قناة المنار- 14/12/2007
شيّع لبنان في اجواء من الحداد العام، مدير عام عمليات الجيش اللبناني الشهيد اللواء الركن فرنسوا الحاج ومرافقة الشهيد المعاون خير الله هدوان، اللذين اغتيلا يوم الاربعاء الماضي في بلدة بعبدا شرقي بيروت، ونقل جثمانا الشهيدين من المستشفى العسكري المركزي في بدارو في موكب حاشد، تقدمه ذوو الشهيدين ورفاق الدرب الذين حملوا النعشين على الأكف، وسط زغاريد النسوة وذرف الدموع والتصفيق.
كنيسة البازليك - سيدة لبنان في حاريصا
صدّق كل من فقد فرنسوا الحاج الأب، والإبن والأخ والصديق قبل أن يكون ضابطاً، أن النعش الملفوف بالعلم اللبناني يحتضن في قلبه من امتدت يد الإجرام لتقتله صبيحة يوم مشرق. الكل كما الموسيقى، حنى رأسه عند السابعة والنصف صباحاً بتوقيت بيروت، أمام جثمان الشهيد اللواء الركن فرنسوا الحاج الذي خرج من المستشفى العسكري المركزي في بدارو، متجهاً إلى بعبدا حيث المنزل الذي غادره للمرة الأخيرة للإلتحاق برفاقه العسكريين الشهداء، الذين رفض مراراً ذرف الدموع عليهم لأن الشهيد بالبذة العسكرية أعلى مراتب الشرف.
ساعة من الزمن قضاها جثمان الحاج في حضن أسرته، قبل الإنطلاق إلى حضن الوطن في رحلة باتجاه كنيسة البازيليك - سيدة لبنان في حاريصا. ومن دون حاجة لشعارات أو خطابات، إنطلق اللبنانيون مسلمون ومسيحيون خلف النعش كل يترحم على شهيد لبنان على طريقته، من دون أن يمنع الطقس الماطر من تزاحم المشيعين.
وصل الجثمان إلى الكنيسة، رفاق السلاح أدوا التحية العسكرية لضابطهم قبل أن يرفعوه فوق النجوم والأشرطة التي تحملها أكتافهم. وفي الداخل، إبتسمت روح اللواء الركن الحاج لمشاهدتها وجوهاً لم تجتمع في مكان منذ فترة طويلة. ليبدأ بعدها جنّاز راحة النفس بحضور كبار الأساقفة ورجال الدين.
رحلة الجثمان الى الجنوب
وبعد الجناز لراحة نفسه في بازيليك سيدة لبنان في حاريصا، بدأ جثمان الشهيد رحلته باتجاه الجنوب، في موعد أخير مع منطقته وقريته، التي احب ودافع عنهما كما عن كل الوطن. أولى المحطات التي توقف فيها موكب التشييع، كانت في بوابة الجنوب صيدا، حيث احتشد الأهالي والفعاليات السياسية والدينية والاقتصادية عند جسر الأولي، تحت طقس ماطر وعاصف لوداع الشهيد. وعند وصوله بدأ المواطنون بنثر الأرز والورود، وعلا صوت الاذان واجراس الكنائس.
بعد ذلك، وصل موكب التشييع إلى مسجد الحاج بهاء الدين الحريري، حيث استقبلته الحشود ووضعت الأكاليل على السيارة التي تحمل النعش. ثم كانت محطة أخرى قرب السراي الحكومي في المدينة، وهناك عزف كشاف لبنان معزوفة الوداع.
من صيدا إلى صور، حيث كان أهالي بلدات وقرى المدينة محتشدين عند المفارق على طول الطريق الساحلية لإلقاء التحية ونثر الارز، حاملين الرايات السوداء والاعلام اللبنانية ورايات المقاومة.
وعند دوار البص على المدخل الشرقي لصور، استوقف المئات من المواطنين الموكب الكبير على رأسهم راعي ابرشية صور للموارنة المطران شكر الله نبيل الحاج ورئيس اتحاد بلديات صور عبد المحسن الحسيني. ثم مر الجثمان ببلدات البرج الشمالي والبازورية وجويا وتبنين، دون اي تغيير في مشهد الحشود.
اللقاء الآخر المهيب كان في بنت جبيل وتحديدا منطقة صف الهوا، حيث لم يثن الهواء العاصف آلاف المواطنين من مختلف الأعمار عن الاحتشاد لساعات لإلقاء التحية على اللواء الشهيد، وسط جو من الحزن والأسى والحداد.
أما في مسقط رأس الشهيد الحاج في رميش، فساعات طويلة مرت على المنتظرين، حتى ملت الشمس من الانتظار. وحدها كنيسة التجلي بقيت مشعة بأضوائها وبحركة المواطنين المحتشدين بالآلاف.
وقد جرى عرض لأبرز محطات اللواء الشهيد في الجيش على شاشة ضخمة داخل الكنيسة، بحضور حشد كبير من الجنوبيين من كافة البلدات، ورجال دين وعسكريين ورفاق الدرب، وممثلين عن القوات الدولية اليونيفيل. وعند وصول الموكب، علت أصوات المواسين ودقت أجراس الكنيسة ونثر الورد و الأرز على النعش، ووسط التصفيق وذرف الدموع سجي الجثمان على المذبح، حيث أقيمت صلاة لراحة نفسه.
حزين تودع بطلها الشهيد هدوان
شيعت حزين اليوم شهيدها الرقيب أول خيرالله هدوان في جنازة مهيبة. و رغم برودة طقسها العاصف، استقبلت البلدة البقاعية شهيدها بلهفة الأم المشتاقة لاحتضان فلذة كبدها من جديد. عند الحادية عشر صباحا بتوقيت بيروت، وصل موكب الشهيد الى مسقط رأسه، فكان له عرس شهادة. رفاق السلاح حملوا نعشه المجلل بالعلم اللبناني على الأكف أما أهالي بلدته والقرى المجاورة فاستقبلوا بطلهم بنثر الورد والأرز على جثمان من ذاد عن الوطن بروحه.
بعد ذلك أدخل النعش إلى حسينية البلدة، حيث كان في انتظاره ممثلو قائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي والمدير العام للأمن العام والمدير العام لأمن الدولة، كذلك كان من بين الحضور النائبان حسين الحاج حسن وحسن يعقوب ورئيس بلدية بعلبك إضافة الى حشد من المواطنين.
كلمة قائد الجيش ألقاها ممثّله العقيد الركن نجيب الخطيب، فأشار إلى أن مدرسة الجيش تعلّم مرتادوها أن شرف الانتماء إلى الوطن لا يستحق إلا بالبذل والعطاء والاستعداد الدائم للتضحية دفاعا عن الأرض والشعب، كما تحدّث الخطيب عن مناقبية الشهيد. بعد ذلك قلّد العقيد الركن الخطيب الشهيد عددا من الأوسمة، باسم قائد الجيش ثم منحه علما يبقى في منزله تقديرا لعطاءاته وشهادته. ثم ودعت العائلة شهيدها قبل أن يوارى الثرى في جبانة البلدة.