يطل عيد الجيش اللبناني هذا العام والمؤسسة العسكرية تتعرض لأشرس حملة في تاريخها. أحداث أمنية متنقلة شهدها لبنان تصدى لها الجيش بكل شجاعة وبسالة. قدم في سبيلها أغلى التضحيات. رجال قدموا الذات على مذبح الوطن لدرء الفتن التي تحدق بلبنان من كل حدب وصوب. حوادث بالجملة بدءاً من طرابلس مروراً بعرسال وصولاً الى صيدا أقسم فيها الجيش ان لا يتهاون عن حفظ لبنان وصونه من العبث بأمنه.
وللمناسبة، أحيا لبنان اليوم الذكرى الثامنة والستين لعيد الجيش في ثكنة شكري غانم بالفياضية، في احتفال حضره الى الرؤساء الثلاثة ميشال سليمان ونبيه بري ونجيب ميقاتي، قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان وليد سلمان، فضلاً عن عدد من الوزراء أبرزهم وزيري الدفاع والداخلية.
إثر وصول سليمان توجّه لوضع إكليل من الزهر على النصب التذكاري لشهداء ضباط الجيش، ليتم بعدها استعراض القوى لوحدات من الكلية الحربية ولحملة الاعلام والبيارق وتسليم بيرق الكلية الحربية ونشاطاتها، بعد ذلك سمى رئيس الجمهورية الدورة الحربية بدورة النقيب الشهيد حسام بو عرم، ليصار بعدها الى قراءة المراسيم التي افتتحها وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال فايز غصن بتلاوة المرسوم رقم 10540 لترقية ضباط دورة الشهيد بو عرم رتبة ملازم ابتداء من 1-8-2013.
بدوره، تلا وزير الداخلية مروان شربل مرسوم رقم 10543 لترقية تلامذة ضباط في المديرية العامة لأمن الدولة الى رتبة ملازم، فيما أعلن وزير المالية بالوكالة نقولا نحاس المرسوم 10544 الذي ينص على ترقية تلميذين في الكلية الحربية الى رتبة ملازم في الضابطة الجمركية.
بعد ذلك سلّم رئيس الجمهورية السيوف لضباط دورة النقيب الشهيد حسام بو عرم، ليؤدوا بدورهم قسم اليمين قبل بدء سليمان كلمته التي شددت على وجوب درس الاستراتيجية الوطنية للدفاع وإقرارها "في ضوء تطورات المنطقة والتعديل الطارئ على الوظيفة الأساسية لسلاح المقاومة الذي تخطّى الحدود اللبنانية" وذلك استنادا إلى التصور الذي كان قد وضعه في هذا الصدد أمام الشعب وهيئة الحوار الوطني التي اعتبرته منطلقا للنقاش وأشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة في تقاريره الأخيرة إلى مجلس الأمن.
وأكّد سليمان تمييزه الواضح والدقيق والمستمر بين المقاومة والارهاب، قائلاً "لتحصين مقدرتنا على المقاومة والدفاع حصرا عن لبنان فقد حان الوقت لتكون الدولة بجيشها وقيادته السياسية العليا الناظم الأساسي والمقرّر لاستعمال هذه المقدرة"، معلناً أنه "ومن أجل حماية المؤسسات من الانحلال والتلاشي ومنع النظام الديمقراطي من التآكل والتقهقر وتحصينا للجيش والأمن والاقتصاد، لن يقبع في دوامة الانتظار طويلا قبل الشروع في تأليف حكومة الوزن الوطني والمصلحة الوطنية لا حكومة الحصص والتوازنات السياسية، حكومة تحظى بثقة الرأي العام وتنال ثقة المجلس النيابي وتعمل على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي يواجهها لبنان ومنها المشكلة الناتجة عن التزايد غير المسبوق لأعداد اللاجئين السوريين والفلسطينيين الوافدين من سوريا".
ولفت سليمان إلى أنّ قسمه وواجبه الدستوري يحتّمان تلافي الوصول إلى الاستحقاقات المقبلة وذروتها انتخابات رئاسة الجمهورية من دون حكومة فاعلة تتمثل فيها جميع القوى الحيّة في المجتمع والفاعلة في السياسة "وإذا تعذّر فلا بدّ من حكومة حيادية ترعى جميع الفئات وكافة الشؤون وذلك وفق الأصول والمسؤوليات الدستورية الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة فلا تعطيل من الداخل ولا تخويف أو هيمنة ولا تدخل من الخارج".
وإذ رأى أنّ مهل الاستشارات والبحث والتواصل والاتصالات وتحليل المعطيات على وشك النفاذ والاستنفاذ،قال سليمان"علينا المبادرة وكسر حال انتظار تبدل موازين القوى الداخلية والخارجية أو محاولة الاستنجاد بالخارج من أجل بناء سلطة وطنية وتكوينها"، مؤكداً أنه "وحتى حلول موعد الاستحقاق الرئاسي المقبل سيثابر على دوام الالتزام بقسم المحافظة على لبنان كما عرفه وتسلمه بحدوده وأرضه وشعبه ونظامه ودولته".
وفيما لفت سليمان إلى أنّ معالجة العنف الكامن في المجتمعات تتمّ من خلال الآليات السلمية الديمقراطية، اعتبر أنّ هذا الأمر يتم حصرا عبر انتخابات نيابية ضرورية في أقرب وقت متاح ليس لتجديد الطبقة السياسية وإعادة تحديد أحجام القوى وأوزانها واتجاهاتها فحسب بل للاستفتاء حول الخيارات الكبرى التي تحتاج إلى مراجعة بفعل التحوّلات العاصفة في المنطقة "إذ لم يعد مألوفا ولا مقبولا أن يصادر أحد قرار الشعوب والارادة الوطنية الجامعة باسم الظروف الاستثنائية فهذه الظروف نفسها تفرض اعتماد الديمقراطية سبيلا للتغيير والتطوير وليس سبيلا للتشريع لمنع تداول السلطة وضمانا للحؤول دون إحداث فراغ وأزمات يستخدمها الأقوى للهيمنة وحسم خياراته في الشارع".
كما لفت سليمان إلى أنه وكما للمواطن حقوق على الدولة والجيش في الأمن والأمان والحماية فإن للجيش حقوقا على الشعب والدولة، فهو إلى جانب التجهيز والتسليح والدعم المادي والمعنوي يحتاج إلى بيئة وطنية نقية وإلى دولة حاضنة راعية، مشدداً على أنّ الجيش ليس جسما مجرّدا منفصلا يعمل مستقلا عن الدولة والشعب بل هو منهما ولهما ينشد الغطاء السياسي الرسمي بالقرار والشعبي بالتأييد والمؤازرة، ولكنه في الوقت نفسه ليس بحاجة إلى رعاية تبلغ حدّ الارتهان ولا إلى احتضان يبلغ حدّ الاستئثار والتقييد".
وأشار سليمان إلى أنّ مهمة الجيش تصعب إذا ترك وحيدا ومكشوفا على الخط الأمامي في السياسة والميدان ينوب في القرار والتنفيذ عن أهل السلطة والسياسة المعطلة قدرتهم غالبا على ايجاد الحلول قبل استفحال الأزمات والسباقين أحيانا إلى فتح دفاتر التشكيك والاتهام بعد إنجاز المهمات، مؤكداً أنّ الجيش خط دفاع عن الدولة والمواطنين والنظام العام والسلم الأهلي لكنه لا يستطيع أن يملأ الفراغ الحكومي والسياسي ولم يأخذ يوما على عاتقه أن يحل بوسائل عسكرية مجرّدة أزمة وطنية أو يعالج انقساما طائفيا ومذهبيا أو وضعا متفجرا على خلفية انعكاس لنزاع خارجي انخرط فيه بعض اللبنانيين خلافا للعقد الاجتماعي الذي يرتبطون به ولمندرجات إعلان بعبدا".
وشدّد رئيس الجمهورية على عدم جواز نقل الجيش من موقع الدفاع عن المواطن إلى موقع الدفاع عن نفسه خصوصاً في حالات الاعتداء عليه والغدر بضباطه وجنوده، وكذلك على عدم جواز تحميل الجيش خطايا غيره الجسيمة ثم محاسبته على أخطائه القليلة المتلازمة في غالبية الأحيان مع دقة الأوضاع وحساسيتها وتداخل المكوّنات والعوامل المشكّلة لها فليس بالاضاءة على الأخطاء نمحو خطايا السياسة، وشدّد أيضا على عدم جواز موازنة الأخطاء التي تخضع لآلية محاسبة محدّدة بالدور الوطني الكبير الذي يقع على عاتق الجيش في حماية السيادة ومواجهة العدوانية "الاسرائيلية" وحفظ الأمن ومحاربة الارهاب فالمطلوب في هذه الظروف الدقيقة حملة مع الجيش لا حملة عليه.
ورأى أنّ مهمة الجيش تتعثر أيضا إذا استمرّت استحالة قمع كل تعرض او تعدّ عليه وعلى المواطن خشية المساس بكرامة أو كيان جزء من جماعة أو طائفة بعينها، كما تصعب مهمة الجيش إذا تورّط فريق أو أكثر من اللبنانيين في صراعات خارج الحدود ما يؤدي إلى استيراد أزمات الخارج إلى الداخل فيتحوّل الوطن إلى ساحة مكشوفة لحرب بالوكالة تنوب تحت ثقلها وأعبائها جيوش الدول الكبرى، ورأى أنّ مهمة الجيش تصعب لا بل تستحيل إذا استمرّت ازدواجية السلاح الشرعي وغير الشرعي".
إثر كلمة سليمان، تم عرض فيلم وثائقي عن الكلية الحربية، من بعده جرى استعراض القوى والعرض العسكري لوحدات الجيش المختلفة على وقع موسيقى الجيش وقرع الطبول، وبعد أخذ الصور التذكارية انتهى الاحتفال، فيما أقيم حفل كوكتيل في ردهة الشرف ليغادر بعدها رئيس الجمهورية والسلطات الرسمية.
قهوجي: سنمضي قدما بمسيرة الدفاع عن لبنان
وفي هذا السياق، شكر قائد الجيش العماد جان قهوجي رئيس الجمهورية على مشاركته في حفل عيد الجيش.
وفي كلمة له من قصر بعبدا توجه قهوجي الى سليمان بالقول " نتلمس بشائر الامل في دعمكم اللامحدود للجيش سواء في اقرار الخطة الخمسية لتسليحه او من خلال المواقف الداعية للنأي به عن التجاذبات السياسية".
وأضاف " المؤسسة العسكرية تعمل على ترسيخ جهوزيتها وتعزيز قدرتها لمواجهة اي طارئ، نعاهدكم الان اننا لن ندخر اي جهد لدرء الاخطار المحيطة بالبلد، وسنمضي قدما بمسيرة الدفاع عن لبنان".