المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

وصيةٌ ملائكية بطعم الظَفَر

مهدي ياغي: غيثٌ من زمن خيبر

لطيفة الحسيني


من زمن كربلاء وخيبر.. من عباءة عباس وراغب.. من بزّة عماد أطلّ مهدي.. مقاومٌ بنور الشمس، سَحَر المؤمنين بالنهج الثائر، دَهَش جمهوراً ببراءته وبساطته.. أعاد ابن ياغي صورة شهيد ٍصادقٍ وخالصٍ يأسر القلوب ويجلّه الخصوم.



ببضعِ كلمات بلهجة بقاعية، وببساطة وشفافية مطلقة، وابتسامة عريضة، تلا مهدي ياغي وصيته أمام كاميرا لم يسعَ للقائها يوماً، تسامح من عائلته فرداً فرداً.. اختصر الكلام الفصيح في رسالته الأخيرة المسجّلة عام 2009.. أنهى وصيته وانطلق في حديثٍ من القلب الى القلب، بدأ يلهو كالطفل غير مبالٍ لمن يسجّل تحرّكاته.. قرأ آياتٍ قرآنية دون تكلّف، وراح يتكلّم بلغة بلدته بعلبك .. افترض سيناريو ما بعد شهادته، فتمنّى على والدته عدم المبالغة في رثائه.. الى أبيه وإخوته كلامُ عن التوفيق وذكره فخراً على الدوام..  والى رفاق دربه وصايا سماحٍ وغفران. حتى جيرانه وأهل "ضيعته" لم ينساهم، فأمل مهدي العفو عنه "لا أحد إلا وأخطأ" قال شهيد الدفاع المقدس.

وصيةٌ ملائكية بطعم الظَفَر

استعدّ مهدي ليوم شهادته ضاحكاً، لم يتوقف عند مغريات الحياة المادية، "ركض" برجلي طفل الى عالم آخر فارغ من المصالح الدنيوية... الدفاع المقدس أغراه، فالتحق بركبٍ طويلٍ من الشهداء الأسلاف.. ودعا أصدقاءه الى ملاقاته عند قبره واعداً إيّاهم بالاستماع الى حكاياهم وأخبارهم، هكذا يطمئن إليهم عن قرب.

في 31 آب الماضي وتحديداً في ليلة القدر، شاء الله أن يصطفي مهدي أو "كرار" كما كان يحبّ مناداته تأسياً بالامام علي (ع).. في العشرين من أيلول الفائت، انتشرت على  الـ"يوتيوب" وصية الشهيد، تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة.. الآلاف شاهدوها وحمّلوها على أجهزتهم، صورته ملأت برامج المحادثات على الهواتف الذكية (الواتسآب) .. "كاريزما" مهدي أشعلت صفحات الانترنت وناشطوها..


وصيةٌ ملائكية بطعم الظَفَر
في اليومين الماضيين، احتلّ مهدي محمد ياغي الحسابات الشخصية لرواد الـ"فيسبوك" .. لم يمانعوا اجتياح صور مهدي لصفحاتهم .. وصيته أيقظت في نفوسهم حنيناً حملهم الى زمن يودّون المكوث فيه طويلاً..

يقول مهدي في وصيته المصوّرة، "هلق عم بحكي متل هو تبع التلفزيونات".. لا كان مختلفاً عن جَمْع هؤلاء، كان على طبيعته التي يفتقد إليها أحياءُ اليوم.. ولأنّ كلماته جاءت عفوية دون حدود، أتت التعليقات على قدر التأثر بالشهيد.

إحدى هذه الخواطر الفايسبوكية كتبها محمود رطيل: "بجماله البريء، بعيونه الساحرة، بحركاته العفوية، بصوته الحنون، بكلماته البقاعية و بضحكته الرائعة...الشهيد مهدي أسرنا جميعاً! أنتم الأحياء ونحن الأموات".

حديث مهدي أوحى الى "أحمد الجنوب" شعراً فخطّ سطراً : "رذاذ مطر زار اليوم صحراءنا، زار المدينة، زار قلوبنا الميتة كما الأرصفة مهدي .. أي غيث أنت؟ أي رسالة من خلف غيم ؟! هل أنت ما يقال ما خطر على قلب؟".

فيصل الأشمر استمدّ من مهدي طاقة فجّرها جُملاً: "بهياً كشمس بعلبكية طلع علينا مهدي ياغي، بسيطاً كفلاح عتيق، كتراب أرض طاهرة، باسماً في وداعة كطائرٍ محلق في فضاء الروح، ضاحكاً كفجر نديّ، عفوياً كثلج البقاع، عبر في صفحاتنا ومضى، بل نمضي ويبقى.
الشهيد مهدي ياغي ..هذه منظومة المجاهدين العقائدية والفكرية، الجهاد والشهادة في سبيل الأرض والأهل، لا الجهاد والشهادة في سبيل الذات".

منيا جمعة مدحت بنموذج مهدي فكتبت: "هذا ما يُسَمّى بالجهاد.. بشهيد الله، لا شهيد حور العين و الغداء (المُزيَّف) مع الرّسول الأكرم "صلّى الله عليه و آله" بحزامٍ ناسِف يقتُل الأبرياء بإسم الجهاد! أو ينحر الأطفال بإسم التّكفير الشّيطاني! أو آكلي لحوم البشر بإسم الإسلام! #الشّهيد_مهدي_ياغي رمزٌ للشّهادة الطّاهرة السّامية في سبيل الله الدّاعي للحقّ و العدل "جلّ و علا"... (هنيئاً لك الشّهادة يا مهدي)".

محمد نزال علّق تأثُّراً: "كل هذه الدهشة بالشهيد مهدي ياغي.. وما يشبه الصدمة.. إشارة إلى أن حزب الله غير معروف بعد حتى من أهله.. من بيئته وأنصاره... دليل على أن هذا الحزب كان، وما زال، وسيظل لا يجيد التسويق "الإعلاني" لنفسه... هذه مذمّة في لغة الأرض.. ربما.. ولكنها فوق المدح في لغة "الملكوت"...

مروى ياسين أطلقت باقات ثناءٍ وإشادة بوصية مهدي: "لولا عزاؤنا بمهديّ قادم، لكانت غيبة مهدي عظيمة... نحن لم نعرف مهدي، رأيناه في صورة وصوت... ولكن حزنا لرحيله...  كأنه أول الشهداء، وكأنه آخرهم... كأنه لم يولد، ولم يستشهد... كأنه حلم، كأنه أمل... كأنه قبس من فرَج قريب.... مهدي...".

منهال الأمين استذكر قولاً بالمناسبة: "بعد كل ما قرأت وسمعت حول الشهيد السعيد مهدي ياغي ... استحضرت التالي:أولاً، تعبير الإمام الخميني حين قال: إن هذه الوصايا تهز الإنسان وتوقظه .... والثاني مصداق لهذا الكلام وهو ما ورد في وصية الشهيد سمير مطوط(الحاج جواد) إذ يطلب من الله تعالى أن يسمح له بلقائه مقطعًا ... ما معنى ذاك!!!!!! الله أعلم".

وصية مهدي دفعت فراس الشوفي الى الإطراء عليها بشدّة، قال: "هذه ليست وصية. هذه رسالة من عالم آخر، من رجل طفل يختزل القمر في وجهه، والسكينة في صوته، والطمأنينة في قلبه. مهدي ياغي، عسانا نلقاك حيث أنت، هذي الابتسامة ستضج في القلوب لسنين قادمة...".

محمد قشاقش أثنى على وصية المقاوم المميز: "مهدي ،لإسمك ينحني القلم خجلا ، ينزف حبرا من شوق و سلام، ينزف دما، من عبرة و حنين، لك، كل القصائد تتنحى جانبا، الحب مرسال من وفا، والبحر لكفّيك مرسى، مهدي، يا لروعة عينيك، ساحة نور، والنزال فيهما هوى".

حبيب فياض منح مهدي أسطراً معسولة: "هل هاتان هما عيناك أم عروجنا الى السماء؟
أنى لك كل هذا السكون؟
لبوحك ينصت المدى بانتظار حضورك..
وتفتح السماء ذراعيها لاحتضانك..
ورفيف أجنحة الملائكة لا يعلو وقع خطوك..
لمثلك تضيء النجوم وتجري الأفلاك..
يا عرسنا الحزين..".

وصيةٌ ملائكية بطعم الظَفَر

جاد عيسى نظم قصيدة لمهدي : "الشهيد المجاهد مهدي ياغي
يا من لم يتقن فنون الكلام
ولم يغص في بحور الشعر
ولا أنهار الأدب
من أتيت بكل هذه البلاغة
من أي مدرسة أنت ؟
كيف نظمت هذه الملحمة
أثغرك الباسم هذا
أم قلبك المتيم الطيب
أم عقلك المرتبط بالذات المقدسة
أم روحك الحرة المحلقة
كل هذا يا مهدي أنت
وكل الغبار تحت نعليك أنا".

محمد محسن غاص في معاني كلمات مهدي: "الضوء في وجه الشهيد مهدي، أصدق ما رأيته عن طهر الشهداء. هذه البراءة الملائكية، من خارج الدنيا التي نعيشها. لا أحب تحقير الذات، خصوصاً وأن الشهداء لا يحبون أن نشعر بالدونية تجاههم. أقلّه، تلبية لرغبتهم، أجهد في التقاط كل الجمال النابع من وصيته العفوية، وما أكثره! مهدي، مثال للأخلاق التي تقاتل المقاومة بها في سوريا، قبل قتالها بالسلاح الموجود عند الجميع. مهدي، ككل المقاومين على الجبهات، يملك سلاحاً مؤجلاً، ينصرهم في معاركهم، ولا نراه إلا بعد استشهادهم. مهدي، حين تضحك أمة للموت، لا يهزمها أحد".

جعفر الطفار خصّص فقرةً للحديث عمّا جاء على لسان مهدي:
"في الوصية التي إنتشرت على صفحات الفايس بوك حذف المقطع الذي تمنى الشهيد حذفه ,مقطع تلاوة القرآن ,وفي أول المقطع رسالة يقرأها باللغة الفصحة يتوجه بها إلى اهله و رفاق دربه يؤكد فيها على السير في خط المقاومة و الجهاد و الدفاع عن المقدسات و الإلتزام بنهج روح الله الخميني,الشهيد طلب حذف المقطع بسبب خطأ لغوي، فهو قد تلعثم خلال التلاوة و طلب حذف المقطع خجلاً.لقد جاء الحذف بإيجابيات كثيرة .لكنه لم يكن من المصدر الرئيسي.فلنتحدث بلغة مهدي العامية.
فيديو الوصية نزل عاليوتيوب من 20 أيلول 2013 متل ما مبين بهيدا اللينك.ومهدي استشهد بتاريخ 31/07/2013. ومهدي مش اول شهيد و لا آخر شهيد.مهدي نموذج عن شباب حزب الله بمنطقتنا، إذا ما بدنا نقول نموذج عن شباب الحزب بشكل عام.
مش رح اتغزل بعيون مهدي و لا بعفويتو و لا ضحكتو و لا البساطة اللي بيحكي فيها عن حياتو و أهلو و الشحار و التعتير.لأنو مهدي لما سجل وصيتو بتاريخ 3 -9-2009 ما سجلها بأستوديو الأم تي في، ولا عمل مايك اب قبل التصوير,سجلها بمعسكر تدريب من معسكرات حزب الله متل ما كل شباب الحزب بيسجلو وصيتهن.كتار اللي ممكن يحسوا بملل إذا حضروا الوصية كاملة و اللي هي عبارة عن 17 دقيقة و شوي، فيهن نص مكتوب بالفصحة و دعاء الحجة و تلاوة قرآن. ويمكن هيدا الشي اللي بيخلي كل وصاية الشهدا تمر مرور الكرام تقريباً إلا إذا شلنا اهل الشهيد ع جنب.

المهم و الخلاصة:بعلبك الهرمل خزان المقاومة ،مدينة الشهدا .الشهدا اللي ما ضحوا بروحن لا عشان الشمس و لا عشان القلعة.هودي الشباب آمنو إنو حزب الله أهل حق و مشو بطريقو.و هيدا شي ما بيصير بالإكراه ،أبداً.ما فيك تحب مهدي و تكره الحزب ،ما فيك تحب بعلبك الهرمل و تكره الحزب .يين اهل بعلبك الهرمل و الحزب علاقة ما بتفهمها لا أميركا و لا أوروبا و لا أسيا و لا أفريقيا و لا داعش و لا النصرة و لا النظام و لا اني.إذا إنت فهمان شرحلي.و إذا مش فهمان لا تزعل بس قلك أني مع أهلي،اني مع الهرمل اللي هي مع الحزب و الكمالي عندك".

وصيةٌ ملائكية بطعم الظَفَر

محمد بركات ورغم ولائه السياسي لتيار المستقبل، لم يخفِ إعجابه بما استمع إليه في وصية مهدي: "المؤثّر إلى حدّ البكاء في هذا الفيديو كيف أنّ شابا في مقتبل عمره يذهب إلى الموت بكلّ هذه الإبتسامات... والأجمل حين يقول: ما بدّي حور عين. مهدي يقوم بتضحية كبيرة من أجل ما يؤمن به".

كثيرون نشروا على صفحاتهم الوصية.. كثيرون اتّخذوا من وجه مهدي وضحكته المشرقة صورة "تُبارك" حساباتهم. بعض هؤلاء الكثر ترجم تأثُّره بما سمع، من خلال إنجاز رسومات تخلّد "كرار" على الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي فيها.

نموذج الشهيد مهدي ياغي كان مميزّاً بقدر ما كان بسيطاً يُجمع مشاهدو الوصية لأنهم تحسّسوا براءة لا شبيه لها في ملامح "كرار". ثمة من يعتقد أن لهذا الإخلاص والإيمان الظاهر في شخصية مهدي أثرٌ ما فيما حدث معه حين دُفن، حيث ظَهر باسماً في لحده. إنها كرامةٌ يختصّ بها الله أشخاصاً استثنائيين..

لمهدي كلامٌ لا ينضب:

لن تحزن أمك يا مهدي ستفتخر بك يا كرار.. ستسامحك لأنك تأخرت عن اللحاق بركب آل محمد،
سيرفع والدك رأسه الى يوم القيامة بما أنتجت تربيته من برٍّ وإيمان،
إخوتك يا مهدي سيجعلون من صورتك تاجاً يتباهون به في الدنيا والآخرة،
زوجتك وعائلتك الصغيرة ستصنع من كلماتك أيقونة تزّين بها أعناقها،
محبوك الذين عرفوك بعد استشهادك حفروك في ذاكرتهم..
01-تشرين الأول-2013
استبيان