إعداد : منهال الأمين
يقترب الشيخ شفيق جرادي على عكازه من المنصة. وللعكاز مع الشيخ حكاية، ولكنه في مقاربة قضايا الفكر أداة ملهمة، للخوض في غمار كل تساؤل وحيرة. ليست هذه منصة عادية. يهمس بعض الحضور: نحن في الجامعة الأميركية. رسولة حضارة الغرب، التي من المفترض أنها تنافي معتقدات الشيخ وتوجهاته الدينية. من هذا المبنى الافتراضي، سيكون للشيخ تنويه قبل الخوض في أي كلام، أو هواجس، وهذه بحد ذاتها ليست افتراضية على الإطلاق بين "منظومتي" الدين والعلمنة. "دعوني أخيّب املكم بأمر ما". طبعا لم يكن أغلب الحضور قاصدًا قاعة تشارلز هوسلر طلبًا للخيبة، بل سعيًا وراء سماع كلام جديد في ظاهره، أصيل في جوهره، وفق ما ظل الشيخ يردد طيلة ساعة وأكثر من مداخلته. بدأ كلامه بأخذ مسافة من العلمنة والدين. لست هنا لأشتم العلمنة وأهلها. هنا يفترض الشيخ أن كلامه سيخيب أمل المتدينين، ولكنه يستدرك متابعًا في محاولة رسم مكان حيادي له، على الاقل من موقعه المحاضِر، ليقول: من السطحية عند كثيرين من العلمانيين، ظنهم أن الإنسان موضع اهتمامهم، عليه ان يعيش من دون دين. وكذلك عند الإسلاميين الذين يقولون بإمكانية إدارة شؤون الحياة من دون فُسح من العلمنة، خصوصًا في ما يلتقون به مع الآخر. ولم يفته التأكيد ان الهواجس التي يمكن الحديث عنها بين العلمنة (بفتح العين او كسرها فليس هنا القضية كما قال) والدين، يتناولها من منظور إسلامي، انطلاقًا من حقه في الحديث عن ما يمثل وما يعرف. وولوجًا إلى عالم جرادي الرحب، فطالما أن الحديث عن السلطة والدولة، فإن الحديث عن الدين هنا، هو حديث في الفكر السياسي، لا في الفلسفة ولا في الرؤية المعرفية، فلهذين الأخيرين مقاربات أخرى، لا يمكن اختصارها في ما استجد من تماس بين عنصرين، حديثي عهد بالتعاصر، كالدين والعلمنة، في مقاربة موضوعة السلطة. فالنقاش فيها، وفي الدولة استتباعًا، يعني الحيثية السياسية للموضوع. ولكن، لا يوجد ناظم سياسي يمكن الاتكاء عليه، إذا كان خاليًا من رؤية معرفية وفلسفية. ولذا، لا بد من الالتفات إلى بعض الدلالات المعرفية في النقاش.
ويضع جرادي المعادلة التالية: السلطة تساوي التمكن. وهي تقوده إلى القول بأن من كان لديه نفوذ ومشروع، يجب أن يسمح له المجتمع بممارسة هذا النفوذ. فالسلطة ضرورة لإنشاء كيان مدبِّر، إسمه الدولة، والعلاقة بينهما تتجلى في اتخاذ السلطة الدولة مرجعية لها، لتمارس إدارتها للمجتمع والسياسة. ومن زاوية السلطة، نقف على مفصل موضوعة الدين والعلمنة. الأول يعتقد ان المرجعية الشرعية لإدارة الحياة، لا بد ان تستند إلى الله، فهو الذي يضع التشريعات لإدارة شؤون الناس. وهذا أمر خاطئ، فالإسلام ليس بهذا التحديد. النظرة الإسلامية تفيد بأن الله حين خلق الخلق أوجد فيهم القدرة على التحرك، وكذلك أوجد فيهم طبائع فطرية. فالشريعة لا يمكن أن تأتي بما هو غير موجود عندي كإنسان. إنما هي تدخل إلى حيثيات الخلق، وتساعد أفكاري بامور شرعية تسمح لها بالتدبير. فلو لم يكن هناك ناس، لم يكن لا شريعة ولا دين. من هنا فإن الأصل في الإسلام، هو أصالة الإنسان، الذي يحمل مشروع الهداية ويتكامل بها. ويذهب جرادي بعيدًا، أو ربما قريبًا في ما غُيِّب من جوهر الإسلام وكان حريصًا على إبرازه، ليرى ان لا سلطة تاخذ مشروعية إلا بالاستناد إلى الناس وحقوقهم. ويستحضر مفهومًا يُطرخ بقوة هذه الأيام، وتطرق له في مقالته الاخيرة في جريدة السفير، وهو المفهوم القائم على "السيادة الشعبية الدينية"، الذي يعبر عنه اليوم "الإسلام الإيراني الشيعي"، مقدَّمًا في إطار عملي لا فقط نظري، عبر مرشده آية الله علي خامنئي. كنموذج من اثنين يحكمان العالم الإسلامي اليوم، بينما يتمثل النموذج الآخر بـ"الإسلام التركي العلماني". ويفترض أصحاب هذه السيادة أنها تقوم على ثلاثي: الاجتهاد النصوصي؛ وهو منهجية إسلامية طورها العقل الإسلامي في إيران، لتدخل بناءات النظام الحكومي والإداري، والخصوصية الثقافية والحضارية لكل أمة ودولة، بحيث تمتلك القدرة على صياغة هذا الدستور أو ذاك شرط أن يراعي إرادة الشعب المنتسب لهذه الخصوصية أو تلك، أما البعد الثالث، فهو المعاصرة التي لا تعني (التحديث)، بل (التجدّد الفكري والاجتهادي ـ السياسي). وجرادي، إذ يستحضر هذا النموذج من التفكير والتطبيق يحاول أن يعبر عن تصور متجدد ( غير جديد على الأرجح) في نظرة الإسلاميين لأشكال الحكم ومضامينه. وهنا يسجل إشكالاً على العلمنة، إذ تعد الأصل في أي شرعية لاي سلطة، هم الناس. أي ان اي عامل خارجي يؤثر فيهم وعليهم، هو امر ممنوع. ليعود ويجد لها اسبابا تخفيفية ( دفعت الزميل بيار ابي صعب، مدير الحوار، لكي يرى فيه خير محامٍ عن العلمنة)، فيميز بين علمانية (أيضًا لم يجد ضيرًا في استخدام اي المصطلحين: علمنة ام علمانية) صلبة ( ترفض الدين)، وعلمانية مرنة (تتكيف معه). إلا أن هناك قاسمًا مشتركًا بينهما، هو نفي الارتباط بأي مرجعية غير الإنسان. وهنا وُجدت لها إشكالية أساسية: أي إنسان؟ فوقع الخلاف. وتنطلق العلمانية في رفضها للمرجعية غير الإنسانية (نوعًا لا مفهومًا)، من الرغبة في تكوين رؤية عند الناس بسبب عيشهم للواقع في الزمان، أي ان اي مرجعية خارج إطار المعاصرة ( تراث – دين ...)، ترفضه العلمانية، إيمانًا بأصالة الإنسان، وهنا تجد لها تقاطعًا ما مع الدين، الذي يضيف عليها عدم امكانية مرجعية الإنسان لوحده، فهناك شيء ينسجم معه، في الإسلام حُدد بالوحي، اما في العلمانية فلا يوجد هذا المفهوم نهائيًا، وهذا ما هو سائد عنها.
وتطرق جرادي عرضًا لموضوع المصطلح: بفتح العين ام كسرها، أي الانتساب للعلم أم للعالم، ام هي اللادينية، لافتًا إلى ان مشكلة التعريفات في العالم العربي والإسلامي وبعض الغرب منشؤها التأثر بالعقل الفلسفي لأرسطو. فكل شيء يُفسر كتلة واحدة، بينما الواقع أننا لا نستطيع ان نحدد الأشياء بتحديداتها ( الإنسان = حيوان ناطق؟!)، وهناك طريقة أخرى لتعريف ومعرفة الأمور: بالخصائص.
وبناء عليه سوف نعرف العلمانية بخصائصها ( ومن خلال كتب علمانية، أوافق عليها). هي اتجاه (سماوي – ارضي – اقتصادي..)، ومسار يخلق الدوافع المولدة للأفكار، المتوجهة للإنسان او الطبيعة أو الحرب أو أو أو... مثل : الليبرالية – الديمقراطية ... وكل ما يخالف هذه المفاهيم أيضًا.
نحن نقرأ العلمانية أثناء تجربتها ومن خلالها، من هنا نجد ان العلمانية لا تعني الديمقراطية. اتاتورك نموذجًا. اذ يمكن لدولة ان تكون علمانية ولكنها استبدادية. وباصرار العلمانية على نفي ورفض المرجعيات، عجزت عن تقديم نفسها كما هي، إنما من خلال سلب الأمور المحيطة بها. وبعض العلمانيين العرب، أقفلوا عليها أي متنفس. فهناك من وجد انها "اللادينية في الرؤية المعرفية وفي الأنساق الأخلاقية وفي المرجعيات السياسية الناظمة للمجتمع. كذلك، هي الارتكاز على الزمنية في فهم العالم ومعرفته، ثم حيادية الدولة في الشأن العام، مع مراعاة حق الفرد في الانتماء الديني. وهذه النقطة الأخيرة فهمها بعض الإسلاميين خطأ. وهنا يعبر الشيخ عن تخوفه من أن تتحول العلمانية إلى ايديولوجيا في مقابل الآخرين. أو ما يشبه النزعة الدينية التي تريد اجتياح الأديان الأخرى. وقد حاول بعض منظريها تحقيق اختراق في بعض الأديان، واذ نجحوا نوعا ما في علمنة الدين المسيحي، سعوا إلى علمنة الإسلام، كمحمد أركون، صاحب "العلمنة والدين: الإسلام، المسيحية، الغرب ". وعبد الكريم سروش، صاحب "التراث و العلمانية". يتوخى هؤلاء علمنة الدين، لا التكييف. لذا صار المتدينون ينفرون من العلمانية. وأصبح هناك سوء فهم متبادل. ويغفل الطرفان (ممثلوهما) عن أن الإسلام يؤصّل حق الإنسان ونزعته. ويمكن الحديث عن ثلاثة أسباب تلخص الخلاف بين العلمانية والدين:
الأول: المسلمون يعيشون العلمانية كعقدة تاريخية، لأنها جاءتهم على جناح الاحتراب، فالغزو الغربي الاستعماري، مزق الدولة التقليدية "الإسلامية" تحت شعار "علمنة الدولة".
الثاني: تجربة علمانية الصدام والمواجهة، حتى الإلغاء، مع مصطفى اتاتورك في تركيا ( على أنقاض ما كانت تعد أنها دولة الخلافة).
الثالث: نبذ الجامعة الإسلامية في عصر النهضة، على أيدي مجموعة من مثقفين ( مسيحيين وبعض المسلمين)، ممن تخرجوا من الجامعة الأميركية نفسها، وقد ذهبوا في موقف مضاد للجامعة الإسلامية، وأوجدوا بديلا كيانيا عنها، هو الجامعة العربية، وانبثقت من هذا الاتجاه الفكري، حركة القوميين العرب وغيرها من مكونات، حجمت الانتماء، من الجامعة الإسلامية الأكثر رحابة وشمولية، إلى الجامعة العربية الأكثر تقوقعًا وعزلة، انسجاما ( عن جهل أو عمد) في ما سعى الاستعمار فيه من تحجيم وتقسيم.
أوجد هذا الأمر، شرخًا كبيرًا بين العلمانيين والاسلاميين. فبعض ممثلي العلمانية يتحدثون عن الإسلام، مثلما يتناولون القرون الوسطى: جهل، تخلف، إرهاب... قاموس مشحون وسباب متبادل. وفي المقلب الآخر، لا يتم التمييز، بين أن العلمانية نشات ضد الدين، ام المؤسسة الدينية؟ نحن نعتقد انها لم تكن ندية للدين، بل انتفاضة لعقل التنويري على السلطة السياسية والاقتصادية، والسلطة الكنسية المنسجمة معها في أوروبا تحديدًا. وإضافة إلى هذا اللغط، فإن العلمانية ساهمت في توسيع الهوة، من خلال ارتكازها إلى سلب (رفض) كل ما عداها، وخاصة الأديان. مع الوقت أصبح هناك فهم يربط العلمانية بالاستبداد، والمعارضة كانت دائمًا إسلامية وترفض العلمنة. ونصل إلى نقطة مفصلية في هذا الكباش، تتمثل في هزيمة 1967، وبمقدار ما انقض العلمانيون على الإسلام، انقض الإسلاميون عليهم، بسبب ما عدّوه سقوط تجربتهم.
ويحمّل جرادي أيضًا ما يسميه " رمادية الاطروحة العلمانية"، مسؤولية عدم وضوحها، فهي لم تقدم نفسها وكأنها بُعثت من القيم الداخلية للعالم الإسلامي، بل كأنها وافدة من الخارج. والإسلاميون أيضًا تلهوا بهذا المعطى، من دون العمل على استيعابها والحوار معها واستثمار طاقاتها. والخطير ان تتحول علاقة الاسلاميين والعلمانيين إلى مجرد طوائف تتناحر. وهذا نجده في المأساة اللبنانية. وهنا عبر عن "فجيعته" بطريقة تعاطي مسيرة العلمانيين ضد النظام الطائفي، فحين رأوا انهم يستقطبون، حملوا صور ممثلي الطوائف السياسيين وعمدوا إلى إهانتهم. يحق لنا ممارسة الهدوء أكثر. بناء على هذه التصرفات، يقول الشيخ: بت أخشى من زيادة منسوب التطرف الطائفي، حتى ممن يدعون الحرب على الطائفية. كإسلامي، إذا سألتني مثلاً عن الزواج المدني، جوابي: تزوج ولكن ليس على ذمتي. ولكن نسأل: هل هذه هي مشكلة العالم الإسلامي؟ علينا ان نترك بعض الفسح للعقلاء، لنكتشف أن الاجتهاد تحدث عن احكام الكثير من هذه القضايا بالتفصيل. وتعاطى مع أصحاب الخيارات العلمانية والمدنية على قاعدة "ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم". المطلوب فقط هو إعطاء الفرص. والخوف كل الخوف من التسطيح. يجب ان نعي بان قاعدة الرؤية الدينية مغايرة لقاعدة الرؤية العلمانية. فعلى سبيل المثال أقرأ عادل ضاهر، صاحب "الأسس الفلسفية للعلمانية" يكتب: الإسلام عنده أزمة اتساق منطقي، لأجد الخطأ في قياسه من الأصل. بقراءة غير عميقة للإسلام، لا يمكن أن نتفاهم. كذلك في بناء الأخلاق، او ما نصطلح عليه بحقوق الإنسان، هناك جهلة بالدين ينظّرون فيه. لذا أحترم الذين يحترمون الإنسان في نزعته الإنسانية، شرط ألا تُوظّف في السياسة. الإسلام يرى إلى الإنسان على أن الله كوّنه كوحدة قادرة على التعبير عن نفسها، وأن تنشئ نظامًا، بهديٍ من الله تعالى. هناك اختلافات في التفاصيل والإجراءات، ولكن يمكن لها أن تكون على أرضية واحدة. وهنا يتمنى جرادي لو كان زعيم حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، الذي يحترمه، مستمعًا، فيقول له: لن تستطيع أن تبني "كوكتيل" اسمه " دولة إسلامية مدنية وعلمانية". "شوي شوي .. حبة حبة على الناس". ولكن يمكننا بالقيم المنبثقة عن الإسلام والعلمانية، ان نبني أفقًا لدولة تتكوّن، في كبرى مقاصدها، على الوفاق بين الطرفين. وانطلاقًا منه يتكون حراك مجتمعي واحد (أصالة الإنسان)، وما المانع حينها من تكوين جسر لعبور الثقافات والحضارات بين الطوائف من دون ابتذال. ثم ينتقل الشيخ شفيق ليستحضر نموذجًا آخر من المفكرين الإسلاميين الحاليين، محمد سليم العوا، مرشح للرئاسة في مصر، والذي يرى أن أصل الفكر السياسي الإسلامي، مبني على موضوعة، الأمة. ويفصل فيها: أمة المعتقد (أخ لك في الدين). أمة السياسة: فيتحدث عن وثيقة المدينة، التي ابرمها النبي مع مكونات يثرب يومها، وحين يتحدث النبي عن الديانات الموجودة، يقول: نحن واليهود أمة واحدة. بأي معنى؟ طبعًا ليس بالبعد العقائدي، بل بالمعنى السياسي. ماذا نستفيد مما تقدم؟ إمكانية ان نستعين بروح المرونة في المقاصد الإسلامية، لنبني مجتمعًا أو دولة، على أساس المواطنة، والدين حاضر فيها، مثلما العلمانية أيضًا حاضرة. وانا مسؤول عن كلامي أقول: لا يظنن أحد من العرب والمسلمين، أن بامكانه إنشاء دولة مدنية بمعزل عن روحية الإسلام، وكذلك لا يظنن مسلم أنه يستطيع إقامة دولة إسلامية دونما جرعات على أساس روحية العلمنة، في حيادية الشان العام وحيادية الدولة والنظام. فأعود لتأكيد المبدأ بأن "مصلحة الناس هي الأصل"، انسجامًا مع الحديث الشريف :" الناس عيال الله ، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله". تفضي كل هذه الإشكالات، التي برّزها الشيخ شفيق جرادي في قالب من الانسجام المنشود، بين الدين والعلمنة إلى حوار مقتضب مع الحاضرين، لم يتردد فيه من انتقاد شعارات بعض "الزملاء" الإسلاميين في بعض الدول العربية، من قبيل : "الإسلام هو الحل"، فضم صوته إلى صوت السائلة من مصر عن فحوى هذا الشعار، محوّلا السؤال إلى من رفعوه: كيف يفسّروا لنا معناه؟ ويشير إلى أنه لم يتكرر في تونس أو حتى في لبنان. وعن الخلط بين العلمنة والإلحاد، دعا إلى تفعيل النقاش ضمن مراكز وفعاليات قادرة على الوصول إلى نتيجة، إضافة إلى الإعمال في القضايا الاجتماعية، موضع الإشكال، بروية. وضرب أمثالاً تدلل على الانغماس في التراشق والتجادل بعيدًا عن أصل المشكلة. فحين جرى الحديث عن تعنيف المرأة، حُوَّر النقاش ضد أهل الدين، وضاعت القضية الأساسية. بجرأة علق على هذا الموضوع فقال:"من يتعرض لها زوجها بالضرب، فلا تقصر في كسر يده ورجله إن استطاعت". واهم من هذا، يتم الاغراق في الحديث عن هاجس إقامة دولة إسلامية في لبنان. فيتسغرب السؤال عن أمر افتراضي "سالب بانتفاء الموضوع". فلبنان بلد لا قيامة لدولة إسلامية فيه. وفي المحصلة خلص جرادي إلى أن نموذج التعايش المطلوب خصوصًا في مجتمعات تعدد وتنوع مثل لبنان، ليس قليلا من هنا وقليلا من هنا، بما يشبه الديمقراطية التوافقية، لا، ولكن الساعي إلى قراءة الإسلام بعقل مفتوح، سيجد مساحة إنسانية مرنة وواسعة جدًا، قابلة لتمتد إلى كل شؤون الحياة. كذلك من يقرأ العلمانية بانفتاح سيجد فيها الكثير من القابلية الإيجابية لشؤون الحياة. وكمسلم أثق بما عندي، وأحترم الاخر الواثق بما عنده، ولذا فالمطلوب هو التسابق في الخيرات، ووقف السجال، فإذا كنا في احتياجاتنا قادرين على تبادل المهارات، فلماذا نعجز في ما هو أعمق وأولى. وتواعد الشيخ مع الحضور، على المحاولة من جانبه كعالم دين لايجاد أجوبة، او بالاحرى مساحات مشتركة، على أن يتخلى الآخرون عن الصورة النمطية للإسلام، والاقتراب أكثر من قيمه وحقيقته وأصالته.