المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

بين البوّابتين.. شوقٌ ينبض ونصرٌ يسطع


فاطمة شعيتو

على أعتابِ التقاءِ تاريخيْن، وقف الضوء حائراً كيف يسطعُ عند مفترق بوّابتين. فهنا عقيلة هاشمية صنعت نصراً، غزلتْ طيفه بقرحةِ القلب ودمعة العينْ. راسخٌ مرقدُها كرسوّ الجبال، قد أودع الحقُ فيه سراً، وحباهُ عشقاً ينبضُ بين الخافقيْن. هنا، سجّلَ الزمنُ أنْ هذه بوّابة زينب (ع)، وحاشى أن تُحجَب عن الناظِرَيْن.

أمّا هناك، فيُزهرُ أيّارُ الأمة عزّاً، ويبزغ في محضرِه الفجرُ. يزهو الأقحوانُ في قُرانا، وعندَ بوابة فاطمة يختالُ النصرُ.. وبين هاتيك البوّابتينْ، يسجدُ الضوءُ لنصرِ زينبَ ويرمي أيّارنا بطُرفة عينْ!


على أعتاب البوّابتين، يلتقي رجبُ وأيّار، شهرُ الله يُباركُ لشهرِ الانتصار، فتمتزجُ أوشحةُ الصبرِ بألوانِ الفجرِ، ويرتفعُ رحيلُ زينبَ (ع) على أكتافِ عرسِ النصرِ، ليبقى شوقٌ دفينٌ يحاكي غربةَ ذاك المقام، وحنينٌ تبثه الروحُ ألفَ تحيةٍ وألفَ سلام. إنها حكايُة الأنسِ في حضرةِ الحوراء (ع)، عقبَ شوقٍ مريرٍ إلى أيام اللقاء... حكايةٌ يرويها مراسل قناة "المنار"، الزميل يوسف شعيتو:  

"كانت تغطية الأحداث الجارية في سوريا من ضمن مهام العمل الملقاة على عاتقنا في قناة المنار كمراسلين ميدانيين. فكنا نتعاقب على هذه التغطية، المراسل تلو الآخر، وقد أُوكلتّ إلي هذه المهمة للمرة الأولى في أواسط أيلول العام 2012.

كان من الضروري وضع مخطط واضح وتصوّر دقيق لهذه التغطية، بناءً على الأخبار المتداولة عن مجريات الوضع في سوريا أولاً، والخطوات الصحفية الميدانية اللازمة ثانياً.



الزميل يوسف شعيتو

ولمّا كان لا بدّ من النزول في الشام لنقل واقعها الميداني إلى عامّة الناس، كان لا بدّ من معالجة عنوان أساسي، هو مقام السيدة زينب (ع). فالحدث الميداني يتكرّر، وإن لم يدخل عليه عنصر مفاجئ وبارز جداً من شأنه تغيير طرق المعالجة، فهو لن يكون استثنائياً. هكذا، تمثّل العنوان الأساس للتغطية، بالنسبة إلى جميع المراسلين، بمقام السيدة زينب (ع)، لا سيما أن أخباراً زائفة وشائعات عن استهداف المقام الشريف كانت تجتاح حينها شبكة الانترنت، في سياق الحرب الإعلامية النفسية ضد رموزنا الإسلامية وقواعدنا الشعبية، خاصةً أننا في لبنان متعلقون عاطفياً وتربوياً ومشهدياً بهذا المقام، جرّاء التعلّق بصاحبته الكريمة.
 
في المرحلة الأولى من تغطية الأحداث، أنجزنا تقارير ميدانية عدّة، غير أن ظروف الذهاب إلى مقام السيدة زينب (ع) كانت غير مهيّأة بالكامل، إذ لم يكن الوصول إلى تلك البقعة الشريفة مُتوقعاً، بسبب الاشتباكات وعمليات الخطف والقنص الجارية في المناطق المحيطة بالمقام.
في الرابع والعشرين من أيلول، عزمنا، كفريق عمل، على التوجه إلى منطقة مقام السيدة زينب (ع)، وتمكّنا بعون الله تعالى من ترتيب الخطوات الميدانية للوصول إلى هناك. في كلّ لحظة من لحظات سيْرنا، كانت تتكشف أمام عيوننا الأكاذيب التي يُروّج لها بين الناس عن أن المقام مُحاصرَ ولا إمكانية للوصول إليه، وأن المنطقة المحيطة به مهجورة.

مروراً بطريق المطار، الذي اجتزناه بسرعة تحسّباً لأي عملية قصف أو رشق ناري، وصلنا إلى حيّ العراقيين الواقع خلف مقام السيدة زينب (ع) لناحية الشرق، وكان حينها يعجّ بالناس، كأن الحرب لم تطأ المكان. سألنا عن تعرّض المكان للقصف، فكان الجواب أن صمود ساكنيه فرض معادلاتٍ في هذا الإطار، على الرغم من اعتداءات نُفّذت ضدهم.

كانت الأخبار المُتداولة عن مقام السيدة زينب (ع) آنذاك تُفيد بأنه تعرّض للمحاصرة والقصف، وهو ما حصل فعلاً. فقد أخبرنا أحد حراس المقام بأن قذيقة سقطت داخل المقام، ولكنها لم تنفجر. وحدثنا بعض أبناء المنطقة عن قيام مسلّحين بكتابة عبارات مؤذية على جدران المقام، مثل "سترحلين مع النظام"، وعن أن التفجير الانتحاري الذي نُفذ في حزيران 2012 في مرآبٍ للسيارات بالقرب من المقام، ألحق الأذى بعمارته، لكن الارادة الإلهية حالت دون المسّ به بشكل بالغ.
 


مقام السيدة زينب (ع)

أحدُ علماء الدين في منطقة السيدة زينب (ع) حدّثنا عن عمليات القتل والتنكيل والخطف والتفاوض على الجثامين، التي مارستها الجماعات الارهابية بحق أبناء المنطقة. من ضمن ما روى أنه توسّط مرّة عبر أحدِ الوسطاء لردّ  شابٍ خطفته الجماعات المسلحة إلى أهله مقابلَ مئتي ألف ليرة سورية.. فكانَ أن رُدّ الشاب جثماناً مقطّعاً في كيس "نايلون"!

هذه الأخبار وغيرها خلقت لدينا إصراراً قويّاً في الجزء الأول من تغطية واقع منطقة السيدة زينب (ع)، على نقل الصورة الشعبية للحياة المحيطة بالمقام، بهدف دحض الشائعات القائلة إنّ الجماعات الإرهابية تهمّ بالسيطرة عليه وتنفيذ تهديداتها بضربه.

أجرينا مقابلات في محيط المقام مع مختلف أطياف محبّي السيدة زينب (ع). فمنهم السوري ابن حلب وحمص، اللبناني، العراقي، اليمني، الأفغاني، والباكستاني.. وكلّهم يقطنون المنطقة تحت عنوانٍ مفاده أنهم صامدون بحمى العقيلة زينب (ع).
من ثمّ توجهنا إلى المقام. وفي هذا المعرض، لا أخفي أن رهبةً قويةً  أخذت مني كلّ مأخذ عن بُعد، فأحببت أن أنقل هذا الشعور إلى المشتاقين والمحبّين بشكل تدريجي عبر الصورة الحيّة.
 
حتى وصولنا إلى البوابة الخارجية الرئيسة للمقام، لم نكن على علمٍ بما في الداخل... فُتِحت أمامنا البوّابة. في ذلك الوقت من النهار، قبل حلول صلاة الظهر بساعتين، كان الزوّار قلّة، ما جعل الفرصة سانحة لتصوير مختلف الزوايا من الخارج، وصولاً إلى المرقد الطاهر في الداخل، ليرى الناس بأم العين أن المقام لا يزال سالماً. أخذتُ على عاتقي أن أخرج من صيغة المخاطبة الإخبارية إلى صيغة "من قلّدني الدعاء والزيارة، فليتوجه إلى السيدة زينب (ع) ويلقي عليها السلام"... وكانت الصورة في خدمة هذه الصيغة العقائدية، التي تمسّ وجدان ووعي الناسِ، حيث حصلنا على إذن استثنائي من حرس المقام بتصوير المرقد الطاهر من الداخل، وكانت تلك اللقطة الأخيرة والاستثنائية!

بعد ذلك، أودعنا الكاميرات في الخارج، وحبانا الله بلحظاتٍ فاقت الوصف بالقرب من الضريح الشريف، وكان لنا دعاءٌ بأن ينالَ الزيارةَ كلُ مًحبّ ومحبّة..


في الفترة التي لحقت هذه التغطية الميدانية، تواصلت الاعتداءات على مقام السيدة زينب (ع)، إلا أن هناك من جاهد وقاوم لصونه وحماية محيطه.. فالحسينيون الزينبيون كانوا ولا يزالون على أهبّة الاستعداد للذود عن حرمة هذا المقام المقدّس.

بعد التغطية الميدانية الأولى للمقام، والتي حظيَ تقريرها الخاص بما يفوق 127 ألف مشاهدة عبر الانترنت، كان لي وللزميل ضياء أبو طعام، بتوفيق من الله، زيارة خاصة إلى مقام السيدة زينب (ع) في 16 نيسان 2013، وقد طمأنا الناس إلى سلامة المقام بكلّ ركن من أركانه، عبر فيديو خاص نشرناه عبر شبكة الانترنت.

لقد لحظنا خلال الزيارة الثانية اتساعاً في رقعة الأمان المحيطة بالمقام من جهة، ووضوحاً في آثار الاشتباكات الدائرة حوله من جهة ثانية.. المقام لا يزال كما هو، وأجمل ما في الأمر أنه يشهد إحياء المناسبات الإسلامية برمّتها، وسط إصرار الزوار على الحضور مهما كلّف الأمر.
أمّا الاعتداءات التي تستهدف المقام، فهي ليست تطال في الأغلب إلا محيطه. وقد أدّت عمليات دفع هذه الاعتداءات إلى فرض معادلات قاسية جداً على المُعتدين، رسم خطوطها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله.

نحن اليوم، كإعلاميين، ننقل حقيقة الصورة ، لنقول إننا ندافع عن عقيدتنا وعن رمز تربّينا مع سيرته ومع ألمه، ورافقنا بكل تفاصيل حياتنا، وهو المتمثّل بشخص السيّدة زينب (ع).

إن رمزيتها (ع) هي اليوم تلك المعادلة القوية التي تظهر ملامحها في المدنيين الذين شاهدناهم في محيط مقامها الشريف، حيث أطفالٌ ونساء وشيوخ ورجال مهددون بالقنص والخطف، ولكنهم رغم ذلك صامدون، كما يؤكدون..  

ويبقى للمشهد الذي فُتحت فيه بوابة مقام السيدة زينب (ع) أمام عيون الناس وقعه الخاص، فبينما استشاط الحاقدون غيظاً، تجذّرت الصورةُ الاستثنائية في وعي المحبين المشتاقين، وأوجدت لهم أفقاً رحباً للتعبيرعن حلاوة الإطمئنان إلى محبوبتهم البعيدة عن العين، الحاضرة في الوجدان ".
نعم، إنها حاضرةٌ حقاً بيننا، ترمقُ بعينيها الدامعتين زمن الانتصارات القادم، وتمسحُ بكفّيها المباركتين على جبينِ العزائم..
إنها ههنا، تقف بين البّوابتين، تشرّع الأولى على أمجادِ أيار، وترتقبُ عند الثانيةِ بشوقٍ قوافلَ الزوّار...
23-أيار-2013
استبيان