وكالة أخبار الشرق الجديد
عقدت يومي السادس والعشرين والسابع والعشرين من أيار الجاري ورشة عمل بدعوة من مركز الشرق الجديد للدراسات وللإعلام، شارك فيها عدد من الخبراء في الشؤون الإسرائيلية والإستراتيجية والأمنية والعسكرية والإعلامية، تحت عنوان السيناريو الافتراضي الإسرائيلي لمناورات 31 أيار - 4 حزيران 2009 .
توزعت الورشة إلى ثلاثة محاور ، الأول أسرار التزامن بين انهيار شبكات التجسس الإسرائيلية، وتقرير دير شبيغل عن اتهام حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري، والمناورات الإسرائيلية الشاملة ، والثاني حول طبيعة الخطة الافتراضية الجامعة بين عناصر التزامن، والثالث حول التوصيات في مواجهة مخاطر الخطة الإسرائيلية .
أولا: أسرار التزامن
أ- تهاوي الشبكات المتعاملة مع إسرائيل يستحيل حدوثه من دون استنفار عالي المستوى لهذه الشبكات ، وإيقاظ الشبكات النائمة وتفعيلها وتصعيد مستوى حركتها إلى الحد الأقصى، مما يجعل نسبة مخاطر التشغيل في مستوى الدرجة الحمراء، ويؤدي عموما إلى احتمالات الانكشاف ،ولا يمكن لجهاز محترف وعريق كجهاز المخابرات الإسرائيلية الإقدام على هذه المخاطر، من دون وجود خطة عمل عالية الأهمية تستدعي هذه المجازفة .
ب- تبين طبيعة الشبكات التي تساقطت توزعها على مجموعة ميادين أبرزها التقرب الاستعلامي من حزب الله ،وقياداته وخصوصا المداخل الموصلة إلى قائد المقاومة السيد حسن نصرالله ، وميدان التنفيذ الميداني كالتفخيخ والتفجير والتمهيد لعمليات الاغتيال ، وميدان التأثير الشارعي والقدرة على تفجير الفتن والحروب المحلية ، وميدان التجيير الأمني والمتصل بتوظيف مواقع حساسة في القوى العسكرية والأمنية وتحوير وجهتها نحو استخدامات أخرى ، وانكشاف عناصر من هذه المستويات الأربعة وعلى درجة عالية من الفاعلية في ميادينها، يعني أن خطة العمل المفترضة كانت تطال مهمات في كل هذه الميادين استدعت استنفارها كلها رغم تعرضها لخطر الانكشاف .
ت - بدء الاستنفار الثابت مطلع العام وبالتالي بدء تهاوي الشبكات وتحديد موعد المناورة الشاملة في مطلع الشهر السادس، يعطيان مصداقية لوجود خطة عمل جبارة منحت خلالها الشبكات المهلة الزمنية الضرورية للتحضيرات، ليكون العمل التنفيذي الكبير في فترة المناورات ، حيث تكون الجهوزية في أجهزة الكيان على أعلى الدرجات والتأهب لاستكمال العمل في حال الفشل النسبي في تحقيق أهدافه ،أو لتلقي ردود الأفعال الخطيرة الناجمة عنه، بما وصفت المناورة طبيعته بقصف صاروخي شامل يطال كل عمق الكيان ومنشآته .
ث- جعل مساحة العمل الزمني ممتدة من تاريخ تسلم الحكومة الجديدة في الكيان حتى قبيل إجراء الانتخابات النيابية في لبنان، يعني عملية كبرى لتفادي الوقوع في مخاطر يصعب التعامل معها في ضوء التوقعات التي تحملها نتائج الانتخابات.
ج- يشكل حزب الله القاسم المشترك الوحيد بين المناورات والشبكات والتقرير الصادر في مجلة دير شبيغل عن اتهام حزب الله بالتورط باغتيال الرئيس الحريري، بما جرت نسبته لوثائق المحكمة الدولية التي لم تنف صحة هذه النسبة، والزج باسم السيد نصرالله في التقرير ، فيما جمع التزامن بين إطلاق التهمة وما يمكن أن ينجم عنها لو كانت شبكات إشعال الفتن سليمة في موعد تسريب التقرير، مع ساعة الصفر للعملية المرتقبة مع بدء المناورات، بينما كان ملفتا للنظر تحديد موعد بدء المحكمة لأعمالها منذ مطلع العام مع أول شهر آذار من دون أن تكون التحقيقات قد توصلت إلى ما يبرر البدء بعمل المحكمة، وتتابع ذلك مع الإسراع بالتخلي عن الملف الذي أصبح عبئا على مصداقية القضاء الدولي عبر فضيحة الاعتقال التعسفي للضباط الأربعة ،والتهم التي طاولت سورية خلال أربعة سنوات بما بات مكشوفا أنه جزء من خطة سياسية لتطويق سوريا وتطويعها، وبما يعني أن أداء المحكمة للوظيفة السياسية باستهدافات أخرى يستدعي التسريع بخطوة غير متناسبة مع تقدم التحقيق، لشراء مصداقيتها المفقودة والمناورة نحو الهدف الجديد الذي يبدو أنه أضحى حزب الله .
ح - هذا التزامن المركب ضم بصورة ملفتة منذ مطلع العام تصاعدا في لهجة النظام المصري تجاه حزب الله، بصورة لا تتناسب مع العمل المنسوب لما سمي بخلية حزب الله ،وهي أمر سبق حدوث الكثير من نوعه دون التسبب بما أصبح ثابتا أنه جزء من خطة دولية لتشكيل ملف قانوني لملاحقة حزب الله عربيا ودوليا، وما تسرب عن تحضير أفلام فيديو ووثائق تذكر بما سبق وقدمه كولن باول قبيل غزو العراق، لتحميل حزب الله مسؤولية خطة لقلب النظام في مصر، وتحديد موعد متصف حزيران لدعوة وزراء الخارجية العرب لعرض ملف حزب الله عليه .
خ - التزامن المركب تضمن تغييرا نوعيا منذ مطلع العام في المقاربة الانتخابية لقوى 14 آذار تمثل بالانتقال من لغة التشارك مهما كانت النتائج ،إلى خطاب المصيري والمفصلي والتركيز على 7 أيار و ما مننسى ، وملف سلاح المقاومة بتهمة توجيهه للداخل ، وصولا إلى تدخلات أميركية وعربية أدت إلى سحب قسري لمرشحين وترشيح قسري لآخرين و تلصيق قسري لتحالفات ما كان لها كلها أن تتم لولا تدخل إرادات عربية ودولية كبرى، رمت يثقلها لهذا الغرض، وكان أبرزها سحب مرشحي الجماعة الإسلامية وترشيح الرئيس فؤاد السنيورة، و ولادة التحالف الانتخابي في كل من طرابلس و كسروان ،وتعديل لوائح عالية و الشوف وصولا إلى جعل الانتخابات تجري على صفيح ساخن، يكفيه فتيل ليشتعل نارا تحرق البلد في ظل لغز الإصرار على إجراء الانتخابات في يوم واحد .
ثانيا : الخطة الافتراضية
أ- تحمل حصيلة الخبرة الإسرائيلية من حربي تموز وغزة استحالة الرهان على تغييرات بنيوية وهيكلية تسمح بالفوز بأي حرب عسكرية، على القواعد التي جرت وفقها الحربان السابقتان، وبالتالي المطلوب حرب وفق قواعد جديدة غير متوقعة تقلب المعادلة.
ب - الدور الاستخباري الحاسم في الحرب الجديدة يجب أن يستبق فوز المعارضة في الانتخابات، على إيقاع فتنة أهلية عاصفة تجتاح لبنان، ويتورط فيها حزب الله على جبهتين سنية شيعية وجيش مقاومة، فيما يكون التقرب من قائد المقاومة قد بلغ أقصاه، فإما تطاله يد الاغتيال من الداخل بداعي الثأر لدم الرئيس الحريري ، أو تكون الجاهزية الإسرائيلية قد بلغت لحظة تحديد قطر الدائرة القصوى للتدمير الشامل الذي يقع تحرك السيد ضمنه، وفقا للاستعلام عمليات التقرب، وفقا لمعادلة إسرائيلية جديدة قوامها لاشيء يستحق حربا ومغامرة إلا اغتيال السيد نصرالله .
ت- تنظيم مضابط اتهام إجرامية متعددة لحزب الله بصورة إعلامية وسياسية ودبلوماسية وقانونية مكثفة، تسمح بتقديمه كجهة إجرامية من جهة وحرمانه من العطف الشعبي من جهة ثانية ،بما يجعل الحرب الشاملة أكثر فاعلية بعد الدرس الرئيسي لحربي لبنان وغزة لجهة فشل عملية الفصل بين مجموعة أذرع الحرب، حيث توصل الباحثون الإسرائيليون على أنه لو كانت حرب تموز بعد قرارات حكومة السنيورة وبعد أحداث شبيهة بأحداث 7 أيار وفي قلب حماوتها لتغيرت المعادلة، ولو جرت حرب غزة في ظل تجريم حماس من قبل النظام المصري وشراكته الأمنية في استهدافها علنا لتغيرت النتائج .
ث- الخطة الافتراضية تقوم على نجاح عمليات التقرب التمهيدية لاغتيال السيد حتى نهاية شهر أيار فيأتي التقرير الاتهامي لحزب الله باغتيال الرئيس الحريري ويجري تسويقه لبنانيا وعربيا ودوليا قبل تبنيه من المحكمة وتندلع أحداث شغب من صناعة زياد الحمصي وأمثاله من الفاعلين في الشبكات وتتحول إلى حروب متنقلة وتتفاعل مع توريط أجهزة الأمن والجيش في مناوشات مع جمهور المقاومة على غرار أحداث غاليري سمعان ،بفضل دياب وأمثاله ، وتقع عملية الاغتيال ويكون الإسرائيليون جاهزون لاستكمالها وتلقي ردود أفعالها ليدخل مشروع دولي عربي سريع قوامه تأجيل الانتخابات النيابية وإرسال قوات دولية إلى لبنان لمساعدة الجيش وتسليم إسرائيل مزارع شبعا والغجر للقوات الدولية مقابل تسليم حزب الله لسلاحه وتسليم ما يسمى المطلوبون للمحكمة فيما يتقدم النظام المصري بمضبطة الاتهام التي يراد منها المطالبة بحل حزب الله في استعادة انتقامية إسرائيليا لما جرى مع القوات اللبنانية وسمير جعجع منتصف التسعينات .
ثالثا : التوصيات
أ- الجهوزية المقررة من أجهزة الدولة والمقاومة لمواكبة المناورات الإسرائيلية أمر هام، وكذلك إنجازات تفكيك الشبكات ومواصلتها دون تسامح، وخصوصا حيث الرؤوس الكبيرة .
ب- المحكمة متورطة وغير مؤهلة ولا يجوز منحها صك براءة بعد مسؤولية القضاء الدولي عن فضائح السنوات الأربعة ، ولإنتاج إجماع وطني حول المحكمة يجب الإصرار على بدء عملها بثلاثة ملفات ، اغتيال الأخوين مجذوب وجرائم الشبكات الإسرائيلية ، اغتيال الرئيس رشيد كرامي ، وخصوصا شهود الزور وكشف من يقف وراءهم ، ورفض مقولة نرضى ما يصدر عن المحكمة ،وصدور موقف جامع يعلن أن المحكمة تسقط عندما تتهم المقاومة ولا تسقط المقاومة إذا اتهمتها المحكمة ،ورفض ما نشرته دير شبيغل لا يعني قبوله لو صدر عن المحكمة، بل رفض المحكمة إذا ثبت تورطها فيه .
ت - سحب موضوع سلاح المقاومة من التداول في السباق الانتخابي، والتمسك بما أتفق عليه في الدوحة لجهة أن الإستراتيجية الدفاعية تقررها طاولة الحوار الوطني، لقطع الطريق على أي استثمار إسرائيلي على اللعبة الانتخابية.
ج - بلورة موقف رسمي لبناني موحد من الاتهامات المصرية وجعل هذا الملف مسؤولية لبنانية جامعه لسحبه من التداول ونقله إلى الغرف المغلقة .
إنجاز شبكة أمان سياسي لما بعد الانتخابات، قوامه قبول نتائج الانتخابات كما تأتي على قاعدة الحق الدستوري لمن يحوز الأغلبية النيابية بتسمية رئيس الحكومة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية على قاعدة العشرات الثلاثة لكل من رئيس الجمهورية وكل من الفريقين ،أو على قاعدة التوزيع النسبي للمقاعد الوزارية وفقا للحصص النيابية للفريقين و الكتلة الوسطية .
ح - جعل ملف الخطة الإسرائيلية بندا أساسيا على طاولة الحوار الوطني في الأول من حزيران .