المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار العدو

المقتطف العبري ليوم الجمعة21 ايار.. اللواء الإسرائيلي الأخير لبنت جبيل: لم نخرج من لبنان.. بل هربنا

 
أخبار ومقالات مترجمة من صحافة العدو
الانسحاب الذي قوى حزب الله

المصدر: "هآرتس – افرايم سنيه (النائب السابق لوزير الحرب) "
"الانسحاب الأحادي الجانب للجيش الإسرائيلي من لبنان في أيار عام 2000 ، يستحق تحليلا معمقا، حتى بعد عشر سنوات، لان الواقع في لبنان، وعوامل الانسحاب من جهة أخرى، ستعود لتشغلنا أيضا في المستقبل.
من واجبي القول أنني أقوم بهذا التحليل من موقع موضوعي، بصفتي نائب وزير "دفاع"، إذ عارضت بقوة الانسحاب الأحادي الجانب من لبنان. وفي الساحة السياسية لم يؤيد احد موقفي هذا، سوى عوزي لاندو من اليمين ويوسي ساريد من اليسار. أما في المؤسسة الأمنية فقد عارضوا الانسحاب من رئيس الأركان شاؤول موفاز الى قائد المنطقة الشمالية غابي أشكنازي.
منذ طرد منظمة التحرير الفلسطينية في صيف عام 1982 – التي كانت تقاتلنا من لبنان آنذاك - بعدها بوتيرة أكبر وسنة بعد سنة كانت ايران هي التي تقاتلنا عبر منظمة حزب الله التي أقامتها. وعلى مدى 18 عاما لبس الصراع في منطقة الحزام الأمني في جنوب لبنان لباس حرب عصابات وحرب ضد حرب العصابات. لقد تمتع سكان مستوطنات خط المواجهة في الشمال بأمن كامل فزرعوا أراضيهم حتى خط الحدود الفعلي، ولم تطلق الصواريخ الى أراضينا. وهذا الواقع لم يتحقق من دون ثمن دموي. كان الجيش الإسرائيلي يفقد سنويا ما متوسطه 25 مقاتلا. أما الحزام الأمني فقد شكل طبقة حماية داخل الأراضي اللبنانية، حطمتها حرب العصابات الإيرانية، وكان هذا هو الثمن.
الذي تآكل في هذه السنوات وتحديدا في السنوات الأربع التي سبقت الانسحاب، هو قدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود أمام هذا الثمن في عدد القتلى. منذ مقتل رابين لم تبث القيادة السياسية للجمهور والجنود أي رسالة صمود، ولا أي موقف يقول بأن الحرب ضد إيران مبررة ويجب مواصلتها حتى وإن كان لا يوجد فيها انتصار بالضربة القاضية.
الرأي العام ورهاناته الواهنة، هو الذي بلور حركة الأمهات الأربعة، وهي الحركة التي وضعت الحرص على حياة الأبناء والحساسية الإنسانية العميقة جدا، فوق اي اعتبار للأمن القومي، الذي تحول تقريبا إلى مفهوم مهين. أما القيادة السياسية من اليمين واليسار، باستثناء شخصيات معدودة وأنا واحدا منها، لم تقدم على الادعاءات التي عرضتها الأمهات الأربعة ومؤيدها أي رد موضوعي.
لم تفهم القيادة أن الحرب ليست السيطرة على تلة البوفور(قلعة الشقيف) ولا أيضا فقط  تأمين سلامة سكان الجليل. إنها كانت المحاولة الأولى لإيران من اجل هزيمة اسرائيل في حرب العصابات، والانتشار على حدودها الشمالية تماما. الجو الشعبي العام، لم يكن توجهه قيادة، سوى منظري حركة الأمهات الأربعة، الذين حولوا الانسحاب من لبنان الى ورقة انتخابات منتصرة.
قال مؤيدو الانسحاب أن سحب الذريعة من حزب الله وهي "محاربة الاحتلال الاسرائيلي"، سوف تؤدي الى وقف نشاطه العسكري، وستحوله إلى منظمة سياسية.
وفي الجهة المقابلة قال معارضو الانسحاب الاحادي الجانب انه يوجد فراغ في لبنان. وفي ظل عدم وجود اتفاق، فإن من سيحل مكان الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي هو حزب الله الذي سينتشر على سياج المستوطنات الشمالية، وسيحظى بموقع هجومي مريح في اعتداءاته الجديدة. وستواصل إيران تفعيل حزب الله من الخط الذي انسحبنا إليه.
حرب لبنان الثانية التي اندلعت في 12 تموز 2006 حسمت الجدل بعد تأخير 6سنوات. وبثمن الهدوء المؤقت، خلقنا الظروف المريحة لحزب الله من أجل فتح الحرب. عدد قتلانا في هذه الحرب كان أكبر بستة أضعاف من متوسط عدد الضحايا التي كانت تسقط سنويا في السنوات الأخيرة للقتال في لبنان.
للانسحاب الأحادي الجانب من لبنان، انعكاسين آخرين:
الانعكاس الأول هو التخلي عن جيش لبنان الجنوبي. إن جنود جيش لبنان الجنوبي الذين ربطوا مصيرهم بمصيرنا، وسقط منهم المئات في المعركة، تركوا لحياة الفقر في إسرائيل أو لحياة الاهانة والمعاناة في لبنان. إن التخلي عنهم، هو وصمة عار على جبين دولة إسرائيل، وهو بمثابة إنذار لمن يفكر أن يربط مصيره بمصيرنا في المستقبل.
أما الانعكاس الثاني فهو رسالة الضعف التي بثيناها إلى المحيط: نحن نهرب من مكان ننزف فيه. في 30 حزيران من العام 2000 وبعد شهر على الانسحاب وثلاثة أشهر قبل اندلاع الانتفاضة الثانية قال لي ياسر عبد ربه" أنتم الإسرائيليون يجب أن يتم التحدث معكم فقط باللغة اللبنانية، فهي اللغة الوحيدة التي تفهمونها" هناك من يقول أنه من الجيد أن اندلعت الانتفاضة الثانية في ايلول 2000 وأمسكتنا ونحن خارج لبنان. لكن يمكن الافتراض أن رسالة الضعف التي بثها الانسحاب من لبنان هو الذي شجع الفلسطينيين على العودة إلى طريق العنف.
وأخيرا إن قوة حزب الله اليوم، زادت عدة أضعاف عن القوة التي كانت لديه في صيف ال 2006 ، وبالتأكيد عن قوته التي كانت لديه في أيار العام 2000 . ستواصل ايران تفعيل هذه القوة ضد الجبهة الداخلية الإسرائيلية".
ـــــــــــــــ  
ميتشل عاد: حتى الآن لا يوجد تقدم في المحادثات

المصدر: "إسرائيل اليوم – شلومو تسزنا"
" بعد ثلاثة أيام في القدس ورام الله، عاد أمس المبعوث الأمريكي جورج ميتشل إلى بلاده، بعد أن أكمل جولته الثانية من محادثات التقارب، بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وعلى ما يبدو من دون أي تقارب.
هذا وقد أعلن مكتب أبو مازن أن المحادثات مع ميتشل تناولت مسألة الحدود. أما مكتب نتنياهو فأعلن في المقابل أن المحادثات قد تناولت مسألة المياه. من ناحيتهم لم ينشر الأمريكيون أي بيان مع  انتهاء جولة المحادثات الحالية. ولقاء نتنياهو مع ميتشل امتد لثلاث ساعات وتناول احتمالية ان تقوم إسرائيل بمبادرات حسن نية اتجاه الفلسطينيين خلال محادثات التقارب. وأوضحوا في مكتب نتنياهو أن إسرائيل أيضا تنتظر من القيادة الفلسطينية ان تعمل من أجل خلق أجواء ايجابية في محادثات التقارب، وأن لا تقوم بأنشطة دولية ضد إسرائيل، مثل الأنشطة التي قامت بها من أجل منع انضمام إسرائيل الى منظمة التنمية الاقتصادية الدولية.
أما الجزء الثاني من اللقاء فقد تركز على مسألة المياه وبالتعاون مع شخصيات مهنية من كلا الجانبين. إن المحادثات ستستمر ثلاثة أشهر ونصف. وبحسب أحد التقديرات أنه تم إبلاغ الأمريكان بان في نية حكومة نتنياهو البناء في نهاية فترة التجميد، انطلاقا من النية في الوصول إلى انفجار مضبوط للازمة ، من أجل الاستمرار بعده بالمفاوضات".
ــــــــــــــــ 
خبراء: العالم سيرد باعتدال على النووي الإيراني

المصدر: "موقع nfc على الانترنت ـ حاجي هوبرمن"

" الخبراء ليسوا متفائلين، ففي المحاكاة الخاصة، التي جرت بداية الأسبوع في مركز متعدد المجالات في هرتسيليا، واجه الخبراء ومسؤولون سابقون في الجيش سيناريو يحاكي تسلح نووي إيراني. الاستنتاجات كانت قاسية، على الرغم من العقوبات والإدانات، العالم سيرد بشكل معتدل إذا وصلت إيران إلى السلاح النووي.
وقد أجرت مدرسة لأودر للحكم في مركز متعدد المجالات في هرتسيليا، الأسبوع الماضي "لعبة محاكاة" هي الأولى من نوعها، تحاكي سيناريو تسلح إيران بالسلاح النووي لمهاجمة إسرائيل. استدعي إلى اللعبة مسؤولين سابقين من الجيش، سفراء وأكاديميين، توزعوا على مجموعات وطلب منهم تمثيل الدول والمنظمات المختلفة، التي يتوقع أن تلعب دور في السيناريو.
تتكون محاكاة "إيران اليوم الذي يلي"، من جولتين. ضمن إطار الجولة الأولى، طلب من المشاركين الرد على سيناريو البداية، كما قدم لهم، من قبل إدارة المحاكاة. وفي الوقت الذي كانوا يعدون فيه الرد على اللائحة، قدم لهم حدث إضافي.
الجولة الثانية للمحاكاة ارتكزت على تسلسل الأحداث بين المجموعات المختلفة، بالإضافة إلى حدث آخر. على الرغم من أن الأمر يتعلق بلعبة حوسبة، في مناورة معقدة لكن خيالية، أكد المشاركون ان "يدهم كانت خفيفة على الزناد". لم يتنازل أي شخص عن الخيارات العسكرية، حتى الصعبة منها، لكن الدبلوماسية كانت في صلب السيناريوهات، والعقوبات الاقتصادية والسياسية والإدانات المتبادلة في الأمم المتحدة، كانت موجودة.
شارك في اللعبة الخيالية أربعون خبيرا. جسد اللاعبون عشرين دولة وجهة دولية مختلفة، ضمن إطار أربعة سيناريوهات معقدة ومختلفة. ماذا كانت نتائج اللعبة؟، تبين انه في رواية مركز متعدد المجالات، العالم يرد على تحول إلى إيران لقوة عظمى نووية وعسكرية بشكل معتدل..
وقال رئيس المحاكاة، البروفوسير ألكس مينتس، في جلسة الختام عن أهداف ونتائج المحاكاة، ان "الهدف الأساسي للعبة كان فحص ماذا سيحصل لو أصبح لإيران القدرة النووية العسكرية الواضحة. المحاكاة التي جرت اليوم كانت استمرار للمحاكاة التي جرت قبل عدة أشهر في جامعة هارفارد التي توصلت إلى استنتاجين، تقدم هام لإيران في المسار النووي وخشية حقيقية من أزمة سياسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
ــــــــــــــــ
خطوة صغيرة ضد إيران، لكنها هامة

المصدر: "صحيفة هآرتس"
" بعد جهود لعدة أشهر، نجحت الادارة الامريكية في بلورة صيغة جديدة للعقوبات ضد ايران، سترفع لاقرارها في مجلس الامن. ووافقت الولايات المتحدة على تخفيف حدة مطالبها الاصلية – وذلك كي تحظى بتأييد روسيا والصين لتشديد الخطوات ضد ايران، اذا واصلت الدفع الى الامام ببرنامجها النووي. وكانت النتيجة هي موافقة الاعضاء الخمس الدائمين على مسودة قرار مشترك.
رزمة العقوبات الجديدة تفرض حظرا على بيع منظومات سلاح كبيرة لايران وتتشدد في  تقييد الحركة والتمويل ضد الحرس الثوري الايراني. وهي لا تحدد آلية فرض وعقاب. هذه الخطوات لن تؤدي بذاتها الى وقف أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، ولا الى تخفيف حدة تهديدات ايران لاسرائيل وقمع معارضي النظام هناك. وحتى بعد ان يصادق مجلس الامن على رزمة العقوبات الجديدة، الرابعة في عددها، ستواصل ايران برنامجها النووي وسعيها الى النفوذ في الشرق الاوسط، ورئيسها، محمود احمدي نجاد سيواصل التحريض ضد "النظام الصهيوني".
ولكن القرار يضع أمام ايران جبهة موحدة من القوى العظمى، التي تغلبت على الخلافات بيننها وعطلت مساعيها لاستغلال المنافسة بين القوتين العظمتين الولايات المتحدة والصين في صالحها. وفي هذا انجاز هام لادارة اوباما. القوة العظمى موحدة في معارضتها لايران النووية، والرسالة استوعبت في طهران التي حاولت احباط بلورة العقوبات من خلال اتفاق مع البرازيل وتركيا لتخصيب اليورانيوم خارج ايران. اتفاق اللحظة الاخيرة، الذي بدا للامريكيين بانه غير كاف، لم ينجح في وقف تقدم مشروع القرار لتشديد العقوبات.
رزمة العقوبات الجديدة يفترض ان تعزز اوراق المساومة الدبلوماسية للولايات المتحدة تجاه ايران. ادارة اوباما التي بدأت ولايتها بالسعي للحوار مع ايران وفشلت، شددت موقفها في الاسابيع الاخيرة. بلورة العقوبات الجديدة هي فقط خطوة اولى. مدى التصميم الامريكي سيفحص في رد فعل الادارة على التجاهل المتوقع من جانب ايران لقرار مجلس الامن ونجاحها في اقناع ايران بالكف عن تخصيب اليورانيوم في أراضيها.
القرار المخفف الحدة الذي سيطرح على اقرار مجلس الامن بعيد عن ان يرضي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. اسرائيل متمسكة بموقفها الذي يدعو الاسرة الدولية الى فرض "عقوبات تشل" ايران، مثل منع استيراد البنزين والوقود الاخرى – وفي نفس الوقت تواصل الاستعدادات للمواجهة العسكرية، والتي تبدو واضحة في مناورة الجبهة الداخلية القطرية "نقطة انعطاف اربعة" التي ستجرى الاسبوع القادم.
حتى لو كانت العقوبات التي ستطرح على مجلس الامن بعيدة عن ان ترضي اسرائيل، فثمة اهمية كبيرة للاتفاق الذي تحقق بين القوى العظمى. التعزيز المتوقع للعقوبات يضع ايران في موقف الرافضة والخارقة للقانون ويزيد الضغط الدبلوماسي عليها. على اسرائيل ان تعطي اسنادا لخطوات الادارة الامريكية وأن تبقى في اطار الاتفاق الدولي، والا تخرج عنه في تهديدات زائدة او في أعمال احادية الجانب".
ــــــــــــــــ  
إسرائيل تدفع ثمن انسحابها من لبنان: انهيار الردع وظهور المحور الإيراني السوري

المصدر: "معاريف ـ بن كسبيت"
" مع انتهاء يوم السبت في العشرين من أيار 2000، دعا رئيس الحكومة ووزير "الدفاع" ايهود باراك إلى جلسة عالجة للمجلس الوزاري المصغر في الكريا في تل أبيب. كان على جدول العمل بطبيعة الحال خروج الجيش الاسرائيلي المتوقع من لبنان. وعد باراك بان يخرج في غضون سنة واحدة بعد بدء ولايته. اوشكت السنة ان تنقضي في غضون بضعة اسابيع (ادت حكومة باراك اليمين الدستورية في 6 تموز 1999)، وانتظر العالم بتأهب الانسحاب الاسرائيلي. ضغط حزب الله ضغطا شديدا على الشريط الامني، وتضعضع جيش لبنان الجنوبي وكان الوضع في الميدان هشا قابلا للانفجار. أخذ قائد المنطقة الشمالية غابي اشكنازي احد الوزراء الى احدى الزوايا وقال له قبل أن تبدأ الجلسة "يجب الخروج الآن، هذه الليلة". بيّن اشكنازي ان الحزام الامني قد ينهار في أي لحظة. الموضوع إلى انحلال وجيش لبنان الجنوبي يدرك الوضع، قد يحدث هذا في أي ثانية وسينهار كل شيء مثل برج من اوراق اللعب.
اثير في اثناء الجلسة اقتراح الانسحاب فورا. كان هناك من بين انه اذا تم الانسحاب في اثناء الليل، فسيكون من الممكن الخروج على نحو منظم، ومن ضمن ذلك نقل مسؤولية ولو رمزية الى جيش لبنان الجنوبي والمغادرة مع رأس مرفوع. ايد الوزيران حاييم رامون ومتان فلنائي الاقتراح، بل خطبا خطبا حماسية في تأييده. كان رأس المعارضين وزير الخارجية ليفي. فقد كان ما يزال يؤمن بالاتصالات في الامم المتحدة، وبنى على نتائج زيارته الى نيويورك وعلى استمرار التباحث مع الجماعة الدولية. وللاسف الشديد تبنى رئيس الحكومة باراك موقفه، وهو أن لا ينسحبوا في هذه الاثناء وان يستنفدوا من الاتصالات السياسية.
كان ذلك قرارا سيئا. في يوم الاحد 21 ايار، بدأ انهيار جيش لبنان الجنوبي. وسبب ذلك يعود إلى انه لم يكن هناك مقر قيادة منظم قبل الانسحاب، بسبب خوف باراك من التسريبات، وعدم اليقين واليأس لدى عناصر جيش لبنان الجنوبي،  لقد خافوا ان تتركهم اسرائيل في جنح الليل - وهو ما تبين صدقه، وبدأوا يبحثون لانفسهم عن ملاذٍ. في يوم الاحد ظهرت اولى الصدوع وبدأت تتسع سريعا. بدأت تسقط مواقع جيش لبنان الجنوبي. علموا أنه لا يمكن وقف الانهيار. وأخذ الحزام الامني ينهار. بعد ذلك بيومين، في الليلة بين 23 الى 24 ايار، خرج الجيش الاسرائيلي من لبنان في اجراء بدا شبيها بهرب مذعور. اضاعت اسرائيل فرصة الخروج على نحو كريم مع نهاية يوم السبت. ضرب حزب الله القوات الخارجة من الخلف، وكان نصرالله يستطيع ان يظهر لنفسه انتصارا بطوليا. فقد نجح هو مع بضع مئات من المقاتلين في ان يهزم اعظم جيش في الشرق الاوسط ويجعله يهرب من لبنان. حصدت اسرائيل ثمار هذا الاضطراب بعد ذلك بعشر سنوات.
لنعد سنة ونصف سنة الى الوراء، الى الشهور الاخيرة من ولاية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. دعيت قبل الانتخابات بوقت قصير الى محادثة مع وزير الدفاع آنذاك موشيه آرنس. تذكرون ان نتنياهو أعاد ارنس الى النشاط بعد أن اقال اسحق مردخاي الذي مضى لينشيء حزب المركز استعدادا للانتخابات. سمعت من ارنس استعراضا أمنيا للجبهات المختلفة. وعندما بلغنا الشأن اللبناني اسمعني ارنس كلاما مدهشا.
قال وزير دفاع نتنياهو: نحن نزن تغيير طابع الوجود الاسرائيلي في جنوب لبنان. سألته ما الذي يقصده وفصل ارنس قائلا: لا داعي الى ان نوجد في مواقع ثابتة كبيرة تكون اهدافا سهلة لحزب الله. قد يجب ان نزن اخلاء المواقع، او جزء منها وان ننتقل الى طريقة اخرى. اهتممت بالطريقة الجديدة، وتحدث ارنس عن "وجود متنقل". عن دوريات، واستطلاعات للجيش الاسرائيلي في الشريط الامني تعيد الى اسرائيل المبادرة وتخرج جنودنا من مقام البط المستهدف.
كان ذلك الكلام صارخا. عارضت حكومة نتنياهو الخروج من لبنان معارضة شديدة. وجعل ايهود باراك هذا الموضوع راية حملته الانتخابية، وبدأت النتائج تظهر في استطلاعات الرأي. فقد نتنياهو تفوقه على باراك، وظهر تعادل بل ربما أكثر من ذلك. اظهر باراك في المرة الاولى علامات تحليق. سألت نفسي أيمكن أن يكون نتنياهو قد لحظ المشكلة وأدرك ان الجمهور الاسرائيلي يريد الخروج من لبنان. على اية حال، كتبت ذلك في العامود الصحفي الذي نشر في هذه الصفحات لكن بغير ابراز. بغير عناوين وبغير تشويق. كتبت ذلك من غير أن اصدقه.
بعد ذلك علمت التفصيلات الكاملة. أجل لقد بدأ نتنياهو ينضج. في آخر سنة من ولايته مال الى اعتقاد ان المأساة اللبنانية يجب أن تنقضي. وان ما يحدث في الشريط الامني هو عبء على اسرائيل لا يوجد فائدة منه. أسهم حادثان تأسيسيان في نضج بيبي: الاول كارثة المروحيتين اللتين نقشتا في الوعي الاسرائيلي على أنها احدى اشد الكوارث التي وقعت للجيش الاسرائيلي منذ أن كان. وكان الثاني سقوط العميد ايرز غيرشتاين. تبين أن قافلة غيرشتاين جاءت كعملية استهداف محكمة من حزب الله، استعانت ايضا بمتعاونين محليين بل بمصوري صحف أجانب. كانت تلك قافلة تقليدية لبط مستهدف. استعمل ثلاثة اشخاص تأثيرهم في تلك الايام في نتنياهو للخروج من لبنان. كان الاول شاي افيتال، والثاني عامي ايالون (رئيس الشاباك)، والثالث عميرام لفين. كان الثلاثة ضباطا ذوي احترام وخبرة. وليسوا يساريين خلصوا الى هذا الاستنتاج في منتصف تحليل يقظ للواقع. كان ذلك هو السبب الذي جعل بيبي يبدأ بالتفكير بالسر، في طرائق لوقف المأساة التي كلفت اسرائيل نحوا من 25 جنديا كل عام.
لم يريدوا سماع ذلك في الجيش الاسرائيلي. عارض الجيش الانسحاب معارضة شديدة. اعتقد قائد المنطقة الشمالية اشكنازي ان الانسحاب من جانب واحد سيكون كارثة. وكذلك اعتقد رئيس هيئة الاركان شاؤول موفاز. كان لهما حليف مخلص في منطقة استراتيجية هو دان هرئيل الذي كان آنذاك السكرتير العسكري لوزير الدفاع اسحق مردخاي. لم يكن نتنياهو قادرا على تقديم هذه المبادرة طالما كان مردخاي في منصبه. تغلب الثلاثة: موفاز واشكنازي وهرئيل على الثلاثة: افيتال وايالون ولفين. وجدت صراعات خفية.
آنذاك أتى باراك، مع تصريحه الحاسم (في برنامج اذاعي مع دان مرغليت) عن أنه اذا انتخب لرئاسة الحكومة، فسيخرج الجيش الاسرائيلي من لبنان "مع اتفاق" في غضون سنة. بدأ باراك ترتفع اسهمه وهو الذي كان غير مرتفع في استطلاعات الرأي حتى ذلك الوقت. لقد ارهق الجمهور الاسرائيلي بلبنان، وضاق ذرعا بقتل الجنود، ولعق جراح المروحيات واراد الانسحاب. ادرك باراك ذلك ادراكا ممتازا، بواسطة استطلاعات الرأي ايضا، وجعله أداة ضغط سياسية قوية جدا.
كذلك أدرك بيبي ذلك وان يكن متأخرا شيئا ما. وخروج مردخاي من منصبه مكنه من المناورة. كان ارنس، وهو شخص ذكي ذو خبرة، تعيينا منه ولم يكن وراءه قوة سياسية. في تلك اللحظة ولدت مبادرة الانسحاب، وان يحل محلها وجود متنقل. بدأ ارنس يقدم ذلك على رغم أنه لم يؤمن به. وهنا ايضا عارض الجيش معارضة شديدة. كانت تلك الايام التي سبقت الانتخابات وعلم نتنياهو ان الامر ضائع. فلن يخرج إذن من لبنان.
أيمكن أن نقيس من هذه الاحداث على وقتنا هذا؟ ربما نعم. تبين مرة اخرى ان نتنياهو زعيم ضعيف متردد وغير مبادر ومنجر ومتلوٍ. ويكون قد فات الوقت الى أن يقرر. وتبين شيء آخر هو ان بيبي يحجم عن الخروج على الجيش الاسرائيلي. انه لا يتخذ قرارات في مواجهة المستوى العسكري. ربما لانه لم يكن رئيس اركان او جنرالا في الاحتياط، او لمجرد الثقة بالذات.
انقضت احدى عشرة سنة من ذلك الحين واصبح نتنياهو قد جاوز الستين، وليس من المحقق أنه تغير. في هذه المرة ايضا توجد قرارات ملحة حاسمة، مثل مهاجمة ايران. في هذه المرة ايضا اذا استقر على رأي فقد يكون مخالفا لتوصيات المستوى الامني. قد تجلب نتائجه علينا كوارث تجعل كارثة لبنان قزما. أتكون عنده القوة؟ أيجد العظمة؟ أيكون هذا بالضبط هو السبب الذي يجعله ينشيء تعلقا كهذا بايهود باراك؟ لا نعلم.
لنعد الى ايهود باراك. انه يحاول في الاسابيع الاخيرة ان يضع لنفسه فضل الانسحاب من لبنان. أي اجراء قيادي، وأي رؤيا وأي قدرة على اتخاذ قرار وتنفيذه. اما الواقع بطبيعة الامر فهو معاكس تماما. جلب باراك على اسرائيل كارثة باهظة. أجل، كان يجب الانسحاب من لبنان. كان من الواجب الانسحاب من لبنان. لكن ليس على هذا النحو. ان انسحاب باراك من لبنان، وطريقة اعلان ذلك وشكل تنفيذه، نجم عنه جميع المشكلات والضربات التي حلت بنا في السنين التي تلت ذلك. الحديث عن حقائق تاريخية لا يستطيع الاعتراض عليها حتى مراسلو البلاط الذين يحيطون بباراك. ان اعلان باراك في ذاك البرنامج الاذاعي جعل الاوراق كلها خاسرة. وكانت حقيقة انه سجن نفسه في أجل مسمى قاتل. حاول ان يجمع شيئا من النقاط في الرأي العام لكنه انشأ واقعا صعبا. فقد عد الشرق الاوسط كله ايامه. مع دخوله عمل رئيس الحكومة من الفور ظهر ذلك العنوان عن القلعة على الجبل البركاني، مع عدد الايام. بدأ الصحفيون اعمدتهم الصحفية الاسبوعية بالعد التنازلي. كيف يمكن اجراء تفاوض في وضع كهذا. ومع من يمكن اجراء تفاوض؟ وكيف يمكن استعمال الضغوط واحراز انجازات وطلب اثمان عن اجراء تاريخي كهذا؟ لقد سمى الاجل واقر الحقيقة سلفا، وحاول بعد ذلك المساومة. ليس هذه حتى اساءة تدبير بل فوضى. دفعت اسرائيل ثمن هذه الفوضى دفعا كاملا.
عشية انسحاب الجيش الاسرائيلي نقلت جهات فلسطينية رفيعة المستوى رسائل يائسة الى اسرائيل. ونشرت رسالة كهذه ايضا بهذه الصفحات. قام من ورائها ابو علاء الذي كان آنذاك رئيس فريق التفاوض الفلسطيني. قالت الرسالة ان خروج الجيش الاسرائيلي من لبنان من جانب واحد حتى الحدود الدولية سيكون خطأ شديدا. فقد يفضي الى نشوب انتفاضة. وقال الفلسطينيون كيف تتوقعون منا الهوادة معكم بعد ذلك؟ اذا كان بضع مئات من المحاربين يطردون اسرائيل حتى الخط الدولي فكيف يستطيع الشعب الفلسطيني أن يقبل اقل من ذلك؟ بعد سابقة سيناء والسلام مع الاردن والخروج من لبنان حتى آخر سنتيمتر، لن يكون للفلسطينيين مناص، وهذا ما قالوه. سيكونون مضطرين ببساطة الى الثبات على خطوط 1967. لكن لم يوجد من يصغي الى هذه الرسالة. كان باراك في عصف الانسحاب وعلم انه لن يكون مع أي "اتفاق".
ما الذي قصده عندما قال "اتفاق"؟ ما اهمية هذا. فكر العالم كله ان الحديث عن سوريا ولبنان، معا او على حدى. وعندما سئل ماذا سيفعل اذا لم يحرز اتفاقا، رفض باراك الاجابة. فلماذا سمى هذا الاجل الكارثة لمدة سنة؟ لماذا مدة سنة؟ لماذا لا نخرج على الفور اذا اردنا الخروج؟ اليس القتلى خلال سنة كاملة خسارة عظيمة؟ كان يستطيع ان يعلن بانه سيخرج من لبنان بغير أجل مسمى وان يستعمل الخروج آنذاك ورقة مساومة مع لبنان ومع العالم ومع أمريكا واوروبا لاحراز شروط جيدة، ولاضطرار حزب الله الى القيام باجراءات. لكنه لم يفعل ذلك. كان أهم ما لديه هو احراز عناوين صحفية وان يفوز في الانتخابات.
في النهاية، وجدت محاولة بائسة لعرض الاتفاق على أنه "اتفاق" مع الامم المتحدة على رسم الحدود. هذا موضوع انفعالي بقدر كبير. بالمناسبة استمر الجدل في خط الحدود الى اليوم (انظروا مزارع شبعا). لو أن باراك فكر بالامر قبل ذلك لعلم انه يمكن احراز مكاسب مناسبة من الانسحاب، ويمكن املاء جزء من خط الحدود، ويمكن استعمال فرنسا في مواجهة لبنان على نحو سري. لكن باراك مثل ارئيل شارون بالضبط بعد ثلاث سنين من ذلك فضل الخروج فحسب. أن يرمي المفاتيح الى لا مكان، ليكسب من يمسك بها. وفي حالته أمسك حزب الله بها. وفي حالة شارون أمسكت بها حماس. من الذي ربح؟ من المحقق أن لسنا نحن.
في العمى
الاجل الذي سماه للخروج، في غضون سنة، احدث اضرارا اخرى من جملتها افشال التفاوض مع سوريا. في كانون الثاني 2000، في شبردستاون، اعتقد باراك انه ما زال يملك نصف سنة آخر حتى حزيران ولم يسارع لمحادثات السوريين في الخط الحدودي. اما السوريون من جهتهم فاستشاطوا غضبا. لقد تخلوا سريعا ووافقوا على أكثر مطالب اسرائيل المتعلقة بالترتيبات الامنية والمياه والتطبيع. والان عندما ارادوا الحديث عن الخط الحدودي رفضهم باراك. لقد انتظر "انسحابه مع اتفاق" في حزيران. لكن السوريين استشاطوا غضبا وفجروا الصفقة. اضيعت فرصة تاريخية لمرة واحدة. لو أن باراك فعل الفعل الصائب، فعقد سلاما مع سورية، قرنه الى الخروج من لبنان لامكن آنذاك تحطيم ذراع حزب الله (عندما كانت ما تزال صغيرة نسبيا)، وان ينقض محور الشر بين طهران ودمشق (في حين كان ما يزال ضعيفا نسبيا)، وان يسكت الجبهة الشمالية (في حين كانت ما تزال في مهدها) ان يعزل ايران. كان ذلك يحدث انقلابا استراتيجيا ضخما في الشرق الاوسط ولربما ما كان ليحدث انتقاد العالم الحالي من مواجهة المشروع الذري الايراني. لكن باراك كما قلنا آنفا تمسك بمبادئه وتصريحاته وجداوله الزمنية. هكذا تكون الحال عندما تعمل الحياة كلها مع الساعات لا مع البوصلة.
لقد منعت حقيقة انه خاف التسريب خوفا قاتلا عملا منظما بهيئة قيادة، كما قلنا آنفا. لم يعلم جيش لبنان الجنوبي شيئا ولهذا انتقض في ليلة واحدة. املى هرب جيش لبنان الجنوبي موعد الخروج الذي اصبح انسحابا مذعورا ان لم نقل هروبا تحت جنح الليل. ولما كان باراك رئيس الحكومة ووزير الدفاع ولم يحسب حسابا لوزير الخارجية دافيد ليفي، فانه وحده عالج موضوع الخروج. لم تكن وزارة الخارجية في الصورة. قد يكون هذا هو السبب لوجود عملية عسكرية غير مصحوبة بعملية سياسية. لم تستعمل ادوات ضغط، ولم توجد انجازات، ولم يفضِ الخروج من لبنان خلافا للانفصال الى ثمار سياسية. خرجنا فحسب. صفقنا الباب وراءنا، ورأينا نصرالله يصبح صلاح الدين الجديد، واعلنا بتبجح انه اذا اجترأ احد الان على مواصلة مطاردتنا فـ "سنعلم ماذا نفعل". كان ذلك تصريح باراك، ولم يعلم حتى هو سرعة اختبار الواقع لذلك.
بعد الخروج بوقت قصير، اختطف حزب الله الذي حظي بمواقع مسيطرة على الجدار، ثلاثة جنود من الجيش الاسرائيلي في مزارع شبعا. لم يفعل باراك الذي قال قبل ربع ساعة ان ارض لبنان ستشتعل اذا وقعت اختطافات اخرى، لم يفعل شيئا. جثم هناك، غارقا في أناه الذاتي وابتلع الامر. وهو بالضبط ما حدث بعد بضع سنين بعد الخروج من غزة. لقد جعل الغول تهيج، وتطلع رؤوسا وتخرج اذرعا. دفعت اسرائيل الثمن في حرب لبنان الثانية. والحمد لله على أن ايهود اولمرت لم يوافق على التحمل اكثر، وقلب معادلة الردع الاقليمي بالخروج للحرب. والحمد لله على أنه فعل ذلك بعد ذلك ايضا، في الرصاص المسكوب.
قبل خروج اسرائيل من لبنان حدث جدل بين مذهبين. قال الاول انه في اللحظة التي نخرج فيها، سيصبح حزب الله حزبا سياسيا. ويفقد من تأثيره وقوته. وقال الثاني عكس ذلك وهو أنه لا صلة بين الانسحاب الاسرائيلي ووجود حزب الله. فوجوده مشروط باستمرار الجهاد. الصلة عكسية. اذا انقطع الجهاد ضعفت المنظمة واختفت. ان من اعتقد ذلك كانوا قلة ضئيلة طوردت قبل الانسحاب وتبين بعده انها كانت على حق، فقد أحرزت ايران لنفسها موقعا ثمينا على جدارنا الشمالي. ولن تتخلى من هذا الموقع بسهولة. بين سنتي 2000 الى 2006 (حرب لبنان الثانية) جال على جدارنا جنرالات ايرانيون من الحرس الثوري مع نواظير. لم يعودوا هناك الان، لكن حزب الله اصبح اقرب من أي وقت مضى الى السيطرة المطلقة على لبنان.
وماذا حدث لنا في العقد الاخير؟ من جهة احصائية، نحن نوفر 25 جنديا كل سنة (عدد القتلى في لبنان). ومن جهة ثانية، دفعنا عن ذلك قتلى حرب لبنان الثانية، ويقول غير قليل اننا دفعنا قتلى الانتفاضة. وحدث اختطافان قاتلان ايضا (خمسة قتلى) على الجدار. تحول حزب الله من حركة هامشية الى منظمة عظيمة القوة تملي السياسة اللبنانية. ويحاصر نصرالله رئيس لبنان ويسيطر على مجلس النواب والحكومة. انه الرجل الاقوى في لبنان، ممثل (الامام) خامنئي الذي بيده تدبير الامر.
والى ذلك يسيطر محور الشر على المنطقة. لو حدث السلام مع سورية ولبنان والخروج مع اتفاق حقيقي ونقض الجبهة الشمالية لوفرنا على انفسنا الواقع الصعب اليوم، حيث توجد فرقة ايرانية على الحدود وعشرات الاف الصواريخ الموجهة الى قلب تل أبيب. يسيطر على لبنان اليوم ذراعان قويتان لسورية وايران. ان مسألة متى يقرر الايرانيون استغلال التغيير السكاني في لبنان ويترجمونه الى مصطلحات سياسية، مع قلب نظام الحكم هي مسألة وقت فقط.
لو أن اسرائيل ادركت عقد تسوية سلمية مع سوريا لما وجد هذا النظام كله. ولكان خيار بنائه من جديد وتوزيع اوراق اللعب من جديد، ونقض محور الشر واكمال دائرة السلام حول اسرائيل. لكن كل هذا لم يحدث. حدثت امور اخرى سيئة مظلمة جدا، وهي في الحصيلة العامة الشيء الضئيل قياسا بما قد يقع بعد ذلك. لان البطلين نتنياهو وباراك لا يزالان في نفس الموقع الان ايضا".
ـــــــــــــــ  
اللواء الإسرائيلي الأخير لبنت جبيل: لم نخرج من لبنان، بل هربنا

المصدر: "هآرتس ـ عاموس هرئيل"
" لا يوجد شك لدى العقيد في الاحتياط نوعم بن تسبي القائد الأخير للواء الغربي للجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان بأن الوصف الأخير للخروج الإسرائيلي من المنطقة الأمنية قبل عشر سنوات كما يقول" هذا لم يكن خروجا ولا أيضا إنسحاب إنه قطعا كان هروبا".
بن تسبي قاد اللواء الغربي على مدى أربع سنوات تقريبا، إلى حين إكمال الانسحاب في 24 أيار العام 2000 حيث عملت قوات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان تحت هرم  قيادي معقد وأحيانا متناقض : وحدة الارتباط مع لبنان (يكال) والفرقة 91 (فرقة الجليل). وكان يعمل تحت قيادة وحدة الارتباط  لواءين الشرقي والغربي، حيث كانا مسؤلين عن قطاعات محدودة نسبيا في لبنان وقد عملوا تحديدا كمدربين ومرافقين للوحدات الموازية في جيش لبنان الجنوبي.
إن قيادة بن تسبي كانت في بنت جبيل وهي البلدة التي حفر اسمها في الذاكرة الإسرائيلية بسبب المعارك التي دارت فيها بعد ستة سنوات من الانسحاب في حرب لبنان الثانية. أحد هذه المعارك التي دارت في نهايات الحرب قد دارت في مقر قيادة اللواء الغربي للجيش الإسرائيلي. إن قوة من المظليين والمدرعات التي تلقت الأمر برفع العلم الإسرائيلي في مقر القيادة ، كجزء من البحث الضروري للقيادة عن رموز للإنتصار، اكتفت في النهاية ان ترفع العلم في المقبرة.
هل يشعر بن تسبي انه حر طليق للإعراب عن رأيه بعد أن علم أنه لا يوجد لديه أمل في الترقي، أم أن آراءه هي التي منعته من الترقية؟ هذا سؤال مثل مسألة البيضة والدجاجة . واقع انه بعد الانسحاب عين كملحق عسكري في هولندا قبل تسرحه من الجيش، إذ أنه كان من بين الضباط الكبار الوحيدين في لبنان الذين لم يترددوا في الإعلان الواضح عن تأييدهم للانسحاب. إن قيادة الجيش بأغلبها عارضت بشدة خط رئيس الحكومة آنذاك أيهود باراك وخصوصا قرار باراك بالانسحاب الأحادي الجانب، عندما تبين له انه لم تنجح جهوده في التوصل الى سلام مع سوريا.
رأي مهني أو سياسي
يذكر بن تسبي أنه تحدث مع رئيس الأركان اليوم غابي اشكنازي الذي كان يومها قائد المنطقة الشمالية، وقبل اعلان باراك. اشكنازي استغرب يومها كيف يوازي بن تسبي بين طلبه في ان يمدد  له ولايته كقائد لواء في لبنان وبين تأييده الخروج من لبنان: قلت له أنا في الجيش. وهذا رأيي المهني، لا السياسي. لاحقا ادعى بن تسبي أن غالبية الألوية في تلك الفترة أيدوا الخروج من لبنان، لكنهم حذروا من قول ذلك بصوت عالي،  لأنهم في الأركان العامة كانوا يعتقدون غير ذلك. أنا اعتقد أن تشيكو (تامير) وشموئيل زكاي، وأفيف كوكافي وألون فريدمان وإيال آيزنبرغ –كلهم ادركوا أنه يجب الخروج. كلهم لمسوا بانفسهم عدم النجاح ، وعدم القدرة على القيام بالمهمة في لبنان. حتى أيضا المستويات القيادية التي كانت فوقنا لم تقلل من أهمية ذلك. إن المشكلة هي انه كلما كنتَ ضابطا كبيرا وترى نفسك تواصل التقدم في الجيش، من الصعب عليك  أن تخرج ضد كل المؤسسة، وهذا ليس صدفة أن ضابطين كبيرين من الوحدة عبروا عن آرائهم بعد الخروج هما اللوائين عميرام ليفين وشاي ابيطال بعد وقت قصير من تسرحهما من الجيش الإسرائيلي.
يشعر بن تسبي بالغيض اتجاه تصرف الضباط الكبار. إذ لا يعقل أن يكون في الأركان العامة أن لا يقوم ضباط قاتلوا من اجل الخروج. هذا غير منطقي. فهؤلاء ليسوا أغبياء. أنا أفهم من ذلك أنهم كانوا حريصين على أنفسهم وعلى إمكانية الترقية. ما لدي قلته في كل اجتماع. وأنا أذكر في احد الاجتماعات التي عقدها رئيس الأركان موفاز بعد انتخاب باراك بوقت قليل قلت فيه : نحن لم ننجح في المهمة، وسكان الشمال يتعرضون للكاتيوشا بسبب تصادمنا مع حزب الله في المنطقة الأمنية. وحزب الله هو الذي يملي الوتيرة وعندما يريدون هم يطلقون النار. نحن يجب أن نخرج من هناك، لأننا لا نحقق أي هدف من وجودنا هناك. فالمسألة ليست مسألة روح قتالية لدى الجنود، فالجنود معنوياتهم عالية لكن لا ينتهي الموضوع عند هذا".
يفصل بن تسبي بين تأييده قرار الانسحاب وبين شكل التنفيذ. ويقول إن التنفيذ كان فشل عملياتي. لم يحقق الجيش الإسرائيلي بالعمق في عملية الانسحاب، لأنه حينها سيكتشف أن الكثير من الضباط الكبار هم من سمحوا بفشل العملية. "لقد حققوا في خطف الجنود، لكنهم لم يحققوا في الانسحاب". إن بن تسبي لا يبالي بمسألة عدم إصابة أي جندي في الأيام الثلاثة للانسحاب. "إن من المهم بحسب وجهة نظري هو تنفيذ انسحاب منظم ومخطط كما استعد الجيش لتنفيذه، من خلال عملية لا تفسر في الشرق الأوسط كهروب. لقد أبقينا خلفنا الآليات والعتاد. وفي عدة حوادث سرق جنودنا عتاد وأضاف لقد كان من المهين كثير تجمع عناصر جيش لبنان الجنوبي في بوابة فاطمة. كان هذا هروبا غير مخطط له، حتى عندما لم يطلق حزب الله النار باتجاهنا بشكل جدي وحقيقي. لقد فهم المقاتلون هذا وقالوا ذلك. ما حصل هناك هو تنازل عن القيم التي تربينا عليها كجنود".
إن عملية الانسحاب ذاتها لم يشهدها بن تسبي. إذ في اليوم الذي بدأ فيه جيش لبنان الجنوبي بالانهيار أرسل في رحلة كانت مخططة مسبقا قبيل توليه منصبه الجديد في هولندا (ملحق عسكري). انهارت المنطقة الأمنية وبدأ المدنين اللبنانيين تنظيم المسيرات الى قرى القنطرة والطيبة.وكان الجيش الإسرائيلي قد قلص من تواجده في هذه المنطقة وسلم احد المواقع الى مسؤولية جيش لبنان الجنوبي. قادة الموقع هربوا منه عندما وصلت أول مسيرة وفي غضون ثلاثة أيام إنهارت كل المنطقة وأسرع جنود الجيش الإسرائيلي في الخروج.
إن بن تسبي مقتنع بأنه لو كان موجودا ما كان ليسمح بعملية من هذا النوع،  "ويضيف كنت انبطحت علي السياج ولم أسمح بذلك أن يحدث. كان يجب أن يطلق النار على هذه المسيرة، حتى ولو قتل خمسة مدنيين. والواقع أنه تجري اليوم مثل هذه المسيرات على السياج الفاصل مع غزة والجيش الإسرائيلي يعرف كيف يفرقها، وأحيانا بواسطة استخدام محدود للنار. لو اتخذ في قرية الطيبة الإجراءات المناسبة، لكان تم صد المسيرة ولكان تم تنفيذ عملية انسحاب منظمة لاحقا".
بعد سنوات كثرت الآراء والتخمينات في الجيش التي تقول بأن ارسال بن تسبي الى هولندا كان مقصودا، لأن التزامه وارتباطه بجيش لبنان الجنوبي كان يمكن أن يشوش عملية الانسحاب. فيقول "أن من أشاع ذلك هو الجنرال أنطوان لحد قائد جيش لبنان الجنوبي . أنا لم أجد لذلك أي دليل وأنا شخص لا أؤمن بالتكهنات. أنا آمنت بالانسحاب، لكن أنا اعتقد أنه أخطانا خطئا استراتيجيا عندما لم نرد بقوة على عمليات حزب الله وعلى رأسها عملية خطف الجنود الثلاثة في هار دوف (مزارع شبعا) في تشرين العام 2000 . لم يكن لدى باراك اعتبارات سياسية، لكن من ناحية الجندي البسيط، نحن تعهدنا أن نرد بقسوة ولم نفعل ذلك. نحن لا ننفذ ما نقوله، والجانب الثاني عرف ذلك وعمل على استغلاله.
وما زلت حتى الآن وبالمقارنة مع العشر السنوات الأخيرة أعتقد بأننا ربحنا الهدوء، حتى عندما نعد قتلى حرب لبنان الثانية. لقد كنا نفقد في المنطقة الأمنية ما متوسطه 25 مقاتل في السنة، هذا إذا لم نتحدث عن الكوارث الناتجة عن الوجود هناك مثل كارثة المروحيات وموت 73 جندي. إن البقاء هناك كان فشلا مطلقا يستوجب الخروج. وإن باراك وفر علينا عشر سنوات من القتال هناك من دون فائدة".
ـــــــــــــــــ
مفتاح الخزنة بقي في إسرائيل

سيقيم في الايام القريبة القادمة ضباط وحدة الارتباط لقاء مشترك مع قادة جيش لبنان الجنوبي في بيت خاص بتل أبيب. وأحد قادة الكتائب في جيش لبنان الجنوبي الذين قاتلوا مع بن تسبي عاد الى بيته في جنوب لبنان. وبقي إثنين آخرين في البلاد وهنا أيضا تسكن عائلة صديقه الكولونيل عقل هاشم. ويعتقد بن تسبي ان استيعاب عناصر جيش لبنان الجنوبي في إسرائيل كان معقولا نظرا للظروف السائدة.
ويضيف بن تسبي في الأشهر التي سبقت الانسحاب "أنا قلت الحقيقة أمامهم: نحن سنخرج من هنا من دون اتفاق. لا توهموا أنفسكم، أصمدوا من دوننا. كان هناك منهم من اقترح أن يكتفي الجيش الإسرائيلي بتزويدهم بالذخيرة. وانا قلت لهم لن تعطيكم إسرائيل طلقة أم16 واحدة بعد الانسحاب. لم أشعر بأي مشكلة في هذا الكلام معهم ، هم الذين وصلوا الى هذا الوضع. كان أهل الجنوب فقراء قبل مجيء الجيش الاسرائيلي، الذي نظم لهم فرص عمل محترمة ولعائلاتهم أيضا من خلال العمل في جيش لبنان الجنوبي، أو في اسرائيل. نحن لم نخلق المشكلة والفوضى في لبنان، ولم نجند أحد بالقوة".
ويستغل بن تسبي الفرصة ليشرح ما حصل للخزنة التي كانت موجودة في مقر قيادته ببنت جبيل، والتي كان فيها أموال كان من المفترض أن يتم دفعها كرواتب لعناصر جيش لبنان الجنوبي. بعد الانسحاب انتشرت إشاعات مختلفة بخصوص هذه الخزنة، والتي هي بحسب رأيه دليلا آخر على الانسحاب المتسرع. إن أموال رواتب جيش لبنان الجنوبي وضعناها في تلك الخزنة، ومن اجل منع السرقات كان لها مفتاح واحد موجود لدى ضابط العديد. وعندما بدأ الانسحاب، كان ضابط العديد موجود في الجانب الإسرائيلي من السياج، والقيادة منعت التصريح لاحد بالعودة الى لبنان. فقام الضباط في مقر القيادة ببنت جبيل بإلقاء الخزنة في ساحة مقر القيادة وتفجيرها. ويضيف سمعت من بعض الجنود أن الأموال تطايرت بعد تفجيرها. ويضيف كان هناك بين 2000 أو 3000 دولار لا الأعداد التي تم الحديث عنها والتي تم تضخيمها الى  حد 18 ألف دولار. لكن هذه أيضا قصة أخرى تدلل على أن الأجواء التي كانت هناك هي أجواء هروب لا انسحاب منظم".
ـــــــــــــــــــ
نهاية الخيار العسكري ضد إيران
المصدر: "هآرتس – يوسي ميلمان"
"الاتفاق الذي وقع هذا الاسبوع بين ايران وتركيا والبرازيل – على نقل قسم من اليورانيوم المخصب لديها الى خارج حدودها لفترة زمنية معينة – يقلص الاحتمال بأن تفرض على إيران عقوبات أليمة بسبب تواصل تطوير برنامجها النووي. ولكن من المعقول الافتراض بان في نهاية المطاف سيظهر الاتفاق كمناورة ايرانية تسمح بمواصلة السعي الى السلاح النووي. هذا اضافة الى تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يجب ان يؤدي الى استنتاج واحد واضح: اسرائيل ستفعل كل ما في وسعها – بما في ذلك استخدام القوى العسكرية كي تمنع عن ايران تحقيق قنبلة نووية اولى. سطحيا، هذه هي السياسة الاسرائيلية المعلنة، ولكن فحصا للحقائق يبين صورة مغايرة جوهريا. اسرائيل ستجد صعوبة شديدة في تدمير البرنامج النووي الايراني او حتى لابطائه.
صحيح، لمن ينصت الى تصريحات نتنياهو والى التداعيات التاريخية التي يستخدمها، لا يبقى شك: السلاح النووي بيد ايران سيكون تهديدا وجوديا واسرائيل لن تحتمله. اقوال بهذه الروح قالها في نيسان 2009 بعد وقت قصير من تسلمه رئاسة الوزراء، في الاحتفال المركزي في مؤسسة الكارثة والبطولة في يوم الكارثة: "لن نسمح لناكري الكارثة بتنفيذ كارثة ثانية للشعب اليهودي". وكرر ذلك في صيغة مشابهة في ذات الاحتفال بعد نحو سنة.
هذه الفرضية تدعمها أيضا سابقات تاريخية. لمرتين دمر طيارو سلاح الجو منشآت نووية في دول عربية معادية، لمنعها من التسلح بسلاح نووي. في المرة الاولى حصل هذا في عيد الاسابيع قبل 29 سنة. في 7 حزيران 1981 هاجمت ثماني طائرات اف 16، ترافقها ثماني طائرات اف 15، مفاعل نووي اقامه العراق بمساعدة فرنسية قرب بغداد. وقد دمر المفاعل في غضون دقيقتين. كان هذا هجوما وقائيا كلاسيكيا، يرمي الى منع صدام حسين الطموح من انتاج سلاح نووي. كما كانت هذه هي المرة الاولى التي تدمر فيها دولة منشأة نووية لدولة اخرى.
الزعيم الذي في صالحه ينبغي ان يعزى القرار الجريء بالهجوم كان رئيس الوزراء في حينه، مناحيم بيغن، الذي عمل ضد كل الاحتمالات: كان عليه ان يتغلب على معارضة الفكرة من جانب الوزراء، الجنراءات في هيئة الاركان وكبار المسؤولين في اسرة الاستخبارات ممن خشوا من رد فعل العالم العربي ومن التنديدات الدولية. رئيس المعارضة في حينه شمعون بيرس، الذي يرى نفسه أحد الآباء المؤسسين للنووي الاسرائيلي، بذل جهودا كبيرة لاحباط الخطة وحذر بيغن من انه بعد الهجوم ستجد اسرائيل نفسها منعزلة في العالم وكأنها في صحراء. يحركها احساس عميق، شبه ديني، احساس بالرسالة، لم يخف بيغن من أصوات المعارضين وأقر بحزم القرار في الحكومة. وكمن جسد تجربته الكارثة، لا مر ولا مرتين استخدم تعبير "ليس مرة أخرى ابدا": أبدا لن يقف مرة أخرى الشعب اليهودي أمام تهديد وجودي. تصريحات نتنياهو هي كالصدى لصيغ بيغن.
في نظرة الى الوراء، بعد الهجوم في العراق، وصف محللون قرار رئيس وزراء اسرائيل وايمانه المتشدد بأنه "عقيدة بيغن"، وأعطوه معنى استراتيجي. وشرح المحللون بأنه من حيث الجوهر يقضي هذا المفهوم بأن اسرائيل – الذي يعتقد كل العالم بأن لديها سلاح نووي – لن تسمح ابدا لدولة اخرى في الشرق الاوسط ان تملك مثل هذا السلاح ، الذي سيهدد أمنها.
ولكن لا يشارك الجميع في مفهوم أن عقيدة بيغن تمثل المخاوف الأكثر عمقا لاسرائيل من كارثة ثانية. كما أن هناك من يعتقد بأنها تبلورت لاعتبارات أخرى، ليس بينها وبين السياق التاريخي او نزعة البقاء شيء: ببساطة من أجل الحفاظ على احتكارها النووي.
مهما يكن من أمر، فان عقيدة بيغن وقفت أمام اختبار آخر بعد نحو 26 سنة، في ايلول 2007، عندما دمر طيارو سلاح الجو بنجاح مفاعل نووي على ضفة نهر الفرات، استكملت سوريا بناؤه من مساعدة مالية من ايران وخبراء ومعلومات من كوريا الشمالية.
هناك بعض الفوارق البارزة بين الهجومين. قبل الهجوم في العراق، لم تشرك اسرائيل دولا أخرى في نواياها – ولا حتى الولايات المتحدة التي كان يقودها رونالد ريغان احد الرؤساء الاكثر ودا لاسرائيل. وبعد الهجوم اعلنت حكومة اسرائيل بشكل رسمي بأن طياريها هم الذين نفذوا العملية. في الحالة السورية. كما زعم، حصل العكس تماما: اسرائيل، برئاسة رئيس الوزراء ايهود اولمرت وزير الدفاع ايهود باراك، اطلعوا الولايات المتحدة قبل بضع ساعات من العملية ولكن منذ العملية وحتى اليوم تبقي اسرائيل على الغموض ولم تأخذ المسؤولية عن الفعل على عاتقها.
صورة اسرائيل في الساحة الدولية يصممها بقدر كبير هذان الهجومان الناجحان. فقد خلقا الانطباع بأن سلاح الجو على نحو خاص والجيش الاسرائيلي على نحو عام قادرين على أن يخرجا الى حيز التنفيذ بنجاح كل أمر من هذا النوع تتخذه الحكومة. ثمة غير قليل من السياسيين في اسرائيل وكذا قادة عسكريون اصبحوا أسرى هذه الاسطورة. ولكن عمليا، الواقع أكثر تعقيدا بكثير. في الوقت الذي يواصل فيه رئيس الوزراء الحديث علنا "ليس بعد اليوم أبدا" ووزير الدفاع يذكر بأن "كل الخيارات موضوعة على الطاولة"، ففي المحادثات خلف الكواليس تختلف لهجة اصحاب القرار في القيادة العسكرية والسياسية اختلافا تاما. وهم يفهمون المصاعب الاستراتيجية – العسكرية، السياسية والاقتصادية التي سيجلبها معه القرار بمهاجمة ايران.
احد اوائل من عبروا عن هذا النهج الواعي هو العميد احتياط اسرائيل (رليك) شبير، الذي تبوء قبل بضع سنوات المنصب الثالث في اهميته في سلاح الجو وشارك في الهجوم على المفاعل في العراق. ومنه سمعت قبل نحو خمس سنوات الادعاء الأليم بأن سلاح الجو سيجد صعوبة في أن يعيد تمثيل نجاحه في العراق بنجاح في ايران.
وقال في حينه شابير ان "الايرانيين استخلصوا الدروس من الهجوم على المفاعل النووي في العراق. في العراق كل البرنامج النووي تركز في المفاعل. ولكن بالمقابل نثر الايرانيون المنشآت النووية في أرجاء الدولة. بعضها توجد في القسم الشرقي. وقد حصنوا منشآتهم بحيث أنهم بنوها تحت الأرض او أقاموها في الخنادق المحصنة. وبكل الاستقامة والصدق، ليس لسلاح الجو قدرة استراتيجية حقيقية على قصف أهداف بعيدة لفترة زمنية طويلة في ظل استخدام قدرة التسلح اللازمة لذلك".
استنادا الى بحوث أجريت في خارج  البلاد، معروف مكان معظم المنشآت التي ستكون أغلب الظن هدفا للهجوم. ستكون هناك حاجة الى تدمير المنشأة الكيماوية لتحويل اليورانيوم في أطراف مدينة اصفهان؛ المشروع لتخصيب اليورانيوم في نتناز؛ المنشأة لتخصيب اليورانيوم قرب قم؛ وربما مشروع آخر لتخصيب اليورانيوم لم ينكشف امام الجمهور. كما أنه كي ينجح الهجوم، سيتعين تدمير أهداف أخرى، عديدية ومتنوعة، حتى لو كانت معظمها معروفة لاجهزة الاستخبارات في اسرائيل وفي الغرب، واضح ان قوة عظمى ذات قدرة استراتيجية كالولايات المتحدة فقط يمكنها ان تهاجمها بنجاح.
كما ان قائد سلاح الجو ورئيس الاركان السابق، دان حالوتس، كتب مؤخرا في كتابه "بمستوى العيون" يقول ان البرنامج النووي الايراني هو مشكلة عالمية، ووقوف اسرائيل في الجبهة لا يجدي في معالجة الموضوع. وحسب أقواله بسبب تعقيد المشكلة الايرانية، سيكون من الصحيح أن تعالجها دول أخرى.
ولكن ليس فقط رجال السلاح الجو في السابق وفي الحاضر يدعون بأن الواقع صعب من ناحية اسرائيل. فالتعرف على طبيعة وسلوك معظم اعضاء القيادة السياسية والعسكرية في اسرائيل يؤدي ايضا الى الاستنتاج بأنهم يعرفون قيود القوة الاسرائيلية. نتنياهو يعتبر مترددا، خوافا وكمن يعلق في فزع وعليه سيجد صعوبة في أن يأمر الجيش في الانطلاق الى عملية. اما ايهود باراك ورئيس الاركان جابي اشكنازي، اللذان تحت قيادتهما هاجمت اسرائيل سوريا، فيعتبران زعيمين حذرين ومتزنين يعرفان الفوارق الجوهرية بين الهجوم على المفاعل السوري والهجوم على المنشآت الايرانية.
وحتى وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، رغم صورته كصقر مفترس، فقد أعرب قبل ثلاث سنوات عن موقف معتدل – وان كان واقعيا – بموجبه احتمالات الهجوم في ايران ضاعت عندما قرر الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الامتناع عن ذلك.
ولكن فوق كل شيء، فان الاعتبار المركزي لاسرائيل في كل قرار يرتبط بمواضيع الامن الوطني والمسائل الوجودية كان دوما موقف الولايات المتحدة. تقريبا طالما ترددت في مسائل الحرب والسلام، فكرت اسرائيل قبل كل شيء ما الذي ستقوله وتفعله واشنطن. فقد انطلقت اسرائيل الى حرب الايام الستة فقط بعد ان اتضح لها بان الولايات المتحدة لن تعارض ذلك. وامتنعت اسرائيل عن الخروج في هجوم مبكر في تشرين الاول 1973 ضد المصريين، حتى عندما كان واضحا لها بأن في غضون ساعات ستبدأ الحرب، فقط خشية ان تتهم الولايات المتحدة بالمسؤولية عن اندلاع المعركة. اسرائيل اجتاحت لبنان فقط بعد ان فهم وزير الدفاع اريئيل شارون من وزير الخارجية الامريكي اليكسندر هيغ بان ادارة بيغن ستسلم بذلك.
من هنا ايضا الاستنتاج المعقول والمنطقي بان اسرائيل لن تخرج الى هجوم في ايران طالما تعارض ادارة اوباما ذلك بشدة. وكي لا يكون مجال لاخطاء، حرصت الادارة بأن يصل الى اسرائيل العديد من كبار مسؤوليها وان يوضحوا موقفهم بلغة لا تقبل التأويل. في النصف سنة الاخيرة زار الاخير نائب الرئيس جو بايدن، رئيس السي ايه ايه ليئون بانتا، رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري ورئيس الاركان مايك مالن – كي يقولوا لزعمائها: "لا تفعلوا ذلك".
الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي يخشيان من أن تحاول ايران الانتقام بالرد على قوات الولايات المتحدة والناتو في افغانستان وفي العراق. ويقول بروس ريدل، الباحث الكبير السابق في الـ سي اي ايه والمستشار الخاص للرئيس اوباما "انهم بالتأكيد قادرون على جعل حياة جنودنا هناك جحيما". مثل هذا الهجوم سيخلق عدم استقرار في الشرق الاوسط، سيزيد التأييد في العالم السني – الاسلامي لايراني الشيعية وسيعرض للخطر الانظمة المؤيدة للغرب في الاردن، في مصر، في السعودية، في العراق، في البحرين وفي باقي الامارات العربية. مثل هذا الهجوم سيؤدي ايضا الى ان تغلق ايران مضائق هرمز، التي عبرها تصدر من الخليج اكثر من ربع النفط العالمي. اغلاق ايراني كهذا، حتى لو اقتحمه في النهاية الاسطول الامريكي سيرفع اسعار النفط الى ذروة جديدة ويحدث اضطرابا اقتصاديا في العالم.
ولكن هيا نفترض انه في مرحلة معينة، كمخرج أخير، غيرت الادارة الامريكية رأيها وصادقت في اسرائيل على مهاجمة ايران. فهل سيكون لزعماء اسرائيل الجسارة لأن يأمروا بانطلاق مثل هذا الهجوم؟ هناك عدة اعتبارات سيتعين على اسرائيل ان تأخذها بالحسبان. الاعتبار الاول هو الاستخبارات. في السنوات الاخيرة ازدادت كمية ونوعية المعلومات التي تصل الى الغرب عن البرنامج النووي الايراني: تم تجنيد المزيد من العملاء، تم تطوير أساليب جمع المعلومات التكنولوجية، ترتب فرار علماء وضباط كبار صبوا ضوءا على البرنامج وتعزز التعاون بين وكالات الاستخبارات، بما في ذلك استخدام مشترك للوكلاء.
وبالتوازي، احبطت محاولات ايرانية، بما في ذلك من خلال شركات وهمية، لان تشتري في الغرب معدات تطوير البرنامج. في نهاية 2008 تبين من محاكمة تاجر الالكترونيات في طهران، علي اشتري انه اتهم بأنه عمل في خدمة الموساد وباع لايران معدات مخلولة في محاولة "لتسميم" البرنامج النووي. وقد أعدم اشتري.
ولكن في السطر الاخير، رغم النجاحات التي ينبغي أن نعزيها للموساد ورئيسها، مئير دغان، فان الاخير لم يف بالوعد الذي قطعه للحكومة عندما تسلم مهام منصبه قبل ثمان سنوات – احباط البرنامج النووي الايراني. فهذا يواصل  التقدم، وان كان ببطء، نحو هدفه. وعليه، واضح لكل من يشارك في عملية اتخاذ القرارات بأنه اذا كانت في نية اسرائيل احباط البرنامج النووي الايراني، فيتعين عليها ان تفعل ذلك من خلال هجوم من سلاح الجو، بالتداخل مع اطلاق صواريخ ارض ارض، حسب منشورات اجنبية تطلق من قواعد في اسرائيل وربما ايضا من ثلاث غواصات "دولفين" لسلاح البحرية.
وحتى قبل فحص قدرة سلاح الجو على القيام بالمهمة – ويبدو ان هذه محدودة جدا، وبالتأكيد بالنسبة للولايات المتحدة – يثور السؤال أي مسار طيران سيتم اختياره. حسب بحوث نشرت في السنوات الاخيرة في الولايات المتحدة، هناك ثلاثة مسارات محتملة: الجنوبي والطويل، عبر السعودية؛ الوسط والقصير فوق الاردن والعراق؛ والشمالي في خط تماس الحدود السورية والتركية. لكل مسار يوجد فضائل ونواقص وجوانب يجب ان تؤخذ بالحسبان، تؤثر على كمية الذخيرة التي يمكن للطائرات ان تحملها (يتعلق الامر في الاختيار اذا كان الطيران سيكون على ارتفاع منخفض او أمن مرتفع)، على التزود بالوقود في الجو وبالاساس على الخطر في أن تنكشف وتطلق ضدها طائرات اعتراض معادية.
مسألة اخرى هي عدد الطائرات التي يمكنها ان تشارك في الهجوم. حسب تلك البحوث، يمكن لاسرائيل ان تطلق حتى 120 طائرة هجومية وقتالية (بما في ذلك لمهمات المرافقة، الاعتراض والتزويد بالوقود)، ستجد صعوبة في تنفيذ اكثر من طلعة واحدة. واضح ان مثل هذا العدد من الطائرات يملي ايضا كمية الذخيرة التي ستحملها.
واضح بما فيه الكفاية بأن مثل هذا الهجوم لن يتم الا من خلال ذخيرة تقليدية. كل ذي عقل يفهم بأنه اذا ما استخدمت اسرائيل في الهجوم السلاح النووي المعزى لها (خلافا لاستخدامه لاغراض الدفاع عن النفس)، فانها ستكف عن الوجود كدولة مقبولة بين أمم العالم، بل وحتى بين مؤيديها. وحتى لو كانت لطائرات سلاح الجو ذخيرة تقليدية نوعية، فهل سيكون فيها ما يكفي كي تتغلغل الى الخنادق التحت أرضية المحصنة؟  الولايات المتحدة ترفض ان تنقل الى اسرائيل القنابل الحديثة والذكية للغاية لديها، والتي تسمى "محطمة الخنادق"، لمساعدتها في تدمير الاهداف.
وحتى لو دمرت الاهداف، فان على مخططي العملية ان يسألوا انفسهم كم من الوقت سيستغرق ايران اعادة بنائها. فهل من المجدي أخذ كل هذه المخاطر لارجاء البرنامج النووي الايراني لسنتين – ثلاث سنوات؟ ولم نذكر بعد الثمن الذي ستجبيه هذه العملية – طيارين وطائرات لن يعودوا من المهمة – وهي مسألة هي ايضا يجب ان تدرس لدى من هم مسؤولون عن البحث في الأداء التنفيذي.
واعتبار آخر، بالاساس للقيادة السياسية. معظم الدول العربية قلقة بقدر لا يقل عن اسرائيل من امكانية ان تتسلح ايران بسلاح نووي. ولكن مصر، الاردن، السعودية واتحاد امارات الخليج لن تتجرأ على ان تؤيد علنا هجوما اسرائيليا على ايران، فما بالك ان تسمح لطائرات سلاح الجو بالتحليق في مجالها الجوي، حتى وان كان همسا وسرا تتمنى مثل هذا الهجوم. على اسرائيل ان تأخذ بالحسبان بأن هذه الانظمة، خشية من غضب الجماهير في دولها ستضطر ليس فقط الى شجب "العدوان الاسرائيلي" بل وان تتخذ ايضا خطوات عملية كقطع العلاقات الدبلوماسية معها.
ولكن لعل الاعتبار الاهم الذي يقف امامه اصحاب القرار في اسرائيل هو رد فعل ايران على الهجوم. ايران سترد، بل وسترد جدا. وهي ستطلق على الاقل بعضا من مائة صاروخ "شهاب" بحيازتها نحو اسرائيل. بعضها لن يصل الى اهدافها وبعضها سيعترض من منظومة "حيتس" ولكن بعضها سيضرب اهدافا في  اسرائيل. اضافة الى ذلك، ستستخدم ايران حزب الله، بآلاف صواريخه ومقذوفاته الصاروخية التي تغطي كل الاراضي الاسرائيلية. كما ينبغي الاخذ بالحسبان ايضا امكانية ان سورية، التي مخزونها من الصواريخ اكبر بما لا يقدر من مخزون حزب الله ستنضم هي ايضا الى المعركة. من غير المستبعد ان تدخل حماس ايضا الى العمل وتهرع الى مساعدة الايرانيين الذين يحسنون اليها ويرعونها.
ايران "ستوقظ" شبكات الارهاب النائمة خاصتها في ارجاء العالم، كي تحاول ضرب أهداف اسرائيلية ويهودية. ومع ان كل الوسائل التي توجد تحت تصرف ايران لا تشكل تهديدا وجوديا على اسرائيل، مشكوك جدا ان تكون الجبهة الداخلية الاسرائيلية التي تظهر في السنوات الاخيرة عدم استعدادها لتقديم التضحيات والتي تحركها وسائل اعلام عطشى للفضائح – أن تكون قادرة على الصمود في مثل هذه المعركة، حتى لو كانت اضرارها محدودة.
حيال المخاطر، انعدام اليقين، والمتغيرات الكثيرة جدا، فان الاستنتاج المعقول الذي يمكن استخلاصه هو ان زعماء اسرائيل سيجدون صعوبة باتخاذ قرار بقصف ايران. والمعنى هو ان اسرائيل سيتعين عليها ان تعيش في ظل المظلة النووية الايرانية بكل الاثار التي ستكون لذلك على مواطنيها، الذين قد يصل بعضهم الى الاستنتاج بأن ليس لهم ولابنائهم مستقبل هنا في مثل هذا الوضع وسيفضلون الهجرة. السلاح النووي في يد ايران سيشجع دولا عربية على تحقيقه لنفسها ايضا، وفي الشرق الاوسط سيبدأ عصر جديد من سباق التسلح النووي. مع مثل هذا الوضع ايضا سيتعين على القيادة الاسرائيلية ان تسلم.
ولكن من جهة اخرى، ألا تستطيع القيادة الاسرائيلية حقا أن تتعايش مع مثل هذا الواقع الذي يكون فيه وجود دولة الشعب اليهودي خاضعا لرحمة زعيم ذي ميول مسيحانية يدعي المرة تلو الاخرى بأن ليس لاسرائيل الحق في الوجود وان عليها ان تشطب من الخريطة؟
من كل ما قيل أعلاه، واضح ان معضلة "القصف او عدم القصف" التي تقف أمامها القيادة الاسرائيلية هي من أشد المعضلات قسوة في تاريخ اسرائيل. لا تقل قسوة عن قرار دافيد بن غوريون الاعلان في ايار 1948 عن اقامة الدولة".
21-أيار-2010
استبيان