الاخبار - حسن عليق
دخل جهاز الأمن العام اللبناني على ملف ملاحقة شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان، وسوف تظهر الأيام القليلة المقبلة نشاطاً بدأته المديرية وأثمر حتى الآن توقيف مشتبه في تعامله مع العدو، يبدو أنه مرتبط بعناصر أخرى.
وبحسب مرجع أمني معني، فإن المديرية العامة للأمن العام توقفت ملياً عند توقيف العميد المتقاعد منها أديب العلم وقريبه الرتيب جوزيف الذي كان لا يزال في الخدمة الفعلية. وحصل نقاش مع قادة الأجهزة الأمنية الأخرى، وبناءً على توصية من الجهات السياسية المسؤولة، تقرر أن تعمل المديرية على إعادة تنشيط وحدتي الأمن السياسي والأمن القومي داخل الجهاز، وتم تكليف فريق من ضباط المؤسسة ورتبائها إعداد برنامج عمل مكثف يخص هذا الملف.
وقد تم تزويد هذه المجموعة المختصة بمكافحة التجسس الإسرائيلي بالأجهزة التقنية اللازمة لذلك. وبحسب المرجع ذاته، فإن قيادة المديرية اتخذت قرار الدخول في هذا المجال الأمني لسببين: يتعلق الأول بما تشكله هذه الشبكات من خطورة على أمن البلاد عموماً، فيما يتركز الثاني بالخشية من اختراق الاستخبارات الإسرائيلية للمديرية نفسها، والتركيز على مراقبة الأجانب الذين يدخلون لبنان، وخصوصاً أنه سبق أن دخل إسرائيليون بجوازات سفر صادرة عن دول أخرى.
وبناءً على التصور المذكور، أوعزت قيادة المؤسسة للمجموعة التي أنشئت حديثاً بمراجعة ملفات العملاء السابقين والتركيز في المرحلة الأولى على من لديهم أقارب من ضباط المديرية وأفرادها. وبناءً على ذلك، تم تحديد ح. م. (مواليد 1961، قضاء مرجعيون، يعمل في مجال البناء)، وهو والد أحد رتباء الأمن العام. وهو عميل سابق محكوم عام 2000 بالسجن لمدة سنة واحدة وبالإبعاد عن بلدته سنة أخرى.
وبمراجعة ملفه، تبين أنه كان قد عمل في ميليشيا لحد عام 1987، قبل أن يدخل عام 1990 الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث عمل في مستوطنة المطلّة. وهناك جرى الاتصال بينه وبين عدد من الإسرائيليين الذين يعملون في تجارة المخدرات، وطلبوا إليه مهمة تنسيق عمليات التسلم والتسليم عند الحدود مع لبنان. واستمر في هذا العمل إلى أن أوقفته قوة إسرائيلية تعمل ضمن الوحدة 504 في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) والتي كانت تبحث عن خيوط تربط بين تجار المخدرات والمقاومة في لبنان.
وخلال التحقيق معه، عرضت الاستخبارات الاسرائيلية عليه العمل لحسابها لقاء إطلاق سراحه، فقبل وصار يزودها بمعلومات عن أبناء بلدته. وبعد تحرير الجنوب عام 2000، سلم نفسه للمقاومة التي سلمته بدورها للقضاء، فصدر بحقه حكم بالسجن بحقه. وبعد عودته إلى بلدته عام 2002، فجّر مجهولون سيارته، فانتقل للسكن في الضاحية الجنوبية، وبالتحديد قرب مطعم الزغلول في منطقة بئر العبد.
وبيّنت المعلومات التي جمعتها المديرية العامة للأمن العام عنه أن شبهات طرأت على أوضاعه خلال الأعوام القليلة الماضية، فجرى توقيفه بناءً على إشارة القضاء. وخلال التحقيق معه، اعترف بأن مشغّله الإسرائيلي القديم عاد واتصل به بعد حرب تموز 2006، وعرض عليه معاودة العمل لحساب الإسرائيليين، فوافق. وأضاف، بحسب مسؤولين أمنيين، أنه انتقل إلى فلسطين المحتلة حيث خضع لدورات تدريب على أجهزة اتصال جرى ضبطها في منزله. وقد كلفه الإسرائيليون بجمع معلومات عن عدد من أبناء بلدته وعن مواقع للمقاومة ومسؤولين وأفراد فيها، إضافة إلى اقتراح أسماء أشخاص للتجنيد. وكشف مسؤول أمني أن عدداً ممن اقترحهم الموقوف للتجنيد باتوا «تحت السيطرة»، وسيجري توقيفهم بين لحظة وأخرى، مع تأكيد عدم تمكنهم من الفرار.
■ موزع أجهزة في إبل السقي
من ناحية أخرى، استمرت مديرية استخبارات الجيش بحملتها على المشتبه في تعاملهم مع الاستخبارات الإسرائيلية، فأوقفت مواطنين في الجنوب، بينهما شخص ضبطت في حوزته أجهزة اتصال وتوقيت شبيهة بما يستخدم في التفجيرات.
ففي بلدة إبل السقي (مرجعيون)، أوقفت دورية من استخبارات الجيش يوم أول من أمس المواطن جودت ح. (54 عاماً، من البلدة المذكورة ويسكن في مدينة عاليه)، بعدما كان قد تمكن من التخفّي لعدة أيام، تحضيراً لمغادرة البلاد، بحسب ما ذكر مسؤول أمني كبير لـ«الأخبار». وأضاف الأخير أن أمراً حصل مع جودت ح. دفعه للعودة إلى بلدة إبل السقي، فتمكنت الاستخبارات من توقيفه، بعدما كانت قد أخضعت أماكن تحركاته للمراقبة، وخاصة في بلدته الجنوبية وفي مدينة عاليه التي يقطن فيها. وأشار مسؤول أمني إلى أن الموقوف اعترف بالعمل لحساب الاستخبارات الإسرائيلية، وبالتحديد مع جهاز الـ504 في الاستخبارات العسكرية، منذ عام 1990. وكانت له صلات قوية بمشغّليه حتى إنه كان يسمح له بالدخول بسيارته الخاصة إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنه تمكّن من إخفاء علاقته بالإسرائيليين عن محيطه القريب. وقد ضبطت القوى الأمنية معه حمولة سيارة من أجهزة الاتصال والحواسيب وملفات لمعلومات، ورجّح مسؤول أمني أن يكون جودت يتولى مهمة توزيع هذه الأجهزة على مخابئ البريد الميت لكي يتسلمها عملاء آخرون. وإضافة إلى ذلك، عثر رجال الأمن مع الموقوف على أجهزة توقيت شبيهة بتلك التي تستخدم في عمليات التفجير، فضلاً عن مصادرة قاذف «آر بي جي» ورشاش كلاشنيكوف مع ذخائرهما من منزله.
وكشفت مصادر أمنية أن هناك مؤشرات يجري التدقيق بها حول وجود صلات تنفيذية للموقوف المذكور، وخاصة في جريمتي اغتيال الأخوين المجذوب في صيدا (عام 2006) واغتيال القيادي في المقاومة غالب عوالي في الضاحية الجنوبية (عام 2004). واعترف الموقوف بأنه التقى مشغّليه خلال السنوات الماضية بمعدل مرة واحدة على الأقل كل سنتين، وذلك عبر الانتقال على التوالي إلى إيطاليا وقبرص وتايلاند وهونغ كونغ. وفضلاً عن ذلك، أشار مسؤول أمني إلى أن الموقوف كان قد استفاد خلال السنوات الماضية من تردده إلى الضاحية الجنوبية، حيث كان يتولى توزيع أدوية على عدد من الصيدليات، إضافة إلى إتجاره بالكتب وتوزيعها على المكتبات، قبل أن ينحصر عمله الوظيفي في منطقة الشوف.
■ ...ومشتبه فيه في القصيبة
وفي بلدة القصيبة (قضاء النبطية) أوقفت دورية من فرع استخبارات الجيش في الجنوب المواطن حسن ح. (مواليد بلدة القنطرة الجنوبية عام 1952) بالشبهة ذاتها. وفور توقيفه، اعترف بأنه يعمل لحساب الاستخبارات الإسرائيلية، وأرشد المحققين إلى جهاز متطور للاتصال بالإسرائيليين، كان مخفياً في أحد الرفوف داخل منزله، بحسب ما ذكر مسؤول أمني رفيع. وأشار الأخير إلى أن الموقوف قال خلال التحقيق معه إنه تجنّد للعمل الاستخباري قبل عام فقط، وإن ذلك جرى بعدما تلقى اتصالاً على هاتفه من الإسرائيليين. لكن المسؤول ذاته أكّد أن المعلومات الأمنية تشير إلى أن الموقوف يتعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية منذ فترة أطول من تلك التي اعترف بها، مشيراً إلى أنه كان قد سافر إلى أفريقيا، حيث يرجح أن يكون قد انتقل إلى فلسطين المحتلة للتدرب على جهاز الاتصال الذي زوّده به مشغّلوه. وقد فتشت دورية من الاستخبارات منزل الموقوف في بلدة القصيبة ومحل الأدوات الغذائية الذي يملكه، فيما أشار مسؤول أمني إلى أن الموقوف ينتمي إلى حركة «أمل».
موقوف «رفيع» قيد الكتمان
■ في خطوة تعدّ الأخطر في مجال مكافحة التجسس الإسرائيلي في لبنان منذ بدء حملة تفكيك الشبكات، أوقف قبل يومين مسؤول رفيع في مؤسسة غير مدنية، وتجرى تحقيقات إضافية لمعرفة حدود عمله ودائرة نفوذه.
■ يواصل جهاز أمن المقاومة التحقيق مع الموقوف م. ع. بالاتفاق مع الأجهزة الأمنية المعنية وذلك نظراً إلى حساسية الملفات التي عمل عليها وخصوصاً أنه كان يحاول الاقتراب من مسؤولين في المقاومة، كما كانت له صلة باقتراح عدد من المواطنين اللبنانيين للعمل مع الاستخبارات الإسرائيلية.
■ تبين أن الموقوف من قبل القضاء العسكري العميد المتقاعد أديب العلم سلّم جهات التحقيق مفكرة خاصة سجّل عليها نحو مئتي رقم هاتف خلوي، قال إن مهمته كانت محصورة في شرائها وتسليمها الى مشغّليه الإسرائيليين والذين تبين أنهم كانوا يوزعونها على عملاء لهم في لبنان، ما مكّن جهار التعقب الإلكتروني في فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من حصر حركتها والوصول الى عدد غير قليل من الذين استخدموها. وأقرّ بعضهم بأنه كان يعمل مع الإسرائيليين، بينما تمكن البعض منهم من الفرار من لبنان.
■ انشغلت أجهزة أمنية رسمية أمس باتصالات وردت من شخصيات سياسية رفيعة تحاول التثبت من خبر توقيف شخصية سياسية ونافذة في تيار من فريق الأكثرية، ليتبين لاحقاً أنها مجرد شائعة.
■ كشفت مصادر أمنية رسمية أنه بعد العثور على أجهزة اتصال كان يستخدمها الموقوف لدى استخبارات الجيش ز. ح. (من بلدة سعدنايل)، تم العثور على بنك من المعلومات الهامة والتي تقول المصادر إن الموقوف أقرّ بأنه جمعها خلال فترة زمنية طويلة وأرسلها الى مشغليه في إسرائيل، وهي تتعلق بأمكنة وأشخاص على صلة بالمقاومة في لبنان.