المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

يقين...



لنا العزير

كثر في أغوار الأرض مترجمو الحدث والحزن والنبض والوفاء ، وفي غور القلب لغة عصية على التأويل تنثر نصرًا من رحم الظلم، ورضى في صميم البلاء؛ لغة ألقاها يومًا من نحره للسماء فتساقطت في قلوب العاشقين رطباً جنيًا.
نميل غالبًا، نحن أصحاب العقائد الموروثة، حسبما يسميها أنصار " التحرر من الموروثات"، نميل إلى استعادة المنطق والصبغة العقلانية للنشاطات كي تتماشى مع التيارات الفكرية.



وذلك ليس لكونها بذاتها بعيدة عن العقلانية، بل لكونها تأصلت وأصبحت من المسلمات عند المعظم من الوارثين، من هنا جد الكثيرون لتفكيك هذه المسلمات وتحويلها إلى معادلات منطقية ذات دافع ومسلك وغاية. وذلك في محاولة لإيصال هذه الأفكار بلغة العقل للمحبين، وللمغايرين فكريًا، لاسيما من لا يقتنعون بنتيجة، هم – أساسًا- لا يؤمنون بمنبعها، فتكون لغة مشتركة للتناول بين مختلف التيارات الفكرية.
وهذا جميل ومفيد للعقل، وتجذر للمفهوم ووقاية للفكر من دخائل تقادم الزمن، واسترجاع أصالته العقلانية، التي وإن كانت موروثًا دينيًا، كما يحاول البعض التسخيف من عقلانيتها، إلا أنها تصدر عن إله كان أولَ خلقِه " العقل "، وأولى إفاداته له: "بك أثيب وبك أعاقب".

 


ولكن ، عندما يتعثر مسمعك بهمسات أم تواسي ولدها الشهيد: "معليش يا أمي، انت بحفظ الإمام الحسين، وأنا مش أحسن من ستنا زينب لما قدمت الفرس لخَيْها، هيدا نهجنا وبدنا ندافع عنه". كأنها تحاول أن تبرر تقصيرها في الجزع عليه، وتقبلها لشهادته دون أن يقتلها النبأ ويهزمها الفراق... فماذا عساك تقول؟!
هي، تهمس له ما تضج به نفسها، تصارع فيه ما يمكن لأي امرئ أن يكابده في خياراته بين الأنا والنحن. تداوي حزنها بتأسٍ بزينب تارة، وبالسعادة الموعودة لولدها في الجنان تارة.
"هذا نهجنا". حسمت أمرها وأودعته القائد، الذي قدم نفسه وأخوته وأصحابه فداء للنهج. ولكن، تُرى هذه السيدة كم تعييها نظريات الصراع بين الرأسمالية والبروليتارية، أو استبداد الأنظمة الإمبريالية ؟



قد يتقوّل البعض في سلوكها أنه فعل مرهون بالرابط القرابي أو العصبي. نعم، أَوَهنالك أشد قرابة لها ولعصبها من ولدها؟ أهنالك ما يمكن أن تستكين له في حماية وجودها وإمساك قلبها من أن يهوي إلى الأرض، كولدها؟ أفي الموروثات الفطرية ما هو أشد تمسكًا من رحم بوليده ؟
هنالك حب يفوق هذه القرابة والعصب، وهو عشق الحسين، الحسين الذي تعرفه هي بأنه حفيد رسول الله ولسانه وحقه، وما كان رسول الله يدافع عن جاه ولا سلطان، ولكن كان رسول الله إلى الأرض ليحقق العدل، وما امتداد الحسين من محمد إلا استكمالاً لرسالة الله، و"نحن نقدم أبناءنا كزينب على حب الله وحب الحسين للدفاع عن الدين والمظلومين بوجه الفاسدين في هذا العالم".
هذه الإقتبسات، سمعها الكثيرون منا في آهات الأمهات وهن يربتن على أفئدتهن على بوابات الوداع .
جميل هذا التعقل الذي تتسع دائرته في مجتمع أتباع الحسين، ويشغلنا  بالتأني بأدق تفاصيله، إذ من الروعة أن تصل إلى مرحلة تحلل فيها المفردات بكل متعلقاتها الظرفية، وتخرج لهذا العالم أكثر اتساعًا من الفضاء لتحتضن هذا اليقين. لكن، للحب منطق وسحر، لا يعيه إلا من ألم به الهوى، فكيف من كان "ألم" قلبه قبس من عشق الحسين!
11-تشرين الثاني-2013

تعليقات الزوار

استبيان