المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار

قيادة الجيش في ذكرى الاستقلال: بوحدة الموقف الوطني وصمود الجيش وتسارع ضربات المقاومة انجز التحرير


وطنية- 22/11/2008
أكدت قيادة الجيش - مديرية التوجيه عشية العيد ال65 للاستقلال، ان "الجيش سيستمر في أداء رسالته الوطنية، فخورا بإرث أجياله، منيعا بدماء شهدائه، قويا بثقة شعبه وإيمان رجاله، معاهدا الله والوطن، بأن "للاستقلال عيون ترعاه وسواعد تحميه". ووجهت الرسالة الاتي نصها:

"في عيد الاستقلال، تعود بنا الذاكرة إلى حقبة مجيدة من تاريخ الوطن، حين وقف اللبنانيون صفا واحدا في وجه الانتداب الأجنبي، يتحدون القهر والطغيان، ويبذلون الدماء في ساحات الحرية والكرامة. وأمام روح التضحية والصمود والثبات التي ترسخت في نفوسهم يوما بعد يوم، لم يكن للانتداب بد سوى الانصياع لهدفهم المقدس في تحقيق الاستقلال، الذي طالما شكل حلم أبناء الوطن، والأمل النابض في عروق أجياله على امتداد الأزمنة والعصور.
وبعد أن أصبح هذا الحلم واقعا وحقيقة، ابتدأت مسيرة الحفاظ على الاستقلال والتي واجهت بدورها تجارب قاسية، كادت ترسم أكثر من علامة الاستفهام حول سلامة الكيان ومصيره، لكن أمانة الاستقلال كانت دائما في أيد أمينة، يحملها جيش راسخ الإيمان برسالته، مدرك لمسؤولياته، متفان في أداء واجباته حتى الشهادة.
ويطل عيد الاستقلال على اللبنانيين هذا العام مزهوا ببزوغ فجر عهد جديد، عهد فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الآتي من المؤسسة العسكرية إلى رحاب الوطن الواسع، ليحيي شعلة الأمل في النفوس، ويحقق في فترة زمنية قياسية إنجازات مشرقة، على طريق إنقاذ لبنان وخلاصه. ويطل العيد أيضا على وقع تجديد المؤسسة العسكرية انطلاقتها، بتولي العماد جان قهوجي سدة قيادتها، وهو القائد الذي تمرس على تحمل الصعاب ومواجهة المخاطر، وخبر ميدان التضحية والعطاء طويلا، حتى بات يعرف كل شبر من تراب الوطن، ويدرك إلى أدق التفاصيل قدرات الجيش وحاجاته، إنه القائد الذي تحتاجه المؤسسة ليشد ساعدها ويمضي بها إلى غد واعد بحصاد وفير.


1ـ فجر الرئاسة
بعد نحو ستة أشهر من الفراغ الرئاسي الذي عاشته البلاد نتيجة التجاذبات السياسية الحادة، انبلج فجر الرئاسة في الخامس والعشرين من شهر أيار بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، في ظل إجماع رسمي وشعبي وترحيب إقليمي ودولي، لم يسبق لهما مثيل، فأطل عهد جديد على الوطن، تلقفه اللبنانيون بمظاهر الفرح والابتهاج التي عمت لبنان من أقصاه إلى أقصاه، واستعادوا من خلاله نبض الأمل على وقع كلام فخامة الرئيس في خطاب القسم، والذي بدأه بتوجيه تحية إلى أرواح الشهداء قائلا: "كان أحب إلى قلبنا أن يبدأ هذا الاستحقاق بدقائق فرح، لكني واثق بأن صمتنا ستهلل له أرواح شهدائنا وهم في جوار ربهم، كونه يؤسس لمرحلة واعدة لأبناء الوطن الذي ينهض من كبوته، بفعل وعي المواطنين ورفضهم الوقوع في عملية قتل الذات، وعمل المخلصين والأشقاء للتخفيف من السيئات، ومحو التداعيات". وأضاف:"إن لبنان، وطن الرسالة، والذي يحمل تلاقي الحضارات، وتعددية فذة، يدفعنا للانطلاق معا، في ورشة عمل، فنصلح أوضاعنا السياسية والإدارية، والاقتصادية والأمنية، ونعيد الوطن إلى الخارطة الدولية في دور نموذجي يعكس فرادته، واشراقته المعهودة".


2ـ العماد قهوجي إلى سدة القيادة
بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية اللبنانية، تسلم رئيس الأركان اللواء الركن شوقي المصري قيادة الجيش بالنيابة لفترة امتدت نحو ثلاثة أشهر. وبتاريخ 29/8/2008 اجتمع مجلس الوزراء في القصر الجمهوري برئاسة فخامة الرئيس، حيث تقرر ترقية قائد اللواء الثاني العميد الركن جان قهوجي إلى رتبة عماد وتعيينه قائدا للجيش اعتبارا من تاريخه، فجاء هذا التعيين تأكيدا على ثقة فخامة الرئيس، ومجلس الوزراء مجتمعا، بشخص القائد الجديد، وتقديرا لمسيرته المشرقة في خدمة المؤسسة، التي احتضنته منذ ربيع الشباب، فاحتضنها بالقلب والعقل، ووهبها أغلى سنوات عمره.


أ ـ احتفال تسليم وتسلم قيادة الجيش ـ أمر اليوم الأول.
الأول من أيلول شكل نقطة انطلاق المؤسسة العسكرية إلى مرحلة جديدة، فبحضور أمين عام المجلس الأعلى للدفاع وأعضاء المجلس العسكري، وأركان القيادة ورؤساء الأجهزة التابعة لوزارة الدفاع الوطني وقادة الوحدات الكبرى، أقيم في اليرزة حفل تسليم وتسلم قيادة الجيش، بين اللواء الركن شوقي المصري مسلما والعماد جان قهوجي متسلما. وبعد أداء مراسم الاحتفال اللازمة، وفقا للقوانين والتقاليد العسكرية، ألقى العماد قائد الجيش كلمة أمام الحاضرين، شكر فيها اللواء الركن المصري على حفظه الأمانة بكل جدارة ومسؤولية، ثم عرض بعضا من توجهاته للمرحلة المقبلة قائلا:"لم أصل إلى سدة القيادة من أجل تغيير المفاهيم والمبادئ الأساسية التي قامت عليها المؤسسة، فأنا من المدرسة نفسها، وابن النهج والثوابت عينها، ومن الفريق الذي رافق القيادة وعمل معها. ما أطمح إليه هو تطوير آلية العمل ورفع قدرة الجيش عدة وعديدا، والاستفادة القصوى من التطور العلمي والتقني الذي يشهده عالمنا المعاصر، وكذلك الاستفادة من تجارب الجيوش المتقدمة وخبراتها، مع التمسك الدائم باستقلالية أداء المؤسسة الذي ينبع من مصلحة الوطن العليا من دون سواها، والى جانب ذلك، سأسعى دائما للحفاظ على حقوق العسكريين، ورفع مستوى التقديمات المادية والاجتماعية لهم". وأضاف:"إن ولاءنا الواحد والنهائي، يجب أن يكون للبنان، وعلينا أن ندرك ونؤمن بأن وحدة الجيش هي صمام أمان وحدة الوطن، وفي حرصنا على هذه الوحدة، نعبر أسمى تعبير عن وفائنا للقسم، ووفائنا لدماء الشهداء وآلام الجرحى والمعوقين، الذين بذلوا الغالي والنفيس إيمانا بالرسالة والتزاما بالواجب، فلا تفريط بتضحيات هؤلاء الرجال الأبطال تحت أي ظرف كان".
وفور تسلمه قيادة الجيش وجه العماد قهوجي إلى العسكريين أمر اليوم الأول، معبرا في خطوطه العريضة عن رؤيته لتفعيل أداء المؤسسة العسكرية وترسيخ دورها الوطني، ومما جاء فيه:"إن أنظار اللبنانيين شاخصة إليكم في هذه المرحلة المثقلة بالتحديات، فهناك عدو على الحدود ما انفك يستهدف الوطن بأسره، وهناك إرهاب في أكثر من منطقة يزرع الرعب والخوف في النفوس، لذا يجب ألا نسمح بأن تمتد أيادي الغدر والعمالة إلى جسم الوطن الذي لا يزال ينزف، وعلينا مضاعفة الجهود لوقف هذا النزف". وأضاف:"أراني اليوم أجدد القسم الذي آمنا به جميعا والتزمناه منذ بداية الطريق، وفي يقيني أن الوفاء لهذا القسم وتجسيده إلى حقائق وأفعال مثمرة، يكون بالحفاظ على إرث المؤسسة الذي صنع بفضل دماء رفاقكم الشهداء وتضحياتكم الجسام، كما بالإخلاص للنهج القويم الذي أرسى دعائمه وحدد معالمه فخامة الرئيس، لذا علينا مواصلة البناء على ما تحقق من إنجازات، متطلعين نحو المستقبل بكثير من الأمل والتصميم على دفع مسيرة تطوير المؤسسة قدما نحو الأمام، لكي تبقى هذه المؤسسة مثالا رائدا يحتذى به. ومن موقعي، أعاهدكم اليوم، بألا أدخر جهدا في سبيل تعزيز قدرات الجيش عديدا وعتادا وتدريبا، إضافة إلى استثمار مكامن القوة لدى الشعب اللبناني، وصولا إلى المستوى المنشود الذي يلبي طموحاتكم، ويؤهلكم للقيام بواجباتكم الدفاعية والأمنية على أكمل وجه". وتابع مخاطبا العسكريين:"أنتم ذراع الشرعية وحماة مؤسساتها، وفي التفاف المواطنين حولكم أبلغ تعبير عن الثقة بدوركم المستمد من الإرادة الوطنية الجامعة، فلا تنحنوا أمام الصعاب مهما اشتد وزرها، ولا تجعلوا أي انقسام سياسي ينعكس على مؤسستكم. تشبثوا بوحدتكم التي تعمدت بدماء الشهداء، شهداء الجيش ولبنان".
 

ب ـ خطوات واعدة
تولى العماد قهوجي قيادة الجيش في الوقت الذي كانت فيه البلاد تشهد تطورات سياسية كبيرة، وأحداثا أمنية متنقلة بين منطقة وأخرى، إضافة إلى تسارع وتيرة التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان. فكان الهم الطاغي لديه هو معالجة الوضع الأمني بأقصى سرعة ممكنة، وتعزيز مقومات صمود الجيش على الحدود الجنوبية. وانطلاقا من ذلك، عقد سلسلة اجتماعات مع أركان القيادة وقام بعدة جولات ميدانية على الوحدات العسكرية، حيث أعطى أوامره وتوجيهاته بوجوب تشديد التدابير الأمنية وتعزيز قوى الجيش لا سيما في منطقتي الشمال والبقاع، والتصدي بكل قوة للعابثين بأمن المواطن، الأمر الذي أسهم بصورة فعالة في ترسيخ أجواء المصالحات بين الفرقاء السياسيين، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى أماكن التوتر. ومن الإنجازات النوعية التي تحققت في هذا الإطار أيضا، تمكن الجيش بجهد مشترك مع قوى الأمن الداخلي من توقيف عدد من أفراد الشبكة الإرهابية الضالعة بتنفيذ الانفجار الذي استهدف الحافلة العسكرية في محلة البحصاص ـ طرابلس بتاريخ 29/9/2008 وما سبقها من تفجيرات. وكذلك تمكنت مديرية المخابرات في منطقة البقاع من توقيف عناصر ينتمون إلى شبكة تجسس وإرهاب متورطة بالتعامل مع العدو الإسرائيلي.
أما على الصعيد الداخلي للمؤسسة فقد بادر العماد قهوجي إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الإدارية، أبرزها إصدار تشكيلات الضباط التي شملت عددا كبيرا من المراكز القيادية، والغاية من ذلك، هو بعث روح الحيوية والنشاط في جسم المؤسسة وإطلاق دينامية جديدة في عملها.

ج ـ جولات ولقاءات
لم تكد تمضي أيام قليلة على تعيينه قائدا للجيش، حتى انطلق العماد قهوجي مجددا إلى الميدان الذي أتى منه، يجول على الوحدات العسكرية المنتشرة، ليطلع عن كثب على مهماتها وحاجاتها، ويشد من عزائم العسكريين، ويغرس في نفوسهم روح الصمود والتضحية.
في جولته الأولى على الحدود الجنوبية خاطبهم قائلا:"إن الهدف الأساسي للجيش كان وسيبقى حماية الوطن وتحرير ما تبقى من أرضه المحتلة، واعلموا أن خطر العدو الإسرائيلي يدعونا للحذر الدائم، نظرا لأطماع هذا العدو التاريخية في ترابنا ومياهنا، ولطبيعته العنصرية التي تشكل النقيض الواضح للكيان اللبناني، ولصيغة العيش المشترك بين أبنائه".
وفي جولته على منطقة الشمال قال: "إن الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الشمال، والمساهمة الفعالة في عملية نهوضها وإنمائها، يمثلان جزءا من الوفاء لهذه المنطقة التي شكلت منذ تأسيس الجيش ولا تزال، خزانه البشري والدم النابض في عروقه، مقدمة خيرة رجالها قرابين طاهرة على مذبح السيادة والكرامة الوطنية، ولا يمكن أن ننسى على الإطلاق وقوف أبنائها صفا واحدا إلى جانبه في مواجهة الإرهاب، وتعاليهم على كل الاعتبارات الفئوية والسياسية الضيقة، وهذا الموقف هو صفحة مشرقة في تاريخها، وهو دين في أعناقنا جميعا، نقابله بالوفاء والبذل من دون حساب".
من جهة أخرى، وفي إطار التواصل والتعاون بين الجيش والمجتمع اللبناني، كان للعماد قهوجي سلسلة من اللقاءات مع هيئات مدنية، أبرزها، لقاؤه مع الجسم الإعلامي اللبناني، الذي جرى في اليرزة بحضور ممثلين عن مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، حيث ألقى كلمة قال فيها: "إذا كان دور الجيش هو الضمانة المباشرة والسريعة للحفاظ على الاستقرار العام في البلاد، فإن هذا الاستقرار يبقى عرضة للمخاطر إن لم يرتكز على قاعدة صلبة يوفرها إجماع اللبنانيين على القضايا الوطنية الرئيسية، وتوافقهم على معايير شفافة وعادلة لإدارة شؤونهم وتحقيق تطلعاتهم، وإذا لم يرتكز كذلك على دعم قوي من المجتمع المدني وفي طليعته قطاع الإعلام، نظرا لما له من دور فاعل في التأثير على الرأي العام وتوجيهه". وأضاف:"إن أكثر ما نحتاج إليه لحماية لبنان من العواصف التي تتهدده باستمرار، هو تنشئة الأجيال على مبدأ الولاء الوطني، وترسيخ القناعة في نفوس اللبنانيين، بأن لا مكان لهذا الوطن تحت وجه الشمس بمعزل عن وحدة أبنائه وتمسكهم بصيغة العيش المشترك، المستندة بدورها إلى قاعدة الحقوق والواجبات وفكرة قبول الآخر، واحترام قيمه ومعتقداته وحرياته التي كفلها الدستور والقانون".


3ـ مسيرة الاستقلال
إن سعي الشعوب إلى التحرر والاستقلال، هو ظاهرة قديمة تعود إلى بدء تشكل الجماعات البشرية ضمن أقاليم معينة، والدافع إلى ذلك هو ميل الأفراد والجماعات إلى رفض حالة التبعية والسيطرة بأدواتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وقد شهد عالمنا المعاصر حركة استقلالية واسعة في ظل عوامل مساعدة أبرزها: التعديل الطارئ في ميزان القوى، وتصاعد الوعي القومي والوطني، ووجود الظروف المشجعة.
وقد تأثر اللبنانيون بشكل خاص بأحداث أواسط القرن التاسع عشر، واختبروا معاني وأبعاد الحكم الأجنبي، وما يستتبعه من صراعات يستخدمون من خلالها كأدوات لتحقيق غايات ومصالح الآخرين. كل ذلك أسهم في وعيهم واتجاههم نحو نيل الاستقلال وحرية تقرير المصير، فقاموا بتشكيل نواة فكرية بعثت روح المقاومة ضد كل سلطة أجنبية في المنطقة العربية.
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وفي ظل المتغيرات الدولية، بدأت الظروف تتهيأ أكثر فأكثر للحرية وحق تقرير المصير، وقد هب اللبنانيون للمطالبة باستقلالهم وإنشاء دولتهم المستقلة، ولم يتأخروا في ترجمة إرادتهم عمليا، إذ تطوعت مجموعات من الشبان اللبنانيين في "فرقة الشرق" التي أنشأها الحلفاء في المنطقة العربية العام 1916، كأحد وجوه النضال الوطني. وقد تضمنت عقود تطوعهم بناء لإرادتهم شرطين أساسيين: الشرط الأول، ينص على أن لا يقاتلوا سوى العثمانيين، والثاني، أنهم انخرطوا في القوات الحليفة في سبيل تحرير لبنان. وما لبثوا لاحقا أن شكلوا في داخل تلك الفرقة حالة لبنانية مميزة، ففي العام 1918 أصبحت الفرقة تضم في صفوفها أول سرية من سرايا الجيش اللبناني وهي السرية 23، التي رافق تأليفها الكثير من التعاطف والحماس، ثم توالى إنشاء السرايا، وفي أيلول من العام 1920 حصل تطور إيجابي يتعلق بمطالب اللبنانيين، تمثل بإعلان الجنرال غورو دولة لبنان الكبير.
منذ العام 1921 أخذت سرايا القناصة اللبنانية تنشر العمران في أرجاء الوطن، حيث قامت بأعمال التعمير وشق الطرقات وإنشاء الجسور ومراكز الهاتف والتلغراف والتفتيش عن الآثار ومكافحة الجراد والإغاثة والتشجير، فكان عهد من المحبة والود والتقدير بين اللبنانيين وجيشهم.
في الأول من أيلول العام 1939 اندلعت الحرب العالمية الثانية، وبعد سقوط فرنسا بيد الألمان وانقسام قواتها بين مؤيد لحكومة فيشي ومؤيد لقوات فرنسا الحرة، جرت محاولات عدة لزج الوحدات العسكرية اللبنانية في الصراع الفرنسي - الفرنسي من دون أن تحقق أي نجاح يذكر، لأن هذه الوحدات تطوعت أصلا في جيوش الحلفاء بهدف تحرير لبنان، ولم تكن راغبة في التخلي عن هدفها الأصلي، وفي تعبير صارخ عن نزعتهم الوطنية، تداعى 40 ضابطا للاجتماع في زوق مكايل بتاريخ 26 تموز 1941، ووقعوا وثيقة شرف، شكلت محطة بارزة في مسيرة الاستقلال، وتعهدوا فيها بعدم قبول الخدمة إلا في سبيل لبنان وتحت رايته. وأن لا تكون لهم علاقة إلا مع حكومته الوطنية، رابطين استئناف مهماتهم العسكرية بالحصول على وعد قاطع من السلطات الفرنسية باستقلال لبنان، وفي اليوم نفسه ألقى الجنرال ديغول، الذي كان موجودا في بيروت، خطابا وعد فيه بتحقيق الاستقلال.
في 29 آب و 5 أيلول من العام 1943، جرت انتخابات نيابية تم على أثرها انتخاب الشيخ بشارة الخوري رئيسا للجمهورية، الذي بدوره قام بتكليف رياض الصلح تشكيل الحكومة، ومع الرجلين بدأت معركة الاستقلال تعيش لحظاتها الحاسمة من خلال البيان الوزاري الشهير الذي تضمن سياسة الحكومة الاستقلالية، تلاه قيام مجلس النواب بتعديل مواد الدستور المتعلقة بالانتداب وتوقيع رئيس الجمهورية على هذا التعديل، وقد ردت السلطات الفرنسية باعتقال رئيسي الجمهورية والحكومة وعدد من الوزراء وأحد النواب، وأودعتهم سجن قلعة راشيا.
وفور شيوع نبأ الاعتقال، شهد لبنان حالة من الغليان الشعبي في مختلف المناطق، واشتعلت شوارع وساحات المدن بالتظاهرات الاحتجاجية، وبدعم من الضباط اللبنانيين شكلت حكومة مؤقتة، سرعان ما انضمت إليها وحدات الجيش، وقد أطلق عليها اسم حكومة الثورة، حيث اتخذت من بلدة بشامون مركزا لها، وضمت الوزيرين حبيب أبو شهلا ومجيد أرسلان اللذين توجها برفقة رئيس مجلس النواب صبري حمادة إلى البلدة المذكورة، وهناك انضمت إلى الحكومة مجموعة من الشباب شكلت ما يشبه الحرس الوطني، فما كان من قيادة قوات الانتداب إلا أن أصدرت أوامرها إلى المقدم جميل لحود قائد فوج القناصة الأول آنذاك، بمهاجمة حكومة الثورة، فرفض الأمر معلنا انضمامه للحكومة، وقام برفع العلم اللبناني في موقع فرقته العسكرية المتمركزة في عين الصحة ـ فالوغا.
أمام هذا الواقع، وأمام استمرار التظاهرات الشعبية، اضطرت السلطات المنتدبة إلى التراجع عن تشددها مذعنة لمشيئة اللبنانيين في إطلاق سراح رجالات الدولة في 22 تشرين الثاني من العام 1943، وهكذا نال لبنان استقلاله السياسي الذي استكمل لاحقا بتسلم المصالح الإدارية والاقتصادية والجيش، وبجلاء قوى الانتداب عن أرضه نهائيا في العام 1946.


4 ـ الجيش والوطن
أـ المهمات الدفاعية
واجب الجيش الأول، الدفاع عن الوطن والشعب ضد أي اعتداء خارجي. وهو بذلك يوفر سلامة المجتمع، ضامنا له سبل الاستقرار والتطور في مختلف الميادين.
منذ ولادته رسميا في الأول من آب العام 1945، اندفع الجيش غير متوان ولا متهاون، يقوم بواجبه الدفاعي منفذا قسمه، ومرتكزا على تنشئة وطنية سليمة، عمادها جملة من القيم الوطنية والإنسانية والعسكرية. ومع سنواته الأولى واجه تحديات جمة، أبرزها إعلان دولة إسرائيل، ونشوب حرب العام 1948، حيث خاض أولى معاركه البطولية في المالكية التي حررها من العدو الإسرائيلي في الخامس من حزيران من العام نفسه. ومن ثم توالت المحطات البطولية المشرقة في مسيرته، لا سيما منها مواجهة هذا العدو في منطقة سوق الخان العام 1970، وعلى محوري بيت ياحون - تبنين وكفرا - ياطر العام 1972، وفي صور العام 1975، وغيرها من الاعتداءات على القرى والبلدات اللبنانية المتاخمة للأراضي الفلسطينية المحتلة، مقدما في هذه المواجهات مئات الشهداء والجرحى قرابين طاهرة على مذبح الوطن.
العام 1975، أطلت الفتنة برأسها، لتشعل لبنان بحرب استمرت حتى العام 1990، وتعطل دور الجيش بمفهومه الوطني الشامل بسبب غياب القرار السياسي الموحد للدولة.
ومع توقيع وثيقة الوفاق الوطني وانتهاء الأحداث، كان قرار القيادة سريعا في نشر نحو نصف عديد الجيش على خطوط المواجهة مع العدو الإسرائيلي في الجنوب والبقاع الغربي، والتصدي له بكل الإمكانات والوسائل المتوافرة. وعلى الرغم من عدم التكافؤ في ميزان القوى، لم تستطع قوى الاحتلال الإسرائيلي المزودة أحدث أنواع الأسلحة والتكنولوجيا المتطورة والمعقدة، إبعاد الجيش عن ساحة المواجهة، أو النيل من عزيمته، لا بل زادته ثقة واستبسالا، فهو صاحب الأرض والقضية، وما قوافل الشهداء والجرحى الذين سقطوا على دروب رفعة لبنان ومنعته واستقلاله، لا سيما في عمليتي تصفية الحساب العام 1993، وعناقيد الغضب العام 1996، وعربصاليم والأنصارية العام 1997، إلا مثال واضح على ذلك.
وبنتيجة وحدة الموقف الوطني، وصمود الجيش، وتسارع ضربات المقاومة في حرب استنزاف قل نظيرها، اضطر الجيش الإسرائيلي مكرها إلى الاندحار عن القسم الأكبر من الجنوب والبقاع الغربي، فكان إنجاز التحرير في 25 أيار العام 2000، وبقي الاحتلال جاثما على أرض مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي لا تزال تنتظر فك أسرها.


o- عدوان تموز 2006
مرة جديدة دفع العدو الإسرائيلي بأسلحته المدمرة باتجاه لبنان في حرب مفتوحة بدأت من الجنوب في 12 تموز، وما لبثت أن امتدت إلى المناطق اللبنانية كافة، فلفت لبنان من البر والبحر والجو بزنار من الحمم في عملية تدمير منهجي لبناه التحتية ومنشآته، واستهداف متعمد للمواطنين الأبرياء في بيوتهم وأماكن عملهم، وأثناء تنقلاتهم، كما استهدف العدوان مواقع الجيش على كامل رقعة الوطن، مرتكبا مجازر بشعة لا سيما في فوج الأشغال المستقل في الجمهور، وفي مركزي وجه الحجر والعبدة التابعين للقوات البحرية في منطقة الشمال، حاصدا 49 شهيدا وعددا كبيرا من الجرحى، لتمتزج بذلك دماء الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ والمقاومين الأبطال والعسكريين الشجعان في ساحات الصمود والكرامة، مشكلة المداميك الصلبة التي سيبنى عليها مستقبل الوطن. وخلال هذه الحرب كان الجيش في ساحة المواجهة يعكس صورة الوطن المقاوم، إذ قامت وحداته في أماكن انتشارها بأداء دورها الدفاعي بكل القدرات المتاحة لديها، من خلال التصدي للطائرات المعادية وإحباط العديد من محاولات الإنزال والتسلل، كما استمرت بأداء مهماتها الأمنية والإنمائية على مساحة البلاد، متأهبة لوأد أي فتنة داخلية، والتعامل بحزم مع كل من يحاول العبث بالأمن والاستقرار في ظل حالات النزوح الكبيرة، والظروف والمتغيرات المستجدة.

وبعد مرور أكثر من شهر كارثي ومأساوي على الأصعدة كافة، على الحجر كما على البشر، مترافق مع صمود لبناني قل نظيره، تبنى مجلس الأمن فجر 11 آب، وبالإجماع، القرار 1701 الذي دعا إلى وقف كامل لجميع الأعمال الحربية على أمل التوصل إلى اتفاق على وقف دائم لإطلاق النار.
عند الثامنة من صباح 14 آب توقف العدوان الإسرائيلي، لتنطلق رحلة عودة النازحين إلى أرضهم وبيوتهم، ويسارع الجيش اللبناني للتوجه إلى حدوده الجنوبية، بعد غياب جاوز الثلاثة عقود، استجابة للارادة الوطنية الجامعة، وتنفيذا لقرار الحكومة اللبنانية القاضي بتكليفه الانتشار في منطقة جنوب لبنان وصولا إلى الخط الأزرق، وبسط سلطة الدولة في تلك المنطقة أسوة بباقي المناطق اللبنانية، ودعم صمود المواطنين ومواكبة إعادة إعمار قراهم وتسهيل إقامتهم وحفظ أمنهم وسلامتهم. وقد تزامنت هذه المهمة مع مهمة انتشار وحدات من الجيش على امتداد الحدود البرية والبحرية اللبنانية لضبط المعابر، ومنع أعمال التهريب على أنواعها.

ب ـ في مجال حفظ الأمن

بناء على تكليف مجلس الوزراء، بتاريخ 15/1/1991، باشر الجيش تنفيذ مهمات حفظ الأمن في مختلف المناطق اللبنانية ولا يزال، مستندا في ذلك إلى جملة من المبادئ أبرزها:
- الجيش مؤسسة وطنية تلتزم القوانين والأنظمة النافذة، وعقيدته في تحديد العدو والصديق واضحة راسخة، فالأعداء هم إسرائيل أولا والإرهاب ثانيا وكل من يحاول الإخلال بالأمن وزعزعة الاستقرار ثالثا، أما الأشقاء والأصدقاء فهم الدول العربية، والدول التي تعمل على مساعدة لبنان وتنشد له الخير والاستقرار والازدهار.
- الابتعاد عن الطائفية التي تتلاشى في التنشئة الوطنية والعسكرية التي يتلقاها كل عسكري.
- الابتعاد عن التجاذبات السياسية، فالجيش ينفذ قرارات السلطة الإجرائية في إطار المصلحة الوطنية العليا.
- التجرد المطلق في معاملة المواطنين وتطبيق مبادئ العدالة والمساواة في أثناء أداء المهمات، حفاظا على الديموقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان.
- تأمين استمرارية تنفيذ الإجراءات والتدابير الأمنية من خلال الشفافية في القيادة والإدارة والموقف، وتخصيص الوقت اللازم، وبذل الجهد الأقصى، والسهر على متابعة الأوضاع، والحزم والسرعة في تنفيذ المهمات وعدم التهاون مع أي إخلال بالأمن.
وقد وفر الجيش مناخا من الأمن والاستقرار، مما سمح بإقامة التجمعات على اختلافها والمؤتمرات الدولية والإقليمية، وكفل لجميع المواطنين القيام بأعمالهم، وممارسة حقوقهم وواجباتهم في المناسبات الوطنية والاجتماعية والثقافية والرياضية شتى.
وكان لدوره الأمني الفاعل خلال السنوات السابقة التي شهدت تطورات سياسية وأمنية خطيرة، بالغ الأثر في الحفاظ على وحدة الوطن ومنع انزلاق الأوضاع نحو المجهول، بدءا من التظاهرات الشعبية الحاشدة التي أعقبت جريمة العصر التي أودت بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه بتاريخ 14/2/2005، مرورا بملء الفراغ العسكري الناتج عن انسحاب القوات العربية السورية من لبنان في 26/4/2005، خصوصا في منطقتي طرابلس وبعلبك، إلى الاعتصام الشعبي في وسط بيروت الذي بدأ في الواحد من كانون الأول 2006 واستمر لأكثر من عام، ثم أحداث 23 و25 كانون الثاني 2007 وصولا إلى أحداث السابع من أيار من العام الحالي وامتداداتها اللاحقة، إذ كرس الجيش خلال هذه المحطات المصيرية، كل جهوده وطاقاته في سبيل وأد نار الفتنة ومنع التقاتل بين أبناء الوطن الواحد، وإتاحة الفرصة تلو الأخرى لعودة الجميع إلى طريق الحوار والتلاقي، وهذا ما حصل بالفعل في مؤتمر الدوحة الذي أفضى إلى توافق القادة السياسيين على حلول لمعظم المشاكل القائمة، وإطلاق مرحلة جديدة في البلاد واعدة بالاستقرار والازدهار.


6- مواجهة الإرهاب
فجر العشرين من أيار 2007، فوجئت مراكز الجيش في محيط نهر البارد وضواحي مدينة طرابلس، بهجوم غادر نفذه إرهابيو تنظيم "فتح الإسلام"، الذين طاولوا بإجرامهم الوحشي عددا من العسكريين العزل المنتقلين إلى منازلهم أو إلى مراكز خدمتهم، في محاولة تهدف إلى النيل من هيبة الدولة ومؤسساتها، وإرهاب الجيش في ظل التجاذبات السياسية الحادة التي كانت تشهدها البلاد، وبالتالي إخضاع مدينة طرابلس ومخيمي البداوي ونهر البارد لنفوذهم.
لكن حساباتهم جاءت خاطئة، حيث استعادت قوى الجيش زمام المبادرة فورا، وقامت بردة فعل سريعة، تمكنت خلالها من استرجاع مراكزها والقضاء على بعض الإرهابيين وتوقيف بعضهم الآخر، كما أحكمت الطوق على مخيم نهر البارد.
ونتيجة لتعنت هذا التنظيم، وعدم استجابته لكل المبادرات والمساعي التي قامت بها جهات عديدة بهدف تسليم القتلة إلى العدالة، وتجنيب سكان المخيم مآسي استمرار القتال، اتخذت قيادة الجيش القرار الجريء والتاريخي بالحسم العسكري التدريجي آخذة في عين الاعتبار الأمور التالية:
- الحفاظ على أرواح المدنيين، وإعطاءهم الوقت الكافي لمغادرة المخيم.
- الاستمرار في دعوة المسلحين لتسليم أنفسهم إلى الجيش، مع التشديد على إجراء محاكمة عادلة أمام القضاء.
- الحد من الخسائر البشرية في صفوف العسكريين نظرا للكمية الهائلة من الألغام والأفخاخ التي زرعها المسلحون في كل أرجاء المخيم، والحد قدر الإمكان من الأضرار في ممتلكات المدنيين.

في الثاني من أيلول تحقق الوعد الذي قطعه الجيش للشعب اللبناني، بإكمال سيطرته الميدانية على آخر معقل من معاقل الإرهابيين في مخيم نهر البارد، مقدما 171 شهيدا ومئات الجرحى، بذلوا أرواحهم فداء عن شعبهم، واختصارا لمعاناته.

غير أن يد الإرهاب عادت مجددا لتستهدف الجيش، في ثلاثة انفجارات غادرة، طاول أحدها مركزا عسكريا في محلة العبدة بتاريخ 31/5/2008، وآخران طاولا عسكريين عزلا أثناء تجمعهم استعدادا للانتقال إلى مراكز عملهم في محلتي التل والبحصاص في مدينة طرابلس بتاريخي 13/8/2008 و 29/9/2008.
ولقد كان رد الجيش حازما وسريعا على مستوى هذه الأحداث الخطيرة، حيث باشرت مديرية المخابرات بالتعاون مع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بحملة تقص ورصد وتعقب للمجرمين، أفضت بتاريخ 12/10/2008، وفي أوقات لاحقة، إلى توقيف معظم أفراد الخلية الإرهابية الضالعة في التفجيرات المذكورة، ليتحقق بذلك الوعد الذي أطلقه القائد وهو يتفقد مكان انفجار البحصاص، حين أكد بأن الجناة لن يفلتوا من يد العدالة، وأن أي تطاول على الجيش أو اعتداء على المواطنين لن يمر من دون ردع وعقاب.


ج ـ المهمات الإنمائية
ارتبط الجيش اللبناني منذ نشأته ارتباطا وثيقا بالمجتمع، ليس من خلال المهمات الدفاعية والأمنية المنوطة به وما يترتب على ذلك من علاقات مع المواطنين فحسب، إنما أيضا من خلال اهتمامه بالمجالات الاجتماعية والخدمات التي يؤديها حيث تدعو الحاجة، إدراكا منه بأن الأمن والنهوض الإنمائي والاقتصادي في البلاد توأمان لا ينفصلان.
فبعد انتهاء الأحداث الدامية التي شهدها لبنان، كان قرار القيادة المشاركة في عملية النهوض وإعادة إعمار ما تهدم، فتشابكت سواعد العسكريين مع سواعد المواطنين في ورشة البناء، وشملت نشاطات الجيش في هذا الإطار: الإسهام في تأهيل البنى التحتية من شبكات ماء وكهرباء وشق طرقات في مناطق عودة المهجرين، تأهيل المرافق السياحية والمواقع الأثرية، القيام بحملات تنظيف للشواطئ، وبأعمال تشجير وإخماد حرائق، رفد بعض الإدارات الرسمية بالخبرات والوسائل والطاقات البشرية، تقديم المساعدات اللازمة لمؤسسات المجتمع المدني والهيئات الفنية والثقافية والاجتماعية، عمليات إخلاء وإنقاذ وتشكيل لجان لتخمين الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية والحوادث الطارئة.
من ناحية ثانية، أولى الجيش اهتماما خاصا بمشكلة الألغام المتصلة بالأمن والإنماء معا، نظرا لما لها من تأثير مباشر على حياة المواطنين وأعمالهم اليومية واستثمارهم لأرزاقهم وممتلكاتهم. وقد بدأت هذه المشكلة مع انتهاء الأحداث العام 1990، وتفاقمت على أثر اندحار العدو الإسرائيلي في شهر أيار من العام 2000، إذ استفاق اللبنانيون على احتلال من نوع آخر، تمثل بوجود نحو 550 ألف لغم خلفها هذا العدو وراءه في مناطق الجنوب والبقاع الغربي، ثم بلغت المشكلة ذروتها مع عدوان تموز، حيث أسقط العدو الإسرائيلي أكثر من مليون قنبلة عنقودية فوق أرض الجنوب، ولا يزال لغاية تاريخه يتمنع عن إعطاء المعلومات اللازمة حول أماكن وجود هذه القنابل، التي أدت إلى استشهاد وجرح المئات من المدنيين والعسكريين. وقد تمكن الجيش بالاشتراك مع فرق مختصة من دول شقيقة وصديقة، ومنظمات دولية غير حكومية، حتى تاريخ 1/10/2008 من إنجاز ما يلي:
- نزع وتفجير 125000 لغم مضاد للأشخاص والآليات، و 35000 قذيفة وقنبلة غير منفجرة، و147000 قنبلة عنقودية، و500 قنبلة وصاروخ طيران، و67000 جسم مشبوه.
- تنظيف مساحة 91 كلم2 من أصل 150 كلم2 من الألغام والقذائف غير المنفجرة.
- تنظيف مساحة 38 كلم2 من أصل 48 كلم2 من القنابل العنقودية.

من جهة أخرى يستمر المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بنزع الألغام، بالتعاون مع اللجنة الوطنية للتوعية من مخاطر الألغام، بتنفيذ حملات الإرشاد والتوعية في جميع المناطق اللبنانية، حيث أدت الجهود المبذولة إلى انخفاض كبير في معدل الضحايا سنويا.


5 ـ متابعة تطوير المؤسسة العسكرية
إن عملية تطوير المؤسسة العسكرية، هي عملية دائمة ومستمرة لا يمكن لعجلتها أن تتوقف على الإطلاق، كونها تهدف إلى إبقاء المؤسسة على المستوى المطلوب الذي يمكنها من الاضطلاع بدورها الوطني كاملا.
أولت القيادة مواضيع العديد والتدريب والتجهيز الاهتمام الأقصى، فعمدت إلى تمديد الخدمات لبعض المجندين السابقين وتطويع الراغبين منهم بصورة تدريجية، كما عمدت إلى تكثيف الدورات التدريبية في الداخل والخارج وعلى مختلف المستويات، إلى جانب تفعيل علاقاتها مع جيوش شقيقة وصديقة، والسعي الحثيث لديها لتأمين التجهيزات الضرورية للجيش من الأعتدة والمعدات.

وفي هذا الإطار، تؤكد القيادة اعتزازها بهذه العلاقات، النابعة من الصداقة مع الدول، والرغبة في التعاون مع جيوشها، والاستفادة المتبادلة من تجاربها وخبراتها، والتي طالما ميزت الجيش اللبناني بقدرته على التفاعل والتواصل مع سواه، وهو سيستمر في قبول المساعدات العسكرية مستقبلا، كما قبلها في الماضي، بهدف تعزيز قدراته العسكرية، لكن هذه المساعدات لا يمكن في مطلق الأحوال أن ترسم سياسة الجيش أو تتدخل في أدائه، أو تعدل من دوره الوطني الذي ينبع فقط من الإرادة الوطنية الجامعة، ومن القرار السياسي للسلطة الإجرائية.


خاتمة
بين الذكرى المجيدة والأمل الواعد، يشمخ العلم أكثر فأكثر، مزهوا بألوان الشهادة والخلود والسلام، وعلى درب التضحية الطويل، يستمر الجيش في أداء رسالته الوطنية، فخورا بإرث أجياله، منيعا بدماء شهدائه، قويا بثقة شعبه وإيمان رجاله، معاهدا الله والوطن، بأن للاستقلال عيونا ترعاه وسواعد تحميه...

22-تشرين الثاني-2008

تعليقات الزوار

استبيان