المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار العدو

هل تدفع أزمة نتيناهو الداخلية إلى حرب على لبنان...؟؟


حسان ابراهيم

السؤال التقليدي والحاضر دائما لدى المحللين، وتحديدا أولئك الذين يتوقون إلى اعتداء إسرائيلي على المقاومة، من شأنه، كما يعتقدون، أن يقلب موازين القوى في الساحة الداخلية اللبنانية كخشبة خلاص لأزمة "المعتدلين" في هذا البلد، هو الآتي: هل تقدم "إسرائيل" على مغامرة عسكرية ما، حيال لبنان، للهرب من أزمتها الاجتماعية ـ الاقتصادية؟.
بحسب هؤلاء، والذين يجدون من يفكر مثلهم في كيان العدو أيضاً، فإن لدى تل أبيب تاريخا حافلا بالسوابق، إذ شنت اعتداءات عسكرية أو أمنية، واسعة أو ضيقة، كلما حدثت أزمة داخلية لديها، وبالتالي فان الحرب المقبلة على لبنان، ستكون على خلفية الهرب من الأزمات الداخلية في الكيان الغاصب، التي تتراكم وتكبر يوما بعد يوم.
وبعيدا عن الكتابات المحلية، لكتبة لبنانيين "معتدلين"، يعبرون في العادة عن أمانٍ أكثر من كونهم يعبرون عن تحليل معطيات الاوضاع القائمة ومآلاتها، نشير إلى جملة من التصريحات والتحليلات الصادرة من "إسرائيل"، يمكن أن تخدم "أماني" المعتدلين في لبنان.
نائب رئيس الحكومة الاسرائيلية، الوزير سيلفان شالوم، قال في مقابلة تلفزيونية قبل ايام، ان احد اهم الاسباب الدافعة الى الاحتجاج الشعبي ضد سياسة الحكومة في المجال الاجتماعي الاقتصادي، ان "الهدوء الامني سائد في الاعوام القليلة الماضية، الامر الذي يتيح للاسرائيليين التركيز على الشؤون الاقتصادية والاجتماعية". ويمكن ان يُفهم من كلام شالوم انه يرى، كنائب رئيس الحكومة الاسرائيلية، ان التصعيد العسكري او الامني على اي من الجبهات، مع لبنان او سوريا او قطاع غزة، بل وايضا، بحسب كتابات اسرائيلية ضد ايران، وبما يشمل عمليات واعتداءات "صاخبة"، من شأنه ان يعيد الجمهور الاسرائيلي الى انشغاله بها، بعيدا عن مشاكله الاجتماعية والاقتصادية.
ايضا عضوة الكنيست عن حزب "ميرتس" اليساري، والمعروفة بتصريحاتها الناقدة لصناع القرار في تل ابيب، "زهافا بار أون"، عبرت لصحيفة "هآرتس" 30/08/2011، عن خشيتها من إقدام نتنياهو على حرف النقاش الاجتماعي الاقتصادي، من "خيم المحتجين في الساحات، إلى خيم القوات الاحتياطية لدى الجيش الاسرائيلي"، بمعنى نقل الاهتمام من المجال الاقتصادي والاجتماعي الى المجال الامني، اي التسبب بتصعيد امني او عسكري ما، يحرف اتجاهات الاسرائيليين واهتماماتهم.
في نفس السياق، حذر وزير المعارف الاسرائيلي عن حزب "الليكود"، "جدعون ساعر"، المقرب جدا من رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، من ان "اي معركة انتخابية دارت في "إسرائيل"، في الاعوام العشرين الاخيرة، وكانت مركزة على الموضوع الاجتماعي ـ الاقتصادي، كان "الليكود" يخرج خاسرا. اما في المرات التي كانت فيها بؤرة الاهتمام هي الموضوع الامني ـ السياسي، فكان الليكود يخرج رابحا"، وهو كلام ينطوي بدوره على تحذير، وإن كان بصورة غير مباشرة، من إمكانات التسبب بتصعيد عسكري ما، على جبهة ما، تحرف اهتمام الجمهور الاسرائيلي، عن مشاكله الاجتماعية.
محلل الشؤون العسكرية والأمنية في صحيفة "هآرتس"، يوسي ميلمان، والمعروف بسعة اطلاعه وعلاقاته الواسعة مع المؤسسة الأمنية في "إسرائيل"، تساءل عن إمكانات التسبب بتصعيد امني ما يحرف اهتمام الجمهور الاسرائيلي عن مشاكله واحتجاجاته، إذ كتب في مقال طويل في الصحيفة (05/08/2011) يقول: هل يرسل نتنياهو الجيش الاسرائيلي لكابوس عسكري في ليلة صيف؟، واستشهد الكاتب بحرب الايام الستة عام 1967، حيث كانت "إسرائيل" في حالة غير مسبوقة من الركود الاقتصادي، لم تتخلص منها الا بعد الحرب وبسببها. ويشير إلى أن الأزمة الاقتصادية في حينه، أي في العام 1966، أدى إلى إيجاد حالة من الإحباط واليأس وموجة هجرة معاكسة.
اذاً، الكلام عن حرب، او مغامرة عسكرية، او اعتداء امني كبير، يهدف الى حرف اهتمامات الاسرائيليين واحتواء احتجاجاتهم، ويجد تعبيراته في عدد من التصريحات والمواقف والتحليلات الاسرائيلية، وإن كانت محدودة حتى الان. لكن هل يجد ذلك تعبيره في ارض الواقع؟. السؤال ما زال يُطرح اسرائيليا، لكن لم يجد الى الان اجابات، رغم انه واضح جدا، لصناع القرار في تل ابيب.
ولا جدال في ان "إسرائيل" تلجأ، او قد تلجأ، الى تصعيد امني ما، لاحتواء أزمات داخلية لديها.. لجأت الى ذلك في الماضي، وستلجأ اليه في المستقبل. لكن هل تكون المشاكل الداخلية هي السبب الدافع للحرب، او على هامشها؟ الاسئلة التي تفرض نفسها على صناع القرار في تل ابيب، قبل إقرار وتنفيذ أي اعتداء او حرب، سواء كانت حربا لاحتواء مشاكل داخلية، او لجلب مصلحة ما، تبقى هي نفسها قائمة، وذات تأثير على القرار نفسه. وقد يكون منها: إمكان تجاوز الضوابط التي تحكم القرار الحربي الاسرائيلي، التي من شأنها ان تمنعه، او تحثه، على الخروج الى حرب؟، المصلحة الدافعة الى الحرب، وحدود المناورة فيها؟ هل اثمان القرار الاسرائيلي في الخروج الى عملية عسكرية، توازي او تتجاوز مصلحة احتواء مشاكل داخلية؟ هل الحرب ذات مخرج سياسي معتبر، يمكن استثماره في تحسين بيئة "إسرائيل" الاستراتيجية؟ هل الحرب تؤدي بالفعل إلى إنهاء التهديد، او تحتوى المشاكل الداخلية؟ وغيرها من الاسئلة التي تفرض نفسها، ولا يمكن تجاوزها.
مع ذلك، يمكن الاشارة، كمقدمات عامة، الى ان حروب "إسرائيل"، وعملياتها الامنية والعسكرية، الضيقة او الواسعة، لا تحيد عن الآتي:
اولا: ان تكون العملية العسكرية او الامنية، ذات طابع داهم، بما يعرف بالعملية "الاستباقية". اي إعلان اسرائيل عن الحرب وشنها، يكون استباقا لحرب سيشنها اعداؤها عليها، على ان لا يكون بإلامكان منع الاعداء من شنها او تأجيلها.. وفي العادة المتبعة اسرائيليا، مهما كانت الاثمان، ومهما كانت النتائج، فان العمل الحربي الاستباقي قائم، وتلجأ اليه. القاعدة الحاكمة لهذه الحرب هي: استباق الاعداء والحصول على أفضيلة في المعركة العسكرية نفسها، ما دام انه لا مجال لمنعها او تأجيلها.
ثانيا: تلجأ "إسرائيل" ايضا، الى شن حرب او عملية عسكرية او امنية، بدافع "وقائي". واساس هذه الحرب هو في الحؤول دون حيازة اعدائها، ما من شأنه تمكينهم من شن حرب عليها. أحدها ان يتمكن العدو من حيازة وسائل قتالية ما، من شأنها ان تكسر التفوق الاسرائيلي العسكري وتدفع الاعداء الى شن حرب ستكون نتيجتها سيئة لاسرائيل، او ان تتسلط قيادة "متطرفة" على زمام الامور في الطرف الاخر، وتدفع الى حرب لا تريدها اسرائيل... وغير ذلك.
وكلا الحربين، الاستباقية او الوقائية، مرتبطة تقريبا بمعطيات ميدانية بحتة، تتعلق بسلوك او نوايا او حيازة، لدى الاعداء. وبالتالي تُعتبر الحربان من ناحية عملية، حربين تختلفان عن الحروب الابتدائية، التي تسعى "إسرائيل" من خلالها الى تغيير في البيئة الاستراتيجية لديها، من ناحية سياسية او عسكرية، تمكن تل أبيب من فرض إرادتها السياسية على اعدائها.
تختلف الحرب الاستباقية، في الاساس، عن الحرب الوقائية، بأن الاولى لا يمكن تأجيلها، وتسمى بحرب "اللاخيار"، بينما الثانية، الوقائية، تستند وترتبط بمجموعة من الاسس والضوابط، قبل إقرارها وتنفيذها، ومنها: أن الخطر المتشكل في الطرف الآخر من شأنه ان يؤدي، في حال تحققه، (مثل وسائل قتالية ما)، الى الخروج التلقائي لحرب ضد "إسرائيل"، وهي غير مستعدة لها ولا تريدها؛ عدم وجود اي مسلك آخر غير الحرب، يمنع عن الاعداء تحقيق الخطر او امتلاكه؛ التقدير بأن الردع الاسرائيلي لا يمنع الاعداء من شن حرب، في حال تحققت عناصر الخطر لديهم؛ وقبل اي شيء آخر، ان الثمن المقدر دفعه في الحرب الوقائية، اقل من الفوائد المحققة من الحرب نفسها.
في نفس السياق، يوجد نوع آخر من الحروب الاسرائيلية، التي يمكن وصفها بحرب الخيار ايضا، والتي من شأنها ان تؤدي الى تغيير في الوضع السياسي او العسكري القائم في المحيط الاستراتيجي لـ"إسرائيل". والهدف من هذه الحروب هو التسبب بديناميكية سياسية ما، تؤدي الى فرض الارادة السياسية لـ"إسرائيل" على اعدائها، بعد اضعافهم. وهذه الحروب ايضا، شبيهة، من حيث الدوافع والموانع، بالحروب الوقائية في اكثر من وجه، اذ ان الثمن المقدر دفعه سيكون ماثلا امام صناع القرار في تل ابيب، والموازنة ما بين الفوائد والخسائر، هي حاكمة دائما لاصل قرار الحرب.
لكن ماذا عن الهروب من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، والازمات الداخلية بشكل عام، كسبب لحرب اسرائيلية؟
في الاساس، تبقى الحرب حربا، باثمانها وفوائدها واضرارها وخسائرها، وبمشاكل مخرجها السياسي، وبإمكانات تأمين التغطية والموافقة الدولية عليها، وبالظرف السياسي والميداني الحاكم لكل اللاعبين في المنطقة، وبتأثيرها السلبي او الايجابي على المحيط وعلى الخطط الموضوعة للمنطقة في ظرف ومكان الحرب... وغيرها.
وما يمكن ان يمنع الحرب الابتدائية الاسرائيلية، التي تهدف الى تحقيق مصالح "إسرائيل" "القومية" حيال اعدائها، هو بالتأكيد، وبلا جدال، قادر بل وأولى، ان يمنع الحرب الابتدائية القائمة على مجرد "حرف اهتمام الجمهور الاسرائيلي". الحرب التي ترتدع "إسرائيل" عنها، كإمكان شن حرب على لبنان، رغم كل ما يقف خلفها من دوافع، لتعذر الانتصار فيها وتحقيق مآربها، لن يكون بالامكان، حتى التفكير فيها، انطلاقا من "حرف اهتمام الجمهور" عن مشاكله.
اما مناسبة الحرب، إن تحققت اسبابها والقدرة الاسرائيلية عليها، وهو غير منظور حاليا حيال لبنان، فتكون مؤاتية لقطف ثمار اخرى على هامشها. حصل ذلك في العام 1967، في الحرب الوقائية على الدول العربية، التي تأسست وانطلقت على خلفية الخطر الداهم على تل ابيب، بعد ان حازت مصر وسائل قتالية، كان من شأنها ان تغير موازين القوى العسكرية بين الطرفين. في تلك الحرب، التي تأسست على دوافع خاصة بها، كان بالامكان، وبمناسبتها، ان تخرج "إسرائيل" من ازمتها الاقتصادية. لكن حل الازمة الاقتصادية نفسها لم يكن عاملا دافعا للحرب، بل على هامشها.
عدوان نيسان عام 1996، وكمثال ايضا، بما يعرف اسرائيليا بعملية عناقيد الغضب، هو عينة اضافية، من عينات كثيرة اخرى. في حينه، كان الهدف الاساسي والدافع لاخراج العملية الاعتدائية على لبنان، هو الآتي: الحد من تآكل هيبة الجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان، جراء الضربات المتتالية للمقاومة؛ محاولة نزع سلاح حزب الله او على الاقل تحجيمه او تقييد نشاطه، من خلال الضغط على القيادتين اللبنانية والسورية، ولتحقيق هذا الهدف، كانت هناك ايضا، محاولة للضغط على السكان وتهجيرهم شمالا.. اما مصلحة رئيس حكومة العدو، شمعون بيريز، ورفع اسهمه في الانتخابات الوشيكة في حينه، من خلال استعراض قوته وحزمه أمام الناخب الاسرائيلي، فجاءت على هامش الاهداف الحقيقية للحرب وبمناسبتها، واكثر ما كان يمكن ان تؤثر فيه، هو توقيت العملية الاعتدائية، ليس اكثر.
من هنا، يجب التمهل قليلا في التحليل. الاختلاف ما بين الأماني والواقع، اختلاف كبير جدا في حالة "إسرائيل" وحربها على لبنان. وقبل اي شيء آخر، يجب ان يبقى في اذهان المحللين، المعطى الآتي: يوجد في "إسرائيل" كل الدوافع الممكن ان توجد لديها، وفي اقصاها ايضا، بل ومنذ سنوات، كي تخرج الى حرب لا هوادة فيها ضد المقاومة. مع ذلك، ورغم هذه الدوافع، التي هي غير مسبوقة في تاريخ الكيان، ما زال قرار الحرب منتفيا وممتنع الوجود، ويمسك به اثمانه وعدم القدرة على تحقيق اهدافه، بل حتى عدم القدرة على تحقيق اهدافه العسكرية.. واذا كان الحال كذلك، فلن يوجد سبب يدفع "إسرائيل"، مهما كانت فائدته من ناحية داخلية، للمبادرة لحرب على لبنان. وبحسب تعبير عضو الكنيست "زهافا بار اون"، "لن يخرج نتنياهو للحرب (على خلفية اجتماعية)، لانه اكثر اتزانا وأكثر جبنا من أولمرت".
08-آب-2011
استبيان