المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

سميرٌ... أسيرُ هَوَىْ فِلَسْطِيْنَ بِرُتبةِ عميدٍ ومَا مَلَّ الحبيب


ليندا عجمي

من جلمود صخر جبل لبنان قُدت إرادته،
وإلى فلسطين القضية كانت قِبلته،
ثم من وإلى جبال عاملة كانت عودته.
فتى يافعاً آمن بالجهاد وزاده الله هدى.. يوم كان
ورجلاً شامخاً ما اتسع له كل المدى.. يوم عاد
عاد بسوار المجد وبزة عسكرية، وفي جعتبه أقلامٌ، رصاصٌ.. آلامٌ، أحلامٌ.... هوية وكل الهوى لذات القضية.

عاد.. وما اكتملت الحكاية


هو يوم السادس عشر من شهر تموز/ يوليو، ذكرى تحرير مناضل دفع جميل سنين حياته وزهرة أيام شبابه مهراً للقضية الفلسطينية التي آمن بها، وحمل لواءها طويلاً.. شاب لبناني كسر قيد الحدود والطوائف، ونفذ عمليةً جريئة خلف البحار، في خطوط العدو وحيث لا يحتسب.
هو من أبى أن تصيب روحه رطوبة الأسر وعتمة الزنزانة كما أصابت جسده الرصاصات الخمس، ولم تستطع 29 عاماً من الاعتقال والتعذيب أمضاها من أصل 547 عاماً أن تنال من عزيمته وثباته أو تفتّ من عضده وإصراره..
إنه عميد الاسرى والمعتقلين، بل عميد المحررين، إنه سمير القنطار.

عودةٌ إلى البداية..

يستعيد المجاهد "أبو علي" ذو الوجه الأسمر والعينين الملونتين الحذقتين، في كلماتٍ قصار بعضَ الصور التي تختزن في ثناياها الكثير من الوجوه والحكايات والمحطات المصيرية.

يروي كيف شد حيازيمه في الثاني والعشرين من نيسان / أبريل عام تسعة وسبعين، وهو ابن السبعة عشر ربيعاً لتنفيذ "عملية القائد جمال عبد الناصر" التي أسفرت عن مقتل ستة صهاينة، من بينهم عالم الذرة داني هاران وجرح اثني عشر آخرين، بعد أن كان قد قاد زورقه وأبحر الى فلسطين المحتلة بصحبة رفاقه في جبهة التحرير الفلسطينية.


من زنازين معتقلات الصهاينة داخل الأراضي الفلسطينية، ينفض القنطار غباراً عن ذاكرة يومياته مع سجانه وعدوه، ليسترجع بعضاً ممّا عانى من أنواع التنكيل وصنوف العذاب وألوان القهر التي لا يمكن وصفها أو تصورها..
صلبُه عارياً وتكبيله واقفاً أياماً وليالي لم يكن سوى أبسطها، إستئصال الرصاص من جسده دون مخدر لم يكن سوى أحدها، تعايشه مع مرض "الربو" في ظلام تلك الزنازين، إلى جانب الرصاصة التي استقرت في رئته لم يكن آخرها.

في إستعادته لشريط الأحداث وما مر منها عليه، يتذكر تنقله بين معتقلات العدو في بئر السبع، عسقلان، نفحة، هداريم، وغيرها، بين زنزانة انفرادية وأخرى جماعية.. هناك تعرف الى الكثير من الأسرى الفلسطينيين الذين لن ينساهم. لن ينسى "جبر مطلق وشاح" من مخيم البريجة في غزة، ووالدته "أم جبر" التي حملت همّ الأسرى جميعاً ولُقبت بـ "أم الأسرى العرب" كونها كانت رمزاً للعطاء والتضحية..

ما يزال القنطار يتواصل اليوم مع رفاق الدرب والأسر بحدود ما يسمح له وضعه الأمني الذي لا يساعده كثيراً، وإن كان بين الحين والآخر يطمئن إلى حال والدته الثانية "أم جبر" وصحتها، متمنياً لها السلامة وطول العمر، وللأسرى الخلاص القريب.

يوم كان لا بد فيه للقيد أن ينكسر..

قبيل عملية "الوعد الصادق" التي نفذتها المقاومة الإسلامية في "خلة وردة" في تموز/ يوليو من العام ألفين وستة، كان أحد الإخوة قد أسرّ إلى القنطار في سجنه في رسالةٍ شفهية بأنه بات قريباً من ميعاد حريته، وأن رجال الله قد ضربوا له موعداً له معها، ليصدقوا وعد سيدهم وقائدهم.
وفي 12 تموز/ يوليو 2006 وفى المقاومون بعهدهم. في ذلك اليوم، أحس القنطار بأنه صار حراً أكثر من أي وقتٍ مضى، وأيقن أن العدو لن يقدر هذه المرة على منع خروجه، هو اليوم الذي كان الأجمل في حياته.


فجر يوم الأربعاء في 16 تموز/ يوليو 2008 كان بداية عملية الرضوان – عملية إطلاق سراح عميد الأسرى ورفاقه، كان يوماً شاقاً وطويلاً، وكأن العدو أراد بائساً تعكير صفو الفرحة وتأخير احتفالاتها.. ولكن المقاومة أنجزت وعدها وأخرجت أسراها رغم أنف العدو وغطرسته بفضلٍ من الله ونصرٍ منه، حيث ما كان لغير بندقيتها أن يُخرج أسيراً بعزةٍ وكرامة، أو يحرر أرضاً دون قيدٍ أو شرط.

وفي نشوة فرحه العارم بذكرى ذاك اليوم المجيد لا ينسى القنطار أن يجدد شكره لسيد المقاومة ورجالها وشهدائها، بل لكل شعبها وناسها وأهلِيها الذين تحملوا القتل والجرح والتهجير والعذاب في عدوان تموز، وقدموا كل غالٍ ونفيس رخيصاً فداءً للمقاومة وسيدها، كما إلى كل متضامن شريف وقف إلى جانبه للمطالبة بحريته.

من حياته بعد الأسر..

خاب أمل القيد والسجان في كسر إرادة الحياة لدى سمير، وكذا خان شمعون بيريس وعده "بأن لا يحظى القنطار بفرصة أن يرى ذريته"؛ فبعد خروجه من أسره، تزوج القنطار بالإعلامية العاملة في قناة "الاتجاه" زينب برجاوي ورزقا بطفلهما الأول وأسمياه علياً. كانت برجاوي قد أجرت مقابلة تلفزيونية في قناة "العالم" وقتذاك مع الأسير المحرر سمير، وبعد فترة تعارفٍ تلت ذاك اللقاء عرض عليها الزواج ووافقت، وتم عقد القران في العاشر من أيار/مايو 2009.


في حياته الجديدة، التي ما زال فيها على نهج جهاده القديم، يكيّف القنطار نفسه فيها بقدر ما يستطيع، وزوجته تتفهم طبيعة عمله وما يُفرض فيها عليه، ورغم المخاطر التي تتهدده من العدو وعملائه يحرص سمير على متابعة حياته بالشكل الأكثر طبيعية، ورغم ما دفعه من ثمن في هذا الطريق فهو باقٍ على عهده ولم يبدل تبديلا.. بل نذر على نفسه أن يُنشئ ولده الصغير علي ذا العامين الاثنين على حب الأرض والدفاع عنها ومقاومة محتليها وغاصبيها، ليعود الحق إلى أصحابه، ولتُحرر الأرض وأسراها!.. فنحن قومٌ لا نترك أسرانا في السجون.

لم ترسم مخيلة القنطار صورةً عن الحياة التي يعيشها اليوم، أي إنه لم يكن مخططاً لها بأن تكون كما باتت هي عليه، لكن كان واثقاً وأكيداً بأنه سيخرج من المعتقل وسينتصر على سجانه، لأنه طالما هناك احتلال هناك مقاومة، وبالتالي هناك أمل ونصر، وفجر حرية آت.

بين الإضراب عن الطعام وصيام رمضان.. فرض وفريضة

معركة الأمعاء الخاوية والإضراب عن الطعام هما واحد من الأساليب التي اتبعها الأسرى في معتقلاتهم لفرض شروطهم على سجانيهم، فكانت بينهم وبين العدو صولات وجولات هزمهم مرة وأرغموه مرات.. فرضوا عليه سماحه بالاستماع إلى الراديو، ومشاهدة التلفاز.. بل وتابع بعضهم دراسته في المعتقل، وكان سمير واحداً منهم فحصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الإنسانية والاجتماعية من جامعة تل أبيب المفتوحة..
لا يغيب عن بال القنطار في أجواء صيام شهر رمضان المبارك اليوم، مشاهد الإضراب عن الطعام بالأمس، مشهد الجوع والعطش والتعب والقهر والمعاناة و..الشهادة. فهي ضريبة الجهاد يدفعها المقاومون قتلاً، جرحاً، أسراً، وعذابات، ولكن ثباته على العهد هو الوعد قبل الأسر وخلاله وبعده، فالمسيرة طويلة ومستمرة رغم كل التحديات والصعوبات وعظم التضحيات.

تبقى فلسطين القبلة والبوصلة، وتحريرها الحلم والهدف..

"صدقوني لم أعد إلى هنا إلا لأعود إلى فلسطين.. عدتُ لأعود" لم تكن عبارة سمير الشهيرة هذه أمام آلاف المحتشدين لاستقباله في ملعب الراية في الضاحية الجنوبية حماسة ثائر أو موقفا عابرا، فسمير حمل فلسطين هوىً وهوية وقضية، وهو يرى أن فلسطين كانت وما زالت وستبقى في ضمير ووجدان كل فلسطيني وعربي يشعر بالانتماء الحقيقي لدينه وتاريخه وجغرافيته وتراثه وتقاليده ولغته، وأن حلم تحريرها ليس مستحيلاً ولا مهمة بعيدة المنال، بل هي باتت أقرب من أي وقتٍ مضى بعد الضربات التي تلقاها هذا الكيان ومزقت صورته، متعهداً البقاء مخلصاً لهذه القضية حتى آخر أيام حياته، مستشهداً بكلام السيد حسن نصر الله بأن النصر بات قريباً جداً.

الربيع العربي فصلٌ لم تكتمل معالمه بعد..

يتابع القنطار اليوم ما يجري في العالم العربي بكثيرٍ من الألم والحزن، فالواقع العربي لا يحتاج إلى الكثير من التعليق والشرح بدءاً من لبنان وسوريا مروراً بليبيا والعراق وصولاً إلى مصر وتونس، مشدداً على ضرورة الوقوف وقفة تقييمة عربية شاملة، لاستخلاص الدروس والعبر مما جرى ويجري في المنطقة، فالفتن المتنقلة في العالم العربي والمستعرة نارها بين أبناء البلد الواحد هدفها تقويض دور المقاومة ونهجها، ومحاولة للعودة بالمنطقة الى سنوات الاستعباد والاستعمار خدمة للمشروع الصهيوني والاميركي والتكفيري.


لكن هذه الفتن والمؤامرات ستسقط وتفشل وتتكسر لأن في ما يحدث في سوريا ومصر بشائرُ كثيرة على أن زمن الهزائم قد ولى وجاء زمن الانتصارات، يقول القنطار. صحيح أن الأوضاع تحتاج إلى صبرٍ وتحمل لكننا سننتصر فالتحولات على الأرض كبيرة جداً، ولصالح النهج الممانع ولا عودة اليوم إلى الوراء، خصوصاً أن الشعوب العربية باتت واعية ومدركة بأن كيان الاحتلال يريد أن يجعل أوطانها دولاً متناحرة ومتناثرة، برأي عميد الأسرى المحررين.

دعم سوريا واجب لأنها دعمت المقاومة..

يستذكر القنطار أصوات النشاز الشاذة التي ما برحت تهاجم المقاومة ومشروعها ودورها وسلاحها داعية إلى الاستسلام والانبطاح أمام المشروع الصهيو ـ أميركي، والتي لا ترى في المقاومة إلا فعلاً هداماً ليس لها فيه أي مصلحة، فهذا الصوت الانهزامي التثبيطي يتردد صداه منذ سنين خلت، وأصحابه ما فتئوا يطلقون النار على المقاومة لتشويه صورتها وشيطنتها وتحطيم إنجازاتها تحت عناوين وحجج واهية وبالية ومقولات مزورة وباطلة، فهم أوجدوا المبرر لإسرائيل لعدوانها على لبنان في تموز 2006 وحمّلوا المقاومة مسؤولية الحرب ودمارها لأسرها الجنديين الإسرائيليين لتنفيذ عملية التبادل وإطلاق الأسرى.. ونسوا أن "إسرائيل" هي من اجتاحت لبنان وهي من تأسر أبناءه في معتقلاتها ولم يصدقوا سياسييها وعسكرييها بأن خطط العدوان كانت جاهزة بانتظار ساعة الصفر.. ولم يعترفوا بنصر المقاومة فيما أقرت إسرائيل نفسها به.

ولأن سوريا عمق المقاومة الإستراتيجي وحضنها الداعم، يصبح دعمها واجباً على المقاومة ومحورها، لا من أجل رئيسٍ أو قيادة فيها بل لأجل موقعها ودورها وتاريخها.. يشدد القنطار على ضرورة ألا يعير أحداً أذناً للأصوات التي تنعق بأن حرب المقاومة اليوم في سوريا كرمى لبشار، كما كانت حرب تموز 2006 في لبنان كرمى للقنطار.

وستكتمل الحكاية..

من مشوار الجهاد على درب فلسطين بدأت حكاية أسر مناضل ثائر أعاده المقاومون إلى الوطن حراً عزيزاً بفعل وعدٍ صادق... ولن تكتمل الحكاية إلا ذات صبحٍ قريب بعودة فلسطين من أسرها إلى وطنها العربي والإسلامي حرة عزيزة، ولو سُكبت على دربها كل تضحيات الصابرين... إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.
15-تموز-2013
استبيان