المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

صامدون رغم الجراح..


فاطمة سلامة

هم مقاومون افتدوا الوطن بأجزاء من جسدهم..هم شهداء لا زالوا أحياء يعيشون بيننا ويقاومون بجرحهم..بذلوا الغالي والنفيس لنحيا بكرامة..شاء القدر أن يصطفيهم ليكملوا مسيرة المقاومة رغماً عن الجراح..عاندوا المعاناة..تحدوا المصاعب..انطلقوا في ميدان العمل المقاوم كل حسب قدراته. فلا إعاقة صمدت في وجه مشروعهم ولا مرض.. هم أناس آلوا على أنفسهم أن يقاوموا حتى الرمق الأخير، فإما الشهادة وإما النصر، إنهم باختصار: جرحى المقاومة الإسلامية.

قليلة هي الكلمات التي تليق في حضرة عطاءاتهم...يغفو جرحهم عندما يقاومون..وعندما يستفيق يضمدون آلامهم بصبر لن ينضب. صبر يُستمد من مدرسة كربلاء الإمام الحسين (ع) وأخيه أبي الفضل العباس.. روحانية مستوحاة من ألم الإمام زين العابدين. ذلك السجاد الذي أكمل مسيرة آبائه رغماً عن أي علة أو عائق. قاوم بجسده وعقله حتى الشهادة.

ولأنهم باتوا نبض المقاومة الإسلامية وشهدائها الأحياء..خصص لهم حزب الله يوماً لتكريم عطاءاتهم..حددت المناسبة تزامناً مع ولادة أبي الفضل العباس. الإمام الذي لم تمنعه الجراح من مواصلة الدرب. إنه مدرسة الإيثار والعطاء والتضحية. إلا ان جريح حزب الله الذي قدّم الكثير يستحق منا أن نأخذ بيده ونسانده. فهو لم يكن ليكمل المسيرة بأمان لولا احتضان مؤسسة الجرحى له. ذاك الصرح الذي انطلق مع انطلاقة المقاومة الإسلامية منذ 1982. احتضن المئات. ساندهم وقف إلى جانبهم. أخذ بيدهم فأكملوا مسيرة الجهاد.

هو من أطلق عليه سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي لقب "طبيب المقاومة الإسلامية". إنه الجريح المقاوم الدكتور ابراهيم عطوي. استهدفته يد الإجرام منذ ستة وعشرين عاماً. بترت ساقيه فأكمل المسيرة. ذنبه أنه مقاوم يعاين جرحى المقاومة ويضمد آلامهم. أضحى جريحاً لم تثنه الإصابة عن متابعة الدرب مع الرفاق.ولم تمنعه من الإستمرار والكفاح في سبيل هذا الخط. يقول عطوي " الجريح لا ينتهي دوره وتستمر المهمة المقاومة بأشكال مختلفة".قمر بني هاشم أبو الفضل العباس هو رمز للجريح المقاوم.

يستشهد عطوي بهذا المثال الحي الذي لا يزال يسكن فينا، يلفت الى أنه" القدوة والمدرسة، هو الإمام الذي واصل جهاده رغم الجراح حتى الشهادة"، يوضح طبيب المقاومة أن" الندامة لم ولن تدخل قلب جريح المقاومة الإسلامية، فجرحانا لديهم من الصبر والتصميم والمثابرة والإيمان ما يجعلهم يواصلون المسيرة الجهادية بدون توقف".

أصحاب الدماء التي روت الوطن بنصرها، لا يزالون يروون الوطن بكفاحهم ونضالهم وعدم استسلامهم للواقع المرير. وعطوي خير مثال على من لم يستسلم يوماً للألم. تدرج في مواقع عدة. عمل مديراً لمستشفى صيدا الحكومي. مارس مهنة الجراحة حتى سن التقاعد، لينصرف للعمل الإداري كعضو في مستشفى الرسول الأعظم، لديه عائلة يفخر بوجودها بجانبه وتتكون من تسعة اولاد وتسعة عشر حفيداً".



ولأنه مقاوم ذاق مرارة العدوان وعاش قساوتها. وخبر بالتجربة أهمية السلاح المقاوم. يتوجه عطوي الى كل من يصوب على هذا السلاح، يقول " طالما "اسرائيل" موجودة السلاح باق لأنه سلاح العز والكرامة. ومن يدّعي ان "اسرائيل" ستتركنا في حال سبيلنا واهن لأنها ومنذ نشوئها تعتدي علينا". يستشهد عطوي بمجرزة حولا. يضيف "مصلحتنا أن نكون أقوياء والشعار الذي رفعوه سابقاً "قوة لبنان في ضعفه انتهى"، نقول لهم " قوة لبنان في مقاومته".

الانسان ينتهي يوم مماته. بهذه العبارة يستهل الجريح علي يحيى حديثه. بنظره " الجرح لم يكن يوماً آخر الدنيا. هو على عكس ذلك تماماً. بدأت حياتنا معه. زادنا عزيمة وإصرارا. أضحى وساماً على صدرنا نعتز به. يضيف " أي مجاهد عندما يسير في درب الجهاد يعلم ان النهاية ستكون إما النصر او الشهادة او الجرح او الاسر، ومهما كانت النتيجة لن تؤثر على استكمال نهجنا المقاوم".

يسرد يحيى فصول حكايته التي يعتبرها تاريخاً مشرفاً بكل ما للكلمة من معنى. دخل يحيى معتقل الخيام وخرج منه فاقداً للبصر. شدّة التعذيب لم تجعله يوماً يزعزع إيمانه بالمقاومة. فهو إبن ذلك الخط الذي لن يتوانى عن الفداء بنفسه في سبيله. يشدد عطوي على أنه" لو لم يكن جريحاً لكان في صفوف المقاومة حتى النهاية".

الجرحى هم جنود شاركوا بقوة في النصر الذي نحتفل به على الدوام. يفخر الجريح المقاوم بنفسه. يقول" عام 2000 عندما عشنا نشوة النصر. قلت في نفسي: لو لم أشارك في هذا النصر لكنت من النادمين"، ويعرج على المناسبة ورمزها أبي الفضل العباس، يقول " شرف كبير لنا جميعاً ان يكون يوم الجريح يوم ولادة من عصم نفسه عن الخطأ والمجبول بالاباء والاخلاص".

لكل جريح ميدان خاص يعمل به بحسب قدراته. يلفت يحيى الذي يعمل في بيت الجريح بالمجال الحرفي الى أن" أي إعاقة لا تقف حائلاً أبداً أمام متابعة الدرب"، يضيف "قادرون على الإنطلاق ونشر ثقافة المقاومة وانجازاتها بكل صرح وبكل مكان نتواجد فيه، نحن نعلّم الجيل الصاعد على المقاومة وأهدافها ومعناها".

يختم الشهيد الحي بقول للسيد عباس الموسوي يردده دائماً "جرحكم رسالة الى كل أحرار العالم".

مؤسسة الجرحى: المعنويات لا توصف

بأشفار عيونهم يخدمون جرحاهم. يضمدون جراحاتهم التي لا يُسمع حسيسها. يهتمون بعوائلهم. يأخذون بيدهم الى أهدافهم كل حسب موقعه. إنهم القيمون على مؤسسة الجرحى التي لم تتوان يوماً عن خدمة جرحاها. وهنا يشدد مديرها العام محمد دكروب على خدمة هؤلاء المجاهدين والإهتمام بهم على مختلف الأصعدة من تأهيل وتدريب على كافة المستويات. يؤكد ان "المؤسسة تعمل بكل ما أوتيت من قوة ليعود جريحها الى المجتمع كفرد فاعل".

لكل جريح عمله الخاص مهما كانت الإعاقة. لازمة يشدد عليها دكروب. وانطلاقاً من تحدي الجراح. يُضيف " نحن مصرون على ان كل جريح مهما كانت إعاقته يجب ان يكون لديه عمل سواء في ساحات الجهاد أو في أعمال أخرى".

ويتوقف دكروب عند المناسبة التي اختارها الامام الخميني (قدس) لتكون تزامناً مع ولادة ابي الفضل العباس، يقول " اختار هذا اليوم لما يحمل أبو الفضل العباس من مواصفات تجعله نموذجاً للجهاد والصبر والشجاعة وهو الذي جُرح وقطعت يديه وكان مصراً على ان يوصل الماء للعطاشى، المجاهدون مرتبطون بهذه المدرسة ولديهم الهدف مهما كانت التضحيات".

معنويات الجرحى عالية جداً. أكبر من أن تصفها أقلام. لا يستطيع مدير مؤسسة الجرحى وصف المعنويات. هم من نستمد منهم الروحانية للبقاء يكملون الدرب وكأن شيئاً لم يكن"، ويذكر دكروب نموذجاً يقف عنده مطولاً: أحد الاخوان قطعت يداه ولم يبق منهما سوى اصبعان، فقال بكل عزة " هذا الاصبع لا زال يطلق النار".

يستذكر دكروب نموذجاً آخر من نماذج العزة يشير الى ارتباط الجرحى بمدرسة أهل البيت، يلفت الى ان "أربعة جرحى من نفس الأسرة. لا يثنيهم شيء عن متابعة المسيرة، يرددون: أهل البيت جميعهم استشهدوا في كربلاء ونحن فداء لهم".

وفي الختام، يبارك دكروب للجرحى الإستشهاديين، ويشدد على خدمتهم حتى النهاية على أمل ان تكون المؤسسة على قدر عطاءاتهم.

هؤلاء هم أبناء حزب الله..هؤلاء هم أبناء المقاومة الإسلامية..صبرهم لم ينضب وعزمهم لن يلين طالما في الجسد حياة..إنهم فخر الأمة وأبناء تلك المدرسة التي علمتنا " هيهات منا الذلة".
16-حزيران-2013
استبيان