إبراهيم الأمين
صحيفة الاخبار اللبنانية -8/9/2007
يرصد الرئيس نبيه بري ردود فعل داخلية غير تلك التي ينتظرها الصحافيون من الساسة. زاره كثر من الذين يتصلون بالناس في أشغالهم. وسمع ترحيباً يتجاوز البيئة التي تقترب منه سياسياً أو تقترب أكثر من قوى المعارضة. وهو أمر لمسه إزاء الاستنفار العام للجمهور الذي يحتاج إلى تسوية بأي ثمن، لا إلى انفجار أو مواجهة بأي ثمن. وهو في هذا السياق يجد نفسه ملزماً الدفاع عن أساس المبادرة وعن هدفها التوافقي، حتى لو لمس أو علم أو شعر بأن هناك من ليس بودّه إنتاج اتفاق يكون مدخله الملف الرئاسي. لكن بري الذي تناقش في الأمر كثيراً مع بارزين في الفترة الأخيرة، يعتقد أن كلفة التفجير أكبر بكثير من كلفة الاتفاق، وبالتالي يجب أن يكون هناك رهان وعمل من أجل الحصول على دعم الدول القادرة على فرض حل على من يرفض في الداخل.
وإذا كان بري مثل غيره من أقطاب المعارضة لا يراهن على الموقف الأميركي، فإنه يعتقد أن الدور الفرنسي خاصة، والأوروبي عامة سوف تكون له حصة الأسد من الاتصالات الخارجية في المرحلة المقبلة. وفي هذا السياق يتحدث العماد ميشال عون عن تفهم أكبر من جانب الأوروبيين للمشكلة اللبنانية، ويذهب إلى حد القول إنه ربما في أوروبا من يفهم خطورة الوضع في لبنان أكثر من اللبنانيين أنفسهم. لكنه لا يبدو غارقاً في التفاؤل لاعتقاده بأن الأوروبيين يشعرون بأن المشكلة القائمة في لبنان باتت جزءاً من مشكلات الشرق الأوسط التي قامت بفعل سياسة الإدارة الأميركية الحالية.
ومع أن عون شرح بإسهاب تصوره والمعارضة لحل قابل للحياة من خلال إعادة تكوين السلطة بجميع مؤسساتها، إلا أنه يتحدث عن تحذيره المباشر للأوروبيين من أن المشكلة سوف تتفاقم أكثر في لبنان إذا لم يجر ِتدارك الأمر والضغط باتجاه حل حقيقي يوفر المشاركة الكاملة لكل القوى والمجموعات اللبنانية في صناعة القرار. وهو الأمر الذي يتردد أن المسؤول عن العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا كان قد أشار إليه في محادثاته الأخيرة في بيروت، وأنه شجع الرئيس فؤاد السنيورة ومن خلفه قوى الأكثرية على التعامل بإيجابية مع مبادرة رئيس المجلس، وعدم تضييع هذه الفرصة التي تتيح حواراً يجب أن ينتج منه حل حقيقي يجنّب لبنان الفراع وما يؤدي إلى تدهور الأوضاع.
وحسب متابعين، فإن الموقف الأوروبي لم يظهر تقدماً خاصاً، وإن التفهم القائم للوضع في لبنان وخطورة استمرار المواجهة القائمة الآن، لم يتحوّلا بعد إلى مبادرة أو إلى عناصر ضغط جدية. ويقول مصدر موجود في العاصمة الفرنسية إن باريس لا تعتقد بأن الأطراف المحلية جاهزة للتسوية الآن، وهي تعرف أن الضغوط المطلوبة من الخارج ليست متوافرة حتى الآن، ويشير المصدر إلى ما يسميه تقاطعاً أميركياً ـــــ سورياً على عدم استعجال الحل الآن، وأن هذا الأمر ينعكس تراجعاً في حظوظ التسوية، علماً بأن فرنسا تقرّ بأن مبادرة رئيس المجلس تعكس ضمناً تفهماً سورياً لمسألة تجنب المواجهة الشاملة في لبنان.
لكن الموقف الفرنسي كما الأوروبي مرتبط أيضاً بنتائج المحادثات الأميركية ـــــ الفرنسية التي جرت في باريس وواشنطن، والتي أظهرت أن الأميركيين ليسوا مستعدين الآن لأي تسوية تتطلب تنازلات، وأنهم يتحدثون عن فريق 14 آذار بصيغة أنه فريق مهدد ويجب دعمه، وذلك يتحتّم عدم التنازل أمام الأطراف الأخرى.
ويبدو أن الموقف الأميركي منسحب على الموقف السعودي أيضاً، حيث تبين أن ابتعاد السفير السعودي عبد العزيز خوجة عن بيروت، وطول إجازة النائب سعد الحريري، والمداخلات التي جرت لأجل عدم صدور مواقف متوترة من أقطاب في 14 آذار، كل ذلك يدل أيضاً على أن الرياض التي لا تظهر حماسة لمشكلة كبيرة، ترى أنه من غير الممكن ممارسة أي نوع من الضغوط الآن، ولذلك بادرت الرياض إلى إعلان عدم تدخلها، ما يعني بالنسبة إلى القوى المعارضة أنها تأخذ جانب فريق السلطة، كما أن تدهور علاقاتها مع سوريا يصب في هذه الخانة، مع تشديد على أن العنصر الوحيد الذي تعمل السعودية من أجل حفظه هو الهدوء القائم على الجبهة السنية ـــــ الشيعية في لبنان، وأن تفاهمات كثيرة جرت مع الإيرانيين بهذا الخصوص. وهي قد تشمل أيضاً الوضع في دول عربية أخرى.
وبناءً عليه، كيف ستسير الأمور؟
باعتقاد أقطاب في فريق المعارضة، فإن جلسة 25 أيلول لا تتمتع بأي نوع من الحظ كي تنعقد، وأنه قد يحصل غياب من الجانبين، لا من جانب واحد فقط. وبالتالي فإن تأجيلها سوف يستغرق وقتاً وقد تتم الدعوة إلى جلسة ثانية بعد أسبوعين كحد أدنى أو شهر كحد أقصى.
وإذا استمرت المواقف على حالها، فإن الأمور تتأجل برمتها إلى الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس إميل لحود الذي سيجد نفسه مضطراً لأن يقوم بخطوة منسقة مع قوى المعارضة. وفي هذا السياق، يقول قطبان بارزان من المعارضة بأن المواقف التصعيدية لقوى 14 آذار، سوف تفرض على المعارضة سلوكاً مختلفاً، وإن من يرى في إشارة الرئيس بري إلى «الشر المستطير الذي يتربص بالأيام العشرة الأخيرة من الاستحقاق» كنوع من التحذير، فهو يجب أن يتصرف على هذا الأساس، لا على أساس أن الأمور سوف تسير وكأن شيئاً لم يحصل، أو كأن المعارضة سوف تترك لفريق 14 آذار الإمساك بكل مقدرات ومواقع القرار في البلاد.
ويتحدث القطبان بلغة مشتركة عن ضرورة إظهار المعارضة لـ«أنيابها» من الآن فصاعداً، وأن تظهر للآخرين بأنها لن تظل أسيرة الضوابط التي تمنعها من قيادة حركة سياسية وشعبية من النوع الذي يفرض التغيير. ويتحدث أحدهما عن برنامج متكامل يجري التدارس به بعيداً عن الأضواء. لكن أوساط المعارضة تحذر في الوقت نفسه من أن في قوى 14 آذار من يراهن أو يرغب في حصول جريمة سياسية جديدة في لبنان، تذهب ضحيتها شخصيات من الصنف الذي تفترض الأكثرية أن تعرضها للأذى سوف يفجر الوضع في البلاد ويمنع المعارضة من القيام بأي عمل يعطل انتخاب رئيس من طرف واحد.