المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار العدو

المخابرات الصهيونية: البيئة، التحديات، والفجوات القائمة



فهـرس المحتـويـات
1. مقدمة 
2. التطورات في البيئة الإستراتيجية لـ"إسرائيل" 
3. التحديات الاستخبارية المهنية وطرق العمل في العهد الجديد 
4. الفجوات القائمة في عمل أجهزة الاستخبارات "الإسرائيلية": مصادرها وتبعاتها 
5. الخلاصة
معلومات أوّلية
مركز دراسات الأمن القومي: من أرفع المراكز الإسرائيلية، يستقطب صناع القرار، وينشر دراسات غاية في الأهمية والخطورة، موجها جل عمله إلى دراسة التهديدات المحيطة بالدولة، والأوضاع المتغيرة في الشرق الأوسط والعالم بأسره، وأثرها على إسرائيل في مختلف المجالات: السياسية والعسكرية والإستراتيجية والاقتصادية، علماً بأن النخبة الأساسية العاملة في المعهد قادمة من الأوساط العسكرية والاستخبارية، وبالتالي فهم يضعون خبرتهم في خدمته، ولمتابعة أعماله يمكن الرجوع إلى موقعه على شبكة الانترنت باللغتين العبرية والانجليزية على موقع inss.
معد الدراسة: د.شموئيل إيفين، باحث في مركز أبحاث الأمن القومي، يعمل في إسرائيل متخصصاً في مجال الاقتصاد بالدرجة الأولى، وفي الدول الغربية يعد دراسات حول الموازنات الأمنية والعسكرية، وله عدة أوراق عمل متخصصة في مجال النظريات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، وقد صدر له عدد من الكتب والمؤلفات في مجالات: اقتصاد الشرق الأوسط، الموازنات الأمنية، سوق النفط العالمي، الاستخبارات والإرهاب. يعمل حالياً مديراً لشركة المجالات المتعددة للاستشارات، وعمل مستشاراً للشؤون الإستراتيجية والاقتصادية في مكاتب رؤساء الحكومات الإسرائيلية، وعدد من الشركات الخاصة الكبرى في إسرائيل. وهو حاصل على درجة الدكتوراه من معهد التخنيون في جامعة حيفا، أنهى خدمته العسكرية من الجيش بدرجة ميجر جنرال بعد خدمة طويلة في الاستخبارات العسكرية.

بطـاقـة التـعـريـف بالـتـرجـمـة
العنوان الأصلي المخابرات "الإسرائيلية": البيئة، التحديات، والفجوات القائمة
المؤلف د. شموئيل إيفين
جهة الإصدار  مركز أبحاث الأمن القومي – "تل أبيب"
تاريخ الإصدار  2009
عدد الصفحات  19 صفحة
جهة إصدار الترجمة  عن العبرية - مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية
تاريخ إصدار الترجمة 10 أيار 2010

 

المخابرات الصهيونية: البيئة، التحديات، والفجوات القائمة

1- المقدمة
تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة أجزاء:
أولاً: التطورات في البيئة الإستراتيجية لإسرائيل: ويمكن استيضاح هذه التغييرات في طبيعة المواقف السياسية والأمنية التي ستقوم بها إسرائيل خلال العقد القادم، المر الذي يجب تنبيه الأجهزة الأمنية لما هو قادم، انطلاقا من وظيفتها والدور المناط بها.
وفي هذا الجزء سنعرض بعضا من توصيات أمنية تحاول التعاطي والتكيف مع الإستراتيجية الجديدة لإسرائيل.
ثانياً: التحديات الاستخبارية المهنية وطرق العمل في العهد الجديد: وسينخرط هذا الجزء في بحث التحديات الأمنية المشتركة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية داخل البلاد وخارجها، ومن ضمن ذلك:
1. التعامل مع التهديدات التي تفرضها المنظمات "الإرهابية"( ) العابرة للحدود، التي تنتهج أساليب السرية والتمويه، والجهات المعادية الحريصة على حيازة أسلحة غير تقليدية سراً.
2. تحديات مهنية مشتركة، تتطلب من أجهزة الأمن الإسرائيلية تطوير قدراتها وأساليبها وطرقها المتنوعة، للتعامل مع أعداء كهؤلاء، في ضوء إتقانهم للوسائل الاستخبارية المتقدمة، سواء كانت الوسائل البشرية أو التقنية، فقد كشف النقاب عن وسائل الكترونية متقدمة.
ثالثاً: الفجوات القائمة في عمل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، مصادرها وتبعاتها: وسينشغل هذا الجزء في الوصول إلى استنتاجات وخلاصات.
2- التطورات في البيئة الإستراتيجية "لإسرائيل"
تطورات البيئة العالمية:
ستواصل العولمة مفعولها في إعادة تصميم خارطة العالم خلال السنوات القادمة، وستبدو أهم معالمها في النواحي التالية:
1. استمرار غياب أثر الحدود الجغرافية على منع وصول المعلومات، السكان، التكنولوجيا،
2. تراجع الشرعية الممنوحة لتفعيل القوات العسكرية،
3. مواصلة المؤسسات الدولية للعب دورها الهام في السياسة العالمية والاقتصادية،
4. تواصل الثورة التكنولوجية وعصر المعرفة لتصبح المحرك الأساس للتقدم العالمي.
ظاهرة مناقضة لتوجهات العولمة لكنها تكمل الخارطة العالمية، تتمثل في ظاهرة الميليشيات، بمعنى تقوية وتنامي مفعول القوى العسكرية غير النظامية في ظل سلطات ضعيفة غير مركزية، أمثلة على ذلك: أراضي السلطة الفلسطينية، العراق، لبنان، السودان، أفغانستان، وباتت هذه البلاد تشكل أرضية خصبة للجهات المعادية لإسرائيل.
وفي ظل الصعوبة المتزايدة من تحقيق إنجازات ذات معنى وسط كثافة سكانية هائلة، فإن تحقيق الردع بوسائل القوة العسكرية المكثفة والفعالة، أمر غير قابل للتحقق بصورة تلقائية، الأمر الذي يحتم بالضرورة الحديث عن وسائل وأساليب أخرى تتجاوز الاستخدام العسكري البحت، والمقصود هنا أسلوب الاستخبارات.
وذلك بسبب أن الاستخدام المتواصل للوسائل العسكرية اليوم يبدو من يمسك بزمام مبادرته الغرب، والقوى الغربية عموما، التي تمتلك قوات عسكرية قوية إضافية، للدرجة التي جعلت قوى أخرى كالصين وروسيا مثلا، التي بدأت تفكر بالعودة للعب دور مفصلي في السياسة الدولية، فضلا عن الاتحاد الأوروبي.
إلى جانب أن الطفرة الاقتصادية آخذة في الازدياد لتصل إلى ذروتها في شرق آسيا، وتحديداً في كل من الصين والهند، مما أدى في نهاية الأمر إلى تقوية موقع ونفوذ شرق آسيا في السياسة الدولية( )، لكنها في ذات الوقت رفعت من حدة التحديات الداخلية في هذه البلدان، في ظل اتساع الفجوات بين مستويات الدخول بين سكانها.
كما أن تأثيرات الولايات المتحدة الأمريكية في شتى المجالات قد تأخذ بالتناقص رويداً رويداً، لكنها مع ذلك ستبقى الطرف الأكثر ترجيحا لتوجهات السياسة العالمية، في ظل تزعمها للحرب ضد "الإرهاب"، والحيلولة دون امتلاك السلاح غير التقليدي.
إلى جانب كل ما ذكر آنفا، فإن قوى الإسلام الراديكالي ومعها إيران، ستستغل تنامي الهوية الإسلامية لمحاولة محاربة الهيمنة الأمريكية وإسرائيل، التي تشكل لها تهديدات عسكرية، أيديولوجية وحضارية.
تطورات البيئة الإقليمية
سيبقى الصراع الإسرائيلي العربي متصدرا لجدول أعمال إسرائيل ودول المنطقة على المستويين الأمني والسياسي، ويأخذ في بعض أشكاله صراعا قوميا، دينيا، وحضاريا.
وفي قلب هذا الصراع يتمركز النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، وإلى جانبه النزاع بين إسرائيل وسوريا وحزب الله، وربما يشهد العقد القادم تطورات معينة في هذا الصراع، لاسيما على الصعيد السياسي.
وهنا يمكن الافتراض أن حلا ما قد تطرحه هذه العملية السياسية يتمثل في قيام دولة فلسطينية، مسالمة أو معادية غير مستقرة، إلى جانب إمكانية تحقق اتفاقيات سلام مع سوريا ولبنان، ومع دول عربية أخرى.
بالمناسبة، فإن الأنظمة العربية اليوم باتت تسلم بقيام دولة إسرائيل، لكن تنامي الصحوة الدينية والخط الأيديولوجي الذي يشكك في أحقية إسرائيل في الوجود، وإقامة علاقات سلام معها، ما زالت الصيغة الأكثر سيطرة على الشارع في العالم العربي.
نقطة صراع ثالثة تبدو بارزة بين إسرائيل والعرب تتمثل في إيران والمنظمات الإسلامية، المحلية والدولية، وهي أطراف تنظر لإسرائيل على أنها عدو يجب تدميره.
وإيران -كما لم يعد سرا- باتت طرفا رئيسا في المواجهات العسكرية بين إسرائيل وسوريا وحزب الله، وهي ذات الأطراف التي قد تصبح طرفا فاعلا في أي مواجهة عسكرية مفترضة بين إسرائيل وإيران، إذا ما نشبت يوما ما.( )
وفي محاولة استخبارية لفحص البيئة الإقليمية لإسرائيل يتضح تنامي المعارضة الإسلامية، مما قد يعرض استقرار باقي النظم السياسية للخطر، لاسيما: السلطة الفلسطينية، مصر، الأردن، لبنان، سوريا، السعودية، باكستان.
وفيما يتعلق بالعراق، فما زال الأمر بعيدا عن اليقين في معرفة مدى الآثار والتبعات الإقليمية لما يحدث على أراضيه من نتائج ميدانية على البيئة الإقليمية لإسرائيل.
التهديدات الأمنية الأساسية على إسرائيل في العقد القادم
يمكن الخروج باتفاق عام على المستوى الأمني، أن التهديدات الأمنية على إسرائيل خلال سنوات العقد القادم تتلخص في الجوانب التالية:
 تهديد السلاح غير التقليدي بأنواعه المختلفة، وإمكانية وصول أسلحة نووية إلى دول أو جهات متطرفة.
 تهديد الصواريخ والقذائف على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لاسيما من الجهة الشمالية، وإيران والجبهة الفلسطينية.
 تهديد تقليدي قادم من قبل جيوش نظامية في المنطقة، التي يمتلك جزء منها أدوات تسليحية حديثة.
 تهديدات عسكرية غير متناظرة على صيغة حرب الاستنزاف.
 تهديدات "إرهابية" سواء من قبل قوى "إرهابية" في المنطقة، أو من قبل جهات عالمية.
 تهديد الانتفاضة او الثورات الشعبية.
مخاطر ماثلة
هناك عدد من المخاطر القائمة في البيئة الإستراتيجية يمكن لها أن تتسبب بأضرار كارثية، من قبيل:
1. خطورة سقوط أنظمة عربية "معتدلة"، مع إمكانية حيازتها على سلاح نووي، كما هو الحال اليوم دولة مثل باكستان.
2. خطورة أن تتمكن قوى "إرهابية" من تنفيذ عمليات خارقة، إلى جانب نجاحها في الحصول على أسلحة غير تقليدية.
3. خطورة قيام دولة فلسطينية معادية مع فرضية قيام ثورة شعبية في أوساط العرب "المتطرفين" في إسرائيل.
وبغض النظر عن التدقيق في طبيعة تلك التهديدات، التي جزء منها قائم اليوم، والمخاطر التي سبق الحديث عنها، فمن الصعوبة بمكان الحديث عن تهديد ما بمعزل التهديدات الأخرى، ودون الحديث عن آثاره بعيدة المدى، كما أن تحقق أي تهديد مما ذكر آنفا ليس بمعزل إطلاقا عن سياسة إسرائيل وأنشطتها في المنطقة.
تأثيرات التهديدات على العقيدة الأمنية الإسرائيلية
مما لا شك فيه، أن إمكانية حدوث تغيير ما في الخارطة الإقليمية من شأنه أن يترك نتائجه وتبعاته على العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وهو الأمر الذي يجب أن تنخرط فيه الأجهزة الأمنية، ولذلك فإن الحاجة تبرز لمزيد من العمل في المجالات التالية:
1- التكيف مع جبهة واسعة من العناصر "الإرهابية" وحروب الاستنزاف: التي تنتهج أساليب باتت معروفة مثل: التخفي، التمويه، التستر، الغياب في أعماق الأوساط السكانية المدنية. علما بأنه في مثل هذه الجبهات لا يوجد لدى العدو قدرات قتالية مثل الدبابات او الطائرات المقاتلة، ومع ذلك فقد باتت هذه الجبهات هي الأكثر سخونة في المواجهة مع إسرائيل، خصوصا مع الفلسطينيين ممثلين بحركة حماس وحزب الله والجهاد العالمي.
2- التكيف مع دولة في الطريق لحيازة سلاح غير تقليدي: وتتبع أساليب التخفي والتمويه مثل إيران، ولذلك فإن مناقشة حالات دول تم الكشف عن تجاربها التسلحية في هذه المجالات مثل سوريا وليبيا، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار إمكانية أن تعود هذه الدول لسابق عهدها، مع فرضية انضمام دول أخرى إلى هذا النشاط، وهنا لابد من الأخذ بعين الاعتبار الاستعداد للانخراط في مواجهة عسكرية تقليدية.
3- التعامل مع أوساط معادية داخل كيانات سياسية غير مركزية: وأن يكون هذا الكيان السياسي ضعيفا أو مهتزا، كـ:لبنان، السلطة الفلسطينية، العراق. وفي مثل هذه الساحات يبدو من الصعوبة بمكان الوصول إلى اتفاقات سياسية مستقرة، انطلاقا من أن القوى المسلحة لدى الطرف الخصم لن تقبل بذلك، كما أنه من الصعب التكهن أيضا بحدوث أي تطورات معينة في ساحتها.
ولمواجهة هذه التهديدات والتحديات، يبدو من اللازم على القوى الأمنية الإسرائيلية التحضر جيدا لملاءمة استعداداتها مع هذه المعطيات، ومدى قدرة إسرائيل على توفير المزيد من العناصر التي يجب ان تؤثر على صناع القرار، ومنها على سبيل المثال: إمكانية سقوط ضحايا كثر، الحصول على الغطاء الدولي لخوض مثل هذه المعارك، محدودية الموازنات المالية، وغيرها.
التأثيرات المتوقعة على المؤسسة الأمنية
في ضوء تلك التحديات، والقدرات التقليدية للمؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية، ينبغي النظر إلى ضرورة تنمية وتقوية الأدوات والوسائل التي تستخدمها، لاسيما عند لجوئها لتنفيذ عدد من المهام الخاصة، أهمها:
ـ الشروع في حرب سرية في جبهة واسعة، في ضوء تنامي ساحة الأعداء، وفي ذات الوقت الافتقار للشرعية الدولية التي تمنح إسرائيل أحقية استخدام النار، كما أن اللجوء إلى الحروب السرية يحول دون امتداد القتال إلى جبهات أخرى، ومن ثم تصعيد الوضع الإقليمي.
ـ القيام بتنفيذ بعض العمليات الخاصة، لاسيما المعقدة منها، وعلى المدى الطويل.
ـ المبادرة إلى تنفيذ عمليات إحباط واسعة ضد محاولات الاختراق أو عالم الجريمة على صعيد الجبهة الداخلية في إسرائيل.
ـ تطوير قدرات هجومية ودفاعية في آن واحد، لاسيما في ظل افتتاح عهد جديد للقتال في عالم المعرفة والمعلومات، وهذا العهد يمكن الأجهزة الاستخبارية في بعض الأحيان من الوصول إلى أمكنة قد لا تصلها الدبابات أو الطائرات، وإقامة جدار دفاعي محكم.
ـ توفير حد أقصى من المعلومات الأمنية وبقدرة تكفي لتوفير السقف المطلوب للجيش الإسرائيلي، إذا ما قرر اللجوء لاستخدام نيرانه.( )
ـ الحصول على معلومات استخبارية لخدمة المصالح الأمنية والسياسية لإسرائيل، ومنها على سبيل المثال:
1- ردع الأعداء المحتملين من شن حرب ضد إسرائيل، وإحباط مخططاتهم العدوانية بحقها، من خلال الكشف عنها،
2- توفير معلومات أمنية "مضللة" ضد الأعداء العاملين تحت غطاء كثيف من التستر والتخفي، أبرز مثال على ذلك تمثل في سيطرة سلاح البحرية الإسرائيلي على سفينة كارين A في شهر يناير كانون ثاني 2002، حيث أسفرت عن كشف هوية مسئولي السلطة الفلسطينية المتورطين فيها، حين حاولوا تهريب كميات كبيرة من الأسلحة على ظهر هذه السفينة، من إيران على قطاع غزة. هذه المعلومات الأمنية والجهود الاستخبارية من هذا النوع، من شأنها أن توفر حافزا ودافعا للأجهزة الأمنية لمحاربة الأعداء، إلى جانب توفير غطاء دولي يمنح إسرائيل الحق في استخدام قوتها ضدهم.
3- تقديم المساعدة في الحرب على المعلومة، بمعنى: الكشف عن معلومات وتوفيرها لكي تساعد في التأثير على باقي الأجهزة الأمنية الساعية لتحقيق أهداف أمنية قومية لإسرائيل، مثال على ذلك: نجاح أجهزة الأمن خلال عملية "السور الواقي" في الكشف عن وثائق هائلة تكشف تورط مسئولي في السلطة الفلسطينية في عمليات مسلحة، واستغلال شبان صغار فيها، ما ساعد إسرائيل في ترويج روايتها حول عملياتها ضد الفلسطينيين، على الصعيد العالمي.
4- المشاركة في إدارة الحرب النفسية التي تخوضها إسرائيل على عدة جبهات.
تهديدات أمنية في الساحة الداخلية الإسرائيلية
على صعيد الجبهة الداخلية بات مطلوبا من إسرائيل أن تتكيف مع عدد من التهديدات المتمثلة في محاولات اختراقها، أو توسع عالم الجريمة، من قبل جهات تحاول استغلال الواقع الديمقراطي الإسرائيلي.
من بين الجهات الأمنية الإسرائيلية المكلفة بمتابعة مثل هذه التهديدات: الشاباك، وحدات المخابرات في الشرطة، وهي التي ترى في الساحة الداخلية لإسرائيل هدفا أساسيا لعملها، وسيشهد عملها تغيرا ملحوظا:
1. حيث سيشهد المستقبل عمل جهاز الشاباك في مجالات أكثر تخصصا تعنى بمحاولات اختراق الجبهة الداخلية، واتخاذ خطوات أشد صرامة وقسوة ضد محاولات تلك الأطراف،
2. فإن وحدات المخابرات في الشرطة سترفع من وتيرة تعاملها مع خطر انتشار الجريمة المنظمة، لاسيما ظواهر الجريمة والفساد السلطوي، التي يمكن ان تهدد إسرائيل كدولة ديمقراطية، في ظل دخول بعض الأوساط المشتبه بها إلى عالم الحكم والسياسة، واتساع رقعة الجرائم المرتكبة للدرجة التي يمكن أن تهدد الأمن الشخصي للسكان الإسرائيليين.
الحاجة للاستشارات الأمنية لاتخاذ القرارات الإستراتيجية
من المتوقع ان ترتفع الحاجة إلى الاستشارات الاستخبارية من أجل المساعدة في انتهاج سياسة معينة، واتخاذ القرارات في مستواها الاستراتيجي، سواء العسكري منها أو السياسي، وهذه الاستشارات لا تختلف كثيرا عما كان عليه الحال في الماضي.
لكن ما استجد من معطيات جديدة في وجه المخابرات الإسرائيلية جعلها أمام تحديات جديدة لم تكن معهودة لها من قبل، وبخلاف عما كان عليه الحال في ثمانينيات القرن العشرين، فإن الساحة الجيو-سياسية أخذت في التعقد أكثر فأكثر، وإلى جانبها تعاظمت التحديات الاستخبارية، ومنها على سبيل المثال توفير صورة واضحة من الناحية الأمنية، إلى جانب تقدير موقف دقيق لطبيعة الوضع في الشرق الأوسط، لاسيما على الصعيد الأمني.
يأخذ الوضع في التعقيد أكثر، إذا ما علمنا أن عددا من دول الشرق الأوسط تربطها بإسرائيل اتفاقيات سلام، وعددا آخر في حالة مواجهة عسكرية، والجزء الآخر في حالة حياد.
وفي عدد من هذه الدول توجد أنظمة سياسية مركزية قوية، وفي عدد منها يوجد نزاع سلطوي في غياب السلطة القوية، كما هو عليه الحال في لبنان والسلطة الفلسطينية والعراق.
إلى جانب عدد من التحديات الأمنية الجديدة أهمها:
ـ ارتفاع حدة الحروب غير المتناظرة غير النظامية،
ـ مخاطر تحديات العولمة،
ـ صعود ظاهرة الإسلام الراديكالي،
ـ التغيرات السياسية التي حلت في العالم العربي منذ انتهاء الحقبة السوفيتية،
ـ ارتفاع منسوب القيمة الاقتصادية في القرارات السياسية،
ـ بروز الدور الأكثر أهمية للأجهزة الأمنية في تلك البلدان، بما يزيد عن دور الجيوش.
وأكثر أهمية مما سبق، فإن أجهزة المخابرات الإسرائيلية مطلوب منها أن توفر ردا رادعا وإجابة مطمئنة لتحدي حيازة وإمكانية استخدام أسلحة نووية، في حال نجحت دولة معادية من الحصول عليه.
خلال ذلك، ستبقى أجهزة الأمن والاستخبارات تلعب الدور المركزي في "استغلال الفرص التاريخية"، فالمخابرات لا تعمل فقط في مجالا الحروب وجبهات القتال، وإنما طرفا مساعدا للمستوى السياسي لاستغلال فرص سياسية بعينها.
وبالتالي فإن أجهزة المخابرات تقدم هذه المساعدة للقادة السياسيين بواسطة المعلومات الأمنية، والتقديرات الأمنية للموقف، والعلاقات الخارجية، السرية على وجه الخصوص، وهنا يبرز الدور الهام للمخابرات في القرار السياسي.
ومنذ توقيع اتفاقية السلام مع مصر، مرورا بمؤتمر مدريد عام 1991، وصولا إلى اتفاق أوسلو واتفاق السلام مع الأردن، طرأ تقدم ملحوظ في دور المخابرات في عالم السياسة داخل إسرائيل.
وفي نطاق ما بات يعرف "مخابرات السلام" فإن الاستخبارات الإسرائيلية باتت خلال العقد القادم أمام مواجهة سلسلة من التحديات القومية التالية:
1. إمكانية الوصول إلى اتفاق سلام مع سوريا، وما يعنيه ذلك من تراجع للتهديد الإيراني، وفي أعقابه حزب الله، ومن جهة المنظمات الفلسطينية لاسيما حماس، التي تحظى برعاية دمشق.
2. فرضية التوصل إلى اتفاقات سياسية مستقرة مع الفلسطينيين.
3. الرغبة في توثيق العلاقات مع مصر والأردن وتمتينها، والوصول إلى اتفاقات سلام مع العالم العربي، أو على الأقل مع الدول السنية منه.
4. ضرورة الوصول إلى تقوية العلاقات الإسرائيلية مع دول أخرى في العالم، تمتلك تأثيرا ملموسا على منطقة الشرق الأوسط.( )
المصادر المؤثرة على توجهات المؤسسة الاستخبارية في إسرائيل
هنا تبرز الحاجة إلى ضرورة تحسين قدرات المخابرات الإسرائيلية لتحقيق أكبر قدر من النجاحات والإنجازات، من خلال تحسين ظروف عملها داخل المؤسسة بشكل عام، ومع ذلك، لابد من الإقرار بـ"الاعتراف بالحاجة" لذلك التحسين، لاسيما في أوضاع الإخفاق والفشل الذي تقع فيه أجهزة المخابرات في بعض الأحيان. ومن ذلك على سبيل المثال: الفشل الذي وقع فيه جهاز "أمان" خلال حرب يوم الغفران في 1973، والثمن الباهظ الذي دفعته الدول جراء اعترافها بالحاجة لتحسين قدراتها، ونتيجة لذلك ارتفع منسوب احتياجات "أمان" لمزيد من الوسائل والأدوات.
1. الوضع الاقتصادي وحاجة الدولة للبدائل المتاحة:
لابد من ذكر حقيق هامة ربما تنفرد فيها إسرائيل عن باقي الدول، وهي أن سوء الوضع الاقتصادي من جهة، وصعود أهمية قطاعات أخرى في ذهن صناع القرار في الدولة كالتعليم مثلا، من شانه أن يرفع حدة التوتر بين الاحتياجات المدنية ومتطلبات الأمن، ما سينعكس بدوره حتما على موافقة الدولة على ضخ المزيد من القوات لأجهزة الأمن والاستخبارات.
2. الحساسية من الخسائر البشرية:
وهنا لابد ان يكون واضحا ان الخشية الإسرائيلية المتزايدة من سقوط ضحايا بشرية في صفوف قواتنا الأمنية، ترفع من الحاجة الملحة لاستخدام الأدوات التكنولوجية والتقنية أكثر من إلقاء الجنود في ساحة المعركة على الفور، وبالتأكيد أجهزة الأمن جزء أساسي من قواتنا. وبالتالي فإن صناع القرار في الدولة لابد ان يكونوا على اطلاع دائم على مختلف التطورات، نظرا لحاجتهم الماسة لتقليص حجم الخسائر البشرية، إذا ما حصل خطأ في اتخاذ قرار ما سيدفع ثمنه أفراد الأجهزة والجيش. في المقابل، فإن حساسية إسرائيل لسقوط ضحايا بشرية كثيرة في أوساط الخصم، لاسيما في صفوف المدنيين، يجعلها تفضل استخدام أدوات ووسائل أكثر دقة وحيطة، التي تتطلب بالتأكيد معلومات أمنية دقيقة وذات جودة عالية.
3. موقف الرأي العام الشعبي:
تبرز الحاجة إلى القدرة على تجنيد قوات مهنية عاملة ذات كفاءة عالية، عنصرا هاما للتأثير على موقف قوات الأمن والأجهزة الاستخبارية من محاولة التوفيق بين الحاجة للقدرات البشرية بدون تعارضها مع حاجة الاقتصاد المدني لها، لاسيما في مجالات باتت تحتل أهمية متقدمة مثل: التكنولوجيا المتطورة.
4. التكنولوجيا:
الهدف المتمثل بإحراز أكبر قدر ممكن من الإنجازات العالية، تحتم الحاجة لدى أجهزة الأمن بالمحافظة على قدراتها الفائقة في مجال التكنولوجيا العالمية.
ملخص مبدئي
في أعقاب التغييرات الهائلة التي حلت بالبيئة الخارجية لإسرائيل، فقد تعاظمت التحديات الأمنية أمامها، وكان لها تأثيرها المتوقع على النظرية الأمنية الإسرائيلية، من خلال تنامي الأدوار التي تقوم بها أجهزة الأمن، لاسيما من خلال ما تضطلع به من مهام خطيرة وحساسة في إطار الحروب التي تخوضها إسرائيل على الجبهات الأمنية والعسكرية.
بصورة أكثر وضوحا: باتت أجهزة المخابرات أعلى من درجة مقاتل ومساعد في القتال، إلى جانب دورها في دعم صناع القرار في الدولة على صعيد شتى المجالات.
وفي هذا الإطار، تنامى الدور الذي تضطلع به أجهزة الاستخبارات في سياق المعارك الدبلوماسية، وهذا التنامي من المتوقع أن يشهد تقدما مطردا خلال سنوات العقد القادم.

شكل رقم 1: أدوار المخابرات كطرف فاعل في المعارك الأمنية والعسكرية لإسرائيل
طبيعة الدور الطرف المؤدي التغيير الحاصل
توفير حد أقصى من المعلومات لاتخاذ القرارات في مستواها الاستراتيجي المستشار اللصيق بصانع القرار في المجال العسكري بصفة خاصة تغيير جوهري في طبيعة التحديات الأمنية عما كان عليه الحال في السابق، لكنه لا يتطلب في طبيعة من يؤدي المهمة:
ومن ذلك إمكانية توقيع اتفاقية سلام مع سوريا، الفلسطينيين، دول أخرى، الوضع الجديد في العراق، وتوفير الردع الكافي من مغبة التعرض لهجوم نووي.
الاستخبارات كمكون رئيس في المعارك الأمنية والعسكرية توفير ظروف عملياتية مناسبة لاستخدام حد أقصى من النيران، وأدوات قتالية أوسع  الجهة المساعدة والمشاركة في إدارة العمليات القتالية مطلوب تغيير حقيقي في ظل تغير ظروف الخصوم، من حيث القدرات التكنولوجية والسرية، وتطور في استخدام النيران الدقيقة، وإمكانية التعاون والتنسق مع أجهزة أجنبية.
 حروب سرية ذات طابع أمني في أوسع جبهة ممكنة المشاركة كطرف مقاتل فعلا في ساحة المواجهة الاختلاف الحاصل في طبيعة الحروب التي قد تخوضها إسرائيل، من الحروب النظامية التقليدية إلى أشكال أخرى، وما حل في طرف الخصوم يحتم الحاجة إلى دخول عالم الحروب السرية.

3- التحديات الاستخبارية المهنية وطرق العمل في العصر الجديد
هذا الجزء سينشغل في التعامل مع التحديات المهنية التي تقف في مواجهة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في العصر الجديد، والمقصود هنا تحديات مشتركة لمؤسسة الأمن الإسرائيلية، داخل البلاد وخارجها.
وهنا بالإمكان التطرق إلى سلسلة من التهديدات التي مصدرها المنظمات المسلحة التي تخترق الحدود، وتنتهج أساليب التمويه والتخفي، إلى جانب الدول التي تبدي حرصا ملحوظا على حيازة أسلحة دمار شامل.
تحديات مهنية:
المنظمات الاستخبارية هي الجهة الوحيدة القادرة على كشف وتعقب التنظيمات المعادية، ومع ذلك فإنه تحد حقيقي وجاد، نظرا للأسباب التالية:
ـ تمتلك القوى المسلحة التي تخوض حروب الاستنزاف مع إسرائيل قدرات بشرية وتقنية محدودة، وجوهر الأمر: أنه من الصعب العثور على هذه المنظمات وأنشطتها الميدانية بالوسائل الالكترونية، أو من خلال التصاوير الجوية، بسبب الإجراءات السرية التي تنتهجها في أوساط السكان المدنيين.
ـ الإمكانيات التقنية التي تمتلكها بعض الدول المعادية الحريصة على حيازة سلاح نووي، وخاصة من الإجراءات التكتيكية التي تتخذها هذه الدول من خلال انتهاجها لوسائل التخفي والتمويه.
كما أن هذه الدول تنتهج إستراتيجية جديدة تتمثل في بذل جهود مضنية تأخذ طابع السرية في معظمها لحيازة أسلحة من ذلك النوع، وربما يكون ذلك استخلاصا لدرس هام مما حصل للمفاعل النووي العراقي على يد إسرائيل عام 1981.
ـ التطويرات التي أجرتها القوى الإسلامية الراديكالية على وحداتها البشرية الخاصة بجمع المعلومات من مصادر عادية من قبل الأفراد العاديين.
وبجانب الإشكاليات الآخذة في التنامي أمام المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، هناك نافذة حقيقية تشير إلى فرص جادة يمكن لهذه المؤسسة "اقتناصها"، ومنها:
1- القدرات التكنولوجية الجديدة، والتطورات الحاصلة على السرعات المتزايدة في الاكتشافات والاختراعات المتواصلة في هذا العالم مثل: التنصت، الأقمار الصناعية، التصوير، وهو ما يفتح آفاقا جديدة لم تكن معهودة من قبل، لاسيما في مجال المصادر التقنية والبحث والتحليل.
2- طرق العمل المشتركة الجديدة، لاسيما في ظل العولمة التي تتطلب تنسيقا في أقصى درجاته لم يكن معمولا بها في السابق، في ظل تنامي التهديدات الجديدة التي باتت مخترقة للحدود.
الإجابة الميدانية:
وهنا بالإمكان الإشارة إلى أن "مزاعمنا" الأساسية في هذا المجال هي: في ظل التحديات الماثلة أمام المؤسسة الأمنية الاستخبارية والتغيرات الكبيرة في البيئة المحيطة بإسرائيل، والحاجة الماسة لإدارة مواردها البشرية والتقنية انطلاقا من تخطيط وفهم عام وشامل.
ولمحاولة تقديم نقاش جاد في هذه المسألة سنفحص ثلاث فرضيات متصلة ببعضها، وهي:
- ساحة العمل: من خلال إدارة مشتركة للعمل الأمني، يمنح المؤسسة الاستخبارية القوة والقدرة على مواجهة ساحات العدو، التي باتت تعتبر هدفا قوميا لاسيما في إيران والمنظمات المسلحة وغيرها.
- البعد العملياتي: وهي المعركة متعددة المجالات، من خلال إجراء تدقيق تفصيلي لمجالات العمل التنفيذي، لاسيما محاولة إشراك أكبر قدر ممكن من الوسائل والأساليب: البشرية، التقنية، الالكترونية، وغيرها، من أجل تسهيل الميدان أمام تنفيذ عمليات استخبارية معقدة. هذا البعد بالذات، يعتبر حيويا بصورة خاصة من أجل إدارة الحروب غير المتناظرة، وهي الحروب التي تشكل العمليات المعقدة فيها عنصرا حاسما.
- المجال متعدد الأغراض: من خلال إدارة مهنية جادة ومفيدة لكل مجال من مجالات العمل الاستخباري: البشري، التقني، العملياتي، التي باتت منتشرة في كل الأجهزة الأمنية، بعكس ما كان عليه الحال في الماضي.
- الساحة الميدانية: وهي فرضية تحتل حيزا هاما للمساعدة في تحقيق أهداف كبيرة في ساحات العدو، التي تشكل اليوم هدفا قوميا من خلال اللجوء إلى جهود مشتركة.
وحتى سنوات السبعينات من القرن العشرين كان التعاون الأمني والتنسيق الاستخباري أمام ساحات العدو أمرا هاما، لكنه ليس ملحا كما هو حال اليوم، وحدث ذلك في ضوء التغييرات التي طرأت على البنى التنظيمية والأبعاد الجغرافية التي تحدد العمليات الأمنية. ومن باب التفصيل: فإن جهاز الموساد على سبيل المثال يعمل جغرافيا خارج حدود البلاد، والشاباك يعمل داخل حدود إسرائيل، فيما يعمل جهاز "أمان" فيما هو خارج حدود الدولة، لاسيما أمام الدول العربية المجاورة لإسرائيل.( )
شكل رقم 2 : الفرضيات الإقليمية
اليوم هناك الأمر الظاهر المتمثل في مشاركة كافة أجهزة الأمن في بعض العمليات الميدانية، وهو أمر بات ملحا وضروريا في أقصى درجاته، في ظل التغيرات التي طرأت على التحديات الأمنية، والتطورات التي طرأت على البيئة الإستراتيجية، لاسيما في المجال التكنولوجي، وإلى جانب كل ذلك تغير الدور والوظيفة المناطة بها الأجهزة الأمنية. وبالتالي ونتيجة طبيعية لذلك، فلا يمكن بحال من الأحوال التعامل مع تهديدات بعيدة جغرافيا، كإيران مثلا، أو المنظمات المسلحة العابرة للحدود، دون أن يكون هناك تنسيق ميداني فعال في كافة القطاعات، بين الأجهزة الأمنية المختلفة التي سبق الحديث عنها.
الفرضية العملياتية متعددة المجالات:
وهي الفرضية الأكثر أهمية كونها تكشف النقاب عن التحديات الأمنية الاستخبارية- العملياتية، انطلاقا من مبدأ "المعركة متعددة الأغراض". وهنا بالإمكان طرح عدد من الأمثلة والنماذج على ذلك:
1. في عالم الاستخبارات اليوم نشأ أسلوب جديد يسمى "يوغينت"، يجمع بين "يومينت" و"سيغينت"( )، بغرض منح المخبرين القدرة على استخدام المصادر التكنولوجية المتقدمة، التي تعتبر نافذة حقيقية للوصول إلى إنجازات مذهلة للاستخبارات الالكترونية.
2. ارتفاع مستوى أهمية الفرضيات العملياتية النابعة من مبدأ اكتشاف المزيد من عوالم التنصت التكنولوجية، وهو ما يقدم خدمات جليلة للعمل الأمني.
شكل رقم 3: فرضية الاستخبارات المتعددة المجالات
 
3. اليوم بات من الصعوبة الوصول إلى تحقيق إنجازات مطلوبة بدون "التشبيك" المطلوب في القدرات البشرية والتكنولوجية، وهي المتوفرة لدى جميع الأجهزة الأمنية.
4. تبرز حيوية الفرضية أكثر من سواها في إدارة إسرائيل للحروب غير المتناظرة، تحديدا مع المنظمات المسلحة التي تخوض حروب استنزاف ضدها.
شكل رقم 4: أوجه التعاون الاستخباري في المجال الالكتروني( )
 
الفرضية متعددة التخصصات
تمتلك هذه الفرضية أهمية خاصة، كونها تلقي مهام ثقيلة على كاهل المؤسسة الأمنية، من خلال تركيز جهودها في عدة مجالات في آن واحد معا، وجوهر هذه الفرضية أنها تتطلب من أجهزة الاستخبارات خوض المعارك الأمنية بمختلف الوسائل المتوفرة، البشرية والتقنية والالكترونية (سيغينت، يومينت، فيزينت، عمليات)، وهي وسائل منتشرة وموزعة في مختلف أجهزة الأمن. وبالتالي فإن المطلوب اليوم من أي جهاز أمني يعمل على تطوير تلك الوسائل والأساليب أن يكون على تنسيق كامل مع سواه من الأجهزة منعا للتضارب وتعارض الصلاحيات والمهام، كجزء من استخلاص الدروس والعبر التي طالبت أكثر من مرة بتوحيد الجهود، وتركيز القدرات، من أجل البحث عن الحلول للإشكاليات التي تواجه المؤسسة الأمنية بصورة عامة. خذ على سبيل المثال: وحدات "السيغينت"، كما وحدات "الفيزينت"، تقف أمامهما تحديات مشتركة، لاسيما في سبيل مواجهة تهديدات قادمة من قبل أعداء كثر.
الأهمية المتعاظمة للرؤية الشاملة والتخطيط العام:
بخلاف الفرضية التي تطالب بتوحيد جهود المؤسسة الأمنية، والتعاون المطلوب في مختلف المجالات، فإن هناك لمسألة النظرة الإجمالية للعمل الأمني الذي تنطلق منه المؤسسة الاستخبارية بصورة عامة. علما بان هذه النظرة تستطيع أن تقدم الأدوار التالية:
1. أن توفر للمؤسسة الأمنية إجابات كافية عن الكثير من التحديات التي تواجهها،
2. تمنحها الأرضية المناسبة والبنية التحتية التي توفر لها صورة إجمالية عن كافة التهديدات التي قد تعترضها في عملها،
3. العمل على تحديد إستراتيجية مشتركة لمواجهة أجهزة أمنية أجنبية،
4. إفساح المجال لمزيد من النقاشات الحيوية حول دور ووظيفة عالم المخابرات الإسرائيلية، كجزء أساسي في صياغة نظرية الأمن القومي.
أهمية النقاشات بين عالم الاستخبارات والقيادة السياسية للدولة
هناك أهمية متزايدة لدى قادة الدولة السياسيين بالدور الكبير الذي تلعبه أجهزة الاستخبارات، من أجل مساعدتهم في اتخاذ الخطوات الضرورية الهامة الخاصة بمستقبل الدولة، وبعض القرارات المصيرية التي ستؤثر حتما في توجهاتها، لاسيما تلك المتعلق باحتياجات الأمن القومي.
وقد تبدى هذا الدور الواضح لها من خلال التقارير النهائية التي كانت تصدرها لجان التحقيق بين الحين والآخر، لاسيما التوصية الدائمة بتعيين مستشار دائم لرئيس الحكومة للشؤون الأمنية.
وبالتالي، بات السياسيون على قناعة هامة مفادها أنه سينقصهم الشيء الكثير إن لم يبادروا إلى توثيق هذا النقاش، سواء بينهم مباشرة وبين باقي الأجهزة الأمنية، أم بين الأجهزة ذاتها، وبينها وبين الجيش، وكل هذه النقاشات تهدف لتحقيق أهداف عدة من بينها: التعرف على قدراتها وإمكانياتها، والتوصيات التي ترفعها مختلف الجهات لتطوير هذه القدرات.
إلى جانب التعرف على الحدود والقيود التي قد تقف في مواجهة المؤسسة الأمنية، لاسيما في مجال التقدير الأمني للموقف.
الأهمية المتزايدة للتعاون المشترك مع الأجهزة الأمنية الأجنبية:
لاسيما في ظل تمدد العولمة والتهديدات المشتركة أمام عدد من الدول مجتمعة، خاصة تهديدي السلاح النووي والجهاد العالمي، الأمر الذي يحتم تقوية وتمتين التعاون بين مختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ونظيراتها في الدول الأجنبية. وتأتي هذه الأهمية في ضوء تبادل العلاقات التي يختص بها كل جهاز أمني، وتوفير أكبر قدر ممكن من المعلومات الاستخبارية، ما يمكنها جميعا من تحقيق إنجازات ونجاحات بصورة تفوق ما كانت قد تحققه إن بقيت منفردة.

4- الفجوات القائمة في عمل أجهزة الاستخبارات "الإسرائيلية": مصادرها وتبعاتها
في الوضع القائم لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية هناك فجوات هائلة بين الدور المناط بها، وبين المعطيات الميدانية التي تعمل في ظلها، لاسيما من الناحية التنظيمية، ومن أهمها:
- الفجوة الجغرافية: ليس هناك من إدارة ناجحة أمام ساحات الأعداء المعادية من قبل أجهزة الأمن الثلاثة المركزية: الموساد والشاباك وأمان، إن لم تكن هذه الجهود مشتركة ومنظمة.
- الفجوة التخصصية: وهنا بالإمكان العثور على خلافات واضحة في المجالات التي تعمل فيها الأجهزة، لاسيما في تنفيذ العمليات الاستخبارية الخاصة.
- الفجوة متعددة المجالات: في ظل غياب التنسيق والتنظيم الفعال لمختلف أساليب ووسائل العمل الاستخباري: السيغينت، اليومينت، الفيزينت.
- الفجوة في النظرة الشاملة للعمل الأمني: خاصة على صعيد قراءة التحديات الماثلة من جهة، ووجهات نظر الجهات ذات الاختصاص، لاسيما في قيادة الدولة السياسية، وفي ضوء ذلك هناك غياب حقيقي لمفهوم الرقابة على العمل الأمني، التي من واجبها فحص أداء المؤسسة الاستخبارية، ومراقبة نتائجها الميدانية.
وبالإمكان هنا ملاحظة ثلاثة أسباب أساسية لهذه الفجوات الحاصلة، وهي بالمناسبة مرتبطة ببعضها البعض على النحو التالي:
 غياب إدارة مركزية لعالم الاستخبارات الإسرائيلي، يقف على رأسها رئيس معروف: وقد توقفنا مليا عند هذا السبب في الفصل الثاني من هذه الدراسة، ويمكن تلخيص الأمر على النحو التالي:
1. غياب الرئاسة: في ظل غياب رئيس واحد معروف للمؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية، فليس هناك من إستراتيجية واحدة لها، تحدد طبيعة عملها، وستبقى مفتقرة لأدنى الخطط العملياتية لها، كما سيكون دورها مفقودا في صياغة نظرية الأمن والسلم في الدولة، إلى جانب أنها لن تجد لها مكانا واضحا في تحديد الأهداف القومية، كما حدد ذلك قيادات الدولة.
2. عدم وجود أجهزة إدارية في ساحات جغرافية مختلفة: وفي غياب هذه الأجهزة يبدو من الصعوبة بمكان صياغة نظرية عملياتية منظمة في مواجهة ساحات معادية، كإيران مثلا، ما سينجم عن عدم إحداث تطوير مطلوب في منظومة "السيغينت" من النظرة القومية لها.
كما أنه في غياب رئيس محدد للأجهزة الأمنية يصبح متعذرا تحديد صلاحيات وتبعيات كل جهاز على حدة.
 فجوة في مفاهيم التنسيق المشترك داخل عالم الاستخبارات: كما توضح في الفصل الأول، هناك تنسيق قائم بين الأجهزة الأمنية لكنه محدود، ولا يؤثر كثيرا في مجريات العمل الميداني، ولا يسفر عنه تغير في المصالح الأمنية بفعل بعض العلاقات الشخصية.
وفي ظل هذا الواقع، فقد تنشأ بعض الاحتكاكات إذا ما توافرت ظروف معينة، ولم توجد هناك قدرة على احتوائها أو تجاوزها، وبالتالي فإذا ما بقيت مؤسسة الاستخبارات بدون رئيس واحد محدد سيكون من الصعب السيطرة على مثل هذا الوضع، والتأسيس لواقع ميداني مغاير.
 غياب المسئولية الرسمية عن جسر هذه الفجوات: لاسيما من قبل قيادات الدولة، ومنهم: رئيس الحكومة، المسئول الأول عن جهازي الشاباك والموساد، وزير الدفاع، المكلف بمتابعة جهاز أمان والجيش الإسرائيلي.
ذلك أن التاريخ يعلمنا أن الشخصيات التي تتوسط بعض المواقع القيادية، مثل "رؤوبين شيلوح" الذي عينه "بن غوريون" أو "إيسار هريئيل" الذي عينه "ليفي أشكول"، أو "رحبعام زئيفي" و"يهوشفاط هاركابي" اللذان عينهما "إسحاق رابين"، كلهم وجدوا صعوبات حقيقية في تطبيق توصياتهم، والانتقال بعالم الاستخبارات إلى واقع أفضل، اثنان منهم على الأقل قدما استقالتهما، بسبب ما قالوا أنه غياب للغطاء الكامل من قبل قيادة الدولة، وافتقادهم للصلاحيات الموكلة إليهم.
بكلمات أخرى، حتى لو تم بالفعل تعيين رئيس واحد للمؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية، وحاول هذا الرئيس أن يؤسس لميثاق عمل جديد بين الأجهزة الأمنية المختلفة، فلن يكون بالإمكان جسر هذه الفجوات على الفور، إذا لم يحصل على الدعم الكافي والغطاء الكامل من قبل رئيس الحكومة ووزير الدفاع.
كما أن الكنيست، بيت التشريعات، لم يقم بدوره في هذا المجال، لأن تشريعا برلمانيا من شأنه أن ينظم العمل الاستخباري بصورة أكثر شمولا.
إلى جانب تلك الجهات، مطلوب أيضا من رؤساء الأجهزة الأمنية الاضطلاع بأدوارهم المناطة بهم، وهم الذين لم يقوموا بمثل هذا الدور في السابق في ظل تنامي بعض الإشكاليات، واكتفوا حينها بإبلاغ رئيس الحكومة فقط.
شكل رقم 5: الفجوات القائمة في عمل الاستخبارات الإسرائيلية
5- الخلاصة
في نظرة مستقبلية، تأخذ صورة أجهزة الاستخبارات تتنامى وتتعاظم أكثر فأكثر، في تحديد الطبيعة العامة لنظرية الأمن الإسرائيلية، لاسيما في ضوء تغير البيئة الخارجية لإسرائيل، والتحديات الأمنية الماثلة أمام الدولة، خاصة وأن هذه الأجهزة باتت تشكل ذراعا متقدما في معارك إسرائيل، العسكرية والأمنية، فضلا عن دورها الواضح في دعم صناع القرار في الدولة وإمدادهم بالمعلومات اللازمة.
وبالتالي فإن الفجوات القائمة في عمل المؤسسة الاستخبارية: الفجوات الجغرافية، التخصصية، والنظرة الشاملة لطبيعة التحديات الماثلة، هي تحديات كانت وما زالت تقف في طريق المؤسسة الأمنية منذ السنوات الأولى لقيام الدولة، الأمر إذن مرهون بالسنوات القادمة التي يجب أن تجتهد فيها تلك الأجهزة بالبحث عن حلول عملية لجسر الهوة القائمة بين تلك الفجوات المهنية.
وحتى سنوات الثمانينات، فإن التغييرات التي طرأت على البنية التنظيمية والجغرافية لهذه الأجهزة كانت محدودة ومقيدة، وبقيت التقسيمات على النحو التالي: الموساد يعمل خارج حدود إسرائيل، والشاباك يعمل داخل إسرائيل، ويعمل جهاز "أمان" من خارج الحدود.
إضافة لذلك، فقد كانت المنظمات الأمنية في ذلك الوقت أقل عددا وأخف تعقيدا، وبالتالي كان بالإمكان إجراء التعديلات في تركيبتها الهيكلية، في ضوء السيطرة على طبيعة العلاقات الخصية لرؤسائها في ذلك الوقت.
ولكن في ظل التغييرات التي أحاطت بالبيئة الإستراتيجية والتحديات الأمنية، طرأ تنامي حقيقي لأعداد العاملين في الأجهزة الأمنية، وبدت طرائق عملهم أكثر تعقيدا، لأن اختلاف الظروف والتحديات لم تجعل التركيبة السابقة ملائمة إطلاقا للواقع الميداني الجديد، ولا حتى على صعيد العقد القادم.
لهذا كله، بات مطلوبا اليوم إجراء تغيير حقيقي وجوهري في طبيعة النظرة الأمنية الإسرائيلية للأمور، على أن يتبعها تغيير في السلوك والإدارة الأمنية المتوقعة لها.
المصدر: مركز باحث للدراسات

22-تموز-2010
استبيان