المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار العدو

الأزمة التركية الإسرائيلية... لا أفق حل ومزيد من التأزم


حسان إبراهيم
الموقف الإسرائيلي من الأزمة القائمة مع تركيا، والتي لا يبدو أنها ستجد حلاً قريباً، جرى اتخاذه بالفعل بعد مناقشات وجلسات تقدير وضع عديدة ومتشعبة جرت في إسرائيل، وعلى أعلى المستويات القيادية السياسية والعسكرية. خلاصة الموقف الإسرائيلي جاءت بعد اخذ ورد، وعروض وعروض مضادة، وتضييع فرص كثيرة لإنهاء الأزمة، أو تجميدها في حد أدنى، لاحت في وقت سابق. الموقف الإسرائيلي الأخير هو: لا يمكن الاستجابة للمطلب التركي والاعتذار عن مقتل الأتراك على متن مرمرة؛ وأيضا، لا يمكن الانجرار وراء تركيا وتصعيد الأزمة معها، وبالتالي يجب عدم التعليق على التصريحات العدائية التركية، والاكتفاء برسائل التهدئة.
بحسب نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، داني ايالون، (القناة الأولى 10/09/2011)، فإن الموقف التركي ليس إلا ردّ فعل على فشل سياسي استراتيجي لأنقرة، حيال جملة من الملفات في المنطقة، ومن بينها العلاقات مع إسرائيل وفرض إرادتها السياسية على تل أبيب. وبالتالي، بحسب ايالون، قررت إسرائيل انه لا يجب الانجرار وراء التصعيد التركي، وفي نفس الوقت لا يجب الاعتذار منها. وأشار إلى أن تل أبيب حققت انجازا سياسيا كبيرا جدا في الأمم المتحدة، واستحصلت على تأييد منها، بأن حصار قطاع غزة يتوافق مع القانون الدولي، في إشارة منه إلى تقرير لجنة بالمر الأممية، حول أحداث سفينة مرمرة العام الماضي، والتي نصت على أن حصار إسرائيل لغزة، قانوني!.
بحسب ايالون، أن تقدم إسرائيل على الاعتذار من تركيا، غير وارد بالمطلق. ويضيف، كان بالإمكان التوصل إلى صيغة ما ترضي الطرفين، كانت واشنطن تعمل عليها، لكن بعد التصريحات النارية التركية، ما عاد بالإمكان الاعتذار.
محللون إسرائيليون يشيرون إلى أن الموقف الإسرائيلي الصارم، ليس في الواقع سوى رفض للإملاء الذي سيؤدي إلى أضرار على أكثر من صعيد، ومن دون نتائج ايجابية، لكنهم يشددون في المقابل على أن حقيقة أمر الموقف الإسرائيلي انه موقف انتظار وترقب لما سيؤول إليه الوضع، على أن تقدم إسرائيل على ما يمليه الواقع المستقبلي لاحقا، بعد أن تهدأ الأمور ويعود الأتراك إلى رشدهم، وإدراك محدودية القدرة لديهم، وأيضا إدراكهم أن من مصلحتهم العودة بالعلاقات مع إسرائيل إلى سابق عهدها. أما مصدر إسرائيلي رفيع المستوى، فيشدد بدوره في حديث للإذاعة الإسرائيلية قبل أيام، على أن تقديم اعتذار لتركيا لا يساعد في رأب الصدع بين الجانبين، بل يلحق أضرارا إستراتيجية بموقف إسرائيل.
كيف وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه؟ سؤال يجري تداوله باستمرار في إسرائيل، ويوجّه تحديدا إلى رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، الذي أهدر فرصة، كانت متاحة له في السابق، ولم يستغلها، وكان من شأنها بحسب السائلين الإسرائيليين، أن تنهي الأزمة مع تركيا، أو في حد أدنى، أن تجمد الأزمة حيث هي، بلا تراكم إضافي عليها، كما حصل ويحصل حاليا.
تشير صحيفة يديعوت أحرونوت (09/09/2011) إلى انه تم التوصل بالفعل إلى صيغة اعتذار إسرائيلية يمكن أن ترضي تركيا، وتنصّ على الاعتذار عن "أخطاء إجرائية" في الهجوم على مرمرة، وليس اعتذار عن خطأ الهجوم نفسه. بحسب الصحيفة ومراسلها للشؤون السياسية الواسع الاطلاع، ناحوم برنياع، تم التوصل إلى هذه الصيغة بين ممثلين إسرائيليين وأتراك، لدى لجنة بالمر التابعة للأمم المتحدة، والتي كلفت في وقت سابق النظر في القضية وتقديم تقريرها للمؤسسة الدولية، "إلا أن الأتراك اشترطوا أيضا أن تشتمل الصيغة على تعويض مالي يقدم لعائلات القتلى"، وهو ما يمكن أن توافق عليه إسرائيل، وأشار برنياع إلى أن "نتنياهو رفض في النهاية اعتماد هذه الصيغة، رغم أنها حظيت بتأييد مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الدفاع الإسرائيلية".
إذاً الفرصة كانت متاحة، بل جرى تأجيل نشر تقرير بالمر الأممي بناءً عليها، الأمر الذي تلقفته إسرائيل ابتداءً في حينه، وجرى إلغاء جلسات المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، الذي كان سينعقد في نفس يوم الاتفاق، وفي سياق "التفاؤل" الإسرائيلي، أعرب وزير شؤون الاستخبارات دان مريدور، عن اعتقاده (يديعوت أحرونوت 28/08/2011) "بإمكان إيجاد صيغة مُرضية تؤدي إلى إنهاء النزاع بين إسرائيل وتركيا"، وقال انه "من اللائق بذل الجهود وصولا إلى مثل هذه الصيغة".
في نفس السياق، ذكرت صحيفة إسرائيل اليوم، المقربة من نتنياهو، (09/09/2011)، أن الاتفاق الذي كان في طور بلورته الأخيرة، كان بصيغة "إسرائيل تعتذر عن أخطاء تمت"، دون تفاصيل إضافية، وقالت إن مقربين من وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، المعارض في أساس للاعتذار من تركيا، يؤكدون أن الأتراك وافقوا على الصيغة، لكنهم عادوا "وبدلوا آراءهم".
ما هو أصل الخلاف الإسرائيلي على "الاعتذار"، وصولا إلى الحسم الأخير، والإقرار بالامتناع عنه؟

طوال أشهر، امتنع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن اتخاذ قرار بخصوص المطلب التركي، والاعتذار لأنقرة. تشير وسائل إعلام إسرائيلية (هآرتس 29/08/2011) إلى انه تحادث مع مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأميركية، وأكد لهم أن لا مانع لديه من الاعتذار بموجب الطلب الأميركي والخطة الموضوعة لإخراج الاعتذار نفسه، لكنه أكد في المقابل أنه "يخشى من أن يؤدي ذلك إلى انسحاب وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، من الائتلاف الحكومي" وبالتالي إسقاط الحكومة.
لكن بعد أن أعلن ليبرمان انه لن يغادر الحكومة، حتى لو اتخذ نتنياهو قرار الاعتذار من الأتراك، غيّر نتنياهو من كلامه أمام الأميركيين، وغير الموجبات التي تملي عليه عدم الاعتذار، ليقول إنه لا يمكنه الإقدام على هذه الخطوة، كونه واقعا تحت ضغط سياسي إثر الاحتجاج الاجتماعي الذي شهدته المدن الإسرائيلية في الفترة الأخيرة، والتي هددت الائتلاف الحكومي في حينه. وأشار نتنياهو لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون انه وافق على الإعراب عن أسفه لسقوط ضحايا ودفع تعويضات، لكن "لن أعتذر لأن الاعتذار لن يعيد العلاقات مع تركيا إلى سابق عهدها".
في الأساس، يوجد تياران في الحكومة الإسرائيلية، حيال مسألة الاعتذار من تركيا، وكلّ يشحذ أسبابه الموجبة. يقود نائب رئيس الحكومة، الوزير موشيه يعلون، خط عدم الاعتذار، ويؤيده وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان ووزير المواصلات إسرائيل كاتس ووزير البنى التحتية عوزي لانداو وآخرون، والأخير كان قد شدد بأن "على الأتراك أن يقدموا الاعتذار من إسرائيل، وليس العكس".
في المقلب الآخر يوجد عدد من الوزراء الفاعلين والمؤثرين أيضا، يؤيدون الاعتذار من تركيا، لكن بصيغة وأسلوب وبإخراج مخفف جدا، مع دفع تعويضات لعائلات القتلى، يقود هذا التيار كل من وزير الدفاع إيهود باراك، ووزير البنى التحتية دان مريدور، ووزير المالية يوفال شتاينتس، وهؤلاء أقنعوا كما يبدو نتنياهو، بالمضي قدما في إيجاد صيغة ما ترضي الطرفين، لكن جهود التسوية ضمن هذا الإطار، كما اتضح لاحقا، باءت بالفشل.
الخلاف بين التيارين يتمحور تحديدا حول النتائج المتوخاة والمرتقبة من الخطوة الإسرائيلية الاعتذارية: يرى رافضو الاعتذار بان الرضوخ للإملاء التركي على إسرائيل لن ينهي النزاع، بل سيتسبب بمزيد من الخسائر ويدفع أنقرة لمزيد من المطالب والإملاءات، إذ إن القرار التركي قد اتخذ بالفعل، وقبل حادثة مرمرة، وما القتل الذي حدث على متنها، إلا فرصة وجدتها تركيا مؤاتية كي تقوم بتأزيم العلاقات مع إسرائيل، وإلا لكانت قد بحثت عن فرصة أخرى. بحسب هؤلاء، فان تقديم الاعتذار لن يفيد في إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه، وسيدفع أطرافا آخرين إلى اتباع الأسلوب التركي في ابتزاز إسرائيل، ما سيؤدي إلى خسائر لا يمكن جبرها مستقبلا.
الطرف المقابل، لا يرفض الطرح والأسباب الموجبة المثارة من رافضي الاعتذار، لكنهم يرون بإمكان بلورة صيغة ما للاعتذار، تكون كفيلة على الأقل، بتجميد الأزمة مع تركيا لفترة طويلة، منعا من تراكمها ووصولها إلى حد لا يمكن إصلاحه لاحقا، مشيرين إلى أن الصيغة المطلوبة يجب أن ترضي الأتراك، وفي نفس الوقت لا تمكن الآخرين من استغلالها، وتكون كفيلة بالحد من الخسائر المتوقعة لاستمرار الأزمة.
إذاً المسألة بحسب كل الآراء في إسرائيل، لا تتعلق كما يقال بـ"الكرامة الوطنية"، وان "إسرائيل على حق"، و"ضرورة حماية الجنود" وغيرها. بل بما يمكن أن تجبيه إسرائيل من خطوة الاعتذار نفسها، إن أقدمت عليها. ومن هنا يمكن القول إن القرار الإسرائيلي يستند تحديدا على تقدير الموقف التركي نفسه، وما هو الثمن الممكن دفعه لإسرائيل، من قبل تركيا، في حال أقدمت على الاعتذار، والى أين تريد الحكومة التركية أن تصل في نهاية المطاف. وطالما أن أنقرة تريد الاعتذار، كما تقدر إسرائيل، لتبني عليه خطوات تصعيدية لاحقة، فلا يمكن لإسرائيل أن تعتذر. هذا هو الموقف الأخير الصادر عن تل أبيب، وهو يحكم خطواتها الحالية والمستقبلية حيال الأزمة.
مع ذلك، لا تريد إسرائيل أن تقدّم لتركيا خشبة قفز سريعة نحو دهورة إضافية للعلاقات بين الجانبين، من هنا يأتي القرار الإضافي إلى جانب قرار عدم الاعتذار: الصمت واحتواء التصريحات والمواقف التركية بحكمة، وعدم الرد التصعيدي وإطلاق التصريحات النارية.
معنى كل ذلك، أن لا أفق حل في المدى المنظور للأزمة التركية ـ الإسرائيلية، المرشح أن تتواصل وتتنامى يوما بعد يوم، رغم المساعي الإسرائيلية للجمها والحد من تناميها قدر الاستطاعة.
يمكن القول، وبلا أي مجادلة، إن إسرائيل فشلت في إدارة الأزمة مع تركيا، كما فشلت في إدارة ومواجهة ملفات أخرى لا تقل حساسية عنها.. وفي اختبار النتائج، فإن الوضع السياسي والاستراتيجي لإسرائيل، بات أكثر سوءا وتراجعا، وبمستوى غير مسبوق في العقود الماضية، تحت حكم بنيامين نتنياهو.
12-أيلول-2011

تعليقات الزوار

استبيان