عميل لبناني فار الى "اسرائيل" يستنجد: ما أطلبه هو بيت أسكن فيه
المصدر: "موقع أخبار الجليل ـ هرتسل بن أشار"
" نجم فواز ابن الخمسة والخمسين عاما، رجل استخبارات في جيش لبنان الجنوبي
سابقا، وصل إلى البلاد في العام 2000 مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب
لبنان. حكاية نجم بدأت في مكان ما في السبعينات عندما بدأ تواجد الجيش في
جنوب لبنان، في البداية بشكل سريّ، ومن حرب لبنان الأولى فما بعدها بشكل
علنيّ. في تلك الفترة كان عناصر جيش لبنان الجنوبي بمثابة أعين وأرجل الجيش
الإسرائيلي ومن دونهم كان من الصعب رؤية الجزء الممتدّ للجيشّ في لبنان.
حينها كان نجم جنديّ شاب وجد هدفه في الاستخبارات مع أصدقائه من القرى.
يقول بحنين "عائلتنا لطالما أحبّت شعب إسرائيل. أبي، رحمه الله، كان
متعاونا مع الهاغانا قبل قيام دولة إسرائيل في الـ1948". تلك الأيام
الماضية مرّت وأخذت معها الأشخاص. اليوم، نحن في عالم المصالح. تعطيني
وأعطيك. تحفظني وأحفظك، هكذا تجري الأعمال بين الدول وبين الأفراد. يتحدّث
نجم ويشعل سيجارة "هاي وي" حمراء، ويحضر برّادا صغيرا ويفتحه على مصراعيه.
يشير إلى داخله قائلا "أترى؟، هذا البراد أحتفظ به من أجل أدويتي وزوجتي.
أنا أعيش على حبوب الدواء. اليوم أنا غير ما كنت عليه سابقا".
وُلد نجم وترعرع في إحدى قرى جنوب لبنان وبسرعة أصبح رجل أعمال ناجح. "كنت
أملك تراكتورات وشاحنات. كنت أشتري جبالا كاملة لاستخراج رمل البناء. لم
يكن ينقصني المال لأنني كنت أربح يوميا ما بين خمسة إلى سبعة آلاف دولار.
كان وضعي ممتازا"، يحدثني ويعرض عليّ صورا تظهر التجهيزات الثقيلة. "حزب
الله وضع يده على كلّ التجهيزات".
عمل نجم في الدفاع عن جنوب لبنان وعن الحدود الشمالية لإسرائيل تحت إمرة
رموز أصبحت بعد مدّة شخصيّات أساسية في إسرائيل مثل الوزير الدكتور أفرايم
سنيه ورئيس الموساد السابق مائير دغان. ويتحدّث عن هذين القائدين الرائعين
باحترام ممزوج بالإعجاب. "رجال محترمون. كلمتهم صلبة. لقد قمت وعائلتي
والأصدقاء بكل شيء لأننا عرفنا بأنّ لدينا قادة مثل موشيه سنيه الذي كان
القائد ومن ثمّ مائير دغان الذي خلفه".
ينتمي نجم لجيل ومكان كان الاحترام فيه احتراما، عليه يعيشون وعليه يموتون،
إن اقتضى الأمر. وتلقّى تأهيله العسكري ـ الاستخباراتي على يد أفضل قادة
وجنود الجيش. نجم كان تلميذا جيدا، بل أكثر.
ـ ما الذي جرى لك ولأبناء عائلتك عندما انسحب الجيش من جنوب لبنان؟
نجم: "لم أكن مستعدا لمغادرة قريتي والانتقال مع عناصر جيش لبنان الجنوبي
إلى إسرائيل. قلتُ، هنا ولدتُ وهنا أموت. الكلام عن الانسحاب بدأ قبل أيام
عدّة. عناصر جيش لبنان الجنوبي يعلمون ما الذي ينتظرهم إن بقوا في قراهم،
لكنني رغم كل هذا لم أكن أرغب بالمغادرة. جلست في المنزل مع بندقية أم 16
ومسدس وعلى الطاولة كميّة كبيرة من القنابل، استعدادا لمواجهة حزب الله".
ـ نعم لكن في النهاية خرجت.
نجم: "نعم بدأ ضباط في جيش لبنان الجنوبي وفي الجيش الإسرائيلي بالإتصال بي
قائلين "نجم لا مفرّ لقد وقع القرار ومعظم عناصر جيش لبنان الجنوبي قد
غادروا وعائلاتهم إلى إسرائيل". أجبتهم "لا، سأبقى هنا أحارب وأموت هنا".
ما الذي حطّمني في النهاية؟ أخي الذي حضر عندي مع أولاده وقال لي أجب هل
أنت مسطول؟ أنت لا تعرف بأنه ليس هنالك من فرصة. عليك بالخروج، إن لم يكن
من أجلك فمن أجل هؤلاء الأولاد. كلمته (مسطول) وجهّت لي ضربة على الرأس
واستيقظت. أنا لا بأس، لكن ما ذنب أولاد أخي ليقتلونهم".
الحديث مع نجم ينتقل إلى وضع زوجته. "ليس لدينا أولاد. بعد أن تزوجنا لم
نرزق بأولاد. حاولنا كلّ شيء ومن ثمّ تبيّن أن زوجتي مريضة بالسرطان. تركت
كلّ شيء وأخذتها إلى فرنسا. أخبرني الأطباء هناك أن أفضل طبابة موجودة في
البلاد (إسرائيل). مع شديد الأسف، بعد أن رجعنا إلى البلاد كان على زوجتي
الخضوع للعلاج وفي هذه الأثناء تعرضّت لسكتة دماغية". يقول نجم بكآبة، وهو
يكمل سيجارته.
نجا نجم من محاولات اغتيال متكررة استهدفته وأصدقاءه. "أترى هنا"، يقول وهو
ينزع قميصه ويكشف ظهره "لدي ثمان فقرات في العمود الفقري مضروبة، مشاكل في
الغضروف والتواء، يجب أن أخضع لعملية جراحيّة". حديثه طليق باللغة العبرية
وينجح في التعبير عن خلجات القلب والندبات التي يحملها. وللمفاجأة هو ليس
ممتعضا وفقط يوصّف بشكل عملاني مسار حياته إلى الآن.
نجم: عند الانسحاب من لبنان أحضرت معي أربعة آلاف دولار نقدا. عشت كالملك،
فتحت محلا لقطع الغيار، لكنّه لم يعمل وفي نهاية المطاف بعت البضاعة التي
تساوي مائتي ألف شيكل بخمسة آلاف شيكل. لم استطع أن أكمل هكذا خسرت الكثير
من الأموال لكن لا حيلة"، يقول بجفاف.
يحصل نجم اليوم وزوجته على ألف وثمان مئة شيكل من الضمان الاجتماعي "هذا
كلّ ما نحصل عليه. بهذا المال أدفع بدل علاجي و زوجتي، للمحكمة على "ضمّ
ملفات" مُلزم بها، المجموع ألف ومائتي شيكل. يتبقى لنا ست سبع مئة شيكل
للعيش"، ويضيف "حتى العام 2008 كنت أتلقى مالا من العائلة التي بقيت في
لبنان لكن منذ ذلك التاريخ لم أحصل على شيء".
حتى بعد الانتقال إلى إسرائيل في العام 2000، استمرّ في العمل على تجنيد
عملاء لصالح إسرائيل. "قبل مدّة كشف حزب الله واللبنانيون خليّة أصدقاء. في
الإعلام اللبناني جعلوا من الأمر عيدا ورددوا اسمي طوال الوقت وقالوا
"الخائن نجم". أنا مطلوب اليوم في كلّ مكان. هم يريدون رأسي لكنّي لست
خائفا، أنا في إسرائيل".
تدبير نجم من البداية كان مبطنّا بأعمال استخباراتية تصب في أمن جنود الجيش
وتمنع إصابات أليمة كالتي عرفناها في تلك الأيام. من الأعمال التي يكشفها
نجم هو تجنيده لضابط سوري مقرّب من الرئيس الأسد. يقول نجم "وصت إلى ضابط
برتبة مقدّم في الخدمة السورية متزوجا من لبنانية. بعد مدّة وبمساعدة
الكثير من الدولارات عمل من أجلنا. هذا الرجل كان مسؤولا عن أمن الرئيس
وكان قائد وحدة الدبابات التي كانت تحمي قصره. قُبض عليه وقُتل".
نجم: خطأي الكبير أنني عملت بإرادتي لأجل شعب إسرائيل وللجيش تطوعا ولم
أحصل على المال. يقولون لي اليوم أنني غير مسجّل في أيّ مكان، لاعتبارات
وزارة ما. بعد الخسائر التي لحقت بي، اضطررت لمغادرة منزلي المستأجر الذي
كان لي حتى ما قبل شهر ونصف. ليس لديّ مكان أذهب إليه مع زوجتي. كما ترى
هذا بيتي ( خيمة). نحن نعيش هنا ومتاعنا لدى أصدقاء لنا. ما أطلبه هو بيتا
نسكن فيه ومدخول نعتاش منه. الاستشفاء والديون "تأكل" معظم الأموال التي
أحصل عليها من الضمان الاجتماعي.
وعندما تبيّن أن المقابلة انتهت نهضت استعدادا للذهاب، أوقفني نجم وقال لي
بنبرة اختلفت عن تلك الحادة والصلبة التي تحدّث بها أثناء المقابلة" انظر،
إن كان يهوديا واحدة في دولة إسرائيل سيتكلّم علي بالسوء فأنا لا أريد
شيئا".