المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

الكيان الاسرائيلي واحتمالات ضرب ايران: هل اتخذ القرار، أم هناك أهداف أخرى؟


مصطفى الحاج علي

ثمة محاولات اسرائيلية قوية لوضع الملف النووي الايراني على جدول الاهتمامات الدولية والاقليمية معاً في توقيت بالغ الدلالة والحساسية، فهل هناك ما هو جديد في هذه المحاولات ما قد يجعل التهديد بعمل عسكري جدياً وداهماً أكثر من أي وقت مضى، أم أن لإثارة هذا الملف الآن أهدافاً أخرى، وبالتالي ما هي هذه الأهداف؟
بادئ ذي بدء، لا بد من التسليم بفرضيتين أساسيتين هما:
أولاً: إن الكيان الاسرائيلي لا يتعاطى مع الملف النووي الايراني تعاطياً وظيفياً ـ تكتيكياً، وانما تحمّله او التعايش معه، على خلاف مع وجهات نظر غريبة عموماً واميركية ترى أن هناك امكانية لمثل هكذا تعايش، والكيان الاسرائيلي يقيد نظرته هذه بطبيعة النظام في ايران الذي يعتبره نظاماً معادياً بالمطلق لوجوده، الأمر الذي يعزز من درجة القلق والخوف لديه.
ثانياً: ان الكيان الاسرائيلي لن يتورع عن شن عدوان عسكري على ايران لضرب منشآتها النووية، إلا أن هذا يبقى مشروطاً بـ:
أ ـ توافر القدرة اللازمة لانجاح هكذا ضربة.
ب ـ ضمان أن الكلفة لن تكون أكبر من النتائج، وأن بمقدوره تحملها.
فهناك بكلمة واحدة شرط ضروري هو ضمان النجاح، وضمان القدرة على احتواء المفاعيل والتداعيات الى جانب هاتين الفرضيتين الأساسيتين، هناك قيود أو اعتبارات لا يمكن للكيان الاسرائيلي الا أن يأخذها في الحسبان، وهي:
أولاً: موقف الولايات المتحدة، لأن أي تداعيات أو نتائج أو انعكاسات ستشمل وتمس في الصميم مصالح الولايات المتحدة، وهذا ما استدعى منذ ما يقرب الشهرين زيارة لوزير الدفاع الاميركي بهدف كبح الكيان الاسرائيلي من التفرد بعمل عسكري ضد ايران، وبعيداً عن مراعاة المصالح الاميركية.
اضافة الى هذا إن أي ضربة تحتاج الى استنفار اميركي شامل في المنطقة، كما تحتاج الى معونة لوجستية من واشنطن.
ثانياً: ان التداعيات التي ستترتب على ضربة عسكرية من هذا النوع ستطال منطقة بالغة الحساسية والأهمية على الصعد الجيوستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية العالمية، وليس فقط المدى الاقليمي الخاص لتفاعل هذه التداعيات.
ثالثاً: يمكن للكيان الاسرائيلي أن يبادر الى ضرب ايران، الا أنه لا يملك لا التحكم بمسار تطورات ما بعد الضربة، ولا بنتائجها، وهذا ما يعزز من عامل انعدام اليقين لديه.
رابعاً: لا يستطيع الكيان الاسرائيلي تجاهل الجهوزية الداخلية للمجتمع الاسرائيلي، والتي أثبتت كل المناورات التي أجريت حتى الآن عدم توافرها بالشكل الملائم.
خامساً: لا يستطيع الكيان الاسرائيلي تجاهل آراء الأذرع الأمنية لديه والتي تلتقي على رفض هكذا خطوة، معتبرة إياها مغامرة غير محسوبة، والقادة الأمنيون الحاليون لم يغيروا حرفاً واحداً في تقديرات القادة الذين سبقوهم، ما يؤكد صلابة الوقائع التي يرتكز عليها هؤلاء، والتي تملي عليهم تقديراتهم وحساباتهم.
ثم إن الانقسام داخل الكيان الاسرائيلي حول هكذا خطوة لا يقف عند حدود الأجهزة الأمنية مع بعض الطاقم السياسي في الحكومة، وإنما يشمل الحكومة نفسها، وكذلك القوى السياسية خارج الحكومة أيضاً.
ولأن الكيان الاسرائيلي يدرك أنه لا يمكنه أن يقيس ضربة عسكرية لإيران بالضربات التي سبق ووجهها سواء للمفاعل النووي في العراق، أو للمفاعل النووي في دير الزور، فهو لا يمكن أن يذهب الى هكذا خيار بدون توفير قاعدة اجماع أمنية وسياسية لها.
سادساً: إن خروج النقاش حول احتمال أو خيار توجيه ضربة عسكرية الى ايران الى العلن، وتحويلها الى قضية رأي عام، وبالنقيض تماماً مع السياسة المعتمدة عادة، خصوصاً عندما يكون النجاح مضموناً، والكلفة مقبولة، يكشف عن أحد الاحتمالات التالية:
أ ـ محاولة من الاتجاه الراغب بهكذا مجازفة لقياس رد الفعل على قراره، وليبني في ما بعد على الشيء مقتضاه.
ب ـ ان الجهة التي سربت تستهدف قطع الطريق على باراك ونتنياهو تحديداً باعتبارهما أكثر من يحض على توجيه هكذا ضربة، فالتسريب فيه احراج لهما، كما فيه افقاد لعامل المفاجأة.
ج ـ الاكتفاء بتوجيه رسالة الى من يهمه الأمر، والى أكثر من عنوان، بأن الكيان الاسرائيلي يقترب من لحظة اتخاذ القرار، ما لم يتم اتخاذ الاجراءات اللازمة والبديلة بحق ايران.
سابعاً: ان التبدلات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة، والتي تفرض تحديات أمنية جديدة وذات أبعاد استراتيجية أيضاً على الكيان الاسرائيلي، ستجعل أي محاولة منه لتوجيه ضربة الى ايران ترتد الى نتائج تعاكس تماماً ما تعمل عليه الولايات المتحدة في هذه المرحلة، ويعتبر اولويات رئيسية لها لتعلقها بمصالحها الاستراتيجية وأبرزها:
أ ـ تعميق الانقسام بين العالم العربي وايران من خلال تعميم الفتن المذهبية والقومية.. الخ..
ب ـ اغراق الانتفاضات الحالية في اولويات لا تتضمن الآن الكيان الاسرائيلي، ولا تشمل إلا أجندة عمل محض داخلية.
بناءً عليه، فإن عملا عسكريا كبيرا ضد ايران سيجمد على الأقل هذه الانقسامات، ويعيد الاعتبار الى خطورة الكيان الصهيوني، وضرورة استحضاره كبند رئيسي على جدول اعمال شعوب المنطقة.
ثامناً: ان مكانة الكيان الاسرائيلي ليست اليوم على أحسن احوالها، وهي تشكو من تعرضها لنوع من العزلة العامة اليوم، ومن ضمور من حضورها الدولي، الأمر الذي يعني ان الظرف الدولي لا يلائم عمل من شأنه ان يطلق تداعيات تمس الأوضاع الاقتصادية الصعبة لأوروبا والولايات المتحدة.
بناءً عليه، ماذا يبقى من أهداف لموجة الحماسة الاسرائيلية الجديدة لتوجيه ضربة عسكرية ضد ايران؟
أولاً: ان الكيان الاسرائيلي يريد اثارة المجتمع الدولي ضد ايران مجدداً لحثه على اتخاذ رزمة عقوبات اضافية ضدها، خصوصاً بعيد شعور هذا الكيان ان كل العقوبات السابقة لم تحقق المطلوب، بل إن تآكلاً كبيراً أصابها.
ثانياً: يريد تزويد واشنطن بأوراق ضغط اضافية على ايران لحملها على تقديم تنازلات في الملف العراقي.
ثالثاً: قطع الطريق على أي احتمال للتوصل الى اتفاق دولي مع ايران حول ملفها النووي خصوصاً بعد ورود اشارات تفيد بوجود بعض التقدم الايجابي في هذا الاتجاه.
رابعاً: منح تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاص بايران، والذي سينشر بعد أسبوع تقريباً، الزخم المطلوب لجهة استثماره اميركياً وأوروبياً واسرائيلياً، خصوصاً بعدما جرى تسريب مقتطفات منه تكشف عن وجود تطلعات عسكرية للمشروع النووي الايراني.
خامساً: تحويل الخطر الايراني الى ورقة ابتزاز اضافية في علاقاتها مع واشنطن واوروبا، خصوصاً لجهة الحصول على المزيد من الدعم العسكري والأمني.
سادساً: تحويل الملف النووي الى أداة لتحسين حصة موازنة الدفاع في الموازنة العامة الاسرائيلية، ولا سيما ان باراك كان واضحاً بالنسبة لهذه المسألة اثناء مناقشة الموازنة في الكنيست.
سابعاً: كل ما تقدم لا يعني عدم العمل بالاحتياط لجهة الجهوزية التامة لملاقاة أي عدوان اسرائيلي جديد، في مرحلة تتسارع فيها التطورات، وتتشابك فيها الأحداث والحسابات، وسمتها الرئيسية حالة انعدام اليقين، وكل طرف رئيسي يريد توجيه مسار الأمور بالاتجاه الذي يخدم مشاريعه المتنوعة.

04-تشرين الثاني-2011
استبيان