المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

عباءة الشيخ راغب تظلّل جبشيت


"هيدا أكثر واحد بحبو يا عماد واليوم العشا عندو"... قالها واختنق بعد ذلك الصوت وابتلت عيناه دموعاً، "هكذا كان يقابل الشيخ من يغتابه أو يتحدث عنه بسوء"

ليس الحاج عماد رفيق درب الشيخ راغب وحده من حصلت معه هذه الحادثة وانما ايضاً الحاجة زينب نصور وابو محمود فحص وام حاتم وغيرهم ممن التقوا شيخ الشهداء وجمعتهم به جلسات فيها خبز وملح وضحكات، الا انها لم تخل من مواقف صلبة بوجه المحتل وبث لروح المقاومة واسترخاص للانفس والمال والولد في سبيل التحرير وحفظ الكرامة.

كل منزل أو دكان في جبشيت، مسقط رأس الشيخ راغب زاره هذا القائد، كل زاوية من زواياها لها قصة معه، فأمام المبرة التي بادر لتأسيسها كان ينقل الاسرّة الجديدة للايتام على كتفيه... هنا كان يداعبهم ويلعب معهم وينشدون سوياً... هنالك كان يقود الجرافة لحفر أساسات جامع "مسجد"، كان يوزع القصص للأطفال الذين يلتقيهم في الطريق بعد عودته من إيران.

سماحة الشيخ راغب حرب

سماحة الشيخ راغب حرب



الكثير الكثير من "الهنا" و"هناك "يذكرها أهل جبشيت، فما زالت عباءته التي كان يحضن فيها الفتيان ويجرهم الى بيت الله لاقامة الصلاة والاستماع للدروس الدينية هي ذاتها التي تلف هذه البلدة اليوم بعد ثمانية وعشرين عاماً على استشهاده ,وامتدت لتشمل القرى المجاورة.

فالشيخ يستقبلك محيياً عند مدخل البلدة وهو بنفسه يلقي خطبة الجمعة عبر مكبرات الصوت للمصلين والراكعين كل يوم جمعة، صوره تحاكيك لدى دخولك معظم بيوت الضيعة... لا تفرش مائدة فيها الاصناف التي كان يحبها الشيخ راغب "كبقلة الحمص والمجدرة وغيرها من المأكولات البلدية الا ويذكر فيها هذا الشيخ المتواضع الزاهد.

"اين راغب حرب اين ليته في الحاضرين"، هذه الانشودة تصدح فيها الحناجر كل عام في التاسع من محرم بمسيرة تنتهي بأهالي البلدة الى مرقد شيخ الشهداء...

"الله يرحم روحك يا شيخ راغب"، جملة لا تمر عابرة على المسامع او هي تقال في مناسبات تخص  ذكراه انما تتردد على السنة الجميع وحتى الشباب والصغار الذين لم يعاصروا هذا الشيخ ولم يلتقوه يوماً يتحدثون عنه بفخر وعزة ,يستشهدون بمواقفه وكلماته التي هزت الاسرائيلي في اعوام الاحتلال فاعتبره شيخاً وقحاً حين لم يرض ان يصافح وقال :ان المصافحة اعتراف والموقف سلاح .يذكر الحاج ابو محمود فحص الذي كان يرافق الشيخ مرات عديدة الى الحلوسية للاعتصام لاطلاق سراح الشيخ عباس حرب الذي اعتقله العدو الاسرائيلي في العام 1984 فرفض الشيخ ان يبرز هويته عند الحاجز الاسرائيلي  وقرر ان يعود ادراجه على ان ينصاع لامر عدو محتل.

سماحة الشيخ راغب حرب

سماحة الشيخ راغب حرب

ما يحكى عن الشيخ راغب في جبشيت خزان من الذكريات تستحق التأمل في كل محطة من المحطات فهو الذي زرع الروح المقاومة في النفوس كاسراً جدار الخوف من عدو مغتصب جبان، معلناً بأن الجهاد والوقوف بوجه هذا العدو هو السبيل ليعم الأمن والأمان ويعود الحق الى صاحبه، ولا ضير ان كانت الشهادة هي الختام "فدم الشهيد اذا سقط فبيد الله يسقط واذا سقط بيد الله فانه ينمو".

محمد فحص شاب كان في الحادية عشرة من العمر حين استشهد الشيخ راغب ذكر ان الشيخ حين اعتقل عاشت جبشيت يوم قيامة مصغر فالناس لم تأبه بالبيت والولد والنفس، فالمطلوب اطلاق سراح امام بلدتهم ولذلك اعتصموا في الحسينية سبعة عشر يوما بعد ان تحول الاعتصام الى تضامن شعبي مع الشيخ راغب من القرى المجاورة وصولا الى العاصمة بيروت. لا يمكن ان ينسى محمد كما هو حال ابناء جيله  تلك اللحظات والايام كما لا يمكن نسيان ذلك القائد ابن بلدته الذي تعلم منه الكثير وهو ما زال يشعر الى اليوم بأنه مسؤول ومؤتمن على رسالة شيخ الشهداء في سلوكياته اليومية وفي تعامله مع الصغار والكبار ونظرته الى قضايا وطنه والامة.


لا يمكن التجوال في جبشيت دون المرور على الوالدة التي انجبت ذاك العاملي الفذ. ام راغب التي لا تمل من سماع شريط الكاسيت الذي يتضمن خطبة للشيخ يتحدث فيها عن الامان الذي نفتقده بوجود المحتل فما نفع ان نملك مفاتيح بيوت يقدر العدو ان يعبث بها ساعة يشاء.... تستمع اليه وتقول:"اسمعي هالصوت الحلو"، تردد وراءه فهي قد حفظت ما يقول عن ظهر قلب. تلك الأم التي تختزن من البأس الزينبي والشجاعة العاملية ما جعلها تتحمل فراق شابين آخرين تحدثت عن زهد ابنها راغب بالحياة التي لم تغريه ابدا فقد كان يتطلع الى عالم آخر وقد ذكرت انه تبرع ذات مرة بخزانته لأحد الاشخاص واكتفى بحبل لوضع ثيابه... كانت تراه قائداً منذ الصغر واليوم هو المعلم لاجيال اتت وأجيال ستأتي.

باختصار الشيخ هو جبشيت وجبشيت هي الشيخ ولا عجب ان اصبح اسم راغب هو الاكثر تسمية في البلدة التي تحتضن اليوم اربعين راغباً وعلى خطى الشهادة قدمت هذه البلدة مئة واربعين شهيداً حتى اليوم.
17-شباط-2013
استبيان