المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

ذكريات النكبة وحلم العودة


رام الله ـ ميرفت صادق

في دكانة الواقعة وسط مخيم الجلزون القريب من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، كان الحاج خليل عبد الله أعمر، يروي حكاية خروجه الأخير من قريته "الخيرية" القريبة من مدينة يافا في الأيام الأولى من شهر أيار/مايو :" لا أذكر التاريخ بالتحديد ولكن كان قبل منتصف أيار، كان "القمح مسبلا" وأخضر، قريتنا أول قرية احتلت وبعدها تهجرت القرى القريبة".

الحاج الذي بدت عليه سنوات النكبة واضحة، خرج طفلا لم يتجاوز عمره حينها التاسعة:" كنت في الصف الثالث، لم أتمكن من إنهاء السنة الدراسية خرجنا من البلد ولم أكمل دراستي".



خليل أعمر

ورغم صغر سنه إلا أنه يذكر كيف هجر بالقوة وعائلته المكونة من أشقائه الخمسة وأمه وأبيه:"هجمت العصابات الصهيونية على القرية فجراً. خرج كل أهالي البلدة إلى الحقول وفي الصباح حاولنا العودة إلا أنهم كانوا قد احتلوا المنازل بالكامل وأطلقوا الرصاص علينا".

هرب أهالي قرية الخيرية إلى المدينة القريبة "اللد" مشيا على الأقدام، ومنها إلى قرى نعلين ، وبعد انقضاء صيف النكبة انتقلوا للعيش في مخيم عقبة جبر ليقضوا شتاءهم هناك ومنه إلى قرية "دورا القرع" ومنها إلى المخيم.

انتقلت عائلة الحاج خليل إلى مخيم الجلزون عام 1951 حيث أسس الصليب الأحمر المخيمات، كانت عبارة عن خيام تشترك فيها عائلتان وأكثر، بلا توابع ولا خدمات ولا حتى حمامات، حتى انشئت وكالة الغوث وبدأت بتنظيم المخيمات. وفي المخيم كانت الظروف أقسى على اللاجئين من تركهم للبلاد:" كنا ننام على الحجر والخيم بالكاد تسترنا من البرد والحر".

وإن كانت الأوضاع الاقتصادية قد تحسنت قليلاً في المخيم  ـ كما يقول الحاج خليل ـ إلا أنها لا تزال سيئة، ازدحام وفقر وبطالة ولا أفق بتحسن الحال في ظل الظروف السياسية الحالية.

50 شهيدا في أبو شوشة

و في مخيم الأمعري الواقع ما بين مدينتي رام الله والبيرة، تسكن "فاطمة عبد الله عديه" التي خرجت من قريتها المقدسية أبو شوشة بعد مذبحة قامت بها الجماعات الصهيونية حينها و راح ضحيتها 50 من أبناء وشباب البلدة.

تروي تفاصيل خروجها من أبو شوشة المقدسية وتقول:"كانت الاشتباكات متواصلة طوال أيام قبل أن نخرج من القرية، حاولت المجموعات العسكرية السيطرة عليها أكثر من مرة ولكن كل مرة يتصدى الأهالي لها حتى يوم النكبة، حيث هجمت العصابات الصهيونية بأعداد كبيرة على القرية ولم يتمكن أحد من صدهم".



فاطمة أبو شوشة

وتتابع "مع انتصاف الليل هجم المسلحون علينا من كل اتجاه. هرب الأهالي واحتموا في "المغاير" المجاورة لمنازل المواطنين في القرية. كانوا يقتلون كل من يقابلهم من رجال ونساء و أطفال:" بقينا سبعة أيام مختبئين في "المغارة"، سقط أكثر من 50 شابا من قريتنا. جزء آخر من أبناء القرية كانوا قد خرجوا من القرية الى القرى القريبة".

وبعد أسبوع هجمت الجماعات الصهيونية على "المغاير" وطالبت السكان الخروج بالكامل، وبالفعل خرج الأهالي إلى قرية  "القباب" القريبة.

خرجت فاطمة مع عمتها وابنة عمتها وأمها وشقيقها محمد 8 سنوات، وأحمد "أربعة أشهر" إلى قرية القباب، التي كانت قد أخرجت نساؤها الى قرية "بير معين" القريبة خوفا عليهن، فيما بقي رجال القرية لحمايتها ومقاومة العصابات الصهيوني.

وخلال الخروج من القرية لا تتذكر فاطمة من بلدتها سوى صوت الرصاص الذي كان ينهمر خلفهن، والذي أصاب ابنة عمتها وطفلتها الصغيرة، والتي استشهدت بعد وصولها إلى القباب.

في سهل قرية بير معين التقت فاطمة وأمها وأشقاؤها بوالدها الذي بقي خلفهن، وانتقلت العائلة إلى رام الله:" سكنا في بيت عور، القريبة من رام الله، لأيام حتى وصل خبر سقوط مدينة الرملة، حينها قرر والدي أن لا جدوى من الانتظار أكثر".

ومن بيت عور انتقلوا إلى رام الله حيث سكنت فاطمة وعائلتها وسط المدينة في منطقة الحسبة، "كانت منطقة المنارة مليئة بشجر التفاح المثمر، سيّجنا الشجر "ببطانيات" وأغطية وعشنا فيها لأيام طويلة.

انتقلت العائلة للسكن في مخيم الأمعري، حيث بنت لهم الوكالة غرفة واحدة فقط، وكانت تعتاش على ما تجود به المنظمة الأممية من معونات شهرية لا تكاد تكفي لسد رمق الأطفال الثلاثة والوالدة والوالد.

موت وجوع

وفي الحارة القريبة في الامعري أيضا تعيش الحاجة مريم مطير 71 عاما، والتي لم يكن عمرها يتجاوز حين الخروج الأخير من قريتها "دير طريف" القريبة من الرملة السنوات الست، إلا انها تتذكرها جيدا صورا ومشاهد عاشت معها 65 عاما.

وبقدر جمال القرية كانت بشاعة النكبة التي أوصلتها لاجئة في مخيم الأمعري القريب من رام الله:" ما ذقنا يوما سعيدا من يوم ما طلعنا من البلاد وبعد رحلة طويلة وصلنا إلى هنا وعشنا لاجئين حتى الآن".

تقول:" لما بدو يطخوا علينا كانت الدنيا ليل، استخدموا القنابل من كل اتجاه، وعندما طلع النهار خرجنا كل أهل القرية وما ضل فيها حدا".

وخلال الخروج تاهت مريم بين زحام الناس ووجدت نفسها وحيدة بلا أهل ولا عائلة مع جيرانهم وبقيت معهم لأيام حتى وصلت إلى قرية قبيه، وهناك وجدت جدتها وشقيقتها وشقيقها الصغير. تقول:" جدتي كانت تعتقد انني مت في البلدة، بحثوا عني كثيرا ولم يجدوني".

انضمت مريم لعائلتها من جديد وخلال هروبها من الرصاص والموت صادفت مريم ما هو أقسى من ذلك:" كنا ننتظر أن نجتمع سويا لنواصل المسيرة عندما هاجمتنا قوة من الاحتلال وأطلقوا النار على إحدى السيدات بقريتنا مع ابنتها الصغيرة، الطفلة بحضن أمها بقيت ساعة وهي "غارقة بدمها" قبل أن تموت، ولم يسمحوا لأحد من الاقتراب لإنقاذها".

وعانت العائلة ككل اللاجئين، من الفقر والجوع والعطش... الكبار والصغار، لم يكن ما يسد جوعهم وعطشهم:" اللي مرق علينا مش قليل، والله شفنا أيام سودا كانت ستي تشحد رغيف الخبز عشان نأكل كنا نبكي من الجوع والعطش، و"ستي تدور وتلف" حتى نؤمن لنا ما نأكله".
16-أيار-2013
استبيان