المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار

في ذكرى رحيل الإمام (قده): "الموت لأميركا" هل كان مجرد شعار؟

ثلاثون عاماً، الموت القابض استسلم، والزمن الماحي للذكرى قد أعيته الحيلة، فما زال الخميني فينا كما كان، حياً نابضاً شاخصاً قائلاً ومؤثراً، لم تخل منه الساحات.. وما زال يعتلي المنابر، الصوت يدوي واليد ترتفع تحيي الجموع وتبارك المستضعفين.. لن نسألك لماذا ارتحلت، فأنت لم ترتحل، فكل هذا العصر لك، أنت صنعته، وهو لك مدين، فقد أحدثت في أركانه اهتزازاً، وبعثت في أوصاله الحياة والحركة، وأزلت عنه السكون والرتابة، ودفعت به الى المحل العظيم ليغدو هذا العصر "عصر الخميني".

منذ اللحظات الأولى للثورة أطلق الإمام الخميني صيحات اختصرها بنداء "الموت لأميركا"، الذي ظن البعض حينها أنه الشعار الذي لا بد منه لكل ثورة حتى تكون، ومن أجل تماهيها مع سمات الجماهير، وحتى تمتاز عن مثيلاتها من ثورات العالم، غافلين عن حقيقة الشخص الناطق وعن طبيعة الإسلام المكوّن لثورته، وأن الذي قام بها هو الاسلام، وليست امتداداً للشرق او للغرب.. فليس "الموت لأميركا" هو مقابل الحياة للشرق، وليس التجافي عن الغرب في مقابل الارتماء في أحضان السوفيات يومها، فكل ذلك حُسم في قول القائد للثورة: "لا شرقية ولا غربية"، في دلالة على ماهية النهضة التي أطلقها. فـ"الموت لأميركا" لم يكن النداء الذي يهز الجماهير لأنها ايرانية، أو لأن إيران كانت محكومة من أميركا، أو لأن هذه الأخيرة كانت تنهب خيرات ايران، بل لأن أميركا ـ كما عبر الإمام آنذاك ـ هي الشيطان الأكبر، ولأنها سبب الفساد في هذا العالم، ولأن كل مصائب المسلمين سببها أميركا.. لأجل هذه الكبريات من العلل أطلق الإمام نداءه وردد شعاره "الموت لأميركا"، صوتاً لم يكن لخصوص المحافظين وليس استفزازاً لإصلاحيين، وليس تقرباً من شرق ولا نأياً من غرب، وإنما قول الحق المجسد لأصل التبرؤ من الطاغوت الذي يشكل مقدمة لقبول الايمان، والطاغوت هو أميركا. هكذا أنتج الإمام الخميني الشعار، من وحي القرآن ومن صميم أحكام الاسلام، لذا لم يراعِ فيه المصالح الإيرانية ولم يداهن فيه أي جهة، ولم يعتبره شعار مرحلة يمكن على ضوء نهايتها إعادة النظر فيه، بل أطلقه نداءً دائماً مستمراً للجماهير.. فما دامت أميركا مستكبرة بل رأس الاستكبار في العالم، فهي الطاغوت، والطاغوت لا بد من الكفر به ورميه بسهام البراءة والتجنب والنبذ. وعلى هذا الأساس كان شعار "الموت لأميركا".

وبعد مرور خمسة عشر عاماً على رحيل الإمام الخميني (قده) وعلى وقع الحصار لإيران، ظن البعض أنه بالامكان مراجعة الحساب لمعرفة الخسائر والأرباح نتيجة تبني السياسة القائمة على شعار "الموت لأميركا"، وقد غفل هذا البعض عن ان الأمر لا يرتبط بالنتائج، وأن القضية مبدئية لها علاقة بالأصل. فليست المعادلة ربحاً أو خسارة، انما المعادلة وجود او لا وجود، ماهية او لا ماهية. فإيران الاسلام التي أنشأها الإمام الخميني (قده) لو تخلت عن سياستها لن تبقى كذلك، بل ستصبح دولة أخرى. ان ميزة وخاصية وفرادة ايران كدولة بين دول العالم هي في حسن تطبيقها لمفاهيم الاسلام القائلة بمواجهة الاستكبار وحماية المستضعفين، وبالتالي ليس الأمر ناتج ربح او خسارة، وإنما هوية تبقى أم تندثر، جمهورية اسلامية توسم بالاسلام حقيقة أم على نحو المجاز! دولة اسلامية لأنها تدين بالاسلام أم لأن أكثر مواطنيها من المسلمين! هذه هي المعادلة.. ولأجل ذلك أكد القائد الخامنئي دام ظله ديمومة هذا الشعار، واعتبره محققاً ليس فقط لماهية الثورة، وإنما أيضاً للمصالح الوطنية لإيران، لأن إيران كدولة تفقد كل مزاياها اذا باتت تهادن أميركا.

وبعد مرور خمسة عشر عاماً أيضاً جاءت أميركا بجيوشها الى قلب العالم الاسلامي لتحاصر وتحتوي وتكبل دولاً وشعوباً وأحزاباً وحركات، ولتضرب وتدمر وتقتل وتجزّر في الشعب العراقي مقدمةً لتطويعه من أجل السيطرة عليه وعلى ثرواته ومقدراته.. وفي هذه المحطة نقف لنعيد تلاوة خطابات الإمام الخميني (قده) أو مقتطفات منها، علّنا في هذه اللحظات نسمع وتسمع معنا الأمة التي كانت تصمّ الآذان دون صوت الإمام الخميني، لنقول لهذه الأمة وشعوبها: ألم يكن الخميني (قده) محقاً عندما قال "أميركا عدوة المسلمين"؟! ألم يكن الخميني (قده) محقاً عندما أعلن أن "كل مصائبنا من أميركا"؟! هل كان الخميني (قده) آنذاك يطلق جزافاً شعارات للاستهلاك؟! هل كان الخميني (قده) يستفزّ الجماهير الإيرانية لتقوم ويحقق بها الثورة، وبعد ذلك لا مانع من عودة أميركا الى طهران؟!

اذا كنا لم نسمع كلام الإمام (قده) بالأمس، فلِمَ لا نسمعه اليوم؟ وإذا كانت العصبية تحول بيننا وبين سماع كلماته، فلماذا لا يدفعنا واجب التوحد والالتئام اليوم الى التمعن في مفرداته؟

ان كل الأمة الاسلامية اليوم مدعوّة الى الرجوع لذلك المعين العذب الاسلامي المحمدي الأصيل الذي مثله الإمام الخميني (قده)، من أجل استخلاص العلاجات  للأدواء والمعضلات التي تعصف بها اليوم، وعلى رأس العلاجات نداء "الموت لأميركا" الذي لم يكن شعاراً للثورة فحسب، بل نداءً للأجيال وللبشرية. فإذا تحقق هذا الشعار عاشت البشرية وعاش الاسلام، وتهيأت لشعوب العالم الفرصة الكبيرة لتعيش بسلام وأمن من دون مزعج او سالب او مفسد.

04-حزيران-2019

تعليقات الزوار

استبيان