كتبت صحيفة "الوطن" السورية في زاوية "رأي" منها ان إسرائيل كيان مكتوم الهوية ومجهول الحدود الجغرافية، وكل ما هو معلوم فيه هو، فقط، نهمه للتوسع غير المحدود وعنصريته اللامحدودة.
وتشير الصحيفة الى ان "الحقيقة أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا حدود دستورية لها، مخالفة بذلك، أول بنود ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي ينسف، منطقياً على الأقل، شرعية عضويتها في المنظمات الدولية"، معتبرة ان "عضوية إسرائيل في تلك المنظمات تعكس الطابع الإمبريالي المشترك بين الجانبين وتعبر عن التناقضات الحادة التي يحبل بها كل جانب منهما، فإن إبرام اتفاقيات السلام معها، من حيث هي مجرد لفظ إيديولوجي معلوم لمسمى جيوسياسي مجهول، أو الضغط على قوى المقاومة العربية في اتجاه الاعتراف بها، من حيث هي كذلك، هما، معاً وعلى حد سواء، مدعاة للقلق والسخرية من جانب أصحاب المنطق العلمي والعدل السياسي الدولي داخل هذه المنطقة وفي العالم".
وتلفت "الوطن" الى ان "السؤال المطروح، بصورة منطقية وأخلاقية، من جانب هؤلاء، هو: السلام مع من، والاعتراف بمن، والحال هذه؟! وكم كان الفيلسوف الألماني الكبير "كنت" دقيقاً وعظيماً، للغاية، عنـدما قال، ذات مـرة: عرّف نفسك كي أبدأ الحوار معك. على هذا النحو، نضع يدنا، بدقة متناهية، على السبب الجوهري الذي يكمن وراء عزوف إسرائيل عن ترسيم حدودها، بصورة واضحة ونهائية، ذلك أن تعريف نفسها عبر دستور يُحددها، مرة واحدة ومنذ البداية، لا ينسجم مع دستورها التلمودي ومنطقها الاستيطاني وفلسفتها الحربجية التي تقوم على المبدأ الديكارتي لرئيس وزرائها الأسبق مناحم بيغن: أنا أحارب، إذاً، أنا موجود. وتبعاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأول بن غوريون، فإن حدود إسرائيل هي هناك حيث يمكن للجندي الإسرائيلي أن يصل ممتطياً صهوة دبابته"، لتصل الصحيفة الى استنتاج أن "هذا الأمر يكشف، بوضوح لا لبس فيه، أسباب الحروب وخلفيات المجازر وكافة أشكال العدوان الأخرى، تلك التي قامت بها إسرائيل، بصورة متواصلة، وانتصرت فيها على امتداد عمرها الحادي والستين عاماً الماضية".
وتتابع الصحيفة بالقول ان "إسرائيل، التي طالما عزفت موسيقا حروبها السابقة على وتر الزعم بالقوة الإسرائيلية اللامحدودة والجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر سرعان ما اكتشفت انتهاء صلاحية ذلك الوتر وشيخوخته منذ الأيام الأولى من حرب تموز عام ألفين وستة. فقد اختبرت إسرائيل في حرب تموز مزاعم تفوقها وصلفها، التي نامت، سنوات عديدة، على أوهام صلاحيتها الأبدية؛ وقد أثبتت نتيجة تلك الحرب ومجرياتها الميدانية اليومية، بصورة شبه قاطعة، لدى عدد كبير من قادة الكيان الصهيوني وجنرالاته حقيقة كبرى مدوّية مفادها أن للقوة الإسرائيلية حدوداً وأن الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر قد خرج من تلك الحرب مقهوراً تحت ضربات بضعة آلاف من المقاومين العرب شبه العزل من السلاح، اللهم باستثناء سلاح الله أكبر والرغبة بالشهادة في سبيل الوطن وعزته وإرضاء الله في ملكوته".
وترى الصحيفة السورية ان "تلك هي الحقيقة التي عبّر عنها، بوضوح تام، كبير المحللين الإستراتيجيين الإسرائيليين إيتان غلبواع، بقوله: أثبتت حرب تموز استحالة النصر على مجموعات مدنية ذات جذور شعبية تطلق النار من مواقع غير مرئية"، مشيرة الى انه "وفي الساعات الأخيرة من تلك الحرب، وقف الرئيس الإسرائيلي الحالي محذراً الإسرائيليين من كارثة حقيقية في حال انتهت الحرب بالهزيمة، قائـلاً: خسارتنا الحرب سوف تعني نهايـتنا".
وبالفعل، تقول "الوطن"،" انتهت إسرائيل منذ تلك الساعات التاريخية المفصلية، ودائماً كمشروع صهيوني يهدف إلى بناء إسرائيل الكبرى. ولطالما أدركت الرموز العتيقة لمشروع إسرائيل الكبرى حقيقة انهيار المشروع نتيجة الهزيمة والفشل في اختبار ميداني كبير، فلعل قادة إسرائيل الصغرى اليوم يُدركون، وأكثر من أي وقت مضى، أن أي حرب قادمة يذهبون إلى إشعال فتيلها، هنا أو هناك، قد تدفع المنطقة برمتها، بما فيها إسرائيل، إلى مقبرة الأرقام وقائمة المفقودين".
وتعتبر الصحيفة ان "الهزيمة أمام إسرائيل باتت اليوم من المحرّمات ومفردة أجنبية في ذاكرات واستراتيجيات أولئك الرجال الذين انتصروا عليها في نزال تموز، من الوزن الثقيل والجماهير العريضة التي تقف من ورائهم في طول العالم وعرضه لن تقبل بعد النصر هزيمة من أي وزن كان، وعلى أي جبهة كانت"، مشيرة الى انه "سبق للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، منذ عام ألف وتسعمئة وثلاثة وثمانين، أن رصد، ببراعة القادة العظام وعبقريتهم، اتجاهات الصراع القادم في المنطقـة عندما قال: بعد اليوم لن يكون هناك خطوة واحدة نحو الوراء في مواجهة إسرائيل".
وتلفت "الوطن" الى ان "إسرائيل قادت نفسها، أخيراً، بحكم المنطق ومحكمة التاريخ، إلى مأزق مزدوج، وتجد ذاتها اليوم أمام خيارين صعبين اثنين أحلاهما مر، كل منهما (الحرب أو السلام) يضع علامة استفهام بارزة في نهاية أي سؤال حول حاضرها ومستقبلها، كدولة صهيونية قائمة وليس كأقلية يهودية ضمن دولة فلسطينية يجب أن تقوم"، مشيرة الى ان "إسرائيل التي نشأت وتوسعت عن طريق الحرب والعدوان داخل فلسطين وفي محيطها ترى نفسها الآن، عبر أصحاب العقل الإستراتيجي العسكري لدى بعض قادتها السياسيين والعسكريين، عاجزة عن الاستمرار في ممارسة ذاتها والمضي على الطريق نفسها. وفقدان إسرائيل القدرة ( وليس الإرادة ) على خيار الحرب، وبالتالي إعادة إنتاج نفسها كآلة حرب وآفة عدوان، في أعقاب هزيمة تموز، وكذلك الفشل الذريع في الحرب على غزة عشية وصبيحة هذا العام، هو الوجه الآخر الجديد لعجزها، في الأصل وبحكم ولادتها القيصرية، عن إبرام الصلح وعقد السلام مع الأفرقاء العرب الآخرين الذين قبلوا إطلاق الحوار والتفاوض معها حول إنهاء حالة الحرب بين الفرقاء المتصارعين على مدى العقود الستة الأخيرة، ذلك أن السلام، بالمعنى الإيجابي للكلمة، يقوم ويدوم بين دول أصيلة، تاريخياً، وقد أنهت خلافاتها حول أمور وقضايا أخرى ليست من نوع قضايا الوجود والمصير".
وترى الصحيفة ان "هذه الحقيقة التاريخية تعبر اليوم عن نفسها بالأقوال والمواقف الإسرائيلية الرافضة لمقتضيات السلام واستحقاقاته على محاور الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني والسوري واللبناني. فالإسرائيليون يدركون، تماماً، حقيقة أن استحقاقات السلام على هذه المحاور، مجتمعة أو فرادى، تتهدد، كما تهدد أي حرب مقبلة، وربما أكثر، حاضر إسرائيل ومستقبل العدوان والاستيطان".
أما اتفاقيتا كامب ديفيد ووادي عربة، تقول الصحيفة انهما "لا تنسفان، على الإطلاق، وإنما تؤكدان تلك الحقيقة المثبتة والموثّقة. وقد كشف عدوان غزة الأخير عن العورات المخجلة والبشعة تلك التي تعتري جسد السلام المزعوم بموجب هاتين الاتفاقيتين، ناهيك عن مسائل المياه الملوّثة والمعتقلين الأردنيين في السجون الإسرائيلية وصولاً إلى المفردات النابية والاستفزازية التي أطلقها مؤخراً، بحقد ووقاحة نادرين، وزير الخارجية الإسرائيلي بحق كل من الرئيس المصري وشعب مصر وبناه التحتية".
وتخلص "الوطن" الى القول انه "يبدو لنا، في ضوء موازين القوى الجاثمة على الأرض وسقوط الإدارات الأصولية التي قادت المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة، أن الدوران في المكان نفسه والالتفاف حول الذات هو الاتجاه الأكثر احتمالاً لحركة إسرائيل في المدى المنظور القريب. لكن، وبقوة منطق جريان التاريخ وسرعة تشكل المتغيرات الإقليمية والدولية، وكذلك تراكم الأحداث السياسية في المنطقة والعالم، فإن أفعى إسرائيل لا يمكن لها أن تبقى في حالة الالتفاف حول نفسها، وسوف تخرج، إن عاجلاً أم آجلاً، من وكرها لتجد ذاتها، من جديد، أمام الخيار الصعب أو الأصعب وهو الحرب أو السلام المصيريين. ومادامت هي مشروع حرب، أساساً، فإن الحرب قد تكون هي خيار إسرائيل الأول؛ الأمر الذي يُشير إليه صعود اليمـين الإسرائيلي إلى سدة الحكم وصنع القرار الإستراتيجي".
المحرر المحلي + وكالات