كتب محرر الشؤون العبرية
ألقى رئيس أركان جيش العدو السابق، غابي اشكنازي كلمة في مؤتمر
هرتسيلياه، قبل أيام من موعد انتهاء مهمته في منصبه، ضمَّنها خلاصة رؤية
الجيش للمعادلات الحاكمة للمشهد الإقليمي القائم، والتوازنات الجديدة التي
تفرض نفسها على أية حرب مقبلة.
من أبرز ما ورد في كلامه، اختصاره للمشهد الاقليمي المستجد بالقول "هناك
تعاظم للمعسكر الراديكالي في كل الدول المحيطة بنا وضعف القيادة العربية
التقليدية، وايضا يوجد مفهوم مختلف للقوة الاميركية في المنطقة". فضلا عن
ان دائرة المواجهات اتسعت عما كانت عليه سابقا، وتشديده على أن الجيش مستعد
لكافة أنواع التهديدات.
يلاحظ في هذا التوصيف انه ينطوي على إقرار مباشر بتغير البيئة الإستراتيجية
لإسرائيل نحو الأسوأ انطلاقا من تعاظم قوة المعسكر المعادي لها وضعف
المعسكر الحليف لها على مستوى المنطقة. مع إشارته إلى أن هذا كان يتم قبل
تحرك الشارع المصري.
ايضا، رأى اشكنازي أن من معالم وأسباب تغير البيئة الاستراتيجية يعود إلى
اختلاف النظرة إلى القوة الأميركية على مستوى المنطقة، ولا يخفى أن تخصيص
هذه الحقيقة بالذكر يعود إلى إقرار إسرائيلي بأن تراجع نفوذ الولايات
المتحدة في المنطقة، سينعكس سلبا، بشكل او بآخر، على إسرائيل لأن من
نتائجه، العاجلة ام الآجلة، إما أن تجد الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة
وإسرائيل، نفسها مضطرة إلى تغيير توجهاتها ومواقفها الإقليمية، أو أن
الشعوب قد تتحرك لفرض التغيير في بنية و/أو سلوك هذه الأنظمة. وخاصة ان
جزءاً اساسياً من عناصر قوة إسرائيل الإقليمية، لا يعود فقط إلى قدراتها
الذاتية بل أيضاً إلى النفوذ الأميركي في أكثر البلاد العربية والإسلامية.
وحذر ايضا من أن أي حرب مقبلة تخوضها إسرائيل، سوف تتمدد باتجاه أكثر من
ساحة، وهو أمر شدد عليه رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، اللواء عاموس
يادلين، في اخر تقرير قدمه أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست. مع
كل ما ينطوي على ذلك من ثقل على صانع القرار الإسرائيلي لدى دراسته لخيارات
إسرائيل، ومن نتائج عسكرية وإستراتيجية لأي حرب فعلية تخوضها إسرائيل.
واقر
اشكنازي بأن العامل الأساسي المستجد في اي حرب مقبلة، ان "أساس القتال
سيكون في جبهتها الداخلية" وهو أمر لم تواجهه إسرائيل طوال تاريخها، كما لم
يعد هذا التصور وجهة نظر لمسؤول هنا أو هناك، بل مسلّمة تقر بها كل
المنظومة القيادية السياسية والعسكرية والاستخبارية في إسرائيل، وتفرض على
صانع القرار أخذها بعين الاعتبار لحالتي السلم (الترتيبات الأمنية في اي
تسوية) والحرب.
أما بخصوص الرد الإسرائيلي على التهديد الصاروخي، فيلاحظ انه في الوقت الذي
أكد فيه رئيس الأركان على أن الجيش يعمل على تعزيز قدراته لحماية العمق
الإسرائيلي عبر بناء منظومات دفاعية متطورة تكنولوجياً، مثل "كيبات برزل/
القبة الحديدية" و"شربيط قساميم/ العصا السحرية"، اعتبر ايضا أن هذا الامر
غير كاف لوحده. وهو ما يكشف جانبا من البروباغندا الإعلامية التي ترافق اي
تطور مفترض لهذه المنظومة.
أما بالنسبة لقدرة إسرائيل على الحسم فرأى اشكنازي أنه "لا يمكن الاعتماد
على قوة نيران الجيش الإسرائيلي المثيرة للانطباع، لمواجهة حزب الله
وحماس.. بل لا بد من امتلاك قوة مناورة برية". لكنه في المقابل رأى ان هناك
مشكلة امام الحسم وهي تبدل مفهوم الخسارة في الحرب. اذ ان هذا المفهوم
تغير منذ "حاربت في يوم الغفران (1973)" لجهة انها كانت تعني في ذلك الوقت
"خسارة السيطرة على الارض، اما اليوم يدرك الأعداء أن مواجهتنا في ساحة
الحرب التقليدية هي أمر إشكالي بالنسبة لهم". لافتا إلى انه لا يستهين
بحماس او حزب الله " لكنهم لا يستطيعون احتلال اراض" في شمال وجنوب
اسرائيل.
بعيدا عن استخدام اشكنازي لتعبير "الخسارة"، يبدو واضحا انه ينطوي على
إقرار بأن حسم الحروب والمواجهات لم يعد يتحقق، كما كان في الماضي، من خلال
اجتياح الاراضي واحتلالها، بل قد يكون ذلك بداية مواجهة جديدة وطويلة كما
حصل في لبنان بعد اجتياح العام 1982، ليتحول إلى استراتيجية ثابتة في
مواجهة إسرائيل تطورت تدريجيا خلال المواجهات المتوالية التي خاضها حزب
الله مع الجيش الإسرائيلي وتحديدا خلال عامي 1993، و1996، ووصلت إلى ذروتها
خلال حرب العام 2006 مع ما ترتب عليها من نتائج فرضت على العدو تطوير
استراتيجياته وتصوراته القتالية. لتأخذ ابعادا جديدة بعد المرحلة التي
تجاوزها حزب الله في بناء قدراته الصاروخية، على المستويين الكمي والنوعي،
باعتراف قادة العدو وخبرائه. ويعود ذلك برأي اشكنازي الى أن أعداء إسرائيل
"غيّروا مفاهيم التشغيل (القتال) واختاروا الانتقال إلى مناطق مدنية...
شجرية ومحميات طبيعية، يطلقون منها سلاحا منحني المسار (الصواريخ) باتجاه
إسرائيل. هم يخلقون معركة استنزاف أثمانها عالية".
إلى ذلك اقر اشكنازي ايضا بحقيقة التبدل الذي طرأ على مفهوم نقل المعركة
إلى ارض العدو، الذي شكل ركنا أساسيا في االنظرية القتالية التي اعتمدها
الجيش الإسرائيلي في حروبه، عبر اعتماد أعدائها على منظومة صاروخية قادرة
على استهداف عمقها الاستراتيجي، بكميات وأنواع تشكل تهديدا جديا له، مقرونا
بعجز إسرائيلي على معالجتها من الجو والنيران عن بعد.