باتت التجاذبات والتباينات حاضرة بقوة في المشهد السياسي الفلسطيني؛ فلا يكاد يمر قرار هنا أو أن تُتخذ خطوة هناك من دون إطلاق سيل من ردود الأفعال المشحونة وغير المنسجمة؛ وأحدث تجليات ذلك ما أعقب إعلان رئيس السلطة محمود عباس عن بدء مشاوراته لتشكيل حكومة التوافق؛ التي نصّ عليها "إعلان الدوحة"، ودعوته لمختلف القوى والفصائل والفعاليات للتعاون من أجل سرعة إنجاز هذه المهمة، التي ستمهد الطريق أمام تحديد موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعي ؛ إلى جانب انتخابات المجلس الوطني.
حركة حماس ـ وهي الطرف الرئيسي الثاني في عملية المصالحة ـ ؛ انتقدت الخطوة ، ووصفتها بـ"الانفرادية". وقال عضو كتلتها البرلمانية يحيى موسى :" إن المطلوب اليوم هو تطبيق الإتفاق كرزمة واحدة ؛ بعيداً عن أي انتقائية أو ترتيب للأولويات؛ لأن غير ذلك سيصب في خانة التحرك التكتيكي خدمة لمصالح حزبية".
وشدد "موسى" على التزام حركته الكامل بما تم التوصل إليه مع حركة فتح ؛ لكنها مع ذلك تعتقد بوجود مسارين اثنين رئيسيين : الأول وهو بناء مرجعية جديدة للكل الفلسطيني، والثاني إعادة ترميم السلطة ومؤسساتها.
واتهم النائب "الحمساوي"عباس بالتركيز على المسار الأخير؛ الأمر الذي ينذر بإعادة انتاج للأزمة بصورة أعمق. وتساءل "موسى" "هل ستحل الحكومة وحدها الإشكالات الجوهرية التي تتهدد القضية الوطنية ؟ الأصل أن يُصحّح المسار الذي حرفته اتفاقات التسوية منذ ما يزيد على عقدين من الزمن".
وقوبل موقف "حماس"؛ بانتقادات من جانب المتحدث باسم "فتح" فايز أبو عيطة الذي اتهم الحركة بعدم الجدية في تنفيذ اتفاقات المصالحة، واصفاً إياه بأنه مرتبط ومتناقض.
إلى ذلك؛ أعلن عضو اللجنة المركزية لـ"فتح" عزام الأحمد أن القاهرة ستستضيف خلال أيام لقاءات بين ممثلين عن حركته وآخرين من حماس ، على أن يعقبها اجتماع موسع يضم مختلف الفصائل للبحث في تشكيل حكومة التوافق، وسبل تطوير منظمة التحرير الفلسطينية.
ومن جهته ؛ النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي د. حسن خريشة؛ شدد على ضرورة أن تُعرض الحكومة العتيدة على البرلمان لنيل الثقة، وأن تكون نتاج حراك سياسي توافقي.
وأكد "خريشة" في معرض حديثه على ضرورة التزام كافة الأطراف بتطبيق البنود الأخرى التي تضمنتها اتفاقات المصالحة الموقعة في القاهرة، وفي العاصمة القطرية ؛ قائلاً:" إن الذهاب نحو استنساخ حكومة جديدة على غرار تلك التي رأسها سلام فياض خلال السنوات الماضية سيزيد أمد الانقسام".
وعن تأثير التدخلات الخارجية على مسار المصالحة ؛ قال "خريشة":" ما من شك في أن الزيارات المتلاحقة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري للمنطقة، وما يصاحبها من عروض ومقترحات لإحياء مسيرة التسوية العبثية سيكون له تبعاته على صعيد ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني".
وفيما اعتبر عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر ما قام به "عباس" خطوة في الاتجاه الصحيح ؛ لكنها بحاجة للاستكمال، أكدت حركة الجهاد الاسلامي على لسان القيادي فيها خضر حبيب أن الهدف الأسمى للمصالحة هو ترتيب البيت الداخلي ، وصياغة برنامج واضح يؤكد على ضرورة الاستمرار في مقاومة الاحتلال.