الاخبار
واصلت إسرائيل، أمس، بثّ إشارات دالّة على ارتفاع منسوب التوتر على الحدود الشمالية مع لبنان، وقدرت مصادر أمنية إسرائيلية «احتمال إقدام حزب الله على التصعيد شمالاً، من خلال نشاطات مدنية في منطقة مزارع شبعا»، فيما أعرب وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك عن «قلقه من الخطوات والتصريحات التي يقوم بها حزب الله».
ووفقاً لوزارة الخارجية والجيش الإسرائيليين، وجهت إسرائيل رسالة شديدة اللهجة إلى لبنان عبر مبعوثي الأمم المتحدة في تل أبيب، حمّلت فيها بيروت وحكومتها مسؤولية أي عمل، انطلاقاً من الأراضي اللبنانية باتجاه الدولة العبرية. وأكدت مصادر عسكرية إسرائيلية أنه «رغم الكبح الذاتي الذي أظهره الجيش تجاه مسيرات المدنيين اللبنانيين في هاردوف (مزارع شبعا)، إلا أن ضبط النفس لن يتكرر في المستقبل، وسيستخدم الجيش الإسرائيلي قوة نوعية ضدّ أي عملية خرق». وأشارت المصادر إلى أن «إسرائيل تعتقد أن حزب الله يمكن أن يصعّد من حدة التوتر على الحدود الشمالية عبر مسيرات شعبية وتظاهرات يقوم بها مدنيون لبنانيون في مزارع شبعا، تماماً كما حدث قبل أسبوع في المنطقة نفسها، وأن مصدراً سياسياً قال إن «حزب الله معنيّ بأن يكون هناك رد إسرائيلي على المواطنين اللبنانيين، لكي يتبعه رد عسكري منه».
وذكرت صحيفة «هآرتس»، أمس، أن «التوتر السائد على الحدود اللبنانية احتلّ حيّزاً في اللقاء الذي جمع إيهود باراك ونظيره الأميركي، روبرت غيتس (أول من أمس)، إذ شدد باراك على القلق الإسرائيلي من التطورات على الحدود الشمالية، ومن الخطوات والتصريحات المختلفة لحزب الله». إلا أنه عاد وأكد أمس، في حديث إلى الإذاعة الإسرائيلية، أن «هناك أسباباً جيدة لدى حزب الله ولبنان تدعو إلى عدم تسخين الوضع على الحدود».
من جهته، حاول رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، التخفيف من أجواء القلق السائدة في إسرائيل. وقال، خلال جولة له في قاعدة تابعة للجيش الإسرائيلي بالقرب من تل أبيب، إن «الجيش يتابع ما يحدث في الجنوب اللبناني بجدية، لكنه لا يتوقع خرقاً للهدوء في هذا القطاع». وأضاف أنّ «الهدوء سائد على طول الحدود، رغم وقوع حادثة هي حسب الفهم الإسرائيلي عبارة عن انفجار مخزن سلاح تابع لحزب الله، وهي مسألة تعالجها قوات اليونيفيل والحكومة اللبنانية. ونحن ننظر إلى هذه الحادثة بخطورة، رغم عدم توقعنا خرقاً للهدوء، وأنا لا أرى رياحاً للحرب تهبّ في المنطقة».
■ وليامز وتأليف الحكومة
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أمس، أن مبعوث الأمم المتحدة إلى لبنان، مايكل وليامز، زار إسرائيل قبل أيام، حيث التقى نائب وزير الخارجية الإسرائيلية داني أيالون وعدداً من المسؤولين العسكريين والأمنيين. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن وليامز خشيته «من تصاعد حدة التوتر على الحدود مع لبنان، في أعقاب انفجار مخزن السلاح ومسيرة المدنيين اللبنانيين بالقرب من كفرشوبا»، مضيفاً أن «حزب الله ينوي العودة قريباً إلى أسلوب تنظيم التظاهرات في كفرشوبا، وأن ما حصل ناجم عن مصلحة الحزب في تصعيد الوضع، لكن بطريقة مدروسة، كي يحسّن من أوراقه في المفاوضات حيال تأليف الحكومة اللبنانية».
■ الغجر إلى الواجهة
وفي السياق، أشارت دراسة إسرائيلية جديدة، روّجت لها صحيفة «هآرتس» أمس، إلى خطأ وقعت فيه الأمم المتحدة لدى وضعها للخطّ الأزرق في بلدة الغجر الحدودية، مشيرة إلى «وجوب إبقائها موحدة تحت السيطرة الإسرائيلية إلى حين التوصل إلى سلام بين سوريا وإسرائيل».
وقال مراسل الصحيفة للشؤون السياسية، عكيفا الدار، المعروف بقربه من دوائر القرار الإسرائيلي، إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تعتقد أن الانسحاب من الجزء الشمالي من قرية الغجر ومزارع شبعا «سيسحب البساط من تحت قدمي حسن نصر الله، الذي لا يفوّت فرصة للتذكير بأن أصدقاء (الرئيس فؤاد) السنيورة من الأميركيين لا ينجحون في وضع حدّ للاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان».
وأضاف الدار أن «جهات تقدير في إسرائيل كانت قد أجمعت على أنّ الجلاء عن قرية الغجر سيعزز من مكانة حكومة السنيورة في الانتخابات البرلمانية اللبنانية، بل إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو استعد لتقديم قرية الغجر هديةً للرئيس الأميركي خلال زيارته الأولى لواشنطن، إلا أن نتنياهو اكتفى بتجميد البناء في الضفة، وفضّل عدم التورط في مواجهة تظاهرات والتماسات لدى القضاء الإسرائيلي، إن قرر نقل القرية إلى لبنان». وكشف الدار عن دراسة إسرائيلية جديدة «شككت في صدقية الخط الأزرق»، مشيراً إلى أن «الدراسة مدعّمة بالخرائط والوثائق التي تشير إلى الخطأ من الناحية الجغرافية والتاريخية».
وبحسب الدراسة الإسرائيلية الجديدة التي أعدّها الأستاذ المحاضر في جامعة نوتردام في الولايات المتحدة، آشر كاوفمان، فإن «الغجر ومحيطها، وأيضاً مزارع شبعا، لم تكن ضمن أي اتفاق سابق يحدد مسار الحدود، رغم أن معظم الخرائط وضعتها ضمن السيادة السورية، ورغم أن سكانها يرون أنها خاضعة للسيادة الللبنانية». وتشير الدراسة إلى أن «الخرائط الموضوعة قبل عام 1967، لم تكن متساوقة، إذ يرى عدد منها أن المنطقة سورية، ويرى عدد آخر أنها لبنانية، بينما عدد قليل يرى أنها مقسّمة بين الدولتين».
ويضيف معدّ الدراسة أنه «حتى عام 1967، كانت الغجر تحت السيادة السورية، بما يشمل الجزء الشمالي الذي يطالب به لبنان، والجزء الجنوبي الذي ضمته إسرائيل إليها»، مشدداً على أن «هذا الواقع يظهر بوضوح من التقارير التي أعدّتها السفارة الأميركية في بيروت، وهي تقارير أعدت في الستينيات في محاولة لحل معضلة السيادة في المثلث الحدودي في سياق الصراع المائي الدائر بين إسرائيل وجيرانها».
وتشدد الدراسة على أن «هذه الحقائق لم تؤخذ بالحسبان من اختصاصيي الأمم المتحدة عندما وضعوا الخط الأزرق وقرروا إمراره داخل قرية الغجر، إذ إن تقسيم القرية نبع من ضغط شديد لضرورة إنهاء ترسيم حدود الانسحاب الإسرائيلي بسرعة».
ميدانياً، شهدت المنطقة المحاذية للخط الأزرق من ناحية الأراضي الفلسطينية تحركات مكثفة للدبابات الإسرائيلية استمرت طوال فترة قبل ظهر أمس. وحلقت طائرات استطلاع إسرائيلية في أجواء الجنوب، بالتزامن مع خرق طائرات حربية للأجواء اللبنانية. وعُقد صباح أمس في الناقورة اجتماع لبناني ـــــ دولي ـــــ إسرائيلي للبحث في خروق الخط الأزرق، ولا سيما ما جرى في كفرشوبا، إضافة إلى إثارة إسرائيل لقضية انفجار خربة سلم. وتنظم القوات الدولية العاملة في الجنوب اجتماعاً مماثلاً على نحو دوري، لكن من دون حصول تباحث مباشر بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي.