المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار

الضاحية تشيّع شهداءها ..وتودّع شهداء المناطق

تقرير خاص في جريدة السفير- 29/1/2008

ما ان أطفئت الاطارات وأخمدت الحرائق، وفتحت الطرقات، وعادت الحشود الى منازلها، حتى أشرق نهار يوم عبوس جديد. هنا، في الضاحية، انتظر ذوو الشهداء فلذات أكبادهم ـ الذين سقطوا غدراً ـ ليودعوهم قبل انتقالهم الى مثواهم الأخير.

الساعة التاسعة صباحاً. حلقة من الأصدقاء والأهل تنتظر وصول نعش الشهيد المسعف في الهيئة الصحية الاسلامية، مصطفى علي أمهز (دماء). الجثة مازالت في براد المستشفى، مستشفى الرسول الأعظم، والناس تنتظر في الخارج. عناصر الانضباط يفترشون الطريق. شاب يحمل صورة الشهيد بيده التي ضمها الى صدره، وباليد الأخرى سبحة.

انطلقت العائلة من منزل الشهيد في الجاموس الى المستشفى ومن ثم انتظروا وصول موكبه قرب المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى. لمصطفى، ولدان، محمد باقر ومحمد ساجد. تبتعد احدى النسوة من بين الحشود وتجعل من الرصيف مقعداً لها، هنيهات قليلة وتنتصب تزامناً مع صيحات الشبان ونحيب النساء، تصّعر خدها وتهتف بصوت مشفوع بحركة سنية: لوين رحت وتركت أولادك؟

يتقدم نعش الشهيد، الذي شيع رسمياً من قبل «حزب الله»، الى سيارة الاسعاف المدني ـ الهيئة الصحية والتي كانت «سلاح الشهيد ضد العدو من حرب التحرير الى حرب تموز» كما يقول سامر كرنيب، صديق دماء. تشق سيارة الهيئة طريقها من مدخل الطوارئ الى مكان تجمع الأهل قرب المجلس الاسلامي، وقد تبعها عدد كبير من المشيعين، وبعدها توجهوا الى الهرمل، بلدة أمهز.

يترامى للمشارك في التشييع مشهد تقشعر له الأبدان، ويغصبه على ذرف بعض من العبرات العفوية. الساعة تشير الى الواحدة ظهراً. جموع غفيرة تنتظر وصول جثمان الشهيد محمد منصور، الذي استشهد أثناء قيامه بواجبه التنظيمي كفرد من أفراد لجان الانضباط التي عملت على ضبط المظاهرة وإجلائها. محمد منصور، الأعزب وابن الأربعة وعشرين ربيعاً، نقلت جثته من مستشفى بهمن الى منزل أهله في مارون مسك ـ الشياح.

وبين وصول الشهيد الى «روضة الشهيدين» التي اعتمدت نقطةً للانطلاق الى مسقط رأسه في حداثا، بدأت السماء تهطل أمطارها على المحتشدين. عدسات المصورين والكاميرات تجوب من مكان الى آخر، عسى أن تلتقط صورةً تحكي فظاعة المشهد وألمه.

عجوز طويل الأطراف، حاسر الرأس، شعره أبيض مشعث فوق جمجمة مسفوعة. يرفع قبعته احتراماً لوصول النعش، وينزل دمعته على وجنتيه، انه محمود منصور، خال الشهيد. «اللي قتل محمود هوي قناص، مش الجيش!»، يقول الخال.

أمام سيارة الهيئة الصحية، سار شباب «حزب الله» حاملين معهم صورة الشهيد. آيات من القرآن الكريم تتلى في الأفق، وقد امتزج صوتها بنشيد الوداع «بأمان الله .. يا شهيد الله». وتوجه الموكب الى حداثا، حيث سيشيع الشهيد ويوارى الثرى.

يُستنكف المشهد، ويعيد نفسه. بيد أن الفرق، هنا في «روضة الشهيدين» هو اختلاف في اسماء الشهداء، وتقاطع في الطريقة عينها. قرابة الساعة الثانية والنصف، وتحت زخات المطر، تدفقت الحشود من كل حدب وصوب لاستقبال أول شهيد سقط يوم «الأحد الأسود» من مسقط رأسه في حي المصبغة ـ الشياح، انه الشهيد أحمد حمزة. وقد شيع الى جانب حمزة، جثمان الشهيد أحمد العجوز، بناء على طلب من عائلة الأخير، في موكب رسمي لـ«حركة أمل».

عيارات نارية مكثفة رشقت في الفضاء. «بأمان الله .. يا حبيب الله» يردد المشيعون. أكف ترفع في الهواء مودعةً الشهيدين. غمغمات تدور بين الحشود متسائلةً عن هوية النعش الثاني. هنيهات قليلة ويستأنف رشق الرصاص، لكن بكثافة أكثر، فالموكب قد وصل.

ما ان يدخل الى المقبرة، حتى يعلو الصراخ والنواح. وتبدأ الكاميرات بالتقاط الصور. في الداخل، واضافةً الى الأهل والصحافيين، كان لفيف من العلماء ووفود من السياسيين والنواب، بانتظار النعشين.

حضر التشييع النواب: الدكتور ايوب حميد، غازي زعيتر، علي عمار، امين شري، النائب السابق محمد برجاوي، المدير العام لوزارة الاعلام حسان فلحة، المدير العام للمغتربين هيثم جمعة، المدير العام للشباب والرياضة زايد خيامي، رئيس الهيئة التنفيذية في الحركة محمد نصر الله، رئيس المكتب السياسي لحركة «امل» جميل حايك، رئيس مجلس الجنوب الدكتور قبلان قبلان، المسؤول التنظيمي لاقليم بيروت ابراهيم بداح، واعضاء من المكتب السياسي والهيئة التنفيذية واقليم بيروت والمناطق وممثلو الاحزاب والقوى الوطنية والاسلامية، وشخصيات سياسية واجتماعية وتربوية وثقافية واعلامية.

انطلق المشيعون من امام حسينية الشياح سالكين شارع عبد الكريم الخليل الى جبانة روضة الشهيدين يتقدمهم حاملو الاعلام السود واعلام حركة «امل» وصور للشهداء وحملوا النعشين على الاكف. وصلى على الشهيدين مفتي جبيل وكسروان الشيخ عبد الامير شمس الدين.

وألقى حايك كلمة قال فيها: «نحن بكل صراحة نقول كنا دائما عند اي اعتداء او امام اي ضحية على الارض اللبنانية في اي منطقة ولاي طائفة، كنا نشعر بالالم والحزن وكنا دائما نقول ان ما يصيب اي لبناني يصيبنا بالصميم. اما اليوم وامام ما جرى نسأل لما التشفي والتحريض المذهبي؟ لما محاولة التطاول؟ لما اتهام الشرفاء بأنهم يريدون العبث بالامن ونحن نسعى دائما الى تثبت السلم الاهلي في لبنان. لقد شاهدتم بالامس لقد تدخلنا بقوة وتحول الاضراب الى اضراب سلمي، ولدقة وحراجة الموقف تدخلنا ايضا حتى لا يطال الامر الاحتجاجي المحق بعض المناطق خوفا من الفتنة ودخول المحرضين، واثبتنا واثبتم جميعا، انكم الام الحقيقية للوحدة اللبنانية واستقرار لبنان وثباته، ام الجيش اللبناني».
29-كانون الثاني-2008
استبيان