المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار العدو

أزمة العدو "الاجتماعية" بلا حلول... فهل تسقط حكومة نتنياهو؟


حسان ابراهيم
ثلاثة اسابيع، تقريبا، على بدء الاحتجاجات في تل ابيب وباقي المدن الاسرائيلية الكبرى، على خلفية الوضع المعيشي الضاغط على الصهاينة، وفشل الحكومة الاسرائيلية في ايجاد حلول ناجعة. والاحتجاجات، كما يظهر من الانباء الواردة من فلسطين المحتلة، مرشحة للاستمرار والتنامي، في ظل اعلان غير مباشر من حكومة بنيامين نتنياهو، ان ليس في حوزتها، او في امكاناتها، ايجاد حلول للمشاكل الاقتصادية المطالب بحلها، وايضا، في ظل تأكيد المحتجين انفسهم، على استمرار احتجاجهم، حتى تحقيق المطالب.
السؤال المتداول اسرائيليا والاكثر الحاحا، في ظل تواصل الاحتجاجات، هو الآتي: هل تؤدي هذه الاحتجاجات وتناميها، والتزايد المطّرد لعدد الخيم المنصوبة وسط الساحات، وفي بعض الشوارع الرئيسية للمدن الكبرى، الى سقوط حكومة بنيامين نتنياهو؟ انه السؤال الاكثر تداولا في "اسرائيل" في هذه المرحلة، رغم كل التحديات الماثلة امام الصهاينة، بدءا من الاحداث في الدول المجاورة وعدم اليقين من نتائجها وما يمكن ان تتجه اليه الامور فيها، سلبا او ايجابا على المصلحة الاسرائيلية، وصولا الى تحدّ خاص في ايلول المقبل، يرى الاسرائيليون انه سيحمل تحديات غير مسبوقة، قد تؤدي بدورها الى انتفاضة فلسطينية ثالثة. حاول عدد من المعلقين الصهاينة الاجابة عن السؤال، لكن في خلاصة الاجابات والتحليلات، يبدو ان الامور ما زالت حتى الساعة ضبابية، ولا يمكن بالتالي الاجابة بلا او بنعم، كاملتين.
من المستبعد، ان تتنامى الاحتجاجات الى ما يشبه ثورة على النظام الاسرائيلي وإسقاطه، فالمشاهد في الشارع العربي، لن تتكرر في تل ابيب، وأقصى ما يمكن ان يحدث هو سقوط للحكومة الاسرائيلية، والتوجه الى انتخابات كنيست مبكرة، يتقرر على اثرها شكل الحكومة المقبلة. وفي المرحلة التي تفصل عن الانتخابات، ستتبارى الاحزاب الاسرائيلية المرشحة في قوائم على قاعدة الانتخابات النسبية، لكسب اكبر عدد من المصوتين، وبالتالي من المقاعد النيابية، وسيتمحور الخطاب الاستقطابي، بطبيعية الحال، حول المشاكل الاقتصادية تحديدا، وطرق حلها، ما يعني منسوبا مرتفعا جدا من المزايدات، ووسائل حلول قد يكون جزءٌ كبير منها غير واقعي، وسيسقط بالتأكيد في امتحان الواقع.
اذاً، سقوط الحكومة الاسرائيلية وعدم سقوطها، مرتبط بكيفية توجه الامور ميدانيا، والاسلوب الذي سيعتمده نتنياهو في حل المشاكل المطروحة على طاولة المفاوضات، التي لم تبدأ بعد، بين الحكومة نفسها، والمعتصمين في الساحات. لكن ما يضغط على نتنياهو، ان ليس في يديه، او لدى اي طرف اسرائيلي اخر، حلول واقعية للازمة الاقتصادية. اي ان المسائل مرشحة الى مزيد من التعقيد، والى مزيد من المزايدات، وصولا، الى تقديم موعد الانتخابات.
لكن الانتخابات نفسها، واصدار قانون في الكنيست يحدد موعدها، مرتبط ايضا بالمكاسب التي تراها الاحزاب في الكنيست نفسه، وكل حزب يرى ان الانتخابات المبكرة سوف تزيد من مقاعده، وايضا من مقاعد الاحزاب المقدر ان يأتلف معها في تشكيل الحكومة، سيعمد بالتأكيد الى تأييد تقديم الانتخابات، اما الاحزاب التي لا ترى فائدة في ذلك، فستصوت بلا كبيرة جدا، خاصة تلك الموجودة في الائتلاف الحالي، التي لن تضمن حصة في الائتلاف المقبل.
المعنى، ان خواتيم الامور مرهونة بثلاثة عوامل اساسية: الاول هو اصرار الجمهور على مواصلة الاحتجاجات، وتناميها، والثاني هو عدم ايجاد حلول ناجعة، وهو المقدر، من الحكومة الاسرائيلية الحالية، والثالث، وقد يكون الاكثر اهمية، تأكد الاحزاب الممثلة في الكنيست، والتي تحوز اغلبية (61 عضو كنيست من اصل 120)، ان الانتخابات المبكرة هي في مصلحتها، وتزيد من نسبة مقاعدها في الكنيست.
لكن ما هي الصورة العامة: في استطلاع للرأي اجراه معهد "سريد" الاسرائيلي للابحاث واستطلاعات الرأي، وهو من المعاهد البحثية ذات الصدقية المعتبرة في تل ابيب، نشرت نتائجه القناة الثانية الاسرائيلية (05/08/2011)، أكد الاسرائيليون على مواصلة التحرك الشعبي والاحتجاجات، بعد نحو ثلاثة اسابيع على بدئها، اذ تبين ان 87 بالمئة من المستطلعة آراؤهم، يؤيدون استمرار الاحتجاجات والاعتصام في الساحات، اي ان الاصرار هو السائد وسط الاسرائيليين. وفي نفس الاستطلاع، رأى 41 بالمئة وجوب تقديم موعد الانتخابات العامة للكنيست، اي الاسقاط الفعلي للحكومة الحالية، في موازاة مخالفة 49 بالمئة، الذين رأوا وجوب ابقاء موعد الانتخابات على حاله، ما يعني ان الجمهور الاسرائيلي حائر، وحالة عدم اليقين تمسك به، ما يتعلق باليوم الذي يلي.
تحليل معطيات الاستطلاع الذي لا يشير الى وجود فارق كبير بين مؤيد ومعارض لتقديم موعد الانتخابات، يؤكد من جديد، كما ظهر في استطلاعات رأي اخرى، ان اكثر من 40 مقعدا نيابيا في الكنيست، ما زال "ضائعا"، نتيجة تنامي نسبة المحايدين، اي، نسبة الضائعين بين الاحزاب الاسرائيلية وتأييدها. وهو امر يزيد من حيرة الاحزاب الاسرائيلية المختلفة، ومن شأنه ان يؤجل الحسم حيال تقديم موعد الانتخابات العامة. اي تأجيل اسقاط الحكومة الاسرائيلية.
في الاساس، يغلب على الكتلة الناخبة في اسرائيل، وعلى الدوام، مجموعة تقف على الحياد، حيال الاحزاب المرشحة للكنيست، وكل الاحزاب تسعى الى كسب تأييدها او كسب تأييد اكبر كتلة فيها، وهي في العادة المتبعة، هذه الكتلة، هي التي تقرر من سيفوز بالنسبة الاكبر من الاصوات، وبالتالي النسبة الاكبر من المقاعد في الكنيست. كل حزب من الاحزاب الاسرائيلية المنافسة على مقاعد الكنيست، ينظر الى هذه المجموعة واتجاهاتها، فاذا رأى فيها تأييدا معتبرا، وانها ستزيد من مقاعده في الكنيست المقبل، فيسعى بالتالي الى تقديم موعد الانتخابات. ايضا توجد مجموعتان اخريان، لا تقلان اهمية، تتوزعان بين الميول الواحدة للناخبين: يمينية ووسطية. وهاتان الكتلتان تتصارع الاحزاب عليهما، بحسب نوعها (يمينية او وسطية)، على كسب اكبر نسبة تأييد فيهما، واستطلاعات الرأي في العادة، هي التي تقرر اي من الاحزاب سوف ينال النسبة الاكبر في فئته. كما هو الحال حاليا، بين حزب "اسرائيل بيتنا"، برئاسة وزير الخارجية الاكثر تطرفا، افيغدور ليبرمان، وبين حزب الليكود، برئاسة رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو. وهو الحال ايضا، في المقلب الاخر، في الميول الوسطية، بين حزب العمل وحزب كاديما.. وغيرها.
مع ذلك، فان الانتقال من اليمين الى الوسط، ككتلة ناخبة، ومن الوسط الى اليمين، على اعتبار وجود انكسار دائم لمعسكر اليسار في "اسرائيل"، يحتاج الى وقفة زمنية ما بين الكتلتين، وخلال هذه الوقفة، تتحدد الاتجاهات بحسب الاداء الصادر عن الاحزاب المتنافسة نفسها.
الامر الاكثر استغرابا في "اسرائيل"، وربما هذه هي المرة الاولى وغير مسبوقة، ان نسبة الناخبين الواقفين على الحياد، تقدر بأربعين مقعد كنيست. وفي العادة، تكون هذه النسبة صغيرة، لكن هذه المرة هي نسبة كبيرة جدا. ويرى المحللون الاسرائيليون، والمختصون في استطلاعات الرأي والشؤون الحزبية الداخلية، ان مصير الانتخابات هذه مرتبط بمدى تأثير هذه الكتلة واتجاهاتها على الاحزاب الاسرائيلية الكبرى الثلاثة، التي من شأنها هي ان تقرر ما اذا كان يجب تقديم موعد الانتخابات ام لا: "حزب الليكود"؛ "حزب كاديما"؛ وحزب "اسرائيل بيتنا". والانخفاض الاكبر، كما تشير الاستطلاعات، من بين هذه الاحزاب، يطال تحديدا "حزب كاديما"، الموجود في المعارضة اساسا، بينما يبقى حزبا "اسرائيل بيتنا" و"الليكود"، اساس الائتلاف الحكومي الحالي، من دون تغيير يذكر في نسبة التأييد الجماهيري.

ما الذي يشير اليه الاستطلاع؟
أن الكتلة الناخبة "المحتارة"، اي 40 مقعدا، تتركز في الوسط، بينما الاحزاب اليمينية، على حالها. واذا كان الامر كذلك، وقياسا بأن الكنيست الحالي هو يميني بشكل عام، فهذا يعني ان لا مصلحة لهذه الاحزاب في تقديم موعد الانتخابات.. ما يعني بالتالي، ان لدى رئيس الحكومة الاسرائيلية الحالي، بنيامين نتنياهو، عاما ونصف العام على انتهاء ولايته، حتى الموعد المقرر للانتخابات العامة.
لا يكفي ان يحتل المعتصمون ساحات المدن الاسرائيلية ونصب خيمهم فيها، ولا يكفي ان تستمر الاحتجاجات، بل يجب ان يحصل تفاعل وتغذية راجعة سياسية، ان صح التعبير، ما بين الاحتجاجات والاحزاب الاسرائيلية. المصلحة المشتركة للمحتجين وللاحزاب، وتحديدا صاحبة القرار في الكنيست، يجب ان تكون واحدة. والا، لا انتخابات مبكرة في "اسرائيل".
حتى الان، والى بدء التغيير في معطيات استطلاعات الرأي، التي تواصل الظهور تباعا، لا يوجد في الافق ما يشير الى سقوط الحكومة الاسرائيلية، نتيجة للاحتجاجات والاعتصامات في الساحات.
مع ذلك، لا بد من الاشارة الى الآتي:
ان الازمة الاجتماعية في "اسرائيل"، حقيقة واقعة وملموسة، وان الاحزاب الاسرائيلية، على مختلف ميولها، تولي هذه الازمة وكيفية حلها، مساحة واسعة جدا من توجهاتها للمرحلة المقبلة، اذ ان "وعودها" والمزايدة" التي تقوم بها، حتى داخل الحكومة او في الكنيست، ستؤثر بالتأكيد على مزاج الناخب الاسرائيلي تجاهها (الاحزاب)، وبالتالي ترفع من نسبة تأييدها ومن مقاعدها في الكنيست المقبل، سواء كانت هذه الاحزاب مؤتلفة في الحكومة، كحزب شاس على سبيل المثال، او كانت في صفوف المعارضة، كحزب كاديما.
على ذلك، ورغم انه لا يبدو في الافق ميول لاقرار قانون يقدم موعد الانتخابات، فان العين تنظر الى اقرار الموازنة المقبلة للحكومة، التي تبدأ مناقشاتها في الخريف المقبل، اي بعد شهرين من الان، حيث يتوقع ان تستمر الاحتجاجات الى حينه. ويتوقع ان تعمد الكثير من الاحزاب، حتى تلك المؤتلفة في الحكومة الحالية، الى الكثير من المزايدات على رئيسها، بنيامين نتنياهو.. حزب "اسرائيل بيتنا"، حزب "شاس" الديني، وغيرهما، سيعمدان الى المطالبة بمشاريع قوانين وصرف اموال لحل المشاكل الاجتماعية، سترهق بالتأكيد الموازنة العامة التي لن تقوى على تحقيقها. لكن في نفس الوقت، يرجح ان تزيد هذه المطالب من شعبية هذه الاحزاب، على حساب حزب " الليكود"، سواء جرى اقرارها ام لا.
في نفس الوقت، سيسعى نتنياهو الى ايجاد حلول لمجموعة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها مشكلة السكن وغلاء الشقق السكنية في المدن، بطريقة لا تحل المشكلة ولا تفاقمها في وجهه (ذر الرماد في العيون). لكن في نفس الوقت، سيكون ملزما باقرار تقليصات مالية على حساب مجموعة من المجالات الاقتصادية والاجتماعية الاخرى، مثل الرفاه والصحة، وايضا، وهذا هو الاهم، تقليص في ميزانية المؤسسة الامنية، التي كانت تسعى الى زيادة معتبرة في ميزانيتها، استكمالا لخطط جهوزيتها العسكرية للسنوات الخمس المقبلة، على خلفية تنامي التحديات الامنية المقدرة في الشمال (حزب الله وسوريا وايران) وفي الجنوب (الفصائل الفلسطينية المقاومة في غزة).
هذا الواقع قد يفضي الى تغير في توجهات الجمهور الاسرائيلي، وبالتالي تغير في مصلحة الاحزاب المؤتلفة في الحكومة، ومن ثم، قد يفضي الى مصلحة في تقديم موعد الانتخابات، شاء نتنياهو ام ابى. يعني ذلك، ان الاحتجاجات الحالية، تنتظر عدة اشهر، للتقاطع مع تداعياتها المرتقبة بين الاحزاب المختلفة، التي ستسعى الى استغلال "موازنة" الحكومة لتظهر بأنها مهتمة بالمحتجين. ومن هنا وصاعدا، كل شيء ممكن، بما فيه، اسقاط حكومة نتنياهو.

08-آب-2011

تعليقات الزوار

استبيان