المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


اسرى لبنان

معتقل الخيام والاثار....

التاريخ: 28/10/99
المصدر: السفير
الملخص: الطفل ابن المعتقل يكبر مع عذاب التلاسيميا
ابراهيم كرنيب يحاول عبثا الاتصال بوالده‏
يمسك الطفل ابراهيم كرنيب الهاتف بيده ويحوله الى لعبة تنقله الى صوت والده فلا يسمعه رغم تكرار "الالو" كأن قضبان الاسر جعلت المسافات بينهما بعيدة. الاب لا يسمع والابن مصر على الحديث "الو بابا ليش ما عم تجي تتعشى معنا، انا زعلان منك".‏
يفتقد ابراهيم (5 سنوات) حنان والده خليل الاسير في معتقل الخيام منذ 20 تموز 1997 وبرغم "زعله" الدائم من "البابا" لا تفارق الابتسامة البريئة وجهه الا لتتحول نظرة حادة عندما تسأله عما يريد فعله" لما يصير كبير" فيرد بثقة وتأكيد "بدي جيب بارودة وقوص "اسرائيل"، طاخ، طاخ" وبسؤاله عن السبب يقول "لانها حبست البابا"...‏
ابراهيم مريض بالتلاسيميا واكتشفت العائلة اصابته صدفة، قبل شهرين من اعتقال والده اذ كانت والدته حاملا واجرت فحوصا مخبرية بينت انها تحمل سمة التلاسيميا ولان الوالد يحمل هذه السمة فقد اصيب ابراهيم بالمرض وبات يحتاج لنقل دم باستمرار.‏
بدأت مسيرة "الجلجلة" مع الوالدة سمية عندما اصيب ابراهيم بانخفاض حاد في نسبة الدم ترافق مع ارتفاع حرارته الى 41 درجة مئوية، وهي لا تنسى هذا اليوم: "حملته الى مركز الرعاية الدائمة لتعليق الدم لكنني لم اجد له مكانا برغم انه مسجل على لائحة المرضى هناك، نصحتني الممرضة بضرورة نقله الى أي مستشفى لانه يحتاج لعناية عاجلة، وبعد البحث قبلت احدى المستشفيات تعليق الدم له "بالواسطة".‏
اصيبت سمية بعد هذا اليوم بالاحباط بخاصة انها لم تكن تجد مدرسة تقبل ابنها لانه مريض ويحتاج لعناية خاصة. فلجأت الى مركز الرعاية حيث تم تحويلها الى احد المستشفيات الكبرى لاجراء فحوص له وتحديد حالته الصحية وبالتالي ايجاد مدرسة مناسبة له..‏
وهنا بدأ المشكلة تتفاقم حيث شخص الطبيب حالة ابراهيم بانه "طفل مصاب بضعف السمع والبصر ويعاني من خلل في خلايا الدماغ" واعطي بعد هذا التشخيص بطاقة معوق لم يكن بحاجة اليها لانه سليم من اية اعاقة باستثناء اصابته بالتلاسيميا.‏
وسهلت البطاقة دخول ابراهيم الى "مؤسسة الهادي للصم والبكم" فكان مختلفا بين رفاقه وهذا ما لاحظه الجميع، وتوضح سمية ان "ابراهيم عاد في احد الايام وقد رسم على يده مربعا وعندما سألته ما هذا: لم يجيبني واكتفى بالاشارة باصابعه بشكل المربع، عندها لم اعد مؤمنة بكل ما شخصه الاطباء فولدي سليم وباستطاعته ان يسمعني ويحادثني.‏
واليوم يقصد ابراهيم "مؤسسات الدكتور محمد خالد الاجتماعية" في فترة تجريبية تقرر الادارة بعدها قبوله او رفضه باعتباره "حالة خاصة".‏
بنية ابراهيم الضعيفة مقارنة بالاطفال في عمره. لا تمنعه من التحرك بحرية داخل المنزل لكنه يبقى خائفا من اللعب مع رفاقه تجنبا لوقوعه ارضا. وربما بعد عودة ابراهيم من ايطاليا حيث ستجري له عملية زرع نقي النخاع العظمي سيكون بمقدوره اللعب والقفز والوقوع كباقي الاطفال.‏
يبكي ابراهيم كلما اصطحبته والدته لنقل الدم حتى اصبحت دموعه على موعد شهري معه، واذا لم يجر العملية سيحكون مضطرا لنقل الدم كل ثلاثة اسابيع لانه مع نموه يحتاج لكميات دم اكثر.‏
تشعر سمية بحمل كبير نتيجة المسؤولية الملقاة على عاتقها في غياب زوجها، خاصة ان ابراهيم ازداد تعلقا بها بعد ان كان متعلقا بوالده وهو اليوم يرفض الاعتراف به عندما يزوره في المعتقل لانه يضع نظارات، "بابا ما بيحط عوينات" ويشير ابراهيم باصبعه الى عمه المعتقل"هيدا بابا".‏
والوالد هناك قابع في اسره مع دمعه في العين على طفل يكبر ويعاني بعيدا عنه دون رعايته ودون ان يكون قادرا على مساعدته..‏
عندما يعتقل الوالد والوالدة والولد ماذا تفعل الجدة لدموع حفيدتها؟‏
لم تجف عينا "دعاء" من الدموع ولم تتوقف لحظة عن الصراخ مطالبة بعودتها الى حضن والدتها بعد ان حرمها الجنود "الاسرائيليون" حق الشعور بالامان اثر اعتقالهم والدتها نجوى سمحات منذ شهر من بلدتها عيناتا.‏
لا تهتم "دعاء" بالحصار الجاري حولها فابنة السنة والاشهر الاربعة لا تفقه منه شيئا ولا تعرف اسبابه. كل ما تعرفه يتلخص بانها تريد "الماما"، ولم يعد باستطاعة شقيقتها فوزية (12 عاما) الا ان تترك مدرستها وتبقى الى جانبها علها تعوضها بعض حنان الوالدة الاسيرة.‏
وكان الوالد حسين سمحات اعتقل مع ولده احمد (15 سنة) عند بدء الحصار على عيناتا في 29 أيلول الماضي كالكثيرين الذين اعتقلوا بتهمة تهريب معلومات للمقاومة، برغم ان حسين كان يعيش لمدة 21 سنة في الكويت ولم يرجع الى بلدته الا منذ سنة ونصف عندما قرر الاستقرار الى جانب عائلته، فافتتح مطعما في بنت جبيل ولم يترك المنطقة المحتلة الا في مرات معدودة بهدف التسوق وشراء لوازم مطعمه.‏
وبعد يومين، تم اعتقال زوجته نجوى الحامل في شهرها الرابع، فاقتيدت الى معتقل الخيام وحتى الان لم يعرف عنها شيء.‏
ولم يبق من العائلة المعتقلة الا دعاء وفوزية ومحمد (8 سنوات) برعاية جدتهم التي تقف عاجزة امام دموع حفيدتها.‏
لا احد يعرف مدى التعذيب الذي يتعرض له افراد عائلة سمحات في معتقل الخيام، ولا يستطيع المرء الا ان يرسم لافراد هذه العائلة صورة جميلة في الذاكرة تشوهها قبضة وحشية فتحرم الابنة من والدتها وتخنق الجنين في احشاء امه امام مرأى ومسمع من المنادين باتفاقيات حقوق الانسان الذين يقفون عاجزين عن ردع قوات الاحتلال "الاسرائيلي" وعملائها عن اعتقال المدنيين ومن بينهم الاحداث كاحمد ذي الخمسة عشر ربيعا والذي يتابع دراسته في صف البريفيه في مدرسة البلدة.‏
"دعاء" تناشد بدموعها الضمير الانساني العالمي لاعادة امها اليها وعائلتها الى منزلها الذي عبثت به الايدي. ولكن هل من يسمع دعاءها فيجيبه ويستجيب لصراخها.‏
مركز اعادة تأهيل المحررين :خطوة ضرورية كي لا نخسر اسرانا‏
يقول الشاعر الدانمركي هالفدان غاسموسن في قصيدة له "ليس التعذيب ما يخيفني ولا السقوط النهائي للجسد، ولا فوهة بندقية الموت، او الظلال على الجدار ولا الليل عندما تندفع نحو الارض اخر نجمات الالم الشاحبة، ان ما يخيفني هو اللامبالاة العمياء للعالم عديم الرحمة فاقد الشعور.‏
وهذا الخوف هو الذي يعاني منه الاسرى المحررون فور خروجهم الى الحياة، فهم يخافون من نسيان الناس لمعاناتهم في الاسر ولا مبالاتهم بما تعرضوا له من تعذيب جسدي ونفسي، لذا كان الواجب الاساسي للدولة اللبنانية احتضان هؤلاء الاسرى المحررين بالشكل الذي يسمح لهم باستعادة حياتهم الطبيعية.‏
لا يخفى على احد ان الغرض الاساسي من التعذيب الذي يمارسه العدو "الاسرائيلي" بحق المعتقلين اللبنانيين هو تدمير الانسان الفرد وتحطيم شخصيته ليكون عبرة لغيره فالاسير المحرر يدخل المعتقل كمواطن طبيعي سليم البنية قوي الارادة ليخرج بعد ذلك مدمرا جسديا ونفسيا وعاطفيا.‏
عشرات الاسرى المحررين عانوا الامرين بعد رؤيتهم شمس الحرية، فبعضهم فارق الحياة نتيجة المرض والحسرة وبعضهم الاخر انهار وخارت قواه، برغم صموده سبي الاعتقال وفضل لو انه بقي ذلك الرمز والمثال في المعتقل بدل ان يكون عبئا على عائلته ومجتمعه خارج الزنزانة ولان لحظات القهر والعذاب البطيئة داخل اسوار المعتقل لا يمكن ان تمر مرور الكرام دون ان تترك اثرها في نفس الاسرى، كان لا بد من انشاء مركز لاعادة تأهيل الاسرى المحررين نفسيا وصحيا واجتماعيا ومهنيا على غرار المراكز العالمية التي قامت منذ سنوات لمساعدة الاشخاص الذين تعرضوا للتعذيب.‏
ولعل الدولة اللبنانية تقوم الى حد ما بتقديم المساعدة المادية والصحية للاسير المحرر عبر "مجلس الجنوب"، لكن هذه المساعدات تبقى عاجزة عن تأمين حياة لائقة للاسير المحرر الذي يحتاج لاكثر من تعويض مالي يقبضه كمنحة تحرير، وبالكاد يكفيه لاعادة بناء حياته ويلزمه ما هو اهم من العلاج الصحي وهو التأهيل النفسي والصحي والاجتماعي.‏
وكانت لجنة المتابعة لدعم قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون "الاسرائيلية"، اعلنت عن انشاء "مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب" الذي هو طور التأسيس حاليا، وهو يهدف لاحصاء وتوثيق الحالات الصحية والنفسية للناجين من التعذيب وانشاء مراكز للعلاج الطبي والنفسي والفيزيائي والتأهيل التربوي والمهني والاجتماعي اضافة للمتابعة العلاجية والاجتماعية للعائلات التي تعاني من فقدان معيلها.‏
واعلن وزير الصحة كرم كرم عن دعم الوزارة لهذا المشروع عند اعلانه لكن شيئا لم ينفذ من قبله حتى الان.‏
ويرى امين سر الجمعية اللبنانية للطب النفسي الدكتور جمال حافظ ان "الدولة هي التي يجب ان تنشئ مركز التأهيل لانها تعتبر "الام الحاضنة" للمواطن بشكل عام وللاسير المحرر خاصة، لتؤمن استمرارية المركز وتمنح الطمأنينة للاسرى المحررين".‏
ولان شرعة حقوق الانسان تنص على اعادة تأهيل الاسير صحيا (نفسيا وجسديا) واجتماعيا وعمليا، يعتبر الدكتور حافظ انه من "الضروري انشاء مركز لإعادة تأهيل الاسرى المحررين كالمركز الذي انشئ في قاعدة للبحرية الاميركية في فرانكفورت لتأهيل جميع الذين كانوا يعتبرون رهائن اميركيين في لبنان".‏
ويوضح ان "الاسير الى جانب تعرضه لاساليب التعذيب النفسية والجسدية يصاب بالاحباط النفسي بمجرد اعتقاله اعتباطيا وذلك نتيجة عزله قسريا عن عائلته واصحابه وحياته اليومية مما يخلق لديه حالة انزواء مع الذات وتسبب له لاحقا حالات نفسية معقدة كالقلق والارق والاكتئاب النفسي والذهان الانغلاقي، مع الاشارة الى ان اختلاف الشخص وبنيته التحتية النفسية يلعب دورا هاما في مقاومته لهذه الحالات فتختلف الحالة بحسب الشخص".‏
وعن مواصفات مركز اعادة التأهيل يقول حافظ "يجب ان يكون في منطقة بعيدة عن الضوضاء والناس، ويفضل ضمن محيط طبيعي كالجبل مثلا، ويكون مؤلفا من مبنى بطبقتين، الطابق الارضي للعيادات الطبية التشخيصية الجسدية والنفسية والعلاجية، الى جانب قاعات الطعام والتسلية والرياضة والمكتبة، على ان يكون الطابق الثاني للمنامة، ويجب ان يكون محيطه مجهزا بالملاعب الرياضية والحدائق".‏
"مركز اعادة تأهيل الاسرى المحررين" خطوة لا بد منها باتجاه دمج الاسير المحرر في مجتمعه، وتبقى حتى اشعار اخر مجرد مخطط على ورق، عسى ان لا يتم اتلافه واعادة تصنيعه فتختلط الحروف وتضيع الاهداف فتبقى التجربة جنينا وئد ونخسر الرهان كما نخسر اسرانا الابطال...‏‏
11-شباط-2008
استبيان