المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

المقاطعة x التطبيع: أين فلسطين؟! (1/4)


نيفين كنعان

أتخمت الصحف بصور الدجاج الكنتاكي KFC المهرّب من مصر إلى غزة عبر الأنفاق خلال الأسبوع المنصرم. لم يكن المشهد "شهيًّا" أبداً، لا بل كان مرًّا جدا! إذ كيف يمكن لعقولنا احتمال فكرة أن الغزيين يشترون الدجاج الأميركي "بأسعار السوق السّوداء" (30 دولارا أميركيا)؟! هنا يصعب عليك تخيل أن هؤلاء يمولون بسعر هذا الدجاج وسواه جلادهم. الفلسطينيون، وبحكم وقوعهم تحت الإحتلال، خياراتهم محدودة. أما نحن القابعين خارج دائرة الإحتلال، والمتاحة أمامنا جميع الخيارات، كيف نتصرف؟

التطبيع يعني اصطلاحاً جعل الأمور طبيعية وعادية في العلاقات بين الدول والأشخاص. تتعدّد أشكال التطبيع من السياسية والاقتصادية وصولا إلى الثقافية الفكرية، وهذه الأخيرة هي الأخطر. فالتطبيع الثقافي يسهم في جعل العدو صديقا، وبدليل فكري وأخلاقي، مصطنع، بالطبع. وفي سبيل صدّ التطبيع، لا يمكن لمجتمعات المقاومة إلا أن تتمسّك بالمقاطعة.

وحول مقاطعة إسرائيل، وواقعها في المجتمع اللبناني، كان للعهد لقاء مع الناشط في لجنة حملة مقاطعة داعمي إسرائيل، لبنان، سماح ادريس.
عندما تطلب من سماح ادريس أن يقيّم ما أنجزته حملة مقاطعة إسرائيل، سيتنهد الرجل مرجعا رأسه إلى الخلف كأنه يستعيد اللحظة الأولى، والفكرة الأولى، والـ"لاء" الأولى في مواجهة التطبيع.. بعدها سيجيبك بكل صراحة ووضوح مغموس بالأسف "ما حققناه أكيد أكيد أقلّ من طموحنا، وأحيانا يتساءل واحدنا هل يستحق الأمر كل هذا العناء؟!".


ما يدمي قلب الرجل هو أنه، ولغاية اليوم، هناك من يسأل "ليش نقاطع إسرائيل؟ شو المشكلة مع إسرائيل؟". كأنّ هؤلاء يعيشون في مجرة أخرى، وفي كون آخر. كأنّهم لم يسمعوا يوما صوت الموت والرصاص المنهال على جنوب لبنان وعاصمته في اجتياح 1982 وحروب تموز 1993 ونيسان 1996 وحرب تموز 2006. كأنّ هؤلاء لم يشاهدوا يوما طفلا لبنانيا مقطّعا أشلاءً برصاص الصهاينة؟!

أمّا سؤال البعض الآخر "لماذا أقاطع ما دمت أقاوم؟"، فيثير ثائرة الرجل، إذ كيف لا يفهم هؤلاء أن المقاطعة شكل من أشكال المقاومة؟

وهنا يعترف ادريس أن الفريقين "يحبطونه"، فيتساءل: "إسرائيل من 1948 عدوتنا، ألم يكن هنالك مقاطعة عربية تامة بين عامي 1948 و 1993، تاريخ توقيع اتفاقيات أوسلو ووادي عربة؟". ما الذي تغيّر إذاً؟ إنه المجتمع، فهو نفسه لم يعد مقاطعا! المجتمع ببنيته الإنسانية والثقافية والأخلاقية لم يعد مقاطعا.

هذه الأجواء تشعر الناشطين في الحملة بالإحباط، وتجعلهم يشككون بذاوتهم وبقدراتهم. في المقابل، تحفزهم هذه "اللامبالاة" على العمل الدؤوب، لذلك لم يتوقفوا.

أما عن تمويل الحملة، فيتحدّث ادريس بصراحة أكبر "عناصرنا محدودة، وطبعا مفلسين، وطبعا بتجي المزايدات من وين ما كان".

بعدها يتحدّث ادريس عن الإيجابيات، وهي تحفزه ورفاقه على الإستمرار أكثر. ادريس يفصّل هذه الإيجابيات كما يلي:

1. التأثير، إذ بات الناس يتجاوبون مع الحملات بشكل أكبر وهو أمر ينعكس على مصالح داعمي إسرائيل.
2. الشتائم الكثيرة التي توجّه للحملة وهي تدلّ على تجاوب الناس.
3. الإنتقال من التعرض للاستخفاف إلى التعرض للهجوم.
4. رفع دعوى قانونية بقيمة 180,000 ألف دولار ما يدل على أن نشطاء الحملة "بلشوا يفعلوا" أي باتوا فاعلين.



هذه "النجاحات الصغيرة الملموسة تشجعنا" يقول الناشط سماح ادريس. بعدها يبدأ بتعداد هذه النجاحات، ومنها منع الشركات الإسرائيلية من تسويق منتجاتها للتجميل النسائي، كشركات سينيرون Syneron وألما Alma، ولومينوس Lumenis. وعلى مستوى المقاطعة الإقتصادية أيضا، تمّ إقفال مكاتب ستاربكس Starbucks في تل أبيب عام 2003، تحت ضغط المقاطعين في الأردن ولبنان وفلسطين،"لم يعترفوا بأن المقاطعة كانت وراء ذلك، لكن لا يوجد أسباب أخرى تفسر إغلاق هذه المكاتب والمحال سوى المقاطعة" يصرّح ادريس. ولا يمكن للمتابع أن يتناسى فضّ اتفاقية إقامة شبكة الربط بالسّكة الحديدية بين مكة المكرمة والمدينة بقيمة 10 مليارات دولار لمصلحة شركة فيوليا Veolia الإسرائيلية في القدس المحتلّة.

أمّا على المستوى الثقافي، فقد نجحت الحملة في منع المغنية الصهيونية لارا فابيان Lara Fabian من دخول لبنان. كذلك، تمّ منع فرقة ريد هوت شيلي بيبيرز Red hot chili pepers من المشاركة في مشروع ليلي تحت ضغط المقاطعين. ومؤخرا نجحت الحملة في منع فيلم زياد الدويري من العرض بعد جهد استغرق 3 أشهر، والكثير الكثير من الجدل. بالنسبة لادريس، تعتبر هذه الإنجازات صغيرة، ولكن يبنى عليها.
وعن قوننة المقاطعة بشكل أفضل، يقول ادريس "هناك جمعية دعم قانون مقاطعة إسرائيل، تركيزها الأوحد ينصبّ على إقرار قانون واضح ومتطوّر يشمل المجالات الإلكترونية والثقافية".

وضمن إطار نشاطاتها الدائمة، تعمل اللجنة على توعية المجتمع. ومن أنشطتها، القيام بحملات توعوية في المدارس والجامعات (ندوات في الـ AUB و LAU و LIU). وقد أقامت اللجنة مؤخرا، لقاءً مع 300 امرأة من الهيئات النسائية في حزب الله.
في المقابل يشكو ادريس من "بعض المدارس التي لا تسمح لنا بإقامة الندوات بحجة الهرب من الخوض في السّياسة". ويعد بإقامة ندوات في عدد من مدارس الضاحية الجنوبية (10 إلى 15 مدرسة).

ادريس يختم كلامه بالتأكيد على أنه "طالما أن المقاطعة مؤثرة إذاً هي مجدية"، مضيفا أن "المعركة هي معركة وعي". ويقول "الغرب اليوم يقاطع إذ يعمل الطلاب العرب وحلفاؤهم في الغرب على المقاطعة بشكل حثيث".

إذاً المعركة معركة وعي في مقابل "كي الوعي" الإسرائيلي للفكر العربي. لمن ستكون الغلبة: للبرغر الأميركي ومستحضر التجميل الإسرائيلي أم للكوفية العربية؟ هل ننتصر لدماء شهدائنا أم لشهوات معداتنا؟ أسئلة برسمنا جميعا، و"ستبدي لنا الأيام ما نجهله"...
24-أيار-2013
استبيان