما استهدفته ، العمال اللبنانيين الذين كانوا يعملون في ورشة بناء سد الحاصباني. (8) وما فشلت "اسرائيل" في كسبه بالمفاوضات (مشروع المبعوث الاميركي اريك جونستون في الخمسينات) استولت عليه بالقوة ، فقد اكملت مشروع تحويل مياه نهر الاردن الى النقب في الجنوب بواسطة القناة القطرية، التي تعتبر العمود الفقري لشبكة مياه "اسرائيل" ، وعرقلت تنفيذ المشروع العربي المضاد بالقوة العسكرية لتصبح مياه الاردن وروافده ومياه الضفة الغربية فيما بعد تحت سيطرتها بعد حرب 1967.‏
لكن هذا التوسع الاقليمي الذي غنمت "اسرائيل" منه موارد مائية جديدة لم يحل مشكلتها نهائيا ، فقد ظلت تعيش على شفير ازمة مائية. وعندما بلغ استهلاك "اسرائيل" السنوي من المياه 1750 مليون متر مكعب سنة 1986 ، كان خبراء المياه يتوقعون ان يزداد استهلاكها السنوي الى 2500 مليون متر مكعب سنة 2000 وان تتفاقم ظاهرة النقص في شبكة مياه نهر الاردن، في الاردن والضفة الغربية و "اسرائيل" خلال التسعينات ، الى حد نشؤ خطر مواجهة عسكرية في شأن الموارد المائية، قد تتعدى الاردن و "اسرائيل" لتشمل الدول العربية المجاورة لحوض الانهر الاساسية في المنطقة (9) .‏
استهلاك بالاستدانة‏
ان النظام المائي في "اسرائيل" الذي كان يعمل في النصف الاول من الثمانينات على نسبة 95% من طاقة الموارد المائية ، بسبب نسبة الاستهلاك المتزايدة باستمرار، والذي لا يترك سوى هامش 80 مليون متر مكعب من المياه في منطقة معرضة لتقلبات موسمية (10) اصبح يعمل على اساس الاستدانة في النصف الثاني من الثمانينات.‏
ففي "اسرائيل" 4.3 ملايين نسمة يستهلكون 2145 مليون متر مكعب من المياه في السنة، يذهب منها 1445 مليون متر مكعب (اكثر من الثلثين) الى القطاع الزراعي، 435 مليون متر مكعب للاستهلاك المنزلي والمدني، و 100 مليون متر مكعب الى الصناعة ، و 105 مليون متر مكعب الى الضفة الغربية، و 60 مليون متر مكعب نقص (اي الكمية التي لا تعيدها الطبيعة دوريا). وكانت "اسرائيل" تسحب 950 مليون متر مكعب من جوف الارض، و 600 مليون متر مكعب من بحيرة طبريا ، و 90 مليون متر مكعب من مياه الفيضانات، و 60 مليون متر مكعب من مصادر اخرى، و 200 مليون متر مكعب من مصادر مستقلة مثل خزانات لاستيعاب مياه الفيضانات ، ومياه الينابيع والجداول ، وتحلية المياه المالحة، وهذا يعني ان مرفق المياه يعاني نقصا بنحو 250 مليون متر مكعب من المياه في السنة (11) ويعني الانفاق اكثر من الدخل الاستدانة . وتعني الاستدانة هنا السحب الزائد الذي يؤدي الى جفاف الينابيع او اصابتها بالملوحة . فالسحب الزائد يؤدي الى انخفاض منسوب الطبقات الجوفية المائية فتتسلل اليها مياه البحر المالحة. ومن الصعب اعادة هذه الطبقات الجوفية الى طبيعتها السابقة اذا اصيبت بالملوحة . وقد ادى السحب "الاسرائيلي" الزائد في المنخفض الساحلي، خلال سنوات الجفاف ( وكانت سنة 1983 استثناء) ، الى اصابتها بالملوحة ، بالاضافة الى تلوث المياه الجوفية في هذا الجزء من البلد نتيجة استخدام الاسمدة وتسرب مياه المجاري ونفايات المدن . (12)‏
وبينما تعترف شركة مكوروت للمياه بان الهوة القائمة اليوم بين مخصصات المياه العذبة وبين قدرة انتاج معامل الشركة المرتبطة بالقناة القطرية، تبلغ نحو 180 مليون متر مكعب من المياه (13) يقول خبراء المياه ان العجز في ميزان المياه بلغ حد سنة استهلاك كاملة وربما اكثر من ذلك (14) لكن الاهم ان المشكلة جوهرية لا موسمية ، وان اسرائيل قد استخدمت استخداما تاما، ومنذ الثمانينات، المياه السطحية ضمن حدودها القديمة، والمياه التي استولت عليها من العرب منذ الستينات، ولم تعد المياه الجوفية العذبة متوفرة، (15) مما اضطرها الى تقليص سحب المياه من الطبقات الجوفية بسبب تسرب الملوحة اليها، " ولم يبق لها من مصدر اخر سوى البحر" ، (16) او استخدام قوتها العسكرية للاستيلاء على موارد مائية جديدة.‏
ولقد اوصى المخططون المائيون "الإسرائيليون" منذ الثمانينات بضرورة التركيز على محطات تحلية المياه، وايجاد السبل الكفيلة بزيادة طاقة معامل تكرير المياه المستعملة لاستباق تفجر المشكلة بسبب مستويات الاستهلاك الاعلى . لكن تكلفة البدائل التقنية باهظة الى حد يجعلها محرمة، وخصوصا اذا ما قيست بوجود "اسرائيل" على ضفاف الليطاني. فمعالجة المياه المستعملة ومياه المجاري تبقى مشاريع طويلة الامد اذا ما نجحت ، وتعطي الزراعة بين 150 مليون متر مكعب و 200 مليون متر مكعب في السنة (17) فالصعوبات التقنية تحد من كميات المياه المعالجة التي تستطيع ان تنتجها معامل التكرير، وبالتالي لا يمكنها ان تسد النقص . اضف الى ذلك ان تكلفة المتر المكعب الواحد من المياه المعالجة تبلغ 6-8 اضعاف تكلفته من المياه الطبيعية، اما تكلفة المتر المكعب الواحد من المياه التي ازيلت ملوحتها فتبلغ 12-16 ضعفا. (18) فتكلفة المياه المحلاة تتراوح بين دولار واحد ودولارين ونصف الدولار للمتر المكعب الواحد . وهذا يعني ان تكلفة التزود بـ700 مليون متر مكعب من هذه المياه تتراوح بين 1.2 و 1.8 مليار دولار في السنة. (19) اذن كي تستخدم "اسرائيل" مياه البحر عليها ان تحمل اقتصادها عبئا سنويا بهذا الحجم، وهو في ضائقة واضحة المعالم : معدلات تضخم عالية جدا، تخفيض منتظم للعملة، ازدياد منتظم للعجز في الميزان التجاري بحيث ان الدخل من التصدير يغطي اقل من نصف الانفاق على التصدير ، معدل نزوح يفوق الهجرة حتى نهاية سنة 1989 ، اعتماد متزايد على المساعدات الاميركية اكبر مما تبينه المعطيات الرسمية . (20)‏
اغراء الليطاني‏
لقد جندت "اسرائيل" فريقا من الخبراء يضم 60 مهندسا واقتصاديا وخبيرا بالشؤون المائية لدراسة المشكلة ، ووضع التوصيات وتضمن التقرير الذي رفعه هؤلاء الى المعنيين، اواخر سنة 1988 ، استنتاجهم ان مرفق المياه في "اسرائيل" وصل الى منعطف ، ويتطلب فحصا جديدا للمعطيات والفرضيات الاساسية التي ادير هذا المرفق بموجبها، كما يتطلب تخطيطا جديدا لتطويره ، لان المشكلة تفاقمت الى حد يبدو فيه الجفاف اقرب الى "اسرائيل" من اي وقت مضى ، ولان الاستمرار في السياسة المائية الحالية سيلحق الضرر البالغ بمصادر المياه، ويعرض مستقبل البلد للخطر، ويورث الاجيال المقبلة ارضا قاحلة. (21)‏
وازاء العبء الكبير الذي تليه البدائل المائية التقنية على اقتصاد "اسرائيل" غير المستقر، فقد بدا واضحا منذ استشفاف الازمة المائية اوائل الثمانينات، ان البدائل المائية المهمة الوحيدة الاخرى هي خارج حدود "اسرائيل" ، وتفترض الاعتماد على قوتها ، مياه الليطاني في لبنان ، مياه اليرموك الذي يتدفق الى الاردن بالقرب من تقطة اتصال الحدود اللبنانية - "الاسرائيلية" - السورية السابقة لحرب 1967 . وبالتالي امام "اسرائيل" احد خيارين ، اما ان تقدم على تحويل مياه الليطاني الى اراضيها ، واما ان تزيد في حصتها من مياه اليرموك . (22)‏
واشكالية خيار اليرموك هي التي تزيد في اغراء الليطاني بالنسبة الى "اسرائيل" ، فالاستغلال الكبير لمياه اليرموك في المشاريع الزراعية السورية ، وخصوصا في منطقة حوران ، وفي مشاريع الري الاردنية، يحول دون ان تزيد "اسرائيل" في حصتها منه باجراء من جانب واحد ، وكانت "اسرائيل" قد حاولت ، مطلع الثمانينات ، ان تزيد في حصتها من مياه اليرموك الى 180 مليون متر كعب في السنة بوساطة الولايات المتحدة لكن مساعي البعثة الاميركية التي ترأسها فيليب حبيب سنة 1980 ، لدى عمان ، باءت بالفشل ، والتوترات التي نشأت بين الاردن وسوريا من جهة وبين "اسرائيل" من الجهة المقابلة، بسبب مشروع سد اليرموك ، قد تتفاقم اذا ما حاولت "اسرائيل" زيادة حصتها بعملية عسكرية، مثل تدمير سد المقارن الاردني وتتحول الى مواجهة مسلحة مع دول حوض الانهر الاساسية في المنطقة (23) وكان نائب وزير الزراعة "الاسرائيلي" ، ابراهام كاتس - عوز ، قد قال ان هذا المشروع الذي يحرم "اسرائيل" 70 مليون متر مكعب من المياه في السنة ويزيد في ملوحة مياه نهر الاردن التي تستغلها، "سيؤدي الى نشوب حرب مائية في الشرق الاوسط اذا نفذ " (24) وهكذا يبدو خيار الاستيلاء على الليطاني الخيار الافضل بالنسبة الى "اسرائيل" ، من خيار مواجهة عسكرية مع العرب ، مع ما ينطوي عليه من تكاليف اقتصادية وعسكرية وسياسية، وخصوصا انها تستطيع ان تزيد في مواردها المائية بنسبة 50% اذا حولت مياه الليطاني الى اراضيها . (25)‏
ان الاهداف المائية "الاسرائيلية" كانت في صلب حملة "اسرائيل" على مرتفعات الجولان واحتلالها. فقد ضمن لها هذا الاحتلال حماية منشات سحب المياه عند بحيرة طبريا، واستباق اي مجهود عربي محتمل لاستعادة مياه الاردن العلوي الى الاراضي العربية او تطوير اليرموك. لكنه اعطاها ايضا نقطة انطلاق الى نهر الليطاني الذي يمكن ان تحول 400 مليون متر مكعب من مياهه الى اراضيها ، بل ان تحول 800 مليون متر مكعب - اي كامل تدفقه السنوي تقريبا - اذا سيطرت على سد القرعون او دمرته . (26)‏
والى جانب الخطة الاساسية القديمة لتحويل مياه الليطاني الى "اسرائيل" ، درس المهندسون "الاسرائيليون" طرائق تحويل مختلفة منذ ذلك الحين ، فقد تضمن مشروع السنوات العشر المائي "الاسرائيلي" لتحويل مياه نهر الاردن وروافده، والذي شرع في العمل فيه سنة 1956 ، خطة لتحويل مياه الليطاني عبر وادي الحولة المجفف الى شبكة مياه "اسرائيل" بواسطة قنوات خاصة . وقد اعترف رئيس حكومة "اسرائيل" في حينه ، ليفي اشكول ، بوجود هذه القنوات منذ سنة 1967 (27) .وفي اوائل السبعينات ، تضمن تقرير لمنظمة الاغذية والزراعة الدولية الفاو معلومات عن اقدام "اسرائيل" على نصب معدات تحت الارض على مسافة من حدودها مع لبنان لسحب المياه الجوفية من منطقة الجنوب . (28) وتأكدت الغاية من ذلك بعد عملية الليطاني سنة 1978 ، عندما منع الجيش "الاسرائيلي" المزارعين اللبنانيين من حفر ابار مياه جديدة واغلق بعضها القديم ، واقدامها على طمر انابيب ومعدات تحت الارض في منحدر بالقرب من مرجعيون ، بحسب شهادة مراقب عسكري اميركي، (29) مما اشار الى امكان كونها تسحب المياه سرا من الطبقة الجوفية المائية الواسعة في سهل المرج (وهو امتداد لسهل البقاع ، ويسمى ايضا سهل الخيام) ، التي تتغذى من تسرب مياه نهري الليطاني والحاصباني والينابيع الجوفية في منطقة جبل الشيخ ، وقد طمرت هذه الانابيب والمعدات ، في الواقع في مطار عسكري قديم اقامه البريطانيون في الحرب العالمية الثانية واعادت "اسرائيل" تعبيده ووسعته في خريف سنة 1983 (30) كما ان احتلالها لما سمي المنطقة الامنية آنذاك ، وفر لها السيطرة على نهر الوزاني الذي يجري من لبنان جنوبا الى الارض المحتلة، وتنفيذ مشروع على الاراضي اللبنانية لزيادة معدل تدفق مياه الحاصباني الى اراضيها .‏
وقد ظهر اهتمام غريب بشراء العقارات في المنطقة الحدودية في الجنوب اللبناني بعد عملية الليطاني، والاراضي التي كانت معروضة للبيع بقيمة 10-15 ليرة لبنانية للمتر الواحد بيعت بقيمة تزيد على 150 ليرة لبنانية للمتر . وقد اكدت مصادر مصرفية وعقارية لبنانية هذه الظاهرة آنذاك ، ودخول عشرات الملايين من الليرات الى لبنان بين آذار / مارس 1978 وآذار / مارس 1979 ، لشراء الاراضي هناك من قبل جهات غير لبنانية. كما ذكرت مصادر استخباراتية ان هذه الاراضي تقع في نتؤ جغرافي يشرف على نهر الليطاني وسده، وتسيطر عليه ميليشيا سعد حداد التابعة "لاسرائيل" ، ويذكر انه، في تلك الآونة كان النقص في مرفق المياه "الاسرائيلي" يتفاقم، وكان المسؤولون في منظمة الامم المتحدة يؤكدون ان السحب الزائد للمياه الجوفية في النقب وفي الضفة الغربية سيزيد في ملوحتها ، ويجعلها غير صالحة للاستعمال في النصف الثاني من الثمانينات، الا بعد معالجتها في معامل التكرير. (31)‏
ان تفحص غزوات "اسرائيل" للبنان واحتلالها اجزاء منه منذ ما يزيد على اثني عشر عاما، ضمن هذا السياق ، ويوضح الهدف المائي الذي يتجاوز التعليلات الامنية ، فالجيش "الاسرائيلي" بات في مواقع داخل الارضي اللبنانية تمكنه من تحويل مياه الليطاني وجرها نهائيا الى "اسرائيل" اذا قررت العمل على مثل هذا الحل لمشكلتها المائية المتفاقمة فاذا قيس الحزام الامني المحتل الذي يتراوح عمقه بين 10 اميال و30 ميلا عند نقاط مختلفة ، من النتؤ الجغرافي "الاسرائيلي" حول مستعمرة المطلة، فانه يصل الى شمالي السد الاساسي على نهر الليطاني، ويضم السدود وبوابات التحكم في تدفق المياه وغيرها من المنشات اللازمة لادارة النهر ، وقد احتل الجيش "الاسرائيلي" في بداية اجتياح سنة 1982 ، بلدة دير عين الجوزة التي تسيطر على نهر الجوزة الصغير الذي يصب في بحيرة القرعون (32) وفي السنة الفائتة اقدمت "اسرائيل" على مد انابيب يبلغ قطرها 6 أنشأت ، من "نبع العين" المتفرع من هذا النهر، بحجة تزويد قرى منطقة حاصبيا المحتلة بالمياه. (33)‏
وكان اول ما فعله "الاسرائيليون" لدى بلوغهم سد القرعون الاستيلاء على خرائط المسح والسبر الجيولوجي والمعلومات التقنية الخاصة بالنهر والسد ومنشاته. (34) وبحسب رئيس مصلحة الليطاني في حينه ، كمال خوري ، فقد اجروا بدورهم عمليات مسح وسبر ، وخصوصا فيما يتعلق بامكان حفر قناة تحويل تقع عند اقرب نقطة لليطاني من حدود "اسرائيل". (35) وعزز هذا القول شهادة ضباط وجنود من القوة النرويجية في يونيفيل ، على قيام جرافة عسكرية "اسرائيلية" بشق طريق منحدرة على ممر المياه الصخري بالقرب من دير ميماس في كانون الثاني / يناير 1983 ، وقيام فريق هندسي فيما بعد بغرز قضبان حديدية في نتؤات الصخور لاجراء عملية السبر . (36) وقد اعترف وزير العلوم "الاسرائيلي" في حينه يوفال نئمان بالمر، واكد مهندس معهد التخنيون دافيد كرميئيلي، وهو مصمم مشاريع مائية في "اسرائيل" ، ان اية عمليات لتحويل مياه لبنان الى "اسرائيل" ستكون تحت السيطرة العسكرية ، وبالتالي من الاسرار العسكرية . (37)‏
امكان تحويل الليطاني‏
وفي تقدير خبراء لبنانيين فان "اسرائيل" تستطيع ، من الناحية التقنية ، ان تجر مياه الليطاني عندما ينعطف غربا عند نقطة الخردلي بين يحمر ودير ميماس ، حيث يبلغ معدل تدفقه السنوي 650 مليون متر مكعب ، وذلك بواسطة نفق طوله 8 كيلومترات، اما بتدفق المياه طبيعيا الى طبريا، واما بجرها الى سد بيت نطوفة في الارض المحتلة ، ومن هناك الى القناة القطرية "الاسرائيلية" لايصالها من ثم الى النقب في الجنوب ، وانه يمكن اقامة المنشات اللازمة في مدة عامين . (38)‏
لكن في تقدير مهندسين مائيين آخرين ان تحويل "اسرائيل" لمياه الليطاني من اقرب نقطة لمجراه من حدودها ينطوي على صعوبات طوبوغرافية، واقتراب النهر من حدودها مضلل ، فعلى الرغم من ان النهر يجري على مسافة نحو كيلومترين من قلعة الشقيف القريبة من الحدود، فان "اسرائيل" لن تستطيع ان تحول سوى جزء ضئيل من تدفقه السنوي . وتحويل مياه الليطاني بصورة فعالة يجب ان يتم من عند نقطة بالقرب من سد القرعون حيث يبلغ معدل التدفق السنوي 700 مليون متر مكعب من المياه، وهذا يعني ان على "اسرائيل" ان تسيطر سيطرة فعلية على كامل الجزء الجنوبي من وادي البقاع ومعظم الجنوب اللبناني جنوبي نهر الزهراني وتحتفظ بها، لان ممر مياه الليطاني ما ان ينطلق من الوادي المركزي نحو الحدود "الاسرائيلية" حتى يصبح سحيقا وشديد الاندفاع ينخفض قاعه بسرعة الى ان ينعطف غربا الى ما وراء الخردلي، واذا كان في الامكان ، نظريا ، جر المياه من هناك بواسطة نفق طوله كيلومتران او اربعة كيلومترات يربط الليطاني بنهر الاردن العلوي، لضخ مياهه من هناك الى القناة القطرية "الاسرائيلية" ، فان هذا لا يتيح سوى نقل جزء ضئيل من مجمل تدفقه السنوي. (39)‏
ان المنطقة التي تحتلها "اسرائيل" من الجنوب اللبناني تلبي مواصفات المنطقة الامنية العازلة بالنسبة الى "اسرائيل" ، التي تستطيع ان تصد وتحبط العمليات الفدائية خارج حدودها على الاراضي اللبنانية، بدروع وادوات لبنانية تتمثل في "جيش لبنان الجنوبي" ، الذي يقوده انطوان لحد. وقد اصبح هذا الحزام اخر حلقة في خط الدفاع الذي احاطت "اسرائيل" به نفسها : نهر الليطاني واوديته السحيقة في الشمال، الجولان ووادي الاردن في الشرق، صحراء سيناء في الجنوب ، البحر الابيض المتوسط في الغرب . لكن تساوق الهدف المائي مع الهدف الامني كان واضحا منذ حرب 1967 ، فاحتلال مرتفعات الجولان آنذاك وفر "لاسرائيل" السيطرة على نقطة انطلاق الى الليطاني، كما وفر لها الحزام الامني الموسع منذ حرب 1982 السيطرة على الامتداد السفلي لنهر الليطاني الذي يجري من الشرق الى الغرب في الجنوب اللبناني على مسافة 20 ميلا من معظم الحدود "الاسرائيلية". وعندما بلغ رئيس حكومة "اسرائيل" في حينه ، شمعون بيرس، الكنيست "الاسرائيلي" استكمال "اسرائيل" انسحابها الجزئي من الجنوب اللبناني في حزيران / يونيو 1985 ، وزعم ان هذه الخطوة "تضع حدا للاخبار الملفقة التي تشاع عن اطماع "اسرائيل" في اجزاء من لبنان او في مياه انهاره"، (41) كانت "اسرائيل" قد اتمت وصل شبكة مياه القرى الحدودية التي تتغذى من مياه الليطاني، بشبكة مياه الجليل في "اسرائيل"، (42) وكانت ورش شركة مكوروت تعمل في الجنوب اللبناني. (43)‏
سياسة الارض المحروقة والقضم‏
ان امعان الجيش "الاسرائيلي" في التدمير المنهجي للاقتصاد المحلي وللبنية التحتية في الجنوب اللبناني، منذ اواسط السبعينات مرورا بعملية الليطاني واجتياح سنة 1982 ، لا يعود يبدو اعتباطيا اذا وضع في سياق هدف "اسرائيل" المائي من احتلالها في لبنان . فاستراتيجيتها تتضمن عنصرين رئيسيين : 1- تفريغ المناطق التي تحتلها في الجنوب من اكبر عدد ممكن من السكان ، 2- الاحتفاظ بالجزء الجنوبي الشرقي المفرغ من سكانه الى اقصى مدة ممكنة لضمان تنفيذ اعمال البناء الواسعة النطاق التي تتطلبها الخطط الهندسية لتحويل مياه الليطاني الى اراضي "اسرائيل". (44) وهذان الشرطان يفسران سياسة الارض المحروقة التي انتهجها الجيش "الاسرائيلي"، واشكال القمع والتضييق التي يمارسها ضد السكان المحليين، وانعدام التساوق الذي كان ظاهرا بين الاعتداءات "الاسرائيلية" والعمليات الفدائية الفلسطينية . فقد كان القصف المدمر عشوائيا الا عندما كان الامر يتعلق بعملية محددة الهدف ضد موقع للفدائيين. وكانت الاصابات مدنية في اكثريتها الساحقة. ولم يكن الهدف الامني المعلن، القاضي بتصفية وجود المقاومة الفلسطينية في الجنوب اللبناني، متناقضا مع هذه الاستراتيجية المائية بل كان مطلبا اساسيا لها . وقد نجحت "اسرائيل" في تهجير نحو 150 الفا من سكان الجنوب اللبناني رحلوا عن قراهم هربا من النار والدمار والحرمان والعقوبات الجماعية التي يفرضها الاحتلال على قرى باكملها، بالاضافة الى ابعاد مئات آخرين.‏
وعندما قدمت الحكومة اللبنانية احتجاجا رسميا الى مجلس الامن الدولي في اب / اغسطس 1984 ، على حفريات تجريها "اسرائيل" بين حدودها ونهر الليطاني على خط يشير الى نية حفر قناة لتحويل المياه من لبنان، كانت الورش "الاسرائيلية" تنشط في القطاع الشرقي في مشاريع حرصت "اسرائيل" على اعطائها طابعا امنيا خدماتيا. (45) فقد تعززت الشكوك في اهداف "اسرائيل" المائية عندما قام الجيش "الاسرائيلي" في 16 اب / اغسطس 1984 ، بتسييج منطقة يبلغ طولها كيلومترا واحدا حول مصادر نهر الوزاني، ومنع مراقبي الامم المتحدة من الاقتراب من هذه المنطقة (46) وذلك لان "الاسرائيليين" الذي يستغلون مياه الوزاني والحاصباني استغلالا كاملا كرافد لنهر الاردن يمر عبر بحيرة طبريا، قد سبق ان اعترفوا بانهم يجربون خططا لتحويل مياه النهرين عبر انابيب تحت الارض، الى قناة استراتيجية تتجنب بحيرة طبريا التي اصبحت نسبة ملوحتها عالية . (47)‏
ويبدو ان الامر تجاوز مرحلة تجربة الخطط الى مرحلة التنفيذ . فقد اقدمت "اسرائيل"، السنة الفائتة، على تسييج عدة هكتارات اخرى حول الوزاني، ومدت قنوات من النبع في اتجاه الشمال بحجة ري قرى منطقة العرقوب داخل الحزام الامني المحتل . (48)‏
وقد ترافقت سياسة تدمير البنية الاقتصادية والبنية التحتية المحلية وسياسة تهجير السكان مع عمليات قضم للاراضي اللبنانية، بدأت منذ الاعتداءات الاسرائيلية على منطقة العرقوب وشبعا خلال حرب 1967 ، عندما استولت "اسرائيل" على عدد من المزارع ، ثم ضمته بواسطة شريط شائك سنة 1972 ، وظلت مستمرة حتى يومنا هذا .‏
ففي نيسان / ابريل 1989 ، استكملت "اسرائيل" اغتصاب مزارع شبعا الاربع عشرة المنتشرة على السفوح والهضاب الجنوبية الغربية لجبل الشيخ، وتمتد من بلدة المجيدية الى بلدة شبعا، على مساحة 40 كيلومترا مربعا تقريبا. وكانت اخر عملياتها تلك الاستيلاء على مزرعتي بسطرة وفشكول وطرد ثلاثين عائلة من شبعا بعد ان فشلت سياسة الترغيب والترهيب في حمل المزارعين على التخلي طوعا عن اراضيهم ، وتسليم جيش الاحتلال سندات ملكية اراضيهم في مقابل تعويضات موعودة. واصبحت بلدة شبعا محرومة من نحو 20 الف دونم من الاراضي الزراعية الخصبة المزروعة بآلاف اشجار الزيتون والكرمة، ومن مساحات واسعة من المراعي الخضر التي تفيد في اشتاء نحو عشرة آلاف رأس من الماشية . (49)‏
وقد طاول الضم "الاسرائيلي" آلاف الدونمات من الاراضي اللبنانية في مناطق اخرى، المنطقة الممتدة من سفوح جبل الشيخ في اتجاه الاراضي اللبناني، المنطقة المحاذية لدير ميماس على امتداد الحزام الامني، الاراضي الممتدة من كفركلا الى مركبا ، الارض القائمة على امتداد حدود قرية ميس الجبل، الاراضي بين بليدا وعيترون، المعروفة باسم "منطقة الكيلو 9" ، حرج مارون الراس، مساحات من اراضي قرية رميس، مساحات من اراضي قريتي عيتا الشعب وعلما الشعب، مساحة من الاراضي الواقعة غربي مستعمرة روش هانيكرا، اراض في منطقة مرجعيون تبلغ مساحتها 20 كيلومترا مربعا، بين حولا وميس الجبل ، وضع اليد على غابة من شجر الصنوبر في المنطقة ما بين الهبارية وراشيا الفخار. (50)‏
مصير الحزام المائي‏
ان كون "اسرائيل" تستغل مياه الحاصباني والوزاني، وتسحب المياه من جوف ارض الجنوب اللبناني الى اراضيها ، لم يعد مسألة قابلة للطعن فيها . (51) واحتلالها لمنطقة الحزام الامني الغنية بالمياه ، والذي يوفر لها السيطرة على نحو 30 ميلا من مجرى نهر الليطاني ، يتيح لها ضخ مياهه ونقلها الى اراضيها . وكونها اصبحت تستغل هذا الامكان لم يعد - ايضا- مسألة قابلة للطعن فيها . (52) والمسألة المطروحة اليوم هي : ماذا بعد كل هذا ؟ "فاسرائيل" التي اصبحت مهددة فيما تسميه امنها المائي ، وهي تبحث عن مورد مائي جديد خارج حدودها ، لن تكتفي بضخ المياه من مجرى الليطاني ضمن الحزام المحتل، ونقلها بالصهاريج الى اراضيها . فهذه العملية يمكن ان تعتمد كتدبير موقت يسد حاجات طارئة لا كحل لمشكلة اساسية لانها عملية مكلفة ولا تؤمن سوى كميات محدودة جدا . والتدابير المؤقتة لمواجهة مشكلة ما ، هي عادة اجراءات تسبق خطط حلها . وهذا ما يجعل خطر اقدام "اسرائيل" على تحويل الليطاني خطرا حقيقيا وداهما اليوم .‏
فقد اصبحت حاجة "اسرائيل" الى الاستيلاء على الليطاني حاجة مضاعفة اليوم بدخول مرفق مياهها حدود الخط الاحمر. فبالاضافة العجز في مرفق مياهها الذي كان متوقعا ، في اية حال، مطلع التسعينات فان "اسرائيل" هي اليوم في طور استيعاب طلائع هجرة جماعية جديدة تتوقع ان يصل حجمها الى مليون مهاجر يهودي في النصف الاول من هذا العقد . وسيفاقم استيعاب هذا الحجم السكاني الاضافي . والحاجة الى مواصلة المشاريع الاستيطانية والتطوير الزراعي . مشكلتها المائية ويكفي ان نعرف ان "اسرائيل" بوسائلها الزراعية المعتمدة تحتاج الى 100.000 متر مكعب من المياه في السنة لري نحو 4 آلاف متر مربع من الاراضي المزروعة كي نقدر حقيقة سعيها اليوم لتأمين مورد مائي اضافي خارج حدودها الحالية. فالبدائل التقنية ، الى جانب محدودية انتاجها من المياه، تكلف بضعة مليارات من الدولارات في السنة، الامر الذي يشكل عبئا لا يحتمل على الاقتصاد "الاسرائيلي" المنهك ، وبديل اليرموك ينطوي على مضامين عسكرية واقتصادية وسياسية ، تفترض ان تكون "اسرائيل" مستعدة لخوض حرب واسعة النطاق مع عدد من الدول العربية، وتحمل مضاعفاتها ، بينما يكسبها الاستيلاء على الليطاني عدة مئات الملايين من الامتار المكعبة من المياه في السنة ، وهذه غنيمة استراتيجية بالنسبة الى "اسرائيل" تترتب عليها مضاعفات خطرة بالنسبة الى لبنان .‏
يترتب على استيلاء "اسرائيل" على مياه الليطاني نتائج اقتصادية مدمرة،: فسد الليطاني ينتج ثلث الطاقة الكهربائية التي تزود بها مدينة بيروت وعدد من المدن الساحلية الاخرى، ومياه الليطاني تروي المدن الساحلية ومناطق في سهل البقاع وفي الجنوب اللبناني، والاحتلال "الاسرائيلي" في لبنان عامل اساسي من العوامل التي حالت ولا تزال تحول دون اكمال المرحلة الثالثة من مشروع الليطاني التي، اذا نفذت، ضمنت ري المنطقة الجافة جنوبي الليطاني بواسطة مشروع سد في منطقة جسر الخردلي، وخزان لحفظ المياه جنوبي مدينة مرجعيون، معقل "جيش لبنان الجنوبي" التابع "لاسرائيل". ويؤكد الخبراء اللبنانيون ان أي مشروع "اسرائيلي" لتحويل مياه الليطاني الى الاراضي "الاسرائيلية" قد يكلف الليطاني على الاقل 3.5 مليارات قدم مكعبة من المياه في السنة، ومن شأن خسارة بهذا الحجم ان تعطل القدرة اللبنانية على الري الفعال للمنطقة الجافة جنوبي الليطاني ، وتحول معظم المنطقة الى صحراء في نهاية الامر ، ومن شأن مشروع "اسرائيلي" من هذا النوع ان يقطع المياه الصالحة للشرب، كليا او جزئيا ، عن 80 او 100 قرية، وان يقطع مياه الري عن نحو 50 الف دونم من الاراضي الزراعية ، ويفقد مشروع الليطاني قيمته وهو المشروع الذي يعول على تنفيذه بمراحله كلها، لاحداث تغيير جذري في اسس الزراعة القديمة في الجنوب اللبناني، فيطورها من زراعة المحاصيل الموسمية القليلة المداخيل ، والتي تشجع على هجرة ابنائه، الى زراعة مخططة تعطي المردود الوافي اقتصاديا الذي يكفل بقاء السكان على اراضيهم والارتباط بها .‏
اما النتائج على الصعيد السياسي فلن تكون اقل فداحة . فاستيلاء "اسرائيل" على الليطاني سيكون غنيمة استراتيجية لا تقل اهمية عن غنيمتها من مياه الضفة الغربية التي احتلتها قبل نحو ربع قرن . واذا كان من عبرة في احتلال "اسرائيل" للضفة الغربية فهي ان استيلاءها على الموارد المائية فيها، الذي يوفر لها ما بين 35% و 40% من حاجاتها من المياه في السنة، هو عامل اساسي من عوامل تمسكها بها قلما يذكر في العلن ، لكن لا يكاد يخلو أي مشروع من مشاريع الحلول الخاصة بمستقبل المناطق المحتلة وسكانها التي تصوغها مؤسسات معنية في الولايات المتحدة و"اسرائيل" ، من وقفة امام مسألة الموارد المائية فيها ومصيرها، وهل تكون خاضعة لسيطرة "اسرائيلية" - فلسطينية مشتركة او لسيطرة "اسرائيل" وحدها ، فقد اصبحت مياه الضفة الغربية بالنسبة الى "اسرائيل" جزءا لا يتجزأ منها نتيجة ارتباط نظامها المائي بها، وهي لن تتخلى عن الضفة الغربية طوعا ، من دون ضمانات اكيدة تؤمن لها القدرة على مواصلة الحصول على ما تحتاج اليه من مياهها، او الحصول على مورد بديل اخر في المنطقة يعوضها من موارد الضفة المائية ويزيد - ونهر الليطاني اللبناني من منبعه الى مصبه هو المرشح الاول على ما يبدو.‏
وكما ان غنيمة مياه الاراضي العربية المحتلة منذ سنة 1967 عقبة اساسية امام اية تسوية سياسية تقضي بانسحاب "اسرائيلي" منها - وهي بهذا المعنى تشكل حافزا على الحرب ايضا - فان غنيمة مياه لبنان تشكل عقبة اساسية في وجه أي مسعى سياسي لتحقيق انسحاب "اسرائيلي" من الجنوب اللبناني لان "اسرائيل" ستصر على تضمين أي اتفاق بهذا المعنى شروطا بمقاسمة لبنان مياه الليطاني كما ان هذه الغنيمة عامل اساسي من عوامل استمرار التدخل "الاسرائيلي" في الصراعات الداخلية اللبنانية . واكثر من ذلك، فان نية "اسرائيل" السيطرة الكاملة على نهر الليطاني، التي تضمن لها زيادة مواردها المائية بنحو 5% وحل مشكلة العجز في مرفق مياهها، تشكل حافزا على الحرب ايضا ، فتحويل مياه الليطاني الى "اسرائيل" يفترض ، في رأي الخبراء ، سيطرة "اسرائيل" على سد القرعون او تدميره، وهذا الامر يتطلب عملية عسكرية واسعة النطاق ضد لبنان شبيهة باجتياح سنة 1982 ، ولا يمكن ان يفهم من امتناع "اسرائيل" من اثارة رغبتها في مقاسمة لبنان مياه الليطاني في المفاوضات اللبنانية - الاميركية - "الاسرائيلية" سنة 1983 ، سوى انها تضمر الاستيلاء على الليطاني، وانها تراهن على استمرار الاوضاع المؤاتية لاستمرار احتلالها ، فهذه الاوضاع كفيلة بان ينتهي لبنان الى التقسيم، فتسهل امام "اسرائيل" عملية فرض الاتفاقات المائية وغير المائية مع محميتها في الجنوب، وربما مع غيرها ايضا.‏
--------------------------------------------------------------------------------‏
الهوامش‏
1- Thomas Stouffer ,"Arab Waters in Israeli Calculations: The Benefits of War and the Costs of Peace, " in Abdel Majid Farid and Hussein Sirriyeh (eds) ,Israel and Arab Water (london:Ithaca Press. 1985) pp. 76-77‏
2- بحسب ضباط نروجيين في :‏
John Cooley, The Tribune International , june 10, 1983‏
3- Joe Stork , "Water and "Israel`s" Occupation Strategy, MERIP Report, July-August, 1983, p.24‏
4- نكديمون روغيل ، "الاهداف الاقليمية للحركة الصهيونية ، "كيفونيم" ، العدد 33 ، تشرين الثاني / نوفمبر 1986 ، ص 62.‏
5- المصدر نفسه، ص 65.‏
6- "دافار" ، 1/6/6891‏
7- مؤسسة الدراسات الفلسطينية وقيادة الجيش اللبناني، "القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني" (بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية ووزارة الدفاع الوطني ، 1973)؟ ص 531.‏
8-البرلماني اللبناني ريمون اده في : Lelei Lelaulu, " The Land and Water," The Middle East , May 1979 , p.44‏
9- الياهو سلبيتر ، " والان : ازمة مياه ايضا" "هارتس" ، 2/7/1986‏
10- Stork, op. 19-20‏
11- تبيدي برويس، "ارض المياه القليلة"، ملحق دافار الاسبوعي ، 23 - 30 / 1/1987‏
12- عوديد شورير، " لنستخرج المياه من الحجر" ، " عسيكيم" ، 17/6/1986 ؟ ص7.‏
13- "دافار" 6/4/1990.‏
14- عوفر اريان ، "اسعار المياه اللامعقولة" ، " دافار " 1/4/1990.‏
15 Stauffer , op.cit., p.78 -‏
16- وزير الزراعة اريك نحامكين، في : برويس، مصدر سبق ذكره.‏
17- Stauffer , op.cit., p.78‏
18- Ragda Jaber , " The Politics of Water in South Lebanon," Race and Class, Vol. 31, Oct.-Dec, 1989, p.65‏
19- Stauffer , op.cit., p.78‏
20- lbid., p.81‏
21- الوف بن ، " تعافي مرفق المياه" ، " هارتس" 15/5/1990.‏
22- Ragda Jaber, "The War over Water," Foreign Affairs n* 54, Spring 1984, p.25 - Stauffer , op.cit., p.78‏
23- سلبيتر، مصدر سبق ذكره.‏
24- Joyce Starr and Keneth Water Libre . " The "Israeli" Water Crisis," New Outlook, August 1988, pp. 7-10‏
25- Leslie Schmida, " "Israeli Water Projects and their Repercussions on The Arab-"Israeli Conflict," in Farid and Sirriyeh, op.cit., p. 29‏
26- lbid., p. 28‏
27- Lelaulu, op,cit., p. 46‏
28- Jaber, op.cit., p.66‏
29- Cooley , "The War over Water," op.cit., p. 23‏
30- lbid., p. 23‏
31- Lelaulu , op.cit. pp. 43-44, 46‏
32- Thomas Stauffer, "The Lure of the Litani," The Middel East International , July 30, 1982, pp. 13-14‏
33- مذكرة بعثة لبنان لدى الامانة العامة لجامعة الدول العربية، "السفير" 16/3/1990.‏
34- Stork , op.cit. p. 24‏
35- John Cooley, The Tribune International, June 10, 1983‏
36- Cooley, " The War over Water," op.cit. p.23‏
37- Stork , op.cit. p. 24‏
38- Salah Halawani , "Lebanese Development Projects and "Israel`s" Pursuit of the Litani and Hasbani Waters," in Farid and Sirriyeh, op.cit. pp. 52,55‏
39- Stork, op.cit. p. 24; Stauffer in Farid and Sirriyeh, op.cit. pp. 78‏
40- ; Stauffer in Farid and Sirriyeh, op.cit. pp.80‏
41- " هارتس"، 11/6/1985‏
42- من مذكرة بعثة لبنان لدى الامانة العامة لجامعة الدول العربية ، مصدر سبق ذكره.‏
43- ذكرت صحيفة "هارتس" ، 30/3/1985 ؟ ان اتفاقا تم بين شركة مكوروت والجيش "الاسرائيلي" يقضي بان يستأنف عمال الشركة اعمالهم المختلفة داخل الاراضي اللبنانية، على ان يتساووا لحظة دخولهم الاراضي اللبنانية مع الجنود "الاسرائيليين" على صعيد شروط العمل وتعويضات الاصابة باي اذى ، واضافت الصحيفة ان وزارة الدفاع وقيادة الجيش وقعتا اتفاقات مماثلة مع المدنيين "الاسرائيليين" الآخرين العاملين في لبنان.‏
44- ; Stauffer in Farid and Sirriyeh, op.cit. pp.78-80‏
45- ذكرت "دافار" ، 27/6/1984 ؟ ان مقالع الحجارة في كفر غلعادي في الجليل تعاقدت مع وزارة الدفاع على تنفيذ اعمال شق طرق ومسالك في الجنوب اللبناني، وان هذه المقالع تقوم حاليا باعمال من هذا النوع في انحاء القطاع الشرقي وستنتهي قريبا من تعبيد طريق طوله 6 كيلومترات بين المطلة ومرجعيون من المفروض ان يخفف ازدحام حركة السير على هذا المحور .‏
46- "دافار" ، 17/8/1984 ؟ وقال الناطق باسم وزارة الخارجية "الاسرائيلية" ان السياج اقيم من اجل العمل على الطريق ، وسيزال فور الانتهاء من اعمال الاصلاح.‏
47- Jaber , op.cit. p.64‏
48- من مذكرة بعثة لبنان لدى الامانة العامة لجامعة الدول العربية ، مصدر سبق ذكره.‏
49- "السفير" ، 20/6/1989 ؟ المصدر نفسه ، 3/5/1989.‏
50- "السفير" ، 20/6/1989؟ المصدر نفسه ، 14/3/1990.‏
51- كشف الخبير بشؤون المياه في الشرق الاوسط البروفيسور الاميركي توماس ناف، امام اللجنة الفرعية لشؤون اوروبا والشرق الاوسط التابعة للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الاميركي، ان "اسرائيل" تضخ حاليا مياه الليطاني وتنقلها بالصهاريج الى اراضيها ("الحياة" 27/6/1990).‏
52- وصل خبراء "اسرائيليون" برفقة ضباط من الجيش "الاسرائيلي" الى نبع الجوز بالقرب من بلدة شبعا، والى نبع الحاصباني في القطاع الشرقي ايضا، لاخذ عينات من مياه هذين النبعين لتحليلها، في اعقاب اكتشاف تلوث خطر في مياه الشفة في "اسرائيل" دعت في اثره وزارة الصحة "الاسرائيلية" السكان الى غلي المياه حتى يتم اكتشاف مصدر التلوث ومعالجته ( " السفير " ، 28/6/1990).‏
21-شباط-2008
استبيان