المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

القدس 2013: براثنُ التهويد تستعر.. وأشرفُ المدائن تلوي الحصار


فاطمة شعيتو حلاوي

ستة وأربعون عامًاً من الأسر المجلّل بالصبر مرّت على أقدس المدائن وأعرقها أبداً. فمنذ وقعت بقاعها الشرقية في براثن الاحتلال الصهيوني عام 1967، لم تعرف القدسُ سكينة الوحيِ التي آنست الرسلَ في مهدها عبر العصور، لكنها لم تهن يوماً. يضمّد أبناؤها جراحَها الصامتة تارةً، وتدبَّ في نفوسِ مغتصبيها الوهنَ تارة أخرى، لتصبحَ بتراءَ وعقيمة أساليبُ تهويدها، على الرغمِ من وتيرتها العجولة المستشيطة حقداً!

المدّ الاستيطاني، مصادرة الأراضي، التهجير، سحبُ الهويات، إصدار القوانين الملتوية.. هي وسائلُ التهويدِ العرجاء التي يعتمدها كيان العدو منذ عقود لمحاصرة القدس وتضييق الخناق على أهلها، والهدفُ واحد: "القدسُ: عاصمة إسرائيل الأبدية"... ولكن حاشى أن تصدقَ النبوءة الكاذبة الواهمة، أوليس وعد اللهِ كان مفعولا؟!...
 

منذ العام 1967، تركّزت رؤى بني صهيون على إبقاء القدسِ تحت سيطرتهم، فراحوا يحيكون خطط القضمِ والعزلِ والاستباحة لرسم مستقبل الأراضي المقدسية بما تمليه عليهم عقائدهم المغلوطة، والعنوانُ الأساس زعزعةُ، بل تغييبُ الهوية العربية والإسلامية والحضارية للمدينة المحتلة.

وتعدّدت المشاريع الإسرائيلية التي طُرحت إبقاء السيطرة الكاملة على المدينة المقدّسة، فكان من بينها مشروع دايفيد بن غوريون 1967، مشروع أبا إيبان 1968، مشروع غولدا مائير 1971، مشروع بن غوريون 1972، ومشروع موشي دايان 1972.

اليوم، وبعد مرور ثلاثة عقود ونيّف على إعلان كيان العدوّ ضم القدس الشرقية في 30 تموز/ يوليو 1980، تفعّل حكومة بنيامين نتنياهو قانون "أملاك الغائبين" الذي تم استصداره عام 1950، والذي "يشرّع" للاحتلال مصادرة أراضي وممتلكات الفلسطينيين "الغائبين" والسيطرة على إدارتها، وفي ذلك يكمن أخطر وجوه تهويد القدس المحتلّة. تهويدٌ تسارعت وتيرته بشكل ملحوظ العام الجاري، في ظل غيابِ استراتيجية عربية إسلامية تقوّض تداعياته، واستئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية في واشنطن بعد جمود مسار التسوية لثلاثة أعوام... فهل يكونُ حالُ القدس في الشطر الثاني من العام 2013 كما الشطر الأوّل؟

2013.. العام الأنشط استيطاناً والأسرع تهويداً

في النصف الأول من حزيران / يونيو 2013، أعلنت منظمة "السلام الآن" الصهيونية أن نسبة إطلاق عمليات البناء فى مستوطنات الضفة الغربية، خلال الفصل الأول من العام الجاري، هي الأعلى منذ سبع سنوات.

وأفادت المنظمة في بيان استند إلى إحصاءات حديثة لحكومة العدو، أن الفترة الممتدة ما بين كانون الثاني / يناير وآذار/ مارس 2013 شهدت الشروع في بناء 865 وحدة استطانية في الضفة الغربية. علماً بأن هذه النسبة تعادل ثلاثة أضعاف تلك التي سُجلت خلال الفترة نفسها من العام 2012.

وفي النصف الآخر من الشهر نفسه، وتحديداً في السادس والعشرين منه، منحت بلدية الاحتلال في القدس موافقتها النهائية على بناء 69 وحدة استيطانية في مستوطنة "هار حوما" (جبل أبو غنيم) شرقي القدس المحتلة.

وفي آخر حزيران / يونيو 2013، أعلنت بلدية الاحتلال نيتها عقد اجتماع مع أعضاء لجنة المال في برلمان الاحتلال للمصادقة على تمويل إنشاء البنى التحتية على "عطاءات" مُصادق عليها مسبقًا لـ930 وحدة استيطانية في جبل أبو غنيم.

وكان مرصد "تراستريال جيروزاليم" الإسرائيلي المكافح للاستيطان في الأراضي المحتلة قد أعلن في آخر أيار / مايو 2013 أن كيان الاحتلال اعتزم بناء نحو ألف وحدة استيطانية في القدس الشرقية المحتلة.

ووفقاً للمرصد الإسرائيلي، فإنه تم التوقيع على عقود لبناء 300 وحدة استيطانية في مستوطنة "راموت"، و797 وحدة أخرى ستُعرض للبيع في مستوطنة "جيلو" بالقرب من مدينة بيت لحم بالضفة الغربية. وتقع هاتان المستوطنتان في القدس الشرقية.

وفي سياق خطوات تهويد المدينة المقدّسة، أعلن وزير الإسكان في حكومة الاحتلال اوري أريئيل ، في 9 نيسان/ أبريل 2013، بناء خمسين وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية المحتلة وتخصيصها لمن وصفهم بـ"الناجين من المحرقة".

 ولفت أريئيل في تصريح للإذاعة العامة الاسرائيلية إلى أن الوحدات الإستطانية الخمسين ستُضاف إلى تلك المخصصة لمسنين في مستوطنة "تلبيوت" الشرقية.

وبحسب تقرير أعدّته مؤسسة "القدس الدولية" عن حال القدس خلال الفترة الممتدة من نيسان / أبريل حتى حزيران / يونيو 2013، فإن أعداد المتطرفين اليهود، من مقتحمي للمسجد الأقصى، قد ارتفعت بالتزامن مع إحياء المناسبات اليهودية خلال هذه الفترة، لا سيما ذكرى احتلال كامل القدس والاحتفال بما يُسمّى "عيد نزول التوراة".

ويشير التقرير إلى عودة الحديث عن تقسيم المسجد الأقصى في الفترة نفسها، لا سيّما مع إعلان وزارة الأديان في حكومة الاحتلال عزمها على مراجعة قانون يسمح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، بالإضافة إلى تقسيمه بين المسلمين واليهود، حيث تتولى لجنة نيابية دراسة الموضوع بالتفصيل.

وفي ما يخصّ "حائط البراق" المحتل، يؤكد تقرير المؤسسة أن المخططات التهويدية قائمة على قدم وساق بشأنه، في ظل المساعي إلى تقسيم الحائط عبر مخطط "شارانسكي"، الذي يقترح تخصيص ما يُسمّى "قوس روبنسون"، جنوب الحائط، كمكان دائم للصلاة المختلطة، وإيجاد باب مشترك بين منطقة الصلاة التقليدية والجديدة المختلطة.

 
 وإلى مخطط "شارانسكي"، يُضاف مخطط آخر لبناء مصاعد وممرات تحت الأرض تصل بين "الحي اليهودي" في البلدة القديمة، أي "حارة الشرف المحتلة"، وساحة البراق، وذلك لربط الحي بالساحة مباشرة وبناء مركز لزوار الساحة ومنطقة تجارية قربها. والهدف الآخر من التهويد هنا هو تعزيز السياحة الإسرائيلية، بحسب التقرير المذكور.

وفي تقرير آخر أعدته "القدس الدولية" عن حال القدس بين كانون الثاني / يناير وآذار / مارس 2013، تشير المؤسسة إلى تصاعد اعتداءات الاحتلال خلال تلك الفترة على قبة الصخرة وعلى مقبرة "مأمن الله"، حيث حاول المتطرف الليكودي، عضو "الكنيست" موشيه فيجلن، اقتحام القبة في سابقةٍ لم يشهدها المسجد الأقصى منذ احتلاله عام 1967.

كما يشير التقرير نفسه إلى اعتداءات طالت المقبرة الإسلامية المذكورة أعلاه كجزء من التهويد الديني والثقافي الذي تتعرض له مدينة القدس المحتلة، حيث عمدت سلطات الاحتلال إلى تجريف الأرض ونبش القبور وتنفيذ مشاريع تصل قيمتها إلى حوالى 3 مليون دولار.

حتى القبور.. لم تسلم من "غول" التهويد!

وفي تموز / يوليو من العام الجاري، أميط اللثام عن مخطط تهويدي جديد في القدس المحتلة، هدفه إقامة فنادق ومنشآت سياحية وتجارية وعقارية على أجزاء من أرض مقبرة "مأمن الله" الإسلامية التاريخية في المدينة المحتلة.

 فقد أشارت مؤسسة "الأقصى للوقف والتراث" إلى أن البناء سيتم في الجهة الجنوبية الوسطى من مقبرة مأمن الله، وتحديداً في الجهة المقابلة للموقع الذي يبني فيه الاحتلال حالياً ما يُسمى بــ"متحف التسامح"، على أنقاض المقبرة.
علماً بأن مقبرة "مأمن الله" هي أكبر وأعرق مقبرة إسلامية في فلسطين والقدس، إذ تبلغ مساحتها نحو مئتي دونم، ودُفن فيها عدد من صحابة رسول الله (ص) والفقهاء وخطباء المسجد الاقصى.

وكان الاحتلال سيطر على المقبرة عام 1948 وحوّل أجزاء كبيرة منها إلى حديقة عامة تحت اسم "حديقة الاستقلال". وقامت بلدية الاحتلال لاحقاً بمدّ شبكتي المياه والصرف الصحي، وبناء "متحف التسامح" هناك، وبنت مؤخراً مقهى وحديقة للكلاب على أجزاء منها.

 
"بوابة الورود": مخطط  تهويدي عاجل

في عددها الصادر في 31 تموز/ يوليو 2013، ذكرت صحيفة "معاريف" الصهيونية أنّ اتفاقاً وُقّع بين رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ووزير الإسكان الصهيوني اوري اريئيل من حزب "البيت اليهودي" المتطرف، ينص على بناء ما بين 4500 إلى 5500 وحدة استيطانية جديدة مقابل عدم انسحاب هذا الحزب اليميني من حكومة العدو بعد إقرار إطلاق سراح 104 أسير فلسطيني.

وبحسب الصحيفة نفسها، فإنه سيتم بناء هذه الوحدات في الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية والمستوطنات في القدس الشرقية.
وأشارت "معاريف"، وفق مصدرٍ في "البيت اليهودي"، إلى أن "الحزب يلتزم الهدوء بعد قرار إطلاق سراح الأسرى وتجديد المفاوضات بسبب هذا الاتفاق".

وفي أواخر تموز / يوليو من هذا العام أيضاً، كشفت القناة الإسرائيلية الثانية النقاب عن مخطط استيطاني جديد قدّمه أعضاءٌ في حكومة العدو للمصادقة على إخراج تراخيص بناء لقرابة ألف وحدة استيطانية شرقي القدس المحتلة، بالتزامن مع بدء الجولة الجديدة لمفاوضات التسوية في واشنطن، والتي جاءت بعد انقطاعٍ دام ثلاث سنوات.

وفي الإطار نفسه، ذكرت القناة العاشرة في تلفزيون العدو أن الخطة التي تحمل اسم "بوابة الورود" تم طرحها للمرة الاولى في العام 2004 في لجنة التخطيط المحلية لبلدية الاحتلال في القدس، ولكن تم سحبها سريعاً عن جدول الأعمال، لافتة إلى أن إعادة الخطة إلى قسم التخطيط في البلدية تم في الأشهر الأخيرة بسبب طلب وزارة الإسكان الصهيونية والضغط الذي يمارسه شخصياً وزير الإسكان في حكومة العدو، المعروف باقتحاماته للمسجد الأقصى ودعوته لتسريع بناء الهيكل المزعوم.
 
وأوضحت القناة عينها أن الحي اليهودي المزمع بناؤه داخل المربع الإسلامي في القدس، على بعد عشرات الأمتار شرق شمال المسجد الاقصى، سيمتد على مساحة خمسة دونمات، وسيتجاوز ارتفاع الأبنية سور المدينة خلافاً للقانون الخاص بالتخطيط والبناء. هذا فضلاً عن التخطيط لبناء كنيس صهيوني ضمن المساحة نفسها.

أمّا مؤسسة "الأقصى للوقف والتراث"، فحذرت في بيان لها من أن هذا المشروع يهدف الى مزيد من تهويد القدس القديمة ومحيط المسجد الاقصى، عبر طمس المعالم الاسلامية والعربية في المدينة المقدّسة وتغييب هويتها الحضارية.
 

وأوضحت المؤسسة في بيانها أنه، وبحسب المخطط الصهيوني، سيتم بناء 21 وحدة استيطانية ضمن أربع مبانٍ تتكون من طابقين إلى أربعة طوابق، بدلاً من المباني القائمة هناك، ما يعني استقرار عدد كبير من المستوطنين في موقع قريب من المسجد الاقصى مقابل ترحيل السكان المقدسيين. ويأتي ذلك ضمن مخطط تغليب الوجود الإسرائيلي في محيط المسجد الأقصى، وهو "أمر خطير جداً في المنظور القريب والبعيد"، وفق ما أكدت المؤسسة في بيانها الصادر في 30 تموز/ يوليو 2013.

13% فقط.. ما تبقى للمقدسيين من أرضهم!

وعن المعطيات الأحدث بشأن الاستيطان في القدس المحتلة، من حيث مساحات الأراضي التي صادرها الاحتلال وعدد المستوطنات التي بناها، يؤكد خليل تفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية التابعة لـ"بيت الشرق"، أن  35 % صودرت لما يُسمّى "المصلحة العامة" منذ العام 1968، و52 % اقتُطعت للشوارع والمخططات الهيكلية، ولم يتبق للفلسطيني حتى هذه اللحظة سوى 13 % فقط من أراضي المدينة المقدّسة، وهي الأراضي التي تتواجد فوقها المنازل العربية.

ويشير تفكجي في حديث لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" في الأوّل من نيسان / أبريل 2013، إلى أنه في حين كان عدد المستوطنين الصهاينة في القدس الشرقية عام 1967صفراً، فإنّ فيها اليوم أكثر من مئتي ألف مستوطن، وعددهم قابل للارتفاع في ظل سياسات التهجير والترحيل التي يمارسها الاحتلال بحقّ المقدسيين.

ويضيف تفكجي في حديث صحفي آخر إنه "في العام ذاته، لم يكن في القدس منزل واحد لمستوطن يهودي. أما اليوم، فلديهم 58 ألف منزل مقابل 48 ألف منزل للفلسطينيين، ومع حلول العام 2020 ستكون "إسرائيل" قد بنت 58 ألف منزل استيطاني آخر، وفقاً لمخططاتها"، موضحاً أن كيان العدو يسيطر اليوم على على 87 % من القدس الشرقية، وعلى مئة في المئة من القدس الغربية. (صحيفة "السفير"،  العدد الصادر في 08/03/2013).
 
يُذكر أن قوات الاحتلال هدمت منذ بداية العام الجاري أكثر من 60 منزلاً في مدينة القدس ومحيطها، متذرّعة بعدم حصول سكانها على "تراخيص" هي شبه مستحيلة المنال في المدينة المحتلة. وهو ما جاء في تقرير صدر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، الذي أفاد أن "إسرائيل" هدمت خلال العام 2012 نحو 590 منزلاً فلسطينياً في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أسفر عن تهجير حوالى ألف فلسطيني.

أولي بأسٍ.. يرتقبون

لربما هو ضئيلٌ ما تبقى للفلسطينيين من أرضهم في القدس، بل ما تبقى للعرب والمسلمين من تاريخ هويّتهم الحضارية في تلك المدينة المجاهدة، ولكن تبقى عظيمةً تلك الهمم العالية التي تشحذ نفوساً تهتف للقدسِ، ولو من خلف الأسوار. فلا بد للأسوار من أن تتحطّم يوماً، ولا بدّ من أن يُتوّج اللقاء بنصرٍ موعودٍ قد نزلَ في وحي الله.. فأولي البأسِ الشديد يرتقبون، بنادقهم تقرعُ محاريب القدسِ عند كلّ صلاة، ودماؤهم المبذولة عند مذابح الحقّ توقدُ مصابيحها، نداؤهم أن "لن نتخلى عن فلسطين، لن نتخلى عن القدس، ولن نتخلى عن شعب فلسطين، ولن نتخلى عن مقدسات هذه الأمة"... هذا ما أكدهُ سيّد المقاومة في ختام يوم القدس العالمي، في الشطر الآخر من العام 2013!
05-آب-2013
استبيان