"العهد" مع أسرة الشهيدين محمد ويوسف حدرج المجاهدة: الجنوب وجهة الجهاد الأساسية
الام: أولادي الثلاثة الباقون نذرتهم لتحرير القدس
محمد ويوسف حدرج شهيدا الإسلام من شجرة العائلة الواحدة
"حملا هم نشر الإسلام بالانفتاح على الاخرين بالاسلوب الطيّب والعمل الدؤوب الجاد دون كلل أو ملل
وجاهدا لتأكيد الفكر الإسلامي وقوة الإسلام في قهر الظالمين على الرغم من التواضع الكبير في العدد والعدة والامكانيات المتاحة...".
هكذا قدمت "العهد" لمقابلة كانت أجرتها مع والدي الشهيدين في العام 1986، نقتطف منها بعض ما يكشف عمق تجربة المقاومة الإسلامية ومدرستها الجهادية والتربوية، وصوابية رؤيتها، وصدق الانتماء في توجيه البندقية نحو العدو الصهيوني للدفاع عن فلسطين والمقدسات، ولمناسبة مرور أسبوع على ارتحال الوالد الحاج عبد الحسين حدرج إلى جوار الشهداء نعيد نشر مقتطفات من المقابلة:
الوالد.. والحكايا الاولى
" جو البيت من الاساس هو جو ديني إسلامي والشهيدان عاشا هذا الجو منذ طفولتهما فتربيا تربية إسلامية خالصة فمنذ سن السابعة تقريباً بدآ الصلام والصوم.
في العام 1976 هُجرنا من سن الفيل إلى صور وانتسب يوسف ومحمد إلى الكلية الجعفرية التي أسسها السيد عبد الحسين شرف الدين وكان في الكلية مجال للتدريب العسكري بعد أن يبلغ التلميذ "المرحلة التكميلية" وكان محمد لا زيال في الصف الخامس ابتدائي ما يحول دون تمكنه من الالتحاق بالدورات التدريبية، وجعله ذلك يبكي ويحزن لأنه أراد التعلم على الأسلحة فتكلمت مع المدير الذي سمح له بعد ذلك بممارسة رغبته في الأسلحة الخفيفة وكان هذا دليل واضح على حب محمد للحياة الجهادية..".
الانتقال إلى الجنوب سيراً على الأقدام
كانا يتسللان من الشوف إلى الجنوب مشياً على الأقدام مع إخوانهم وخاصة " ساجد" و"صادق" (شهيدان من شهداء المقاومة الإسلامية" فكانوا يشكلون مجموعات متحركة تعمل في الليل والنهار دون كلل أو ملل.
دماء الشهداء تزرع جيل شهادة جديدة"
... واستمر جهادهم ونحن نكاد نكون مقطوعين عن أخبارهم إلا من بعض الرسائل التي كانا يبعثانها بين الحين والأخر ولا يطلبان فيها الا الدعاء والرضا عن عملهما مني ومن والدتهما كي يُوفق الله عملهما وكنا نجلس بعد الصلاة والدعاء لندعو لهما بالنصر على الاعداء او بالشهادة التي تهز الأرض من تحت أقدامهم لأن دماء الشهداء لا تذهب هدراً ولكنها عندما تسقط تكون قد زرعت جيلاً جديداً على أهبة الاستعداد لبذل الغالي والرخيص دفاعاً عن الإسلام وذوداّ عن المحرومين.
وأثناء تنفيذ محمد لعملية نوعية وكان معه الشهيدان "صادق" و"ساجد" تدخلت الطائرات المروحية ودارت معركة عنيفة في وداي طيردبا قتل فيها العديد من الصهاينة واستشهد محمد و"ساجد" و"صادق" وبقيت جثة محمد حوالي 35 يوما في مكانها، وبعد ذلك أرسل الشهيد يوسف جثة أخيه مع الصليب الأحمر باسم مجهول ولم يأت هو للمشاركة في تشييع أخيه وبعث برسالة شرح فيها سبب عدم مجيئه وقال بأن الواجب يقتضي أن نتابع الجهاد ونكمل من المرحلة التي استشهد فيها محمد ولأن الواجب الشرعي يقتضي منا أيضاً أن نكون أكثر صبراً فننظر إلى قضايا الأمة قبل نظرنا إلى قضايانا الخاصة، ولأن عمل المقاومة أيضاً لا يحتمل أي فراغ خاصة وأن خبرته العسكرية كانت عالية جداً.
لنا أسوة بالإمام الحسين(ع)
ويبتسم أبو الشهيدين بعدما يحمد الله ويشكره ثم يقول: " ولم يمض على استشهاد محمد شهران حتى أتانا نبأ استشهاد يوسف بعملية ضد الصهاينة على طريق طورا ـ العباسية".
وعن شعوره بعد استشهاد ابنيه وفي فترة وجيزة يقول: " لم أكن بعيداً عن الجو الجهادي الذي عايشه الشهيدان وكنت أعلم أنه هنالك نتيجتين لا بد منهما إما النصر وإما الشهادة وفي كلتا الحالتين هنالك نصر على مستوى النتائج العظيمة يوم القيامة، فالذي جاهد له أجره عند ربه والذي استشهد له مكانته الرفيعة أيضاً بين الملائكة والصديقين والشهداء لهذا كانت شهادتهما أمرا طبيعيا بالنسبة لي ولكل العائلة ولقد ربيتهما منذ الصغر على حب هذ االدين والدفاع عنه فكيف أحزن على شيء كنت ولا زلت مقتنعا به كل الاقتناع. ولنا أسوة في كل ذلك بالإمام الحسين(ع) أما الناس الذين استغربوا موقفي هذا الذين جاؤوا ليعزوني فوجدوا البسمة على وجهي فعليهم ان لا يستغربوا ذلك لأنه بكل بساطة الذي يُقتل في سبيل الله لا يموت كما تموت الناس فالله يقول: " ولا تحسبن الذيت قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهما يرزقون".
الوالدة: الثلاثة الباقون لتحرير القدس
والدة الشهيدين الحاجة مريم قالت: " لم أكن أخاف عليهم أثناء وجودهم في الجنوب بل كان علي ان أخاف على الاسلام إذا قل الناصر والمعين وإذا تركت كل والدة أولادها أمامها في البيوت واليهود يسرحون ويمرحون في الجنوب، الاسلام علمنا أن نجاهد الكقار ونقاتلهم حتى يرتفع بطشهم عن المظلومين...
...
أضافت الحاجة مريم: "عندما استشهد الاول حمدت الله وشكرته وعندما استشهد الآخر بعد أقل من شهرين قلت: " لقد قدمت لتحرير الجنوب شهيدين وبقي ثلاثة سوف أقدمهم لتحرير القدس الشريف".
وتثول الحاجة مريم أيضاً: "واجبنا الشرعي يدفعنا لمتابعة عملنا الجهادي حتى يكون النصر حليف الأمة الإسلامية وليست المسألة متوقفة على تحرير لبنان فحسب فنحن نؤمن بالاقليمية فهذه كلها من صنع الاستعمار... وأملنا بالله كبير الذي وعدنا بالنصر ولا بد من تحرير القدس... واستشهدا محمد ويوسف لا يشكل مأساة لنا بل يزيدنا إصرارا على التمسك بديننا أكثر وسادفع ما تبقى من أولادي لمواصلة جهادهم وسلوك الطريق التي سلكها أخوتهم وادعو بقية الأخوة ان لا يتخاذلوا او يتراجعوا عن نصرة الحسين (ع) في هذا العصر، لأنه أينما يكون صراع بين الظلم والعدل فإن الحسين(ع) موجود على رأس جيش العدل وعلى الجميع أن لا ينسوا مدرسة الحسين(ع) لأنه لولا هذه المدرسة لما بقي الإسلام واستمر"..
هذه مدرسة الشهداء في المقاومة الإسلامية والتي تستمر في تخريج المجاهدين على هذا الطريق.
المصدر: العهد ـ العدد 126 ـ 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1986