المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار العدو

أربعة أسباب لحرب اسرائيلية على لبنان... إن كانت قادرة عليها



حسان ابراهيم

لم تشهد القواعد الحاكمة للمواجهة الصامتة بين "اسرائيل" والمقاومة، كما إمكانات الحرب من عدمها، تغييرا أو تبدلاً جذرياً في الاساسات والمنطلقات، رغم التغيير الحاصل وفي طور الحصول في المشهد العربي وفي البيئة الاستراتيجية لـ"اسرائيل" وللمقاومة على حد سواء.
ومنذ أن انتهت حرب "اسرائيل" العسكرية الفاشلة على المقاومة عام 2006، وإدراك تل ابيب حدود القدرة لديها على "تأمين البضاعة" ضد حزب الله من ناحية عسكرية، اندفعت نحو الاستعداد جيدا للحرب المقبلة، في حال قُيّض لها ان تقع، بينما اندفعت المقاومة بدورها لتعزيز جاهزيتها العسكرية: سعي اسرائيلي للجهوزية الهجومية، وسعي حزب الله للجهوزية الدفاعية.
ركزت المقاومة على الجهوزية الدفاعية، استعدادا للمواجهة الكبرى، في حال قرر العدو الصهيوني المجازفة من جديد، وخوض حرب من المقدر أن تكون اكبر واشمل واكثر اتساعا من الحرب الماضية. اما "إسرائيل"، من جهتها، فركزت على مسار طموح جدا لمعالجة أسباب فشل عدوانها عام 2006، مع الأمل بأن تصل الى النقطة التي تتيح لها خوض الحرب المقبلة، والانتصار فيها.
في الذكرى الخامسة لحرب "إسرائيل" الفاشلة على لبنان، كما هي حال الذكرى الرابعة والثالثة، بل بعد اشهر من انتهاء الحرب، حاول العدو الصهيوني إفهام جمهوره واعدائه، انه بات جاهزاً للمنازلة الكبرى، مقابل تأكيد المقاومة على جهوزيتها الدفاعية، واستعدادها لصد اي هجوم اسرائيلي. لكن بين التأكيدين، يشير الواقع الى كذب "إسرائيل" وصدق المقاومة.
تبالغ "إسرائيل" كثيرا في مسألة الجهوزية، وما زالت. فلو كانت جاهزة بالفعل لخوض حرب على لبنان، لكانت بادرت اليها سريعا، خاصة انها مشبعة (اسرائيل) بالدوافع للإضرار بالمقاومة، وهي دوافع تزداد وتتراكم يوما بعد يوم، فكيف بها إن كانت قادرة عمليا على خوص حرب، تعتقد انها ستنتصر فيها. في المقلب الاخر، عدم اقدام "إسرائيل" على شن حرب، يؤكد بأن الجهوزية الدفاعية للمقاومة فاعلة ومؤثرة، وتمنع الاعتداءات الاسرائيلية.
المفارقة في جهوزية الطرفين والسعي اليها، أن كل يوم يمر من دون وقوع حرب، يُمكِّن حزب الله من تعزيز قدراته الدفاعية أكثر، بينما في المقابل، يُمكّن تل أبيب من تحقيق جهوزية هجومية أفضل. ما يُشكِل على تل ابيب في سباق الجهوزية، ان الوقت يسمح لحزب الله بأن يصل إلى نقطة إشباع في خططه وإمكاناته الدفاعية، بينما تتأخر جهوزية "إسرائيل" الهجومية قياسا على ذلك، فمجرد وصول حزب الله الى الجهوزية العسكرية الدفاعية الكاملة، او ما يقرب منها، وهو ما يتأكد يوما بعد يوم، سيكون قد تأخر الوقت من ناحية "إسرائيل" لشن حربها الموعودة. تؤكد المقاومة على ذلك، ومن أعلى مستوياتها، والواقع العملي يؤكد ذلك ايضا، وبات من المعلوم لدى تل ابيب قبل غيرها، ان المقاومة قادرة بالفعل على صد اعتداءاتها، إن قررت المجازفة وخوض حرب، سواء كانت حربا محدودة او واسعة.
في الاعم الاغلب، كانت مقاربة "إسرائيل" لإمكانات نشوب مواجهة مع اعدائها، ثابتة وغير متحركة طوال السنوات التي اعقبت حرب تموز ـ آب 2006. ودأبت تل ابيب على القول بأنها غير معنية بوقوع حرب جديدة، وفي نفس الوقت كانت تؤكد أن اعداءها غير معنيين ايضا. لكن برزت تقديرات اسرائيلية، ارتبطت بتغير في البيئة الاستراتيجية لأعدائها، وتحديدا الداخلية منها، رأت إمكانات ان يقدم الاعداء، او طرف من اطرافه، على الهرب من مشاكله الداخلية نحو مواجهة مع "إسرائيل"، باتجاه حرب ما. برزت تقديرات اسرائيلية شبيهة بذلك، لجهة حزب الله، خلال وقبل الانتخابات النيابية عام 2009، وربطا بالملف النووي الايراني، وايضا بمسارات المحكمة الخاصة بلبنان وقرارها الاتهامي، وصولا أخيرا الى الازمة السورية وتطوراتها.. كانت التقديرات تصدر عن "إسرائيل"، في موازاة التقدير القائل وشبه الثابت، بأن الاعداء غير معنيين بحرب، وأن الردع الاسرائيلي يمنعهم من ذلك. الامر الذي عكس وما زال يعكس، التذبذب وعدم اليقين لدى استخبارات تل أبيب، في كل ما يتعلق بأعدائها ونياتهم.
في ظل عدم اليقين من موقف الاعداء ووجهتهم، كان لزاما على "إسرائيل" ارسال رسائل تهديد ووعيد واظهار قدرات ورسائل ردع مختلفة ومتنوعة. الا ان هذا الواقع، من ناحية "إسرائيل"، كان وما زال، مفهوما لدى اعدائها، وبالتالي لم تكن تهديداتها تؤخذ على محمل الجد، رغم تعزيز التدابير الاحتياطية الموجودة دائما لدى المقاومة، في مواجهة التهديدات.
مع ذلك، توجد اسباب قد دفع الامور، تدحرجا، نحو حرب، قد لا تريدها "إسرائيل".
تتحدث "إسرائيل" عن وجود ثلاثة عوامل، قادرة على التسبب بحرب، بحسب المقاربة الاسرائيلية، وقد اضيف اليها عامل رابع في الفترة الاخيرة، وهذه العوامل هي: هجوم عسكري إسرائيلي أو أميركي على إيران على خلفية برنامجها النووي، ربطا بالتحالف القائم بين مكونات محور الممانعة والمقاومة؛ تنفيذ حزب الله عملية نوعية ردّاً على اغتيال قائده العسكري عماد مغنية، وهو الرد المنتظر اسرائيليا منذ سنوات؛ قيام "إسرائيل" باستهداف عمليات تهريب السلاح إلى حزب الله، بحسب الرواية الاسرائيلية، بين سوريا ولبنان؛ واخيرا اضطرار الاعداء (حزب الله وسوريا وفصائل المقاومة في غزة) الى "تسخين" الجبهة او الجبهات، هروبا من تطورات الازمة السورية الداخلية، ومحاولة الالتفاف عليها بنقل بؤرة الاهتمام الى التصعيد الامني مع "إسرائيل".
يتضح إن الاسباب المسوّقة اسرائيليا لإمكانات الحرب، او المواجهة العسكرية المحدودة التي قد تجر بدورها الى حرب، مرتبطة بإرادة الطرف الآخر ونياته، وبالتالي لا تجري الاشارة الى قدراته المادية، من هنا يأتي تحليل اسرائيلي وبناؤه على تقدير نيات الاعداء وليس قدراتهم، اي سوريا وحزب الله وقطاع غزة.. وهي علّة وعيب اساسي في التقدير الاسرائيلي الحالي، لم تعتد عليه تل ابيب سابقا، ومتأسس على صعوبة تقدير النيات وما يرتبط بها.
وطالما ان المسألة اسرائيليا تتعلق بتقدير نيات، فبشكل مؤكد سيرافق الخطأ تقديرات تل أبيب، وبالتالي فان السؤال الذي يبرز هو: في الوقت الحقيقي ولزوم اتخاذ قرار، حيال عمل مبادر اليه او ردا، ما هو هامش الخطأ التقديري في "إسرائيل" حيال نيات اعدائها، وما هي قدرة وإمكانات "إسرائيل" على ان تدرك بأن تقديراتها خاطئة، او ممكن ان تكون خاطئة.
اذا كانت "إسرائيل" ستبادر الى شن حرب، وهذا هو المقدّر، فذلك سيكون في اللحظة التي تتوصل فيها او تعتقد انها حققت جهوزيتها العسكرية الهجومية الكاملة، بما يشمل إمكانات لايجاد مخارج سياسية للهجوم العسكري نفسه، وايضا إيجاد حل لجهوزية الجبهة الداخلية لديها والقدرة على تحمل أثمان الحرب، في حال تحقق كل ذلك، ستبادر الى الحرب وسريعا، وبلا التفات إلى مسبباتها المباشرة.
السؤال الاسرائيلي المطروح، ما هو الفعل الذي تقدم عليه "إسرائيل نفسها"، في ظل عدم تحقق جهوزيتها الهجومية، ولا يمكن للمقاومة السكوت عنه، وبالتالي الرد الذي قد يجر ردا مضادا، ومن ثم الرد على الرد المضاد، وهكذا تدحرجا باتجاه مواجهة عسكرية واسعة، اي المواجهة العسكرية التي لا تريدها تل ابيب في ظل عدم جهوزيتها هي.
من هنا، فإن للحرب عاملا خامسا، يمكن ان يضاف الى العوامل التي تتحدث عنها "إسرائيل"، في حال صحة ذلك، وهو خطأ تقديري اسرائيلي يرتبط بحسابات مغلوطة حول رد فعل المقاومة وإمكاناتها ونياتها ردا على اعتداءات " إسرائيل" نفسها.
رغم ذلك، ورغم العامل الاخير، الا ان أن حسابات الربح والخسارة، ستكون عاملا حاضرا امام صنّاع القرار في تل ابيب، وتمنع، كما منعت حتى الان، اسرائيل من المبادرة الى حرب ابتدائية، واسعة او مقيدة. القاعدة التي يبدو انها تحكم تل ابيب بناءً على اثمان الحرب وفقدان القدرة على تحملها، هي ان حجم الخطر والتهديد والاثمان الباهظة، لا يسمح لهامش خطأ في تقديراتها تجاه نيات العدو، ما يعني عدم القدرة على المجازفة، ما دام ان الجهوزية الكاملة غير متحققة. من هنا، يبقى عماد الارتداع الاسرائيلي عن شن اعتداءات على لبنان، مرتبطا تحديداً بسلاح المقاومة وجهوزيتها، الكفيلة بإلحاق الأذى غير المسبوق بـ"إسرائيل"، والقادرة من ناحية مادية، على منع تحقيق اهداف اي حرب قد تبادر اليها تل ابيب، وهي لازمة لأي حرب قد تخوضها.
06-أيلول-2011
استبيان