المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار

لحود في الذكرى ال64 للاستقلال: أي إجراء أتخذه إذا تعذر تسليم المسؤولية الدستورية لرئيس وفاقي سيعكس إرادة اللبنانيين


وطنية - 21/11/2007
جدد رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، العهد للبنانيين ب "السعي حتى آخر دقيقة من ولايته من أجل المحافظة على وحدة لبنان وأمنه واستقراره، وعلى رسالته الإنسانية المميزة في العالم"، لافتا إلى أن "أي إجراء يمكن أن يتخذه إذا ما تعذر عليه تسليم مسؤوليته الدستورية إلى رئيس وفاقي، سيعكس إرادة اللبنانيين بأن يبقى وطنهم مرفوع الرأس وعالي الجبين، وقويا ومتماسكا، ولا مكان لضعف في انتمائه العربي والقومي أو تردد في خياراته الاستراتيجية".

وأكد الرئيس لحود أنه منذ تسلمه قيادة الجيش ثم انتخابه رئيسا للجمهورية التزم "أمام الله وأمام اللبنانيين ألا تتكرر الحروب الأهلية التي عاناها لبنان في تاريخه القديم والحديث، والسنوات السبع عشرة التي انقضت، أثبتت أنه كان على حق، فلم تقع أي حرب أهلية بين اللبنانيين رغم الهزات الأمنية التي توالت في الأعوام الثلاثة الماضية".

وخاطب اللبنانيين قائلا: "لم أنكث عهدي معكم وحبي لكم وتضحياتي من أجلكم، وبقيت أنا أنا إنسانا لبنانيا صادقا وشريفا يسهل عليه الموت من أجل أرضه وشعبه، ويرفض الركوع والاستسلام للابتزاز والترهيب والترغيب من أي جهة أتت".

وأقر الرئيس لحود ب"أن مسيرة الإصلاح التي قادها في بداية عهده ووجهت بضغوط من هنا وهناك وعقليات تخاف التغيير ومصالح تحاول الحفاظ على المكتسبات القديمة"، مشيرا إلى "أن لبنان كان هدفا ولا يزال لمؤامرة كبيرة منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى اليوم"، معربا عن تطلعه إلى "أن تكون العدالة الدولية بعيدة عن التسييس والانتقائية بحيث لا يجرم أبرياء ويبرأ مجرمون، بل يكون الهدف الأسمى للعدالة كشف الحقيقة المجردة، وصولا إلى معاقبة المرتكبين ومن يقف وراءهم".

وكشف الرئيس لحود أن مقاطعته في الفترة الأخيرة كانت لعزله وترهيبه ودفعه إلى التراجع عن ثوابته "إلا أنني كنت أستمد من اللبنانيين ومن ضميري وقناعتي، القوة والإرادة والإيمان والتصميم على المواجهة، فحافظنا على وحدتنا الوطنية وعيشنا الوطني المشترك وصورة لبنان الرسالة في تآخي العائلات الروحية".

وأكد رئيس الجمهورية "ألا سلام في منطقة الشرق الأوسط، من دون حل شامل وعادل ودائم يرتكز على احترام قرارات الشرعية الدولية ومعادلة الأرض مقابل السلام والمبادرة العربية التي أقرت في قمة بيروت بعد إصراري على إضافة بند حق العودة إلى الشعب الفلسطيني على متن بنودها رغم ممانعة بعض الدول العربية".

وشدد الرئيس لحود "ألا سلام ولا استقرار إلا إذا انتصرت العدالة على الإرهاب الذي كنا السباقين إلى مواجهته مع بداية العام 2000"، محييا "دور الجيش الوطني الذي واجه الإرهاب في الربيع الماضي، وأرواح شهدائه الأبرار". كما نوه ب"دور المقاومة الوطنية وقيادتها الحكيمة والشجاعة وسواعد المقاومين اللبنانيين وسندها الجيش الوطني".

مواقف رئيس الجمهورية جاءت في الرسالة التي وجهها في الثامنة مساء اليوم إلى اللبنانيين عبر محطات الإذاعة والتلفزيون، لمناسبة الذكرى الرابعة والستين للاستقلال التي تصادف قبل يومين من انتهاء ولايته الدستورية.

نص الرسالة
وفي ما يلي نص الرسالة إلى اللبنانيين:

"أيها اللبنانيون،
تختلج في صدري مشاعر كثيرة، وأنا أخاطبكم عشية عيد الاستقلال. فيمتزج إحساسي بالمسؤولية بالقلق نتيجة الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، وعلامات الاستفهام الكثيرة التي ترتسم حول المستقبل.

قبل تسع سنوات من اليوم، استشعرت آمالكم وطموحاتكم في خطاب القسم، وتوقكم إلى إدارة كفية ونظيفة، وقضاء منزه، وحياة كريمة، فأكدت أمامكم قناعتي بأنه لا مستقبل لأحد في هذا البلد، إلا بقيام دولة المؤسسات في ظل النظام الديمقراطي البرلماني. وسعيت في البداية، وبكل ما أوتيت من قوة، إلى تحقيق هذه الرؤية، ومحاولة ترجمة بعض من آمالكم إلى واقع يرتقي بالبلاد والمجتمع إلى ما نصبو إليه جميعا من استقرار وعدالة اجتماعية ورقي.

وكنت أدرك بالطبع، بأن لا مكان للمثالية في مجتمع مثل مجتمعنا حيث تتداخل السياسة بالطائفية، وتزدحم الحسابات الخارجية فوق أرضنا، ولا تكون الغلبة بالضرورة للغة المنطق والعقلانية.

أيها اللبنانيون،
لن يتسع المجال هنا، لجردة بما تحقق خلال هذه السنوات التسع، وبما لم يتحقق، وإن كان لا بد من التذكير ببعض الحقائق والمعطيات. بعض المحطات كان مصدر إعتزاز وفخر للبنان، وبعضها الآخر لونه الحزن والألم والدماء.

أدعوكم بالذاكرة إلى تلمس بعض المحطات المضيئة:
فلبنان في هذا العهد، استعاد موقعه في محيطه والعالم، ونعم باستقرار أمني جعله يستقطب أهم المؤتمرات واللقاءات والأحداث العربية والعالمية، لعل أبرزها القمتان العربية والفرانكوفونية في العام 2002، حتى ضاقت روزنامة الأحداث المميزة بالمواعيد.

ولبنان في هذا العهد، حقق إنجازا تاريخيا، هو تحرير القسم الأكبر من ارضه من الاحتلال الإسرائيلي فيما لم تتمكن، وللاسف، القرارات الدولية من إزاحة هذا النير عن حدودنا. ولم يكن هذا الإنجاز ليتحقق لولا المقاومة الوطنية وقيادتها الحكيمة والشجاعة، وسواعد المقاومين اللبنانيين وسندها الجيش الوطني الذي كان لي شرف قيادته وإعادة توحيده، تزلزل الأرض تحت أقدام العدو، وتدفعه مرغما الى الاندحار.

ولا شك أن ثمن الانتصارات كان غاليا، وإن كان لا يقاس بما تحقق. فسقط آلاف الشهداء الذين أحيي اليوم ذكراهم، وأسر مئات الأبطال الشرفاء، الذين استعدنا كوكبة منهم، ونتطلع إلى اليوم القريب الذي سنستعيد من تبقى منهم.

ولم نكتف بالأرض، فناضلنا من أجل حقنا بالمياه، واستعدنا مياه الوزاني تحت أعين العدو، لنؤكد له وللعالم، أن وطنا صغيرا لا يعني وطنا مجردا من القوة، بل إن كل قوته تكمن في تمسكه في حقوقه، ودفاعه المستميت عنها.

وهذا التصميم بالذات، كان وراء استرجاعنا ثمانية عشر مليونا من الأمتار المربعة من أرض الجنوب، بعد شهرين على صدور قرار مجلس الأمن الدولي الذي اقر الانسحاب الإسرائيلي، والذي تحفظنا عليه في حينه على رغم الضغط الذي مارسته علينا الإدارة الاميركية عشية صدوره، وتمسكنا يومها بالمطالبة بحقنا بكل حبة تراب من أرض الوطن، فكان لنا ما أردناه. وهذه الإرادة يجب أن تبقى حية فينا لنستمر في المطالبة باستعادة أرضنا المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومياهنا، والتي لن يكتمل التحرير من دونها.

ولبنان في هذا العهد، شهد تعزيزا للديمقراطية، فجرت لمرتين إنتخابات نيابية وبلدية واختيارية، قال فيها اللبنانيون كلمتهم برغم ما شاب قانون الانتخابات النيابية من ثغرات سعينا إلى تفاديها في العام 2005، فكتبنا إلى مجلس النواب علنا نتمكن من تصحيح خلل بات موضع شكوى الجميع. لكن سعينا لم يلق التجاوب المطلوب. ولعل أحد وجوه أزمتنا السياسية الراهنة غياب التمثيل الشعبي الحقيقي.

وتضاف إلى هذه المحطات المضيئة التي ذكرت، إنجازات كبيرة في الخدمات والصحة والتربية وغيرها، ستكون هناك بالتأكيد مناسبة لمراجعتها حتى لا تمحوها قتامة المرحلة التي نعيشها وبعض النوايا السيئة.

أيها اللبنانيون،
إذا كنا حققنا بعض الإنجازات الوطنية والقومية الكبرى في السياسة والشأن العام وغيرهما من المجالات، إلا أن حلم التغيير والإصلاح لم يكتمل. وكنت تحسست حجم العوائق من البداية، لذا أكدت لكم في خطاب القسم أنه لدي النية والإرادة في التغيير، ولكن ليس لدي عصا سحرية.
فمسيرة الإصلاح ووجهت بضغوط من هنا وهناك، وعقليات تخاف التغيير، ومصالح تحاول الحفاظ على المكتسبات القديمة. وخير دليل على ذلك، عرقلة تنفيذ قانون "وسيط الجمهورية" الذي اردنا منه، شأننا شأن دول كثيرة تعتمده، أن يكون جسر عبور بين المواطن وإدارات دولته بعيدا عن الرشوة والفساد والابتزاز.

وتعثرت مسيرتنا كذلك في الإنماء المتوازن وفي استكمال مشاريع الرعاية الاجتماعية. فبرغم إقرار قانوني ضمان الشيخوخة والبطاقة الصحية، إلا أنهما لم يريا النور إلى اليوم. وبرغم إقرار الخطة العشرية للمياه، لم نتمكن إلا من إنجاز سد مائي واحد وهو سد شبروح.

أيها اللبنانيون،
وطنكم كان هدفا لمؤامرة كبيرة، ولا يزال، منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى اليوم. دقت الأحزان أبواب بيوت الكثيرين، وخطفت المؤامرة شخصيات وطنية وابرياء، واهتز الاستقرار والأمن في البلاد، بعدما كانت منظمة الانتربول الدولية قد صنفت لبنان تلك السنة، في المرتبة الأولى بين الدول الأكثر أمنا واستقرارا في العالم.
إلا أننا نتطلع معكم إلى أن تكون العدالة الدولية، كما أردناها منذ اللحظة الأولى، بعيدة عن التسييس والانتقائية، فتصحح الخلل الذي أوقع ظلما لحق بمجموعة من الضباط والمدنيين ما زالوا في السجن منذ أكثر من سنتين من دون أن توجه إليهم أي تهمة الأمر الذي يناقض القوانين والحقوق الإنسانية التي تنادي بإحقاق الحق، بحيث لا يجرم أبرياء، ويبرأ مجرمون، بل يكون الهدف الأسمى للعدالة كشف الحقيقة المجردة وصولا إلى معاقبة المرتكبين ومن يقف وراءهم.

أيها اللبنانيون،
لقد بدا واضحا أن هدف هذه الجرائم هو ضرب وحدتنا الوطنية وإضعاف إرادتنا، تمهيدا لتمرير المؤامرات، وأخطرها مؤامرة توطين الفلسطينيين في لبنان، والتي واجهناها منذ إطلالتنا الأولى على العالم في مؤتمر القمة الفرانكوفونية في مونكتون في كندا.
ولأننا رفضنا المساومة، ولم نخضع للابتزاز، تمت مقاطعتنا للضغط علينا، في محاولة لعزلنا وترهيبنا ودفعنا إلى التراجع عن ثوابتنا. إلا إنني كنت أستمد منكم دائما، ومن ضميري وقناعتي، القوة والإرادة والإيمان والتصميم على المواجهة. فحافظنا على وحدتنا الوطنية وعيشنا الوطني المشترك، وصورة لبنان الرسالة في تآخي العائلات الروحية.
ولما كان طيف المؤامرات ما زال مخيما على أجواء الوطن، وشبح الفتنة يقض المضاجع، فخوفي أن يتزعزع إيمان بعضنا بهذا الوطن وبديمومته، فيرتضي أن يكون أداة لإسقاطنا من الداخل، بعدما عجز الخارج عن ذلك بالضغوط والعزل والحروب، وآخرها حرب إسرائيل الهمجية علينا في صيف العام 2006، التي أكدنا منذ اليوم الأول لبدئها، أن الغلبة ستكون في النهاية للبنان وشعبه ومقاومته وجيشه، وهكذا كان.

أيها اللبنانيون،
فيما تقبل المنطقة على تحضيرات لمؤتمر أعطي عنوان السلام، يجب أن يبقى ماثلا في اذهاننا أن لا سلام من دون حل شامل وعادل ودائم يرتكز على احترام قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومعادلة الأرض مقابل السلام، والمبادرة العربية التي اقريناها في قمة بيروت العربية بعد إصرارنا على إضافة بند حق العودة للشعب الفلسطيني على متن بنودها، على رغم ممانعة بعض الدول العربية.
ولا سلام ولا إستقرار إلا إذا انتصرت العدالة على الإرهاب الذي كنا السباقين إلى مواجهته مع بداية العام 2000. وتكررت المواجهة القاسية والدموية معه في الربيع الماضي حيث تصدى له الجيش الوطني، باذلا الشهداء والجرحى والمعاقين، قرابين في سبيل الحفاظ على أرض لبنان ورسالته.
أيها اللبنانيون،
قد تسألونني: ماذا بعد؟ ومن حقكم علي أن أصارحكم، كما كنت دائما، واحدا منكم: ماذا ينتظر لبنان؟
لقد جهدت على مدى السنوات الماضية من أجل إعادة تلاقي اللبنانيين، وناديت بالحوار بين القيادات، وقدمت المقترحات والمبادرات الواحدة تلو الأخرى.
إلا أنني، ويا للأسف، كنت أجابه دوما بافتراءات حينا، وإساءات أحيانا. لكنني تجاوزت كل ذلك، ليقيني بأن مصلحة لبنان لا تعلوها مصالح الأشخاص وحساباتهم المرحلية.
اليوم، وفيما البلاد تتلمس سبل النجاة، أجدد عهدي أمام الله وأمامكم بأن أواصل سعي حتى آخر دقيقة من ولايتي من أجل المحافظة على وحدة لبنان وأمنه واستقراره، وعلى رسالته الإنسانية المميزة في العالم وأي إجراء يمكن أن أتخذه إذا ما تعذر علي تسليم مسؤوليتي الدستورية إلى رئيس وفاقي تلتف حوله الغالبية العظمى من اللبنانيين، سيعكس إرادتكم في أن يبقى وطنكم مرفوع الرأس وعالي الجبين، وقويا ومتماسكا، ولا مكان لضعف في انتمائه العربي والقومي أو تردد في خياراته الاستراتيجية التي ارتكزت على الايمان بلبنان الواحد الموحد بشعبه ومؤسساته، القوي بجيشه الوطني، وبمقاومته الباسلة، والمحصّن بعلاقاته مع الدول الشقيقة والصديقة، وبروابط الأخوّة المميزة مع الشقيقة سوريا ضمن سيادة وكرامة وحرية قرار كل من البلدين الشقيقين.
أيها اللبنانيون،
مسيرة طويلة قادتني إلى الانضمام إلى صفوف الجيش ضابطا في خدمة أرضي وشعبي. ثم قائدا للجيش ناضل من أجل توحيده على عقيدة وطنية، وعندما تحقق ذلك التزمت أمام الله وأمامكم ألا تتكرر الحروب الأهلية التي عانى منها لبنان في تاريخه القديم والحديث. وإذا كان البعض شكك يومها في مدى قدرتي على التزام وعدي، فإن السنوات السبع عشرة التي انقضت من ذلك التاريخ وحتى اليوم أثبتت أني كنت على حق، فلم تقع أي حرب أهلية بين اللبنانيين على رغم الهزات الأمنية التي توالت في الأعوام الثلاثة الماضية.
وعندما رفعتني ثقتكم إلى السدة الرئاسية كان قدري أن أخوض المواجهات القاسية ضد صراع المصالح والمؤامرات والفتن، فصمدت متسلحاً بهذه الثقة، في وجه الضغوط الدولية والإقليمية وبعض الداخل حتى الدقيقة الأخيرة من عهدي.

أيها اللبنانيون،
إذا كنتم أنتم الحَكَم كما خاطبتكم منذ اليوم الأول لتسلّمي مسؤولياتي، فلكم اليوم أن تكونوا حكماً عادلاً يتصفح السنوات التسع بموضوعية. ويكشح عن عينيه تعمية بعض الإعلام المأجور، وضجيج التراشق، وهول الظروف التي نعيشها، ليتلمس صدق النوايا وصلابة إرادة التمسك بالحق، وعزم التغيير، وخطورة حقول الألغام التي نجتازها.
وما ستكتشفونه هو أنني لم أنكث عهدي معكم، وحبي لكم، وتضحياتي من أجلكم. وبقيت، أنا أنا، إنساناً لبنانياً صادقاً وشريفاً، يسهل عليه الموت من اجل أرضه وشعبه، ويرفض الركوع والاستسلام للابتزاز والترهيب والترغيب من أيّ جهة أتوا.

أيها اللبنانيون،
لقد فهمت المسؤولية خدمة وليس فرصة للاسترزاق والتسلط، وكان هدفي الوحيد ألا يكون وطنكم مستفرداً أو ضعيفاً، بل عملت ليكون لبنانكم سيداً حراً ومستقلاً وموحداً يعيش فيه أبناؤه بكرامة، أسياداً على أرضهم، متجذرين فيها وشامخين كأرز لبنان. عشتم وعاش لبنان.

22-تشرين الثاني-2007
استبيان