المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار العدو

مخاطر "الحرب الالكترونية": العدو الصهيوني نموذجاً

إعداد: علي شهاب
تناقلت وسائل إعلام عالمية اواخر العام 2010 تقارير عن اصابة ما لا يقل عن 30 ألف جهاز كومبيوتر داخل إيران بفيروس الكتروني شديد التعقيد يستهدف عادة البنية الصناعية للدول ويُعرف باسم "ستاكسنت"، حتى أن بعض التقارير الاسرائيلية تحدثت عن أضرار جسيمة في المشروع النووي الإيراني نتيجة هذا الفيروس.
وبغض النظر عن صحة هذه الأخبار، فإن تسليط الضوء على ميدان جديد من ميادين الحروب يستدعي الخوض في تفاصيل "الحرب المعلوماتية" ومدى تأثيرها على أشكال الصراع في أي مواجهة مقبلة؛ إذ يكاد البُعد الرابع للحروب المتمثل بشبكة الانترنت يوازي في أهميته الأبعاد الثلاثة الأخرى (البر والبحر والجو)، نظرا للتقدم الكبير الذي تشهده المنظمات "الإرهابية" في استخدامها لتقنيات الكومبيوتر، فضلا عن تحول الدول المتقدمة، ومن بينها العدو الصهيوني، الى المزيد من الاعتماد على أنظمة الكترونية لإدارة مرافقها الحيوية.
أخيرا أنشأ كيان العدو وحدة الكترونية تقاطعت معظم التقارير على اعتبار الهدف منها الحرب النفسية بما يخدم الدعاية الصهيونية، في حين ركزت القليل من التقارير على مساعي الجيش الاسرائيلي لمكافحة التجسس ومراقبة مواقع الشبكات الاجتماعية (وما يتسرب عنها من معلومات قد تكون أساسية في جمع معطيات استخبارية). ولئن استقر سقف تحليلات الإعلام عند هذه الأبعاد، فإن الخوض بعمق في الهدف الحقيقي من إنشاء هذه الوحدة يشير الى أهداف أكثر أهمية.
بعيد التداعيات التي بدأت بالبروز على الساحة الإيرانية عقب الإنتخابات الرئاسية، تحدثّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن "قوة الانترنت التي ستهزم النظام الإيراني". في حين خرج قائد جهاز الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال عاموس يدلين بتصريح لافت لصحيفة الجيش قال فيه ان "شبكة الانترنت اصبحت تشكل البعد الرابع في الصراع مع الفلسطينيين والعرب، الى جانب المواجهة على الارض وفي البحر والجو".
مرّت هذه المواقف مرور الكرام، ولم تحظ بكثير من التركيز. وإن كان الدور الدعائي والنفسي لأسلوب "ضخ المعلومات" الذي يشكل الإنترنت قالبا مناسبا له قد صار معروفا وواضحا، فضلا عن محاذيره الأمنية، فإن مجالا أخر أكثر خطورة يؤرق بال خبراء التكنولوجيا في وكالات الاستخبارات الغربية عموما والإسرائيلية خاصة.
تهديد جدي
تحذر تقارير الخبراء التقنيين في البنتاغون ووكالات الاستخبارات الأميركية منذ العام 2001 من قيام منظمات كحزب الله وحماس في اختراق نظم التحكم الصناعية لمصانع ومعامل اسرائيلية.
فما هي حقيقة واحتمالات هذا التهديد الذي كان حتى الأمس القريب خيالا علميا في سيناريوهات أفلام هوليوود؟
تعمد العديد من الدول المتقدمة صناعيا الى ادارة العديد من مواردها الحيوية (شركات مياه، محطات كهرباء، إشارات السير في الشوارع، وأنظمة أكثر حساسية) عبر نظام يطلق عليه اسم "نظام التحكم الاشرافي وجمع البيانات" Supervisory Control and Data Accusition المعروف اختصارا باسم "سكادا".
تشمل "سكادا" جميع انظمة التحكم الصناعي"، أي بكلمات أخرى كل برنامج حاسوبي يتيح مراقبة والتحكم بعمليات نظام آلي. ويمكن تحديد مجالات "سكادا"، مبدئيا، بـ:
1. العمليات الصناعية بكافة أشكالها؛ من تصنيع، وإنتاج، وتوليد كهرباء، وتكرير..إلى آخره.
2. البنى التحتية، كمعالجة المياه، وتوزيعها، وخطوط أنابيب البترول، وخطوط توزيع الكهرباء، وأنظمة الإتصالات الشبكية الضخمة.
3. التطبيقات الزراعية وأنظمة الري الحديثة.
إن مجرد وضع آليات للتحكم بهذه العمليات على شبكة الانترنت يجعلها عرضة للإختراق والتخريب، بل والسيطرة. أحد أبرز العمليات المماثلة في العصر الحديث، ما فعله الاسترالي "فيتيك بودن" العام 2000 حين قرر أن يصبح "إرهابيا"، إذ تمكن باستخدام كومبيوتر محمول وجهاز ارسال لاسلكي داخل سيارته من فتح صمامات معامل معالجة النفايات، ما ادى الى غرق نهر بأكمله وعدة حدائق عامة بالأوساخ والوحول.
والمثير أن الشرطة لم تعلم أصلا بفعلة بودن الا صدفة، حين القت القبض عليه بتهمة الوقوف بسيارته في منطقة محظورة! ولدى تفتيش السيارة، تم كشف خيوط ما اقترف، بعد ان كان قد نجح 45 مرة في اختراق نظام مركز الاشراف والتحكم بعملية معالجة النفايات من دون أن يلفت انتباه احد.
وتتالت أحداث مماثلة في أنحاء عديدة من العالم:
مراهق أميركي يتسلل الى غرفة التحكم بحركة الطائرات في مطار ولاية "ماساشوسيتس" العام 97 ويعطل برنامج المراقبة، شاب يخرق مشروع "سولت ريفر" لتوليد الكهرباء عبر الثروة المائية في مدينة "فينيكس"، مجموعة شبان يسيطرون على 75 في المئة من طاقة الكهرباء في ولاية كاليفورنيا بعد اختراق نظام التحكم في شركة الكهرباء من دون أن ينجحوا في اللحظات الاخيرة من استغلال انجازهم هذا، "دودة" الكترونية تتسلل الى محطة نووية في ولاية "أوهايو" العام 2003 وتصيب نصف المحطة بالشلل لمدة خمس ساعات متواصلة.
المحاولات الفردية الحثيثة لخبراء الحاسوب (الذي يسعون عادة الى التباهي بقدراتهم) دفعت وزارة الدفاع الأميركية الى اطلاق سلسلة اختبارات جدية لكشف ثغرات انظمة "سكادا" وفرص مواجهة مخاطرها، خاصة بعد أن ثبت بالدليل سعي جماعات "متطرفة" الى فتح جبهة جديدة، كما حصل في العام 2002 حين عثر الإحتلال في أفغانستان على كومبيوتر محمول بحوزة أحد افراد تنظيم القاعدة يحوي معلومات حول كيفية تشغيل مفاتيح تحكم في شبكات الطاقة الأميركية عن طريق الإنترنت.
أما أبرز خروق نظم "سكادا" في العصر الحديث فكانت الهجمات التي تعرضت لها الحكومة في أستونيا (وهي بالمناسبة أول حكومة الكترونية في العالم) حين تم اختراق منظم لمئات المواقع الخاصة بمصارف وشركات اتصالات وبنى تحتية الكترونية على مدى أسابيع في العام 2007، بعد ساعات من ازالة نصب يعود الى الحقبة السوفياتية من العاصمة، ما اضطر حلف شمال الأطلسي (الناتو) الى ارسال خبراء على عجل لتقديم المساعدة اللازمة. يومها أدت الهجمات الى وقف التعاملات المصرفية الالكترونية في أستونيا، في حين سارع البنتاغون الى اتخاذ سلسلة اجراءات لحماية شبكته العسكرية على الانترنت وشكل الناتو فرقة "تدخل سريع" لصد الهجمات عبر الشبكة.
بنية "سكادا" في "اسرائيل"
على الجبهة الاسرائيلية، لم تشهد المواقع الحكومية الاسرائيلية سوى هجمات كلاسيكية حتى الساعة، من قبيل تخريب محتوى مواقع نصية رسمية، كما حصل إبان العدوان الأخير على قطاع غزة، حين هاجم "هاكرز" من لبنان والمغرب وتركيا وإيران والسعودية ما يقارب العشرة الاف موقع اسرائيلي وغربي، بحسب تقارير أجنبية.
لكن تل أبيب، كغيرها من الدول المتقدمة، تملك أيضا أنظمة "سكادا" تُدار عبر الانترنت. دائرة مصلحة المياه في بلدية تل أبيب واحدة من هذه الأمثلة.
تؤمن هذه الدائرة المياه لـ350 الف مستوطن عبر تجهيزات شركة المياه الرسمية "ميكوروت"، من خلال انابيب ومنشآت تنتشر على كل الأراضي المحتلة. يتم الإشراف على عملية نقل المياه عبر نظام يستخدم واجهة رسومات تطبيقية تتيح التحكم بآلية ضخ المياه.
شركة "كهرباء اسرائيل" هي الأخرى تخضع لمعايير "سكادا"، علما ان هذه الشركة تعرضت لاختراق من قبل محترفين إيرانيين، لكنهم "فشلوا في قطع التيار" بحسب تقرير بحثي اسرائيلي صادر عن مركز "هرتسيليا".
وتدير اسرائيل أيضا قطاع الغاز وشبكة الاتصالات وبعض شبكات المرور في البلاد عبر نظام "سكادا".
من المنشآت الحساسة الاسرائيلية التي تدار أيضا عبر شبكة الكترونية داخلية المنشآت النووية. يضم مركز التحكم والقيادة النووي في اسرائيل الاجهزة وشبكة الاتصالات والمعدات والمنشآت والآليات وسلسلة الأوامر اللازمة لإدارة المرافق النووية. عادة ما يكون هذا المركز داخل منشأة عسكرية او مبنى حكومي. "اسرائيل" هي واحدة من ثماني دول على الأقل، من بينها الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، التي تملك تواجدا "نوويا" على شبكات الكترونية.
وكنماذج لمرافق حيوية اسرائيلية تُدار عبر "سكادا"، المنشآت التالية:
• شركة "آلتل" في تل أبيب. واحدة من أهم شركات "اسرائيل" للتقنيات العسكرية.
• وزارة المالية الاسرائيلية في القدس المحتلة، حيث تُدار جميع عمليات احتساب الضرائب والمعاملات المالية للدولة.
• مصنع "روتيم عمفرت نيجيف" للبتروكيماويات في حيفا، فضلا عن عشرات المصانع الأخرى المماثلة في هذه المدينة الصناعية.
• مصفاة التكرير في "أشدود" (عسقلان).
تقدُم "اسرائيل" في مجال أنظمة "سكادا" واعتمادها عليها أفرز واقعا جديدا، إذ يتبين من خلال البحث أن خمس شركات اسرائيلية كبرى لأمن المعلومات، فضلا عن عشرات الشركات الصغيرة، توفر الحماية لمحطات نووية أميركية ومرافق حيوية دولية تعتمد نظام "سكادا" من الاختراق عبر الانترنت. أما على المسار الداخلي، فإن وحدة خاصة في "الشاباك" هي المسؤولة عن حماية نظام التحكم الالكتروني بمصالح المياه والكهرباء ووزارة المالية الاسرائيلية.
وتكمن الثغرة الرئيسية في أنظمة "سكادا" أن الأجهزة الالكترونية المستخدمة فيها (مثال مودم الانترنت) لا تخضع لتحديث في السعة والنوعية لسبب بسيط: إن الهدف الرئيسي من استخدامها في هذا النظام يتطلب ارسال وتسليم معلومات محددة والقيام بوظيفتين محددتين؛ الفتح والإغلاق، علما ان استبدال هذه الأجهزة يكلف مبالغ طائلة ويحتاج الى وقت طويل نسبيا.
كما ان رصد عمليات الاختراق ليس مسألة فعالة دائما، إذ غالبا ما يفيد الإنذار بوجود اختراق، لكن الخيارات المتاحة امام الجهة المالكة محدودة: إما إغلاق النظام برمته، أو عزل قطاع بأسره للتقليل من الأضرار، فضلا عن أن شركات الحماية الالكترونية تعمل جاهدة للتوصل الى حل يميز ما بين الاجراء الاعتيادي لـ"سكادا" والاختراق؛ أي أن المشكلة عند اختراق هذه النظم تكمن في أنها تستخدم نفس البروتوكولات والاوامر المألوفة، ويصعب للوهلة الأولى كشفها.
وبغض النظر عن التفاصيل التقنية وحساسية اختراق أنظمة "سكادا"، فإن حديث يدلين عن خطورة هذا البعد الرابع من الحرب يرتبط بمسار استراتيجي تسير عليه عملية تطوير الجيش الاسرائيلي: من المعروف أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وضعت خطة "تيفين 2012" التي ستنقل الجيش بالكامل الى العصر الالكتروني.
إن نفس طرح "بعد الانترنت" كعنصر جديد في أبعاد الحرب (الى جانب البر والبحر والجو) يشير الى خطورة الميدان الجديد في حسابات الاسرائيليين، التي عادة ما تعتمد على دراسات وعمليات تطوير علمية مستمرة، مع الإشارة الى أن الجيش الإسرائيلي منذ مطلع الألفية الثانية عزز الاعتماد على المنظومات الالكترونية في آلياته وغرف القيادة والتحكم.
عملية التحول الالكتروني في الجيش الاسرائيلي صارت محط تفاخر عاموس يدلين الذي يعتبر أن "مجال الحرب الالكترونية يناسب تماما عقيدة الدفاع في دولة اسرائيل"، ويدعو الى "المحافظة على الريادة في هذا المجال مهمة على نحو خاص في ضوء تغير الايقاع السريع"، مع الإشارة الى أن الجيش لا يتحدث عادة في العلن عن الحرب الالكترونية، غير أن هذا التحول فرضه، إضافة الى جدية التهديدات، تحول الاستخبارات العسكرية في ذراع منفصلة شبيهة بسلاحي البر والجو.
على خط موازٍ، يتحدث الأميركيون منذ سنوات عن "جيش ايراني الكتروني" نجح مرات عديدة في اختراق شبكات أميركية، في حين يعلم الجيش الاسرائيلي أن حزب الله أكثر الأطراف متابعة له ولأسلحته. إن أي مواجهة مقبلة ستعني حربا على جميع الجبهات... هذا ما قصده يدلين.
13-كانون الثاني-2011

تعليقات الزوار

استبيان