المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار

فضل الله: تدخل السفير الأميركي يعبّر عن سياسة الوصاية على لبنان وعلى العرب واللبنانيين الوحدة لمواجهة القضايا المصيرية

الجمعة 30/11/2007
ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: هل المؤتمر الدولي المنعقد في أنابوليس والذي تحول إلى تظاهرة دولية وعربية وإسرائيلية بإشراف أميركي، هل هو نهاية لحقبة من الصراع بين الموقعين العربي والإسرائيلي، أو أنه بداية لطورٍ جديد من هذا الصراع يتزامن مع حال اهتراء عربية عامة يجسدها العجز عن المقاومة، بعد إغلاق نافذة القوّة في المواجهة مع إسرائيل، وبالأخص لدى خروج الدولة العربية الكبرى، مصر، من ساحة الصراع، وتحول الموقف إلى مصالحة مفتوحة مع العدو؟

وأضاف: إننا نتساءل: هل الموقف هو الضغط من أجل قرع جرس الانطلاق للمناضلين من أجل تحرير أوطانهم، الأمر الذي لا يدور في ذهن أي نظام عربي، أو من أجل إجراء عمليات ترميم للأنظمة التي كلما ظهر عجزها يتعاظم دور الخارج لمنعها من السقوط؟ ويبدو أن واقع القيادة العربية ليس أفضل حالاً من لبنان في وضعه الراهن، حيث بات جمهورية في حمى الفراغ، لأن بعض مواقع القيادة العربية لا تقوم بمهمة التفكير والتخطيط المسؤول للمستقبل، ما جعلها تعيش في حال أشبه بالفراغ السياسي والاقتصادي والأمني.

واشار الى انه من اللافت أن وزيرة خارجية العدو تحذر العرب جميعا من التدخل في المفاوضات مع الفلسطينيين، لأنها تريد للشعب الفلسطيني أن يكون معزولا عن العالم العربي، في قضاياه ومشاكله وفي التحديات التي تواجهه، تماما كما كانت الحال في مؤتمر مدريد الذي رفضت إسرائيل فيه أن تفاوض العرب مجتمعين، لأنها تريد الانفراد بكل دولة عربية، من خلال التركيز على نقاط ضعفها، وهذا هو الذي جعل القضية الفلسطينية تدخل في متاهات سياسية لم تبلغ بها أي هدف من أهدافها الكبرى،

ومن جانب آخر، فقد تمنى رئيس وزراء العدو أن لا تكون عمليّة التطبيع مع العالم العربي مرتبطة بالحل مع الفلسطينيين، كما اعتبرت وزيرة خارجيّته أن هذا الحضور الكثيف للعالم العربي يؤكد أن دوله تحولت من التطرف إلى الاعتدال الذي يفتح أبواب الصداقة مع العدو الصهيوني والخضوع للسياسة الاميركية، بما في ذلك التحالف مع العدو ـ إلى جانب أميركا ـ ضد إيران التي يراد للعرب أن يضعوها في دائرة الخطر المحدق بهم في الوقت الذي يراد لإسرائيل أن تكون في موقع الحليف والصديق.

وقال آية الله فضل الله: من الطريف أن رئيس كيان العدو، شيمون بيريز، يفسر حضور الدول العربية بهذه الكثافة، بأنّه من أجل مواجهة التهديد الإيراني، ليحاول أن يرسم للسياسة العربية خطا جديدا تفرضه مقتضيات المصلحة الأميركية والإسرائيلية لا مقتضيات العرب وقضاياهم. والسؤال الذي يفرض نفسه: ما هي نتائج هذا المؤتمر من الناحية الواقعية؟

وتابع: لقد استمعنا إلى الرئيس بوش في خطابٍ حماسي انفعالي، يؤكد فيه قيام دولة للفلسطينيّين إلى جانب إسرائيل كدولة للشعب اليهودي، بما يجعل الفلسطينيين يعيشون حياة مستقلة مستقرة ـ كما يزعم ـ، ويبشر باللجان التي يؤلفها من أجل إدارة المفاوضات لتحقيق الهدف الفلسطيني، مغفلا الحديث عن قضايا الوضع النهائي، كالقدس والحدود والمستوطنات واللاجئين، ولم يتحدث عن الآلية التي يمكنها أن تحقق النتائج الكبرى في هذه المفاوضات التي استنفدت عشرات السنين، بما في ذلك اتفاق أوسلو، مما لم يكسب فيه الفلسطينيون إلا الاحتلال الوحشي والاجتياح العدواني والاعتقال المتحرك الذي امتلأت منه السجون، والاغتيال الذي يلاحق كل الطلائع الفتية في الضفة وغزة والقدس، والحصار الخانق من خلال المستوطنات والجدار العنصري، وتهويد القدس، إلى غير ذلك مما يدخل في تدمير البنية التحتية. ولم تحرك الإدارة الاميركية ـ برئاسة بوش وغيره ـ ساكنا في عملية احتجاجية، بل اعتبرت كل ما تفعله إسرائيل حربا على الإرهاب، ودفاعا عن النفس، إضافة إلى أن اعتبار إسرائيل دولة للشعب اليهودي يمثل إعلانا غير مباشر يشجّع العدو على تهجير الفلسطينيين من أراضي فلسطين الـ 48. وأمّا القضايا الكُبرى فتؤجّل إلى المفاوضات التي تملك فيها إسرائيل كلّ الأوراق، مما لا يؤدي بالتفاوض إلى أية مصلحة للفلسطينيين وخصوصا مع غياب ضغط أميركي أو أوروبي أو عربي عليها في هذا المجال.

واكد إنّ هذا المؤتمر لم يكن من أجل تحقيق السلام للعرب والفلسطينيّين؛ بل هو من أجل الرئيس الأمريكي الذي يريد أن يقدّم نفسه للعالم كرئيسٍ يعمل من أجل السلام، ولاسيّما في قضيّة فلسطين التي لا يزال العالم ينتظر إيجاد حلول واقعيّة لها، وخصوصاً أن النتائج السلبيّة لتفاعلاتها التي تنعكس على المنطقة اقتصاديّاً وأمنيّاً وسياسيّاً تؤدّي إلى تعقيد الأوضاع في العالم العربي والإسلامي وفي أوروبا وغيرها. ويبقى السؤال الكبير: ما هي الفائدة من حضور العرب الكثيف ـ ولاسيّما لبنان ـ في هذا المؤتمر الذي أريد له أن يكون أداة ضغطٍ جديدة على الفلسطينيّين لتحقيق أهداف إسرائيل، وفي طليعتها تنفيذ العرب التطبيع المجّاني مع كيان العدوّ؟ وفي خطٍّ آخر، لا يزال العراق يستقبل في كلّ يومٍ المجازر الوحشيّة التي يُذبح فيها الأهل أمام أطفالهم، كما هو حال تلك الأسرة التي قُتلت ثأراً من صحافي معارض، وتنطلق قوّات الاحتلال لتثير العنف في أكثر من موقع، ولتحرّك الفوضى في كلّ الميادين. ويبقى الشعب العراقي يعاني ذلك كلّه، ويندب حظّه منذ الغزو الأمريكي لبلده. ولا يسعنا في هذا المجال إلا التأكيد على تصريح اسقف كانتربري، الذي قال قبل أيّام: إنّ أمريكا أسوأ مستعمر، وإنّ الحرب على العراق أدّت إلى أسوأ الأوضاع في العالم.

واضاف: أمّا في لبنان، فقد أيقن الوسطاء العرب والفرنسيّون أنّ الأمريكيّين نصبوا لهم فخّاً في منتصف الطريق إلى الاستحقاق الرئاسي؛ ولذلك ركّزوا جهودهم على تنظيم الفراغ، وقيل لهم إنّ الفراغ قد يقيم طويلاً في القصر الجمهوري، فمن يُرِدْ انتظار الضربة العسكرية الأمريكية لإيران، أو يراهنْ مجدّداً على ضربة إسرائيلية لسوريا، فعليه أن ينتظر حتّى مطلع شهر آذار، وفق بعض التقارير الاستخباريّة التي يتمّ تسريبها من جهات دوليّة متعدّدة، ممّا لا نعرف مدى صحته.ولذلك يتندّر البعض في الوسط السياسي اللبناني كيف أن أحد الوزراء الأوروبّيين شكا أمام بعض أصدقائه من اللبنانيّين من فيتو أمريكي ودخول غير مسبوق على خطّ الاستحقاق الرئاسي، والشكوى نفسها كرّرها وزير أوروبي آخر، وكيف انتهى التفويض الأمريكي للفرنسيّين قبل يومين من موعد الاستحقاق عندما شعر الأميركيّون أنّه من الممكن أن يُمهّد الطريق لبعض المرشّحين؛ لأنّ أمريكا التي تُطْبق بوصايتها على لبنان لا تريد أن يشاركها أحد في ذلك حتى لو كان أوروبيا.

ورأى إن أميركا لا تحترم إلا مصالحها الاستراتيجية التي تريد للبنان ولرئاسته وحكومته وجيشه والفريق السياسي الخاضع لها أن يكون في خدمة مشاريعها، وفي مقدّمها مشروع الشرق الأوسط الجديد، وحماية الأمن القومي الأميركي الإسرائيلي، في امتداداته لأكثر من دولة في المنطقة تعارض سياستها الأمنيّة، ولا سيّما في العراق وأفغانستان وإيران وسوريا ولبنان. وينبغي للبنانيّين جميعا التوقّف عند التصريحات التي يطلقها السفير الأميركي وتدخله المفضوح في خصوصيات الواقع اللبناني، على مستوى الاستحقاق الرئاسي وغيره، وذلك في إطار خط السياسة الأميركية الرسميّة في الوصاية على لبنان. كما أنّ عليهم التنبّه إلى التأثير السلبي لخيبة الأمل العربيّة من مؤتمر أنابوليس على الوضع العربيّ بعامة واللبناني بخاصة، ما يفرض العمل على صون الوحدة الداخلية تجاه القضايا المصيرية التي تتعلق بمستقبل البلد، وليس التفرّد في أخذ البلد إلى بعض المحاور التي تنتج مزيدا من التعقيدات في الواقع اللبناني. أما الشعب اللبناني، فإنّه يواجه الموقف من خلال القلق النفسي والمشاكل الاقتصادية، وعليه أن يعمل لتحمل المسؤولية في الحفاظ على أمنه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وما إلى ذلك، وأن لا يخضع للذين يريدون استخدامه في أوضاع العنف خدمة لزعاماتهم ومذهبياتهم وطائفيتهم وأحزابهم.

30-تشرين الثاني-2007
استبيان