حسين مرتضى
منذ بداية الحرب على سورية، كان الشغل الشاغل للمجموعات المسلحة وعلى رأسها "جبهة النصرة،" الدخول إلى قلب العاصمة السورية دمشق، لما لها من اعتبارات سياسية، ووضع يدها على كامل مدينة حلب، لكونها العاصمة الاقتصادية للبلاد، مستخدمة استراتيجية خاصة، وهي عبارة عن انتحاريين مهمتهم استهداف الطوق حول العاصمة دمشق، وفرض حالة من الرعب على السكان والعسكر تؤدي لتشتيتهم.
لم تدّخر المجموعات المسلحة و"جبهة النصرة" ما لديها من سيارات مفخخة، فاستهدفت كل الأماكن من أجل إنجاح هذا السيناريو، واعتمدت أيضاً، السيطرة على المناطق الريفية الدمشقية، التي يُسهّل لها التسلل عبرها دخول العاصمة، وبنفس الخطة ركزت المجموعات المسلحة على ريف حلب، ودخلت إلى ريفها الشمالي الممتد نحو حدود تركيا، التي أسقطت كل الأقنعة وخالفت كل الشرائع والقوانين وجاهرت بدورها في دعم العمل المسلح ضد الدولة السوريّة وآوت المسلحين، وأقامت لهم مناطق التدريب والتحشيد وهي ما زالت تواصل سلوكها العدائي هذا.
بدأت تمتد رقعة انتشار المُسلحين بعد السيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا، وتتوسع شرقاً نحو الطريق الواصل إلى محافظة الرقة، ودخلت إلى الريف الجنوبي الواصل حتى طريق السلمية، بغية إعلانها إمارة إسلامية كما أكدت "جبهة النصرة" أكثر من مرة.
في الشرق بدأت خطتهم بمحاصرة معامل الدفاع ومركز البحوث العلمية وصولاً الى مطار حلب الدولي، وتهجير أهالي قرى تلك المنطقة، ما جعل "جبهة النصرة" تعتقد أن المدينة أصبحت في يدها وتحت سيطرتها.
اتخذت القيادة السورية القرار ببدء حملة عسكرية واسعة، تطال مناطق الريف الجنوبي والشرقي لمدينة حلب، والهدف منها، خلق منطقة آمنة في محيط مطار حلب الدولي، والسيطرة على الطريق الاستراتيجي الواصل إلى محافظة الرقة، وقطع طرق الإمداد عن المسلحين هناك، وفتح طرق إمداد جديدة للجيش السوري عبر حماة، اما استراتيجياً، فجعل مدينة حلب تحت طوق عسكري من الشرق ومن الغرب ما يخرج المدينة من المعادلة العسكرية ويعطي دفعا عسكريا ومعنويا لباقي المناطق.
استخدمت القيادة السورية هذه المرة نظرية "القوة البحتة"، التي تعتمد في تطبيقها على جنود مدربين على حرب العصابات والشوارع، يقومون بتدمير قوة المسلحين تدميراً يمنعهم من العودة إلى أي معركة مستقبلاً، ما يحقق الإنهيار الميداني لهم، وحقق الجيش السوري الشروط الثلاثة لهذه النظرية، فكان القرار يتخذ في السقف الأعلى الممكن، تدمير عتاد المجموعات المسلحة وإهلاك البيئة التي يتحركون فيها او يتحصنون في منشآتها، بعد تشتيت القوة البشرية لهم، واعتقالهم أحياء، والثاني القدرة على محاصرة المنطقة المستهدفة ومنع وصول اي تعزيزات للمسلحين من خارج المنطقة، او ظهور قوى جديدة تعمل استكمالاً لدورها، والثالث يتضمن قراراً بتحمل أي نسبة في الخسائر البشرية والعتاد والمعدات مهما بلغت.
انطلقت القوات العسكرية السورية من بلدة أثرية على طريق سلمية ـ حماة الواصل حتى ريف حلب الجنوبي، تحركت القوات العسكرية لتبدأ مهمتها. وصلت المعلومات من وحدة استطلاع الجيش السوري، تخبر فيها عن كمين سينصبه المسلحون، من "جبهة النصرة"، بعد ان قاموا بزرع العديد من العبوات الناسفة على جانبي الطريق، وتمركز عدد منهم مع أسلحتهم وعتادهم، مكان الكمين بالقرب من قرية تل حمام... هدوء يسود المكان، بسرعة المقاتل الخبير، اتخذوا مواقع قتالية، وتعاملوا مع الكمين المنصوب، لتتقدم وحدة الهندسة وتفكك العبوات الناسفة. وبعد تأمين الطريق تابعت القوات مسيرها نحو هدفها، الذي كان بلدة خناصر التي تبعد 60 كلم عن السيفرة ومعامل الدفاع، ومن يحكم السيطرة عليها سيفرض إيقاع المعركة، لما لها من أهمية حاسمة في الإمدادات العسكرية لمناطق جنوب وشرق الريف الحلبي. تلك البلدة كان تسيطر عليها كتائب عدة من المجموعات المسلحة منها، "لواء سهام الحق"، "لواء درع الجبل"، "لواء أحرار الشمال" وبعض الألوية التابعة لـ"جبهة النصرة".
كانت المعنويات عالية، والإحساس بالمسؤولية يغمر الجنود، عنصر المباغتة كان السلاح الأقوى بيد قوات الجيش السوري، على مشارف بلدة خناصر ظهرت وحدات الجيش السوري، الذي باغت المجموعات المسلحة، ليدخل البلدة من عدة محاور، ليسيطر الذهول على المسلحين، ويبدأوا بالفرار أمام قوة الضربات التي سددتها لهم القوات المتقدمة، التي كانت تستخدم تكتيكات عسكريةً جديدة، وخططاً قتالية بدأت تؤتي ثمارها على الأرض، والسمة الأبرز كانت تجنب النمطية والتكرار عند تنفيذ العمليات التكتيكية المختلفة.
المعارك العنيفة التي دارت خلال الساعات الأولى للاشتباكات أدت إلى سقوط عدد كبير من المسلحين، الذين أصبحوا كعصف مأكول أمام القوة النارية لوحدات الجيش السوري.
لم تتمكن "جبهة النصرة" ومعها باقي المسلحين، من الثبات في بلدة الخناصر، رغم أنها كانت تعد من أهم معاقل تجمعاتهم في تلك المنطقة، لا سيما بعد قيام الوحدات المتقدمة وبناءً على المعلومات الأمنية من قلب البلدة، عن أماكن توزع العبوات الناسفة وتمركز المسلحين، لتقوم وحدة الهندسة بتفكيك العبوات الناسفة التي زرعها المسلحون بين البيوت السكنية، وعلى جانبي الطريق ليعيقوا تقدم القوات العسكرية.
سقوط بلدة "خناصر"، كان ضربة معنوية كبيرة للمسلحين، وبدأ الجيش بتأمين بلدات "مغيرات"،"رسم القرح"، " الراهب"، "رويهب" و"شلالة" كبيرة وصغيرة، على نفس الطريق، والتي كان المسلحون يعدون لإيقاف حركة القوات المتقدمة، ومع وصول طلائع الوحدات المتقدمة، وبعد اشتباكات في تلك القرى، دخلتها الوحدات العسكرية، بعد أن لاذ من بقي حياً منهم بالفرار مذعورين.
تابعت القوات تقدمها على الطريق الواصل إلى مركز البحوث ومعامل الدفاع، لتشهد قرى "رسم النقل"، "مويلح"، و"جبين" اشتباكات متقطعة بين وحدات الجيش والمسلحين المتحصنين فيها. دخل الجيش السوري "تل القرى" واستمر باتجاه قرية "أم عامود" صغيرة وكبيرة، لتنطلق مجموعة من القوة العسكرية بتمشيط القرية،... مقاتلون عرب وأجانب قتلوا أثناء تمشيطها.
في قرية أم "عامود كبيرة"، ضيق الجيش السوري الخناق على المسلحين، في هذه الأثناء قام أهالي البلدة بإبلاغ الجيش السوري بمعلوماتٍ عن مجموعة مسلحة تحاول إعادة انتشارها، والالتفاف على جنود الجيش المتقدمين في البلدة. رصد الجيش السوري تحركات المجموعة، المعلومات أفادت عن سيارة نقل تقل عدداً كبير من المسلحين، استهدفها الجنود بشكل مباشر، ليقتل فيها عدد كبير من المسلحين بينهم أجانب من الشيشان وليبيا ومقاتلون من جنسيات مختلفة.
استمرت القوات في تقدمها، كشلال هادر، مروراً ببلدت "جين" و"قبطين" و"خربوش". الهدف التالي كان فك الحصار عن معامل الدفاع ومركز البحوث، التي حوصرت منذ عدة أشهر ، متجاوزين كل المعوقات التي زرعها المسلحون لهم في الطريق، مفككين عشرات العبوات الناسفة التي كانت مموهة على شكل صخور تحاكي طبيعة جغرافيا المكان، وهذا دليل على التقنيات المتطورة التي زود بها المسلحون من قبل الدول الداعمة لهم. وبعد مسير طويل استطاع الجيش السوري فك الحصار الذي كان مفروضاً على مركز البحوث العلمية ومعامل الدفاع، والمشهد اللافت كان حين وصلت طلائع جنود الجيش السوري إلى بوابة معامل الدفاع، حيث تنفس الجنود المحاصرون الصعداء وتعانقوا مع الجنود القادمين، لتستمر العملية نحو مرحلتها الثانية، وتتساقط المجموعات المسلحة المرتبطة بـ"جبهة النصرة " كأحجار الدومينو.