المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


اسرى فلسطين

رواية الأسرى والمعتقلين عن التعذيب في السجون "الإسرائيلية"

المصدر: حقوق الناس، النهار - الاربعاء 12 اب 1998
الملخص: لا يبدو غريبا ان تستعمل "اسرائيل" ابشع وسائل التعذيب مع المعتقلين اللبنانيين والعرب في سجونها منتهكة قواعد القانون الدولي الانساني وكل المبادئ الأخلاقية والقيم الانسانية. فهي دولة قامت على القوة لا القانون وعلى الظلم لا العدل. وهي مستمرة في ذلك ولا يزال في المعتقلات "الاسرائيلية" 167 مواطنا لبنانيا من أطفال ونساء وعجزة. وسائل التعذيب الجسدية والنفسية يرويها لنا بعض الأسرى المفرج عنهم.
كرباج من اسلاك الكهرباء‏
- لافي المصري من ميس الجبل، اعتقل عام 1989 من معبر بيت ياحون. متزوج ولديه اولاد. التهمة هي عمل مقاومة ضد الصهاينة وعملائهم. افرج عنه عام 1998.‏
يعاني حاليا القرحة واذا توقف عن تناول الدواء، يصاب بالسرطان نتيجة الالتهابات الخطيرة في امعائه. يعاني ايضا "الديسك" فلديه 3 فقرات "مايلة" في عموده الفقري نتيجة الضرب على ظهره، يعاني ايضا الربو من جراء القنابل الدخانية والغازية التي كان "الاسرائيليون" يرمونها داخل السجن في أثناء الانتفاضات.‏
يروي لافي: الكرباج الذي ضربني به المحقق، عبارة عن كابلات من الاسلاك الكهربائية المجدولة. بعد ربع ساعة من الضرب العشوائي على كل انحاء جسمي استعمل الكهرباء التي وضعها بأصابع يدي وبأصابع قدمي وبالعضو التناسلي مما اتلف اعصابي واثر على المسالك البولية وعلى الكلى والأمعاء واصبحت انزف دما مع البول... ولما علقني على العمود، مربوط اليدين الى اعلى، راح المحقق يرشق جسمي بالماء البارد. ثم بالماء الساخن جدا ثم بالماء البارد، مما جعلني انهار ولا اقوى على الوقوف وصبت بالارتجاج.‏
وفي اثناء التعذيب، وبينما كنت راكعا على الارض، لبطني المحقق على جنبي الشمال فانسلخ الضلع عن اللحم. بقيت ربع ساعة احاول استرداد انفاسي من الالم. احضروا لي الماء. ما ان استفقت حتى عاودوا ضربي وتعذيبي. تفاعلت معي الالتهابات فكنت اضع منشفة مبللة بالماء على جنبي لتخفيف الحرارة والألم. هذا العلاج الوحيد الذي كنت احصل عليه والممرض لا يرد علينا وخصوصا في اثناء التحقيق.‏
وقد استمر مدة يحقق معي حتى السابعة مساء ويتركني معلقا على العمود حتى الثالثة صباحا. ولما جروني من الغرفة، كنت منهارا ولا اقوى على الوقوف وهذا ما زاد الم ظهري حتى اصبت اخيرا بحالة شلل كلي. وكنت كلما حاولت الدعاء والصلاة، اتعرض للعقوبة والضرب المؤلم وخصوصا لما كان الشرطيون يحضرون مباراة المصارعة، فيختارون احد المعتقلين ويعلقونه على العمود ويتمرنون به. فالشرطي اسعد سعيد تسبب بالقرحة والجروح بالرأس والكسور لمعظم المعتقلين.‏
ويضيف لافي: ما كان يرعبني هو تهديدهم باعتقال زوجتي وامي واختي وتعذيبهن ومحاولة اغتصابهن... فكنت اتخيل امي او زوجتي تتعذبان ولم اكمن اتحمل الفكرة..."‏
انتقام ... لا تحقيق‏
عادل ترمس من قرية طلوسة داخل الشريط الحدودي. اعتقل وعمره 18 سنة في 16/2/1986، من برعشيت بعد عملية اختطاف الجنديين "الاسرائيليين" ردا على مقتل الشهيد راغب حرب. افرج عنه عام 1998.‏
يروي عادل: في بنت جبيل كان التعذيب بالكهرباء وحشيا الى اقصى الحدود. يعرضونني للكهرباء وانا عار ثم يرمون المياه الباردة على جسمي والتعذيب قد يستمر ساعتين تقريبا حتى يتحول جسمي قطعة خشب زرقاء ملطخة بالدم.‏
كان المحقق يضربني بعصا خشبية غليظة بكل قوه ووحشيته على جسمي وعلى رأسي حتى كسر لي انفي وتورم وجهي وبقيت حوالي اسبوعين لا استطيع ان ارى. وكان يستمر الضرب 5 او 6 ساعات متواصلة حتى يتعب المحقق فيتوقف.‏
ويضيف عادل: اكثر ما عذبني هو رؤية زملائي يتعذبون. فزميلي تركوه ثلاثة ايام في الماء البارد بعدما قصوا اللحم عن معصميه ووصلوا الاسلاك الكهربائية مباشرة بالعروق. ازرق جسده واعترف بما لديه نتيجة الألم والخوف ومنهم من اصيب بالسل نتيجة التعذيب بالكهرباء. وكثيرا ما تركوني واقفا ويداي مربوطتان بأسلاك البلاستيك التي تشد شدا قاسيا فتدخل في اللحم وتؤلم كثيرا. يعلقونني بقدمي ورأسي الى الاسفل فترات طويلة ويتركونني الى ان ابدأ بالصراخ من الالم والتعب. وكان الجندي "الاسرائيلي" يحاول التقرب مني على أساس ان ابن بلدي هو الذي يعذبني و"الاسرائيلي" سيحميني ان اعترفت له بما املك فيحاول إذلالي وتعذيبي نفسيا.‏
لما نقلوني الى الصرفند وهو سجن تحت الارض لا يدخله النور، كان فصل الشتاء. في سقف الزنزانة "بروجكتور" موجه الى وجهي بحيث لا استطيع النوم بتاتا. لا أغطية ولا ما القي عليه رأسي. وبدأوا بتجويعي، طعام قليل جدا وعلى فترات متباعدة حتى انهارت قواي من الألم والجوع. وكان المحقق يأمرني أحيانا برفع ذراعي عشر ساعات وفي حال أنزلتها تأتيني ضربة بالعصا الغليظة لا اعرف من اية جهة فكيس الجنفيس على رأسي يكاد يحنقني والدم ينزف من وجهي ومن جسمي، وطلبت فقط ان أتنفس وقد رأوني انزف فلم يهتموا واستمرا بضربي.‏
وقبل خروجي بخمس سنوات تقريبا التهب "ضرس العقل" فتركوني سنة اعاني الالتهاب واعطوني ادوية لا علاقة لها بالالتهاب. وبعدما اقتلعه لي الطبيب، تقرح فمي وعرفت ان الطبيب تقصد ذلك لإيذائي. تفاعل معي المرض واصبت بالسحايا ووصلت الى حالة الموت 6 مرات داخل السجن الى ان اخذوني الى المستشفى لكن بلا جدوى فالدواء غير متوافر واذا توافر لا يعطوني اياه بانتظام".‏
جوع وعطش وضرب مبرح‏
- فريدة رسلان من مركبا، اعتقلت عام 1988 بعد حصول عملية استشهادية على بوابة كفركلا. وافرج عنها عام 1994 تقول :" وضع الاسلاك الكهربائية في اصابعي فاخذ جسمي يرتج ارتجاجا قويا واصرخ من الالم وهو مستمر في تعذيبي. ولم ييأس، تركني بعد ثلاثة ارباع الساعة ليعاود في اليوم التالي تعذيبي، لكن بالكرباج هذه المرة: اسلاك كهربائية تضرب بقوة كل انحاء جسمي، اضافة الى الصفع على وجهي والركل، وانا اركع على الارض ويداي مقيدتان الى الاعلى ولا ارى شيئا لكن احس ان حولي 6 و 7 اشخاص يحدثونني ويضربونني في الوقت نفسه. استمروا حوالي ساعتين على هذا المنوال ولما جروني الى الزنزانة لم اكن اقوى على المشي ويدي لم استطع تحريكها. تورم جسمي كله واصبح لونه اسود وبقي هكذا شهرين.‏
تتابع فريدة: بقيت ثلاثة ايام اقف فيها لساعات طويلة من الليل مقيدة تحت المطر ويرمون الماء على جسمي وحين اعود الى الزنزانة أنام بثيابي المبللة. كما كنت أبقى راكعة ساعات طويلة على ركبتي، رافعة يدي الى اعلى مع التهديد بنزع الثياب والاغتصاب. وبينما كنت اتعرض مرة للضرب بالكرباج فوجئت بصوت مرعب ومتوحش وبيدين تطبقان على عنقي. راح يعطي اصواتا غير طبيعية ومرعبة وانا اصرخ من الألم والخوف.‏
كانوا يشكون يدي بالدبابيس في اثناء التحقيق، وكنت لا ارى شيئا اشعر بالالم فقط. واحسست بارتخاء في الاعصاب من جراء الصدمات الكهربائية والضرب والرطوبة والوقوف لساعات تحت المطر. اصابني مرض الجرب ايضا نتيجة قلة المياه وبقيت عشرة ايام دون أي علاج الى ان جلبوا لنا علاجا ما ان استعملته حتى أصبت بالتسمم.‏
ولما التهب "ضرس العقل" لم اعد استطيع فتح فمي فتورم وجهي وطلبت منهم ان يشتروا لي الدواء وادفع ثمنه فرفضوا ولم يوافقوا إلا أخيرا بعد الضجة التي افتعلتها مع زميلاتي.‏
وتضيف: الطعام كان سيئا جدا، الحبوب "مسوسة"، الفول "محمض" ونضطر احيانا الى اكل الخبز ناشفا، اذا توافر فالطعام لم يكن يكفي الجميع. اضافة الى الجوع هناك العطش فحين كنت مصابة بالجرب، بقيت ثلاثة ايام بدون نقطة ماء للشرب.‏
اعاني حاليا فقرا في الدم والروماتيزم طبعا نتيجة البرد والرطوبة والحساسية في الصدر والتعب المستمر في الاعصاب.‏
الكرباج تقطع على جسمي"‏
- كفاح صبحي عفيفي من حيفا، اعتقلت في 24/10/1988 اذ كانت تنفذ عملية مع منظمة التحرير ضد "الاسرائيليين" في كفركلا. كانت في المرحلة الثانوية وافرج عنها في 3/9/1994.‏
تروي كفاح:" عندما اعتقلت احتجزوني في غرفة وفي أثناء التحقيق اتت اجاباتي قصيرة تستفز المحققين فيضربونني على وجهي ويشتمونني ويهددونني. وفي احدى المرات نقلوني الى غرفة صغيرة وادخلوا علي شخصا بشعا اصلع الرأس وشكله مخيف. اخذا يهددني بأنه سيغتصبني فيهجم علي ثم يبتعد... حتى أرعبني وانهارت قواي من الخوف والألم.‏
ثم وضعوني في زنزانة خاصة بالحيوانات داخل سيارة ورشوا بالبنزين حول السيارة و أوهموني انهم سيحرقونني و كانوا يطلقون النار حول السيارة.‏
في الخيام، عذبوني بالكهرباء التي وصلوها بأصابع يداي، وبصدري ثم يرمون علي الماء البارد ثم الساخن.‏
في الشتاء كنت اقف ليالي طويلة تحت المطر معصوبة العينين والكرابيج تنهال على جسمي من كل صوب.‏
تتابع كفاح: ما زاد ألمي سماع أصوات المعذبين وصرخات آلامهم، وخصوصا حين وضعوني في الغرفة رقم 7، طولها متر وعرضها متر التي كانت قريبة من غرفة التحقيق. وكلما ارادوا معاقبتي كانوا يضعونني في زنزانة افرادية لفترة قد تتجاوز السنة. الكرباج، تضحك كفاح بألم، كان يتقطع على جسمي وإذا تكلمت بصوت عال في الزنزانة، يعاودون تعذيبي بالكهرباء لمدة نصف ساعة. وكان المحقق أحيانا يضع الكرسي على ظهري وأنا راكعة على الأرض ويجلس عليها ويبدأ بضربي ورفسي بقدميه.‏
عندما اصبت بالاكزيما مع زميلاتي في الغرفة، عرفنا ان الفتاة التي ادخلوها الى غرفتنا كانت مصابة بالمرض وقد تقصدوا ذلك لايذائنا.‏
في الخيام تتذكر كفاح، كنت ارتعب من صوت المفاتيح التي تحملها الشرطيات واشعر في كل لحظة أنهن سيأخذونني للتعذيب واستمروا بتعذيبي حتى آخر أيام الـ1994...‏
"أطفال"... في المعتقل‏
- رباح شحرور من كفرحمام قضاء حاصبيا أعتقل عام 1988 من المدرسة وعمره 13 عاما واعتقلت أمه، ثم اعتقلوا أختيه. كانوا يريدون أخاه الذي كان في المقاومة. افرج عنه عام 1989.‏
يروي: وضعوا السلك الكهربائي حول اصبعي والسلك الآخر تحت لساني وبدأوا يوجهون الكهرباء واستمروا بتعذيبي وانا لا أرى شيئا، الكيس الأسود الوسخ" على رأسي والعصبة على عيني ويداي مقيدتان. وبعد ارتجاجات عنيفة، غبت عن الوعي ووقعت على الأرض فراحوا يرمون علي الماء البارد ثم الماء الساخن الى ان أيقظوني.‏
خلال التحقيق أجلسوني على حافة كرسي بلا مقعد حتى اذا لم استجب لما يريدون معرفته، يرميني المحقق الى الوراء وينهال بالكرباج على جسمي، أسلاك من النحاس او من الجلد تنهش لحمي نهشا. بعد اكثر من ضربة، لا اعود اشعر بشيء لكن في طرف الكرباج "شراشيب" من الجلد تلف على قدمي التي تصبح زرقاء لا اعود اقوى على الوقوف. فيجرني جرا بواسطة "الكلبجا" الحديد والاخرى البلاستيك التي كانت تضيق حول يدي كلما تحركت وتدخل في اللحم وتصبح يداي زرقاوين متورمتين.‏
وبينما كنت راكعا مرة ويداي على الارض، داس المحقق بحذائه "الرينجر" على اصبعي الصغير فكسره. فقلت له "انكسر إصبعي"، فلم يهتم وعندما اعادني الى الزنزانة حاولت تجليسه فعصبتة بخرقه صغيرة وهو يحتاج اليوم الى عملية...‏
اما التعليق على عمود كهربائي حديد باليدين او بالرجلين فيكون رأسي بعيدا عن الارض 4 او 5 سنتم ويتركونني على هذه الحالة لساعات...‏
يقول رباح: الزنزانة نوع اخر من التعذيب طولها متر ونصف وعرضها متر. ولكثرة الشباب المعتقلين يومها كان في الزنزانة الصغيرة اربعة او خمسة شباب، فلا نستطيع النوم. و"السطل" لقضاء الحاجة، يأخذ ربع الغرفة". وما خلق لدى رباح التردد والخوف اكثر من أي شيء اخر هو التعذيب النفسي. فقد وضعوا في الغرف المجاورة امي واختي وابنة خالتي ورحت اسمع صراخهن وصيحات الألم فلا أقوى بعدها على التفكير في أي شيء... ويسمعون امي كذلك صراخي والمي فتنهار المسكينة... فضلا عن ان المحقق كسر لها يديها في اثناء التحقيق...‏
كان يأتيني الساعة الواحدة ليلا بينما اكون نائما والمعتقل هادئ. يقف امام الزنزانة ويرمي "الكلبجا" الحديد فتقع على البلاط وتحدث صوتا مرعبا فأستيقظ مذعورا. يخرجني الى ساحة المعتقل يضعني الى جانب الحائط لساعات معصوب العينين واحس بضربة على رأسي واخرى على ظهري... ثم اسمع اصواتا مرعبة في الليل تختلط مع اصوات الشجر، فافضل التعذيب الجسدي على حالة القلق والذعر التي كانوا يرمونني فيها، "تمنيت الموت".‏
- عمر الخالد، اعتقل في الخامسة عشرة من عمره في 4/4/1988 بتهمة العمل مع المقاومة وافرج عنه في 11/9/1991.‏
يروي عمر: ابشع ما استقبلني في سجن الخيام هو رمز المعتقل الكيس الأسود وفي الرأس والعصبة على العينين ... انتقلت من عالم الى آخر مختلف، اصبحت تائها ولم اعد اعي شيئا. بعد وصولي تركوني واقفا يوما ونصف تقريبا يرمون الماء علي بين الحين والآخر دون طعام ودون أي سؤال. وكنت اسمع الصراخ والعويل واصوات المعذبين والمتألمين وكلما كنت انهار وأقع على الارض يرفسني شخص ويوقفني من جديد وانا مقيد اليدين واشعر بـ"الكلبجا" تخترق اللحم.‏
في اثناء التحقيق كان الكرباج بضرب ظهري ويدي المرفوعتين على الحائط بقوة الى ان غبت عن الوعي فرشقني بالماء لاستيقظ واجلسني على الكرسي وبدأ بالضرب على رجلي واستمر حوالي الساعة والنصف.‏
الكهرباء وجهوها الى كل موضع في جسمي. كنت سرعان ما اغيب عن الوعي فيوقظونني بالماء ويعرضونني مجددا للكهرباء. شوهوني لكثرة ما لكموني على وجهي وعلى الأنف والعينين. اخرجوني في اليوم التاسع الى "المسلخ" حيث علقوني بقدمي على عمود ورأسي الى الاسفل. فكان "الرايح والجايي" يضربني ويرفسني حتى ان افراد الشرطة بعدما شاهدوا مباراة المصارعة، راحوا يتمرنون على جسمي... بعد نصف ساعة احسست ضغطا على رأسي ولم اعد اسمع بأذني فأنزلوني على الارض. كنت عاريا والدم محبوس في قدمي ولما قطعوا الحبل، شعرت بالم فظيع لم اشعر به من قبل. وظننت انهم قطعوا لي رجلي وغبت عن الوعي... استفقت في التحقيق وهم يحضرونني للكهرباء ويلفون الاسلاك حول اصابعي. ويضيف عمر: جاءني محقق ضخم جدا، رماني ارضا وبدأ يقفز عن الطاولة على ظهري. في القفزة التالية، كسر لي ثلاثة اضلاع وبدأت بالصراخ نتيجة الالم القوي ولم اتلق العلاج الضروري والألم لا يزال يرافقني حتى هذه اللحظة. كما لا تزال أذناي تؤلماني نتيجة ضربة تلقيتها من المحقق.‏
كان المحقق يهددني باعتقال اختي واغتصابها ويوهمني ان امي تتعذب ويسمعني صراخها.‏
لكني كنت استمع فعلا الى صراخ ابنة عمي راغدة التي اعتقلوها في اليوم نفسه معي. كنت اسمع المحقق وهو يشتمها ويوجه اليها الكلام البذيء ويهددها بالاغتصاب. واكاد امزق نفسي.‏
عانيت العطش والجوع وتعرضت لقملة "الطاطاي" وهي مؤذية كثيرا تدخل تحت الجلد وتؤلم وتسبب حساسية وذلك طبعا نتيجة قلة المياه..."‏
-هنية حسن رمضان (مواليد 1964)‏
اعتقلتها "اسرائيل" مع شقيقها مصطفى، في قريتها بيت ياحون (قضاء بنت جبيل) في حزيران 1989، وخرجت في تموز 1996، اثر عملية تبادل بين حزب الله و"اسرائيل" بوساطة المانية، حيث افرجت "اسرائيل" عن 45 معتقلا و 125 شهيدا مقابل جثتين "اسرائيليتين" و 16 اسيرا من "جيش لبنان الجنوبي".‏
هنية التي دخلت معتقل الخيام في عمر 24 عاما، قاست صنوف العذاب النفسي والجسدي على أيدي عملاء "اسرائيل" من الجنوبي".‏
التقينا هنية واستوضحناها أساليب التعذيب التي تعرضت لها وهنا حوارنا معها:‏
- في أثناء عملية الاعتقال هل عذبوك؟‏
بعدما نقلونا الى المركز العسكري في بنت جبيل، وضعوا اسلاكا كهربائية في اصابع يدي وقدمي، واخذوا يكهربونني امام اخي، وكانوا في الوقت نفسه يهددون اخي بانه اذا لم يعترف ويدلي بمعلومات عن حزب الله فسيعمدون الى تمزيق ثيابي واغتصابي امامه، وكذلك كانوا يعذبون اخي امامي، ويكهربونه باصابعه ويضربونه بشدة، وعندما لم نقر بأي معلومات نقلونا الى معتقل الخيام.‏
- في معتقل الخيام، هل كان ثمة تعذيب أيضا؟‏
بدأ التعذيب الحقيقي في معتقل الخيام، حيث عمدوا الى نزع الحجاب عن رأسي، واستعمال الكهرباء مجددا على انحاء مختلفة من جسدي، واخذوا يضربونني بالكرباج، وصب الماء الساخن ثم الماء البارد علي، وفي اربعة ايام وضعت في زنزانة منفردة "متر بـ متر"، وبعدها نقلوني الى غرفة فيها فتيات عميلات لهم أخذن يستدرجنني للإدلاء بمعلومات عن الحزب ولكني لم افعل. واستمرت عمليات التعذيب مدة شهر ونصف مترافقة دائما مع التهديد بالاغتصاب.‏
- من كان يجري معك التحقيق؟‏
كان المحققون والشرطة من الرجال، أما الإشراف على زنزانتنا مباشرة فكان للنساء، وكانت قلوبهن قاسية ومتحجرة اكثر من الرجال، وهؤلاء جميعا من "جيش لحد"...‏
- بعد مضي شهر ونصف، ماذا حصل؟ هل انتهى التعذيب؟‏
انتهى التعذيب الجسدي ليبدأ التعذيب النفسي اذ وضعوني في غرفة صغيرة مع فتيات أخريات، عددهن يتراوح ما بين 4 و 7 فتيات، والحمام فيها عبارة عن دلو، و"غالون" مياه للشرب يملؤنه كل 24 ساعة، ويعطوننا كل يومين دلوا لنستحم ولنغسل ثيابنا، وبالطبع لا يكفي، فكنا نوفره لتستحم فيه إحدانا، اما نحن فكنا نبلل رؤوسنا بالقليل من المياه، ونكذب على الحارسات بأننا اغتسلنا، والا شتمننا وتعرضنا لعقوبة.‏
- ماذا عن وجبات الطعام؟‏
كانت ثمة ثلاث وجبات، ولكن بالاسم، الفطور مثلا علبة لبنة لعشر فتيات، وقرص جبنة وملعقة حلاوة. والغذاء دائما "يخانة" مثلا يخنة البطاطا حيث يوجد كم حبة بطاطا والباقي "مرقة"، والعشاء بيضة مسلوقة، واذا اتوا لنا بالفول فدائما مسوس، فكنا ننقي الفول من بين السوس ونأكل !!.‏
- هل كنت تخرجين من الزنزانة؟‏
النزهات ممنوعة. وكانوا يخرجوننا لمدة عشر دقائق او على الاكثر ربع ساعة الى الخارج لنرى الشمس، واثناءها يعطوننا المشط بناء على طلبنا لنسرح شعرنا.‏
- عدا المرة الاولى، هل عادوا ووضعوك في زنزانة منفردة؟‏
على مدار السنوات السبع، كانوا يحققون معي كل مدة، احيانا كل ثلاثة اشهر، ويضعونني في الزنزانة المنفردة، وقد وضعت في الانفرادي نحو سبع مرات، وفي كل مرة ما بين 6 ايام و 15 يوما.‏
- هل هناك عناية طبية؟‏
العناية الطبية معدومة، فالمعالجة والمداواة لمختلف الاوجاع وايا تكن خطورتها، هي "حبة مسكن" وبعد "بوس الايادي" والصراخ والألم. وفي المعتقل صرت اعاني الآما مبرحة في المعدة، وقد أصبت بانهيار بسبب ذلك مرارا، لذلك كانوا ينقلونني الى المستشفى، واصيبت رفيقاتي المعتقلات بأمراض جلدية كالجرب لانعدام النظافة وقلة الغذاء، وكذلك الاكزيما، وكنت اسمع صراخهن من الوجع في معظم الليالي، ولا احد يستجيب لهن وبعد "جهد جهيد" أتوا بطبيب جلد ليعالجهن، وكنا ننام على "فرشة" رقيقة ومبللة بالمياه بسبب رطوبة الزنزانة ! !.‏
- ماذا عن التعذيب الذي تعرضت له رفيقاتك؟‏
حدثتني رفيقاتي عن التعذيب الذي تعرضن له، اذ كانوا يضعون لهن الكهرباء في صدورهن، او في لسانهن، وكان التهديد الدائم بالاغتصاب. ولكنهم لم يغتصبوا اية فتاة، وكانوا ايضا يعمدون الى تمديدهن على الارض ويدوسون على ظهورهن باقدامهم، او يوقفونهن تحت الامطار لساعات طويلة، ويركعونهن في الحمامات ويدوسون على اصابعهن، وكانوا يزيدون التعذيب للمعتقلة التي تخاف، مكتشفين " نقاط الضعف " فيستغلونها، وفي اثناء التحقيقات اذا حلفت احدى الفتيات بالانبياء او بالكتب الدينية، كانوا يشتمون الانبياء و"يزفرون" بلسانهم ! !‏
- كيف كانت علاقتك بسهى بشارة؟‏
وضعت سهى معي في الزنزانة قبل خروجي بستة اشهر، وكانت معنوياتها مرتفعة جدا. وتشد من أزر باقي الفتيات، رغم وجودها في زنزانة منفردة لست سنوات متتالية، وكنت اعتقد انني سأخرج واياها، ولكن هذا لم يحصل، وقد فرحت كثيرا لخروجي.‏
اما باقي الفتيات فكانت علاقتي بهن جيدة، ولم يكن هناك اية "حساسيات حزبية"، ولم يكن مسموحا لنا ان نتكلم مع بعضنا البعض، او ان نشتغل اشغالا يدوية، واذا سمعونا نتكلم يعاقبوننا ويركعوننا في الحمامات، او يضعوننا في الزنزانة المنفردة، ومرة كنا نقرأ "مجلس عزاء" فسمعونا، واخذت الحارسات يرميننا بالحجارة من سطح المبنى الى الزنزانة، وكنا نكرر الحديث لتمضية الوقت، ومرة ادخلوا علينا معتقلة جديدة، وكانوا يريدونها ان تتعامل معهم، لكننا نجحنا في اقناعها بالعدول عن ذلك، ولمسوا عدم تجاوبها بعد ذلك، وضعونا في الافرادي لثلاثة اشهر، وكنا تسع فتيات في حينها، واحيانا كنا نبقى دون مياه للشرب ليومين او ثلاثة، ومرة طلبت من الحارسة ان تأتي بالمياه لنا فرفضت فصرخت عليها، فما كان منها الا ان اشتكت الى المسؤول، فوضعني خمسة ايام في الزنزانة المنفردة.‏
- هل كنت تشاهدين المعتقلين الشبان، ومن ضمنهم اخوك؟‏
لم ار اخي لمدة خمس سنوات، وكان الرجال مفصولين عنا في اربعة مبان خاص بهم، ونحن كنا في مبنى وحدنا، وكنا نسمع صراخهم من جراء التعذيب الذي تعرضوا له وكأنه آت من مدينة أشباح.‏
- هل جرت محاكمة لك، او لأي معتقلة؟‏
أبدا.‏
هل زارك اهلك، او نقل إليك الصليب الأحمر منهم الرسائل او الثياب؟‏
لم أشاهد أهلي لست سنوات، ولم اكن اسمع أي خبر عن الخارج، فلا راديو او تلفزيون او اية صحيفة، فكل هذا ممنوع، وكنا نسمع الاخبار الجديدة من المعتقلات الحديثات في المعتقل. ولم يدخل مندوب اللجنة الدولية للصليب الأحمر الى المعتقل الا قبل خروجي بسنة (عام 1995)، ووصلتني رسالة واحدة عبره، وادخلت لنا ايضا الكتب الدينية، وبعض الورق والأقلام الملونة، والأشغال اليدوية "خرز وقماش وابر"، وعمد المسؤولون عن المعتقل الى ادخال بعض التحسينات على الزنزانات عندما علموا بدخول الصليب الاحمر.‏
- ماذا تعلمت من تجربتك في المعتقل ؟‏
تعلمت الكثير، القوة والصلابة، والصبر على المصاعب، فكل المشاكل التي تعترضني الآن أراها تافهة مقارنة بما تعرضت له في المعتقل، والحمد لله، أهلي ومجتمعي متفهمون، وساعدوني ووقفوا الى جانبي بعد خروجي.‏
--------------------------------------------------------------------------------‏
التعذيب في خدمة دولة "اسرائيل"‏
تطل "اسرائيل"، على الرأي العام العالمي، بمظهر الدولة التي تنتهج الديموقراطية وتقدس حقوق الانسان، مستهدفة استدراج العطف فالحماية والتأييد. وكانت باستغلالها وسائل الإعلام، بنت مجد يومها الحاضر على أخطاء النازية في الماضي القريب، التي اظهرت "اليهودي" في اطار المضطهد والمعذب والمنتهكة حقوقه بالاستقرار في سائر المجالات المفترضة ولا سيما استقراره النفسي المختل بتعرضه لاوسع أنواع الاضطهاد.‏
الا ان الدولة "الاسرائيلية"، ما كادت تدخل الى حيز الوجود حتى انقلبت الادوار فتحولت الضحية جلادا. ان هذه الحقيقة، التي لم يكن الرأي العام الغربي يتقبلها، انفضحت خلال السنوات الاخيرة، اعتبارا من اندلاع الانتفاضة في الأراضي المحتلة، من خلال الوسائل التي تتبع لقمعها، وتجلت اخيرا بصورة فاقعة مع اطلاع الرأي العام العالمي على مسألتين: اولهما قبول القضاء "الاسرائيلي" بتحويل مواطنين لبنانيين، اعتقلوا دون توجيه اية تهمة اليهم، مجرد ورقة مساومة، وثانيهما اقرار الدولة العبرية بانها لا تتوانى عن اللجوء الى تعذيب المعتقلين العرب بعدما وضع رجال القانون نظاما يقونن التعذيب وينظمه.‏
وقد يصح ان كل الأجهزة في اية دولة قد تلجأ الى انتزاع الاعترافات او تلبيس الاتهامات، الا ان أي من هذه الدول، بما فيها تلك الاكثر تعرضا لحقوق الانسان، ابقت التعذيب حراما قانونيا و أوجبت العقاب لمرتكبيه، اذا ما فضحتهم وثائق و أدلة وقرائن معقولة، باستثناء "اسرائيل" حيث تحول التعذيب الى مؤسسة لها اجهزتها واحكام ترعى اساليب استعمالها.‏
لجنة قضائية تشرع التعذيب‏
خلال 1987، وعلى اثر فضيحتين، شكلت الحكومة "الاسرائيلية" لجنة برئاسة موشي لاندو ( Moshe LANDAU) ، الرئيس السابق للمحكمة العليا، اوكلت اليها مهمة التحقيق في الأساليب التي تتبعها اجهزة الامن العام ( الشين بيت والشافا) خلال التحقيق مع اشخاص عرب في جرائم تصفها بالإرهابية.‏
ان اللجنة بعدما تثبتت من اعتماد التعذيب وسيلة اساسية خلال التحقيقات، وبعدما اقرت ان هذا التدبير يشكل خطرا على الديموقراطية - اعتبرت ان اللجوء في بعض الحالات، الى الضغط، ولا سيما الجسدي، يشكل وسيلة ضرورية للإستحصال من المشتبه به على معلومات قد تحول دون ارتكاب جرائم قتل او قد تتيح تحديد اماكن تخزين الاسلحة والمتفجرات او كشف المخططات الجرمية المنوي القيام بها والاشخاص الضالعين فيها.‏
في وسائل التعذيب المعتمدة‏
ان اجهزة الأمم المتحدة المختصة والمنظمات غير الحكومية التي تهتم بحقوق الانسان، ومنها B Tselem ومنظمة العفو الدولية، اعدت تقارير عن وسائل التعذيب التي تعتمدها اجهزة الامن لدى قيامها بالتحقيق مع العرب ومنها:‏
1- اعتقال المشتبه بهم في عزلة تامة عن العالم الخارجي دون السماح لهم بالاستحمام وتغيير ملابسهم طوال مدة اعتقلاهم وإرغامهم على تناول طعامهم بايديهم التي توضع قبل ذلك في المراحيض.‏
2- الشابح Shabeh وهي تتمثل بدمج وسائل تعذيب مختلفة تستعمل لوقت طويل.‏
ان وسيل الشابح "الكلاسيكية" تتجلى بربط ايدي المعتقل ورجليه الى كرسي صغير جدا باوضاع ملتوية ويغطي رأسه بكيس خشن تفوح منه روائح كريهة. وتبث باستمرار اصوات صاخبة جدا. ويرافق ذلك منع المعتقل من النوم ويفرز، لهذا الغرض، حارس مهمته ايقاظه كلما "غطت عيناه".‏
3- التهويل بإعلام المعتقل بان أشخاصا توفوا خلال التحقيق معهم، وتهديده بالتنكيل بعائلته والاعتداء الجنسي على النساء فيها.‏
4- هز المعتقل بعنف مما يؤدي الى تأرجح رأسه ( Pendule).‏
5- الضرب ولاسيما شد أطراف المعتقل والصفع والركل.‏
ان وسائل التعذيب المذكورة اعلاه تدوم أسابيع عدة و"تتميز" بانها لا تظهر أي اثر لتعذيب جسدي. الا انه من الثابت بانها تؤدي الى وفاة المعتقل او اصابته بعجز او عاهات نفسية وجسدية دائمة.‏
ان لجنة لاندو لم تعتبر ان هذه التدابير تشكل تعذيبا يحط من كرامة الانسان، ؟ما انه من المرجح انها نصت عليه في القسم الثاني من تقريرها.‏
كما ان اجهزة الشين بيت تقر صراحة، وامام القضاء، بلجوئها الى هذه الاساليب التي تعتبرها وسائل تحقيق قانونية تعتمدها بانتظام.‏
في دور الجسم الطبي‏
لم يثبت للمجتمع الدولي قيام أطباء بأعمال لتعذيب، الا انه من الثابت ان قسما من هؤلاء ساهم في ارساء اسس مؤسسة التعذيب.‏
بالفعل، ان لجنة لاندو لجأت الى اهل الخبرة من المهن الطبية لإبداء رأيهم ف بوسائل "الضغط" التي اوردتها في القسم الثاني من تقريرها.‏
كما انه ثبت بان اجهزة الامن العام كانت تلجأ الى الطلب من بعض الاطباء معاينة المعتقل، قبل مباشرة التحقيق معه، وتنظيم تقرير عن حالته الصحية والنفسية، وذلك بهدف تحديد درجة التعذيب التي يمكن ان يتحملها.‏
ان نقابة الاطباء في "اسرائيل"، وعلى اثر الانتقادات التي عبرت عنها منظمات عدة، طلبت من الأطباء الامتناع عن القيام بأي عمل لهذه اللجنة.‏
الحصانات‏
ان الحكومة "الاسرائيلية" اعدت خلال السنوات الأخيرة عددا من مشاريع القوانين ترعى عمل أجهزة الأمن العام وتوسيع نطاق اختصاصها.‏
ان المشروع الأخير يتضمن أحكاما ترعى اجراءات التحقيق والوسائل المعتمدة خلاله ومنها:‏
1) الإجازة لعناصر الشين بيت اللجوء الى "وسائل ضغط معتدلة" لنزع الاعترافات على ان لا تشكل هذه الوسائل جرائم التعذيب التي نص عليها القانون.‏
2) الاجازة بتحديد وسائل الضغط بموجب تعاميم سرية كما ان المشروع المذكور يمنح حصانات، قضائية و"اعلامية"، لاجهزة الشين بيت وعناصره ومنها :‏
- عدم جواز ملاحقة العناصر امام القضاء الجزائي لو تبين انهم قاموا بعملهم عن "حسن نية" و"بطريقة مقبولة".‏
- اعتبار ان إقدام عناصر هذه الاجهزة واعضاء لجنة الكنيست المختصة، على افشاء أي معلومات عن الشين بيت، ولا سيما وسائل التحقيق التي تتعبها، دون الاستحصال على اذن يجيز لهم ذلك، يشكل جريمة يعاقب عليها القانون.‏
07-شباط-2008
استبيان