نكسة سياسية للكيان الصهيوني وفرصة تكتيكية لنتنياهو
كتب محرر الشؤون العبرية
مرة أخرى واجهت الاستخبارات الإسرائيلية إخفاقا جديدا على مستوى تقدير التحديات والتهديدات المحدقة بالكيان الصهيوني، لكن أكثر ما يميز الإخفاق الجديد أن ميدانه الساحة الفلسطينية، التي تحتل مرتبة متقدمة في اهتمامات الاستخبارات على مستوى المتابعة المعلوماتية، سواء من الناحية السياسية أو العسكرية أو الاستخبارية.
فقد فوجئت حكومة بنيامين نتنياهو باتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس بعدما استبعدته الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية انطلاقا من أن الأخيرة لن توافق على منح السلطة موطئ قدم في غزة، وان "الحكم الجديد والضعيف سيجد صعوبات في فرض تسوية" على الطرفين الفلسطينيين. وهو ما دفع وزراء في المجلس الوزاري المصغر إلى انتقاد جهاز الاستخبارات لعدم بحثها إمكانية المصالحة في المحافل الحكومية التي انعقدت مؤخرا.
ونتيجة هذا التقدير انحرفت اهتمامات القيادة السياسية في تل أبيب، نحو الاستحقاق الدولي في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، في الأمم المتحدة، حيث من المفترض مناقشة إعلان الدولة الفلسطينية. وهو ما ترك آثاراً سياسية، بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، إذ "لو عرفت إسرائيل مسبقاً بالاتفاق المتبلور لكان يمكنها أن تمارس ضغوطا على أبو مازن وربما كانت منعت الحلف مع حماس".
فيما يتعلق بتداعياته، عكست المواقف التي صدرت على لسان المسؤولين الإسرائيليين، قدرا من القلق من تكريس هذا الاتفاق والذي سوف يؤدي، من منظور إسرائيلي إلى اتمام سيطرة حركة حماس على الساحة الفلسطينية. ويرى هؤلاء أن تشكيل حكومة وحدة عنوان فارغ من المضمون لأن "الواقع هو انه دائما توجد جهة تسيطر وشركاء يسيرون وراءها. والطرف الأكثر قوة وتنظيما وتسلحا، أي حماس، هو الذي سيحكم السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية".في السياق نفسه، دفع الاتفاق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد ساعات، إلى وضع السلطة الفلسطينية بين خيارين "إما السلام مع حماس أو السلام مع إسرائيل" مشددا على انه لا يمكن الجمع بينهما. مع ما يكشفه ذلك عن مؤشرات حول مستقبل عملية التسوية على المسار الفلسطيني.
في المقابل، رأت أطراف إسرائيلية في اتفاق المصالحة فرصة تكتيكية، سوف تمنح نتنياهو بابا للتهرب من الأزمة التي يواجهها على خلفية جمود العملية السياسية، فضلا عن انه سيكون بإمكانه حذف كافة الأفكار المتداولة حول تسويات مرحلية: دولة فلسطينية بحدود مؤقتة أو انسحابات جزئية من طرف واحد.. واستبدال ذلك بشعار انه لا يمكن إجراء مفاوضات مع سلطة تشارك فيها حماس التي ترفض الاعتراف بوجود "إسرائيل" خاصة وان الرؤية الإسرائيلية العامة أن كل منطقة تخليها "إسرائيل" ستقع في يد حماس وتصبح قاعدة إيرانية.
إلى ذلك، تتداول في الساحة الإسرائيلية مجموعة من التساؤلات حول مآل التطورات، بعد التوقيع على الاتفاق، والتي تتمحور بين انهياره سواء بشكل فوري أو تدريجي كما حصل في المرة السابقة، أو تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة يعقبها نشوب مواجهات بين الطرفين، إلى التوافق على إدارة السلطة بشكل مشترك وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وتشكيل حكومة مشتركة تضم حماس ايضا، وفرض واقع سياسي جديد يحول دون إحراز أي تقدم في العملية السياسية.
في ضوء ذلك، من الطبيعي أن يركز الإسرائيلي في المرحلة المقبلة على شن حملة سياسية في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي للحؤول دون نيل الاتفاق قبولا دولياً خاصة وان حماس ما زالت على موقفها من مسألة الاعتراف بوجود "إسرائيل".