المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

ذات قصف في الصف


صبوة الأمين

كنت طفلة لأستوعب ذاك الذهول المتدفق من وجه معلمتي. بدت كأم لثلاثين طفلاً داخل الصف، أكبرهم لم يتجاوز الأعوام التسعة. كنا نسمع صدى صوت القذائف، لكن القصف بدا بعيدًا عنا، ربما بسبب الفوضى التي عمت في الفصول الأخرى. حاول الأساتذة ضبط الوضع، لكن التلاميذ كانوا يدركون بأن العدو لا يميز بين مدرسة وبيت ومسجد، فضلاً عن أن صفنا يقع في الطابق الثالث. كانت معلمتنا تتحدث إلى معلمة في الصف المقابل، وآثار الخوف على ملامحيهما جلية وواضحة، مهما حاولتا التظاهر بعكس ذلك، كي لا يتسلل الخوف إلينا ربما، خصوصًا وأن صوت القذائف أصبح أكثر قوة، بشكل غطى على الضجيج السائد في المدرسة. فجأة، لم يعد بإمكان أحد السيطرة على الطلاب، الذين انهمروا من المدرسة وسط تزاحم شديد، وخوف لم أشهده من قبل. لم أكن أدرك إلى أين سأذهب، ومنزلنا بعيد نوعًا ما عن مدرستي. للحظة شعرت برغبة شديدة في البكاء، قبل أن أجد يدي بيد شقيقي الأكبر، كأن الله أنزله لي من السماء، ليأخذني ويمضي بي إلى حيث لجأت أمي وباقي إخوتي. طبعًا لا إلى بيتنا، بل إلى بيت سيدة تقية، كنا نعده جميعنا آمنًا من كيد صواريخ العدو، كونه محاطًا بالبيوت من كل الجهات.



لم نكن وحدنا، بل كثيرون من الأقارب والجيران، كانوا يجتمعون هنا لشعورهم بالطمأنينة. هدأت وطأة القصف، وبدأ أهل القرية يتحركون للملمة جراحهم: أم تبحث عن طفلها الذي لم تعرف إلى أين غادر المدرسة. كهل يتفقد منزله المتضرر، وأب يمسك بأولاده عائداً نحو منزله... مشهد صعب ألفناه كثيرًا أثناء الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، أرض جبل عامل كما تُعرف. لكن ما علق في ذاكرتي أكثر، كان حديث أمي عن استشهاد جارتنا وابنتها، نعم جارتنا التي أصابتها شظايا حقدهم. لم تصل، هي وابنتها، إلى مكان آمن مثلنا، ولعلهما كانتا أكثر أمانًا حيث وصلتا. حزن أبي، بكاء أمي، كل شيء في هذا المشهد، لا زال كأنه أمامي الآن. أما الأكثر التصاقًا بذاكرتي، فكانت أصوات الآيات الكريمة تنبعث من مئذنة مسجدنا العتيق، تؤبن من رحلوا، كانت تخفف قساوة المشهد، وقساوة الاحتلال الذي أرعب طفولتنا. تحضرني تلك الصور، كلما شاهدتُ أطفالي يلهون بأمان عند الحدود مع كيان العدو، لا يسمعون صدى الرصاص والقذائف التي كانت تهز عالمنا البريء. حينها أتذكر رجالاً حملوا دماءهم على أكفهم، وأعاروا  لله جماجمهم، من أجل أن ننعم وينعم أطفالنا بالكرامة والأمان. تلك الطرقات الآمنة التي يسير عليها أبناؤنا نحو مدارسهم، لن ننسى يومًا أن ثمة دماء انحدرت فوقها، فنمت على جوانبها، وفي قلوب من مروا عليها، ورود انتصار.
09-تشرين الثاني-2013

تعليقات الزوار

استبيان