المحرر المحلي + صحيفة "السفير"
منذ دورة انتخابات عام 2005 وحديث الناس في البقاع الشمالي، يدور عن رغبة «حزب الله» في ترشيح العميد المتقاعد وليد سكرية لأحد مقاعد دائرة بعلبك ـ الهرمل.
لم يأت سكرية من فراغ سياسي واجتماعي، هو شقيق النائب السابق اسماعيل سكرية والزميلة الاعلامية منى، وله اشقاء وشقيقات آخرون. كان والده محمد اسماعيل سكرية مرشحاً شبه دائم في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ودخل في عداد لائحة الرئيس الراحل صبري حمادة عام 1960.
سياسياً، هو من بيت عريق في عروبته، ناصري الهوى والقضية. وجلّ الناصريين انجذبوا في يوم ما نحو البذلة العسكرية المتوجة بالنجوم.
تلقى تعليمه منذ الصغر في مدرسة برمانا العالية، وهي من اوائل المدارس التي درسّت الانكليزية لغة ثانية بدلاً من الفرنسية، ومنها انتقل الى ثانوية رمل الظريف الرسمية (القديمة قرب مستشفى الأطباء) حيث حصّل شهادته الثانوية. ترأس الرابطة الطلابية فيها، وكان اول نشاط سياسي له فيها عندما هاجمت إسرائيل مطار بيروت ودمرت الطائرات اللبنانية فيه عام 1968، حينها اضرب طلاب الثانوية لمدة اربعين يوماً.
تقدم الى المدرسة الحربية مرتين وحالت السياسة بينهما. وفي المرة الثالثة حقق النجاح لأن قادة «الشعبة الثانية» كانوا مطاردين اثر انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. كانت تلك الدورة العسكرية مميزة، اذ ان المرحلة الانتقالية للسلطة اتاحت دخول عدد من الشبان المعترضين على النظام، ما كان لهم ان يصبحوا ضباطاً في ظرف آخر.
من يعرف سكرية يدرك انه مقدام، لذا حفلت حياته العسكرية بمواقف ومحطات هامة وخطرة. بعد التخرج ضابطا ألحق بفوج المغاوير، الذي اسس في حمانا عام 1970، بعد ان كان سابقاً «سرية» تموضعت في القطاع الأوسط، و«خصصت لقتل الفدائيين الذين كانوا يحاولون التمدد باتجاهه من العرقوب».
عارض سكرية «فرط» الجيش اللبناني عام 1975، وحاول مع زميل له في الفوج، ثني احمد الخطيب عن قسمة الجيش، لكن تبين ان الأخير كان قد حسم قراراه.
حاول مع زملائه في فوج المغاوير، بالاتفاق مع قيادة الفوج وبعض القطع العسكرية، القيام بانقلاب لعزل القيادة السياسية وقيادة الجيش، وإعادة توحيد المؤسسة العسكرية ومنع انقسام الدولة، إلا ان انقلاب اللواء عزيز الأحدب جاء قبل ساعات ليقطع الطريق عليهم.
شارك الملازم وليد سكرية في اول تمرد على اوامر المؤسسة العسكرية عام 1975، عندما طلبت القيادة من سرية المغاوير التي تضمه، إخراج «القوات المشتركة» من فندقي «الفينيسيا» و«السان جورج». فيما كان مسلحو حزب الكتائب يسيطرون على «الهوليداي ان». كان الهدف إبعاد «القوات المشتركة» عن الأسواق التجارية وحماية المقاطعة الرابعة الكتائبية، وعندما وجد المغاوير انهم سيقاتلون الى جانب الكتائبيين، رفضوا الأوامر، وانسحبت السرية الى ثكنتها في حمانا.
بعد انقسام الجيش انضم سكرية الى جيش لبنان العربي، وفي عام 1977 شارك في الدفاع عن الجنوب ضد إنشاء وتوسيع الشريط الحدودي، وقاتل في معركة استعادة بلدتي الطيبة ومارون الراس. وكذلك قاتل في وجه الاجتياح الإسرائيلي عام 1978، مع مئات من الجنود ضمن مجموعات من بقايا «جيش لبنان العربي» في القطاع الاوسط، بعد اعتقال قائده احمد الخطيب وسجنه في دمشق.
التحق بالجيش الشرعي عام 1979 بعد ان رفض طلب المقاومة الفلسطينية الاستمرار بصيغة «جيش لبنان العربي». انتدب ضابط ارتباط مع القوات الدولية حتى عام 1982، وقبيل الاجتياح سافر الى الولايات المتحدة لمتابعة دورة نقيب مشاة متقدم، من ضمن عشرت الضباط الذين ارسلوا من مختلف الاختصاصات لتحضير الجيش اللبناني للتعاون مع الجيش الاميركي، الذي كان قرر الدخول الى لبنان وإقامة قاعدة لقوات التدخل الاميركي السريع في مطار بيروت. وعندما عاد اثر الانسحاب الإسرائيلي من بيروت خدم لأسابيع عدة ضمن فريق ضباط الارتباط اللبنانيين مع «المارينز». ثم نقل الى معسكر خدمة العلم في اليرزة، ومنه انتدب مساعدا لقائد الكتيبة 42 في منطقة «الشحار» التي شهدت اهم محطات حرب الجبل المشهورة عام 1984.
كان دور الكتيبة 42 تشكيل قوة فصل بين الميليشيا المتحاربة: «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي». لكنها كانت في الواقع منحازة الى جانب «القوات». حاول سكرية مع بعض الضباط الدروز من خارج المنطقة ترتيب الامور لمنع وقوع المنطقة بيد «القوات»، لكن الامر لم يفلح. وبعد ان غادر الجنود الدروز الكتيبة 43، عيّن سكرية قائداً لها.
من هذا الموقع كانت له مساهمة رئيسية في احداث شباط 1984، لجهة التهيئة لانتفاضة 6 شباط، وإخراج «القوات اللبنانية» والجيش من «الشحار الغربي» وفك الحصار عن بيروت والضاحية الجنوبية. مما افشل المسعى الأميركي لإحداث التغيير المطلوب في لبنان لجعله قاعدة عسكرية اميركية، وأدى بالتالي الى انسحاب القوات الاميركية من لبنان وإلغاء اتفاق 17 ايار. وحسب قول سكرية، جعل من «نبيه بري ووليد جنبلاط امبراطورين لا تغيب الشمس عن نفوذهما».
افشل تمرد الكتيبة 43 خطة الجيش اللبناني في عهد الرئيس امين الجميل لاقتحام مناطق نفوذ النائب وليد جنبلاط، ولولا التمرد و«فرط» اللواء الرابع لأمكن للجيش السيطرة على الجبل والوصول الى جزين والتواصل مع الإسرائيليين، مما يعني السيطرة المطلقة على الجنوب، وإمكانية تدمير الضاحية الجنوبية، وإزالتها بالجرافات ـ حسب ما هدد البعض ـ لأن وجودها يتناقض مع وجود قاعدة اميركية في مطار بيروت تقع على مرمى نيران الأسلحة الصغيرة المنطلقة من حي السلم.
لم تغب مشاركة «النقيب سكرية» عن مختلف الاحداث اللاحقة، وكلها يستحق الاشارة، الا ان اللافت ان الرئيس الجميل اوقف ترقيات الجيش اللبناني رفضاً منه لترقية سكرية، لذلك بقي نقيباً بين اعوام 1982ـ 92. لكن موقف الرئيس الشهيد رشيد كرامي كان حاسماً: «أقطع يدي ولا أوقع على ترقيات لا تضم اسم وليد سكرية». الى ان تسلم العماد إميل لحود قيادة الجيش وسويت كل الامور العالقة فيه، فرقي الى رتبة مقدم، شارك بعدها في دورة أركان في سوريا، وعام 1998 انتدب الى دورة اركان حرب عليا في سوريا برتبة عقيد، عين بعدها قائداً للواء الثالث، حتى عام 2002، عندما عين نائباً لرئيس اركان الجيش للعديد، وهو موقع حساس لكن من دون صلاحيات، فقدم استقالته من الجيش، لكن العماد ميشال سليمان رفضها، فكررها في العام نفسه وقبلت فانتقل الى الحياة المدنية.
ما هي السيرة التي سيكتبها الضابط اللامع داخل البرلمان؟
يصنف سكرية نفسه سياسيا بأنه «عروبي هدفه تحرير العالم العربي من الهيمنة الاستعمارية وأداتها العسكرية إسرائيل». ويعتبر ان معركته في مجلس النواب هي انماء منطقة بعلبك ـ الهرمل وتحصيل حقوق ابنائها وإخراجها من حرمانها الذي اغرقتها فيه الدولة، واذا لم تنفع المطالبة بذلك، سيكون على رأس الداعين الى عصيان مدني لتحصيل هذه الحقوق.