المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


اسرى فلسطين

لقاء مع اسير فلسطيني حصل على شهادة الدكتوراه من داخل السجن

المصدر: صحيفة الحقائق ـ لندن 24-8-2003
الملخص: عشر سنوات مضى على اعتقال عبد الجواد ،من قرية دير بلوط القريبة من مدينة نابلس ، نصفها كرسها لمتابعة تحصيله العلمي مع احدى الجامعات الامريكية عن طريق المراسلة ليتمكن من الفوز بلقب الدكتوراه التي حملت عنوان " التسامح الإسلامي في التعامل مع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي".
وبالرغم من ملاحقة ادارة مصلحة السجون للاسير عبد الجواد ، والتضيق عليه ، وحجب جميع مراسلاته مع العالم الخارجي ، الا انه تمكن بارادته الصلبة وعزيمته التي لا تلين ، من مواجهة كل المصاعب والعقبات ، لينجز رسالته وينقلها الى الخارج خلسة عن انظار سجانيه ، ويناقشها عبر الهاتف المحمول المهرب الى الاسرى لاكثر من ساعتين مع لجنة المناقشة التي انتدبتها جامعته من هيئة التدريس في كلية الشريعة بجامعة النجاح الوطنية ، ليعلن بعد انتهاء المناقشة عن منحه درجة الدكتوراه .‏
وكان لـ «الحقائق» هذا اللقاء بالاسير الفلسطيني الذي لا يزال يقبع في السجن بتهمة الانتماء الى كتائب عز الدين القسام منذ عام 1993 مجسدا الحالة الفلسطينية في الصمود والمقاومة والابداع حتى في احلك الظروف .‏
وفيما يلي نص الحوار :‏
بطاقة تعريفية عن الدكتور ناصر ؟‏
-- ناصر عبد الله عودة عبد الجواد، من قرية دير بلوط ومن مواليد العام 1965، أنهيت البكالوريوس والماجستير من الجامعة الأردنية سنة 1990.‏
وعملت محاضرا في كلية الدعوة والعلوم الاسلامية في أم الفحم لمدة ثلاثة سنوات، وأعتقلت عام 1993 وحكم علي لمدة 12 عاما، أمضيت منها حتى الآن عشر سنوات قضيتها متنقلا بين تسعة سجون ومتزوج لي ولدان (اويس وأسيد).‏
عشر سنوات من البعد عن الاهل والاولاد ، كيف تصف لنا هذا الغياب ؟‏
-- بلا شك كان في غاية الصعوبة والانسان ينزع من بين اهله فجأة مرة واحدة ولمدة عشر سنوات كانت صعبة جدا، خاصة في أثناء السجن تعرضنا لكثير من المضايقات في زيارات الاهل فانا لم أزر منذ ثلاث سنوات كاملة وما رأيت اهلي ...‏
كيف تصف لنا رحلتك الطويلة مع رسالة الدكتورة ؟‏
-- الحمد لله رب العالمين الامور رغم الصعوبات الكثيرة التي واجهتني اثناء الدراسة منذ العام 1997 وانا ملتحق في الجامعة، كانت هناك عقبات كثيرة جدا لكن رب العالمين أعاننا و الامور تيسرت خاصة في الفترة الاخيرة.‏
الفكرة متى بدأت ؟‏
-- أنا اولا في عام 1997 قرأت إعلان للجامعة في إحدى المجلات العلمية، فأخذت عنوان الجامعة وراسلتهم، فقالوا لي أن الأمر ممكن ، كانت تتم الدراسة في البداية عن طريق البريد ، بريد السجن، ولكن انتبهت الادارة بعد ذلك وقطعت الاتصالات واصبح كل الوارد والصادر مني يصادر.‏
كيف تغلبت على هذه الصعوبة ؟‏
-- بصراحة ، عن طريق التهريب‏
حدثنا عن المصاعب التي إعترضت طريقك في رحلة الدكتورة ؟‏
-- هناك عدة صعوبات على رأسها واهمها التفتيشات المستمرة لمديرية السجون، ما كان يمر أسبوع إلا ويجري تفتيش دقيق لمحتويات الغرف ويتم أحيانا مصادرة الكثير من الاوراق ولا يعيدونها.‏
ولكن تغلبت على هذه الصعوبة عن طريق إستغلال طلاب الجامعة العبرية المفتوحة وهي الجامعة الوحيدة التي يسمح للاسرى في سجون الاحتلال بالدراسة فيها ، فكنت أخفي الاوراق عندهم، والقضية الأخرى هي قضية الازدحام داخل السجون، لا يوجد أجواء للدراسة والبحث، انا كنت في غرفة طولها 6 متر وعرضها 4 متر كان فيها عشرة أسرى.‏
الأسرى حاولوا أن يساعدوني بما تسمح به الظروف لكن الاوضاع كانت اقسى مما تتصور ، فكانت الصعوبات كبيرة جدا قضية الازدحام الشديدة والفوضى والاصوات.‏
الصعوبة الاخيرة هي قضية عدم الاتصال في الجامعة بشكل مباشر وهي صعوبة كبيرة، ولكن تغلبنا عليها كما قلت لك بالتهريب والذي يشكل في كثير من الاحيان مغامرة ومغامرة كبيرة.‏
لم تكن تحتاج إلى استشارات علمية في خلال دراستك ؟ من اين حصلت عليها ؟‏
-- بلا شك أنه بعد أن حصلت على القبول من الجامعة تم بعد ما أنهيت كل المواد المطلوبة أنهيت 25 ساعة معتمدة وأنهيت خمس أبحاث أولية ، سجلت لرسالة الدكتورة وتم تعين المشرف الدكتور امير عبد العزيز من جامعة النجاح وكان المشرف علي طوال فترة الدراسة من عام 1998 وحتى الآن ، خمس سنوات وانا اتابع معه، إما عن طريق المراسلة أو عن طريق الهواتف الخلوية التي دخلت حديثا الى السجون، وكنت على إتصال دائم ومتابعة بكل التفاصيل.‏
هل كان نقلك من سجن عسقلان إلى سجن مجدو ساهم بشكل أساسي في خروج رسالة الدكتورة إلى الحيز والى العالم ؟‏
-- نعم وبلا شك منذ ان انهيت رسالة الدكتورة قبل ستة أو سبعة شهور تقدمت بشكل مفاجئ وتم تهريب الرسالة إلى الخارج وطبعت الرسالة، وإطمأنيت ان الرسالة خرجت ولا يوجد خوف عليها ، توجهت بشكل رسمي الى مديرية السجون وطلبت منهم الموافقة على إدخال لجنة المناقشة التي إنتدبتها الجامعة الامريكية للسجون، فكانت مفاجاة كبيرة بالنسبة لضباط السجن ومدير السجن وحتى قائد المنطقة الجنوبية أفي فكنن وجاء عندي وقائد أمن السجون "غباي"، وكانت مفاجاة بالنسبة لهم اين درست وأي جامعة؟ ومتى إلتحقت في الجامعة؟ ، لكن قوبل طلبي بالرفض بالسماح للجنة بالدخول، تقدمت بعد ذلك بطلبات الى أعضاء كنيست والصليب الأحمر وعينت محامي يتابع الموضوع وإتصلت بمؤسسات حقوق الانسان في القدس والخط الاخضر، ورغم كل ذلك كان رفض قاطع من مديرية السجون.‏
كيف تصف لنا لحظات شعرت فيها باليأس الشديد من عدم قدرتك على تكملة مشوارك الاكاديمي؟‏
-- هذه اللحظات كانت تمر علي كل دقيقة كل وقت ممكن أن يتم مداهمة الغرفة، وإذا عثروا على الاوراق وعرفوا أنها تخص طالب يدرس الدكتورة ستصادر هذه الاوراق الى ألابد ولن تعود أبدا، هذا الشعور كان يرافقني طوال الخمس سنوات الماضية.‏
هل سبق أن صادروا منك أوراق كانت جدا حيوية لدراستك ولم تستطع إستعادتها ؟‏
-- أوراق الدكتورة الحمد لله ، الله حفظها وكنت محتفظ فيها بشكل جيد ، ولكن انا في عام 1996 في سجن كفار يونا، جمعت معلومات كاملة عن الموضوع مذكرات حول الاسرى والسجون ، وجرت محاولات قمع السجن هجموا على السجن وصادروا الاوراق وأخذوها ولم تعد حتى الآن.‏
ماذا يعني لك الهاتف المحمول يبدو انه كان وسيلتك الاساسية في انهاء رسالة الدكتورة ؟ ربما نظرتك له تختلف عن أي أسير آخر؟‏
-- الهاتف المحمول فانا اعتبره (برفوسور) فهذه أول مرة في التاريخ أن تناقش رسالة الدكتورة عن طريق الهاتف المحمول، هو الذي منحني الدكتوراه بعد فضل الاساتذة المشرفين ولولاه لما كان هناك إمكانية أن انهي الدكتورة.‏
موقف إدارة مصلحة السجون كان عدائي من دراستك، بماذا تفسر هذا الموقف ؟‏
-- ليس له إلا تفسير واحد هو فقط ان مديرية السجون لا تريد لأحد أن يستفيد من وقته ولا تريد لأسير ان يقرأ ويتعلم، ولا تريد لأسير أن يخرج من السجن بثقافة وبفكر، لأنه بصراحة موضوع الرسالة هو عن التسامح الاسلامي مع غير المسلمين، اكثر من هذا لا يوجد موضوع ورغم ذلك وقفوا هذا الموقف المعادي من الدراسة .‏
مشاعرك عندما ابلغت بعد المناقشة أنه قد تم منحك شهادة الدكتورة ؟‏
-- سبحان الله أنا كنت في قاعة خاصة أعدها لي الشباب في السجن، ووضعوا فيها سماعات مناسبة وتمت المناقشة على مدار ساعتين متواصلة، عند نهاية المناقشة، وعندما سمعوا في السجن انه تم منحي الدكتورة ضج السجن بالتصفيق والتكبير، بصراحة لم أتمالك نفسي ونزلت من عيني الدمعة لكن بلا إرادة.‏
اول تصرف قمت به بعد منحك لرسالة الدكتورة ؟‏
-- هنا الأخوة في السجن عنما سمعوا بالخبر عانقوني جميعا وباركوا لي، وعملوا لي في المساء حفلة كبيرة تضاهي العرس حملوني على الاكتاف ودبكوا الدبكة الشعبية وانشدوا الأنشايد، وكانت بالفعل بمثابة عرس.‏
رددو اناشيد معينة هنا؟‏
-- كان عندنا المنشد عز الدين عمارنة أنشد لي اناشيد إرتجالية ومنها‏
أخي أنت حر وراء السدود اخي انت حر بتلك القيود‏
إذا كنت بالله مستعصمــا فماذا يضيرك كيد العبيد‏
أخي ستبيد جيوش الظلام ويشرق في الكون فجر جديد‏
فأطلق روحك إشراقها ترى الفجر يرمقها من بعيد‏
السجن ورسالة الدكتورة هل يلتقيان ؟‏
-- مع الإصرار والعزيمة والمتابعة المستمرة يمكن، ولكن بصعوبة ليس من السهل أن يحقق الانسان في السجن إنجازا مثل هذا، أسرى كثيرون حاولوا ووجدوه صعبا عليهم، وأي إنسان يقصد أو يعزم يمكن ان يحقق شيء، والدكتوراه كانت منتزعة من بين فكي الخنزير، انتزعتها بين فكي اليهود رغم انوفهم.‏
ناصر عبد الجواد دخل الى السجن كاسير وزميل لمعظم من رافقوك في الأسر والآن أنت تتخرج ومعك لقب جديد "دكتور" كيف تتعامل مع هذا اللقب الجديد وكيف يتعامل الأسرى، زملاؤك معه ؟‏
-- بالنسبة لي هو انجاز شخصي ولكن اعتبره انجاز لكل الاسرى والمعتقلين، وقد يكون انجاز للشعب الفلسطيني المرابط والصابر، وأنا شعرت هنا في عيون جميع الأسرى هنا الفرحة والسعادة في الأمر وكأنهم هم الذين حصلوا على اللقب، وهذا شرف لي لن انساه ان شاء الله، وبلا شك هو انجاز للاسرى جميعا.‏
الآن الكل يخاطبك بلقب دكتور ؟‏
-- نعم‏
ماذا يعني لك السجن ؟‏
-- مأساة وكارثة تحل بالانسان‏
والزنزانة ؟‏
-- كابوس يطارد السجين لكن يمكن ان يحوله الى ضوء صغير للأمل.‏
والعدو ...؟‏
-- رمز للذل والمهانة.‏
لمن تهدي هذا النجاح ؟‏
-- أهديه لاهلي ولوالدي ووالدتي وزوجتي الصابرة واولادي الذين صبروا وتحملوا معاناة طويلة على مدار عشر سنوات، وبلا شك اهديه لإخواني الأسرى والمعتقلين جميعا .‏
هل تشعر أن هناك لشخص فضل كبير فيما وصلت إليه؟‏
-- نعم كثيرون وتحديدا لن انسى جهود الدكتور أكرم الخروبي أبو فراس زميل الأسر عميد كلية المهن الصحية في جامعة القدس والمعتقل لغاية الآن وحكم 12 سنة موجود الآن في سجن بئر السبع كان له فضل كبير وأيضا، هو كان المشرف والمراقب على الإمتحانات الشاملة التي أخذتها في الجامعة.‏
سببب إعتقالك والتهم التي وجهت إليك وعلى أساسها حكمت ؟‏
-- الاعتقال كان عام 1993 بتهمة الانضمام إلى كتائب القسام التابعة لحماس وفعاليات في مقاومة الاحتلال وتجنيد اناس آخرين للجهاز العسكري هذه التهم الرئيسية.‏
هل تحدثنا عن ظروف السجن وظروف الاعتقال ؟‏
-- انا لا زالت مشاعري كلها في عسقلان انا مكثت في عسقلان 6 سنوات متواصلة، واتيت من عسقلان قبل أسبوع، والآن الوضع في عسقلان هو كارثة حقيقية مأساة تحل بإخواننا هناك ، يوجد إزدحام شديد في الغرف مع أجواء حارة جدا وعدم وجود مراوح في السجن ، ليس هناك فورة يخرجون اليها، أخذوا كل شيء حتى الكاسات حتى المعالق، حتى اللوح الذي يستخدم لترتيب الفرشات لم يبقى لهم إلا أن يصادروا لباس المعتقلين.
الوضع في السجون المركزية لا يحتمل وأنا اقول ان الإضراب عن الطعام ليس سهلا ولكن ان أقول أنه كل شيء يهون حتى يخرجوا من المحنة التي يعيشوها .‏
هل لك من رسالة توجها إلى العلم إلى مؤسسات حقوق الانسان من داخل السجن ؟‏
-- موضع رسالتي عن التسامح الاسلامي مع غير المسلمين وإذا كان لي من رسالة فرسالتي الهامة إلى العالم كله أن لا يخافوا من الإسلام، الإسلام دين الرحمة والعدالة والبر، ما يوصف به الاسلام انه إرهابي وانه متطرف هذه أكاذيب وإفتراضات عارية عن الصحة تماما، فهو دين الرحمة والعكس المسلمون .‏
ملخص سريع لرسالة الدكتورة ؟ عنوانها ومضمونها وعدد صفحاتها ؟‏
-- عنوان الرسالة (نظرية التسامح الإسلامي في التعامل مع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي) الرسالة 500 صفحة تحدث فيها عن عدة موضوعات، ولكن اهمها الموضوعات التي إحتوت عليها نظرية متكاملة تتعرض لجميع انواع التعاملات والعلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، المسمون "اهل الذمة في المجتمع الاسلامي"، وخرجت الرسالة بنتيجة واضحة جدا تأديها كل الادلة والشواهد التاريخية والشرعية أن المسلمين والاسلام كانوا في قمة العدالة وفي قمة الرحمة والتسامح في التعامل مع غير المسلين في المجتمع الاسلامي على مدار التاريخ الإسلامي.
وهذا لأول مرة يحدث لا يوجد أي دين او اي أمة عاملت الأقلية كما عاملها المسلمون في المجتمع الإسلامي.
انا أفكر ان أنشر الرسالة على شكل كتاب ولكن بعد أن انهي الاجراءات الروتينية لتثبيتها كرسالة وهناك إجراءات يجب أن تتم قبل أن تنشر في الأسواق.
07-شباط-2008
استبيان