المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار

آية الله فضل الله: مشكلة الرئيس بوش هي تغليب المصالح الإسرائيلية على المصالح الأمريكية في شؤون المنطقة وقضاياها

الجمعة 28/12/2007
ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

تتابع إسرائيل الحرب الحقيقيّة على غزّة، برّاً وبحراً وجوّاً، معلنةً أنّ هدفها الاستراتيجي هو إسقاط نظام حماس في القطاع، فيما وجّهت ضربةً جديدةً إلى السلطة الفلسطينيّة بإعلان عزمها على بناء 740 وحدة سكنيّة جديدة في القدس وفي الضفّة، وذلك في وقتٍ متزامن مع استئناف محادثات الحلّ النهائي بين الجانبين.

أمّا رئيس السلطة الفلسطينيّة، فإنّه لا يملك إلا التساؤل عن السبب الكامن وراء هذا النشاط الاستيطاني المحموم، مناشداً المجتمع الدولي كي يتدخّل. ولكنّه يعرف أنّ المجتمع الدولي الذي تسيطر عليه الإدارة الأمريكية لا يملك الضغط على إسرائيل ليمنعها من ذلك؛ الأمر الذي يدلّ على أنّ المفاوضات النهائيّة القادمة لن تستطيع أن تحقّق للفلسطينيّين أيّ مكسب؛ لأنّها تملك مواقع الاستيطان والجدار الفاصل ومصادر المياه، ولا يملك الفلسطينيون في السلطة أيّ قوّة ضاغطة في الحلّ الذي يحقّق لهم أهدافهم الاستراتيجية التحريرية، ولا سيّما أنّ الشعب الفلسطيني قد عاش الانقسام بين الضفّة الغربية وغزّة، وأنّ باب الحوار مسدود.

إنّنا نخشى أن يتحوّل الموقف الفلسطيني إلى موقف مستضعف لا يملك أيّ قوّة عربيّة أو دولية مساندة؛ لأنّ المجتمع الدولي، بقيادة أمريكا، يعمل على تحقيق الاستراتيجية الاسرائيليّة من دون أن يحقّق شيئاً لفلسطين؛ وهذا ما ينبغي للشعب الفلسطيني أن يحذر منه، ويحاسب المسؤولين على طريقتهم في إدارة المسألة التي تعيش في قبضة المتاهات السياسية والوقت الضائع.

إنّ المشكلة لدى الرئيس بوش هي تغليب المصالح الإسرائيلية على المصالح الأمريكية في شؤون المنطقة وقضاياها وأزماتها السياسية؛ لأنّ الإدارة الأمريكية تخضع للمحافظين الجدد وللفريق الصهيوني الأمريكي الذين يستخدمون الرئيس الأمريكي في الضغط على الشعب الفلسطيني، تارة باتّهام مقاومته التحريرية بالإرهاب، وطوراً من خلال خداعه بالتلويح بالدولة الفلسطينية التي تحاصرها المستوطنات الكبرى والصغرى والجدار العنصري من دون أن يقوم بأيّ مبادرة للضغط القوي على حليفته اليهوديّة لمنعها من ذلك، باعتبار أنّ ما تقوم به سوف يغلق على الفلسطينيّين أبواب الدولة القابلة للحياة.

ولعلّ الدراسة السياسية الدقيقة لمؤتمر أنابوليس تدلّ على ذلك، وعلى أن هذا المؤتمر لم يحقّق للشعب الفلسطيني شيئاً، بل شجّع الصهاينة على الامتداد في بناء مستوطنات جديدة، مع تأكيد بعض مسؤوليهم أنّ أمريكا لا تملك أن تمنع ما يقومون به؛ لأنّ إسرائيل هي التي تحكم الإدارة الأمريكية، وليس العكس.

وهذا ما ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تفهمه من خلال السلوك الإسرائيلي الرسمي الذي يستغلّ المفاوضات معها من أجل اللعب على عنصر الوقت من جهة، والتظاهر من جهة ثانية بأنّ إسرائيل تعمل من أجل السلام ولكن من دون تقديم أيّ شيء إلا في جزئيّات الأمور بعيداً من القضايا الأساسيّة.

وعلى خطّ آخر في المشهد الأمريكي، نرصد تجاهل الإدارة الأمريكية للكثير من التحذيرات خلال السنتين الأخيرتين حول عمل الشركات الأمنيّة الخاصّة في العراق، والتي تواصل عملها دون رقيب أو حسيب، فتقتل المدنيين العراقيّين بطريقة عشوائية، حتى أنّها قتلت 17 مدنيّاً عراقيّاً في أيلول الماضي، ولم تحرّك وزارتا الدفاع والخارجيّة الأميركيّتين ساكناً أمام ذلك؛ لأنّ الإدارة لا تجد في قتل المدنيين العراقيّين أيّة مشكلة ما دامت هذه الشركات تحمي الجنود الأمريكيين، علماً أن قوّات الاحتلال لم تستجب للحكومة العراقيّة في مطالبتها بإلغاء تعاقدها مع هذه الشركات.

وليس هذا بدعاً من الأسلوب الأمريكي في عدم احترام المدنيّين في المناطق المحتلّة الذي يلتقي مع الأسلوب الإسرائيلي في فلسطين، أو مع أسلوب جنودها في قصف الآمنين الأبرياء في أفغانستان؛ لأن الحرب الأمريكية لا تحترم حقوق الإنسان ما دامت تحقّق أهدافها بشكل مباشر أو غير مباشر.

وهذا هو الذي نراه في البلدان التي تدفعها أمريكا إلى الانخراط فيما تسمّيه معاركها ضد الإرهاب، ومن خلال عملائها الذين توظّفهم لمراقبة شعوبهم، ولحصارها وتقييد حرّياتها، وتزوير انتخاباتها بالوسائل القمعيّة والمخابراتية، كما هو الحال في باكستان، أو بإثارة الفوضى التي تتنقّل من بلدٍ إلى بلدٍ في مناطق الفقراء والمستضعفين، كما في أفغانستان وباكستان، التي ما تلبث أن تتحوّل إلى فوضى مميته وتفجيرات وحشية يذهب ضحيتها الناس، ويسقط في خضمها واقع سياسي بكامله كما حصل بالأمس في باكستان في إغتيال بوتو وعدد من مناصريها.

إنّنا لا نجد موقعاً للتفاؤل بواقعيّة سياسية أمريكية، وبتحرّك أمريكي لبدء معالجة قضايا المنطقة وإحلال السلام والاستقرار فيها.

ومن جانب آخر، فإّننا نلاحظ في متابعة الأوضاع الداخليّة في أكثر من بلدٍ عربيّ أو إسلاميّ، حيث تفقد الشعوب حرّيتها في التعبير عن مطالبها وحاجاتها واعتراضاتها على السياسة المتّبعة، ولا سيّما في التضييق على التظاهر السلمي، وفي مواجهة القضايا الحيويّة على مستوى الأوضاع القانونية الظالمة، أو القضائيّة المنحرفة؛ الأمر الذي يشعر معه المراقبون في الداخل والخارج بأنّ هذه الحكومات المسيطرة تخاف من غضبة شعوبها، حتى لو كانت تطالب بالعدالة والمساواة، وترفض انحرافات الحاكم، وربّما تلجأ بعض الأنظمة إلى إطلاق الرصاص الذي قد يسقط فيه الضحايا.

ونحن نقول لهؤلاء: إن العالم الغربي الذي حاولت حكوماتكم أن تكون على مثاله، يحترم حكامُه شعوبهم، بل إنّهم يخافون منها؛ لأن الشعب ـ من خلال تداول السلطة ـ قد يُسقط حكّامه ويستبدلهم بغيرهم. أمّا في بلادنا، فإنّ الشعب يخاف من حكّامه بفعل الاعتقالات التعسّفية أو الضغوط السياسية، كما أنّ الحكّام يصرّون على سياساتهم في الحكم حتّى لو عارضهم الشعب بأكمله.

أمّا لبنان، فإنّ الباحثين يلاحظون أنّ أغلب السياسيّين الذين لا يزالون يتصرّفون في شؤون البلد ويديرون أزماته هم من أولئك الذين عاشوا الفشل الفظيع في تجاربهم السابقة، في العبث بدماء الناس على مستوى المجازر، أو باقتصادهم على مستوى السرقات للمال العام؛ ولذلك لم يستطع الوطن أن يرتفع إلى مستوى الحلول الواقعيّة التي تصنع للمواطن سياسة جديدة منفتحة على مصالحه الحيويّة وقضاياه الاستراتيجية؛ الأمر الذي جعله يتخبّط في مشاكله، ويعاني في فقره، ويبقى مختنقاً في أزماته. وهذا ما نواجهه في الأزمة الجديدة التي تأخذ عنوان الاستحقاق الرئاسي، حيث يختلف رجال القانون في شرعية هذا القرار أو ذاك، والسياسيّون في هذه الحكومة أو تلك، مما يختلط فيه الأمر على الشعب في نظرته إلى الواقع، في غياب مجلس دستوريّ للدولة يضبط حركة الحكم والحاكمين، ويمنع من التلاعب بمصير البلد ودستوره.

إنّ البلد بحاجة إلى جيل جديد ودم جديد لم يتلوّث بالوحول التي يغرق فيها الواقع السياسي، ويتحرّك بها الذين لا يزالون يدمنون إثارة المشاكل وإسقاط الوطن لحساب أوضاعهم الشخصية أو الطائفيّة؛ وهذا ما ندعو إليه الشباب الذي يعيش في ضوء الشمس ولا يتخبّط في عتمات الظلام.

28-كانون الأول-2007

تعليقات الزوار

استبيان