المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

العيساوي: الحرية ليست انقضاء حكم - هاني إبراهيم/ غزة


حتى وقت قريب كانت المحامية شيرين العيساوي تعدّ من الأيام المقدسية ما تبقى لخروج شقيقها سامر من السجن، وتنشر عبر الفايسبوك إلى العالم كلَّ صباح منشورات يتناقص فيها عدد الأيام اللازمة حتى ينال "توأم روحها" حريته.
رغم ذلك، لم تكن الأيام التي تعدّها شيرين أصعب من التي عاشها الأسير المحرر سامر العيساوي الذي خاض أطول إضراب فردي عن الطعام في العالم امتدّ أكثر من 270 يومًا. 
فعودةُ فلسطينيٍ كان قد تحرّر إلى الأسر تضاهي بصعوبتها لحظات الاعتقال الأولى، فسامر لم يكد يتنشق هواء الحرية حوالي سنة داخل مدينة أسيرة بما يحيطها من مستوطنات وحواجز وعسكر، حتى سجن مجددًا، لذلك انتفض لكرامته وكرامة بقية الأسرى.
خلال ساعات الانتظار كانت شيرين تنقل ما تشعر به عبر حسابها إلى عشرات آلاف المتابعين عبر الإنترنت أولا بأول، فمنذ ساعات الصباح الشتويّ البارد وهي وأهلها على الأبواب ينتظرون، لكنها قالت: "انتظار الحرية يمنح الدفء".
قبل الانتظار، خاضت العائلة على مدار عام ونصف حربًا نفسية شرسة ضد إدارة مصلحة السجون الصهيونية، التي تعمدت  - وقت الإضراب- تسريب أخبار تفيد بموت أعضاء سامر واحدًا تلو الآخر، في حين كان الأخير يذهب في غيبوبة متقطعة تمنعه عن القول لأمه: "ما زلت بخير، أنا على قيد الحياة".

سامر حين الإفراج عنه أول مرة العام 2011

قضية عالمية
هذه القضية الفلسطينية صارت عالمية بعدما تخطت أيام الإضراب حدّ المعقول طبيًا وعقليًا، فلا يتخيلن أحد كيف يمكن لإنسان أن يمتنع عن الطعام 9 شهور، مع الامتناع الجزئي عن الماء والدواء والفيتامينات.
فصاحب تجربة سابقة، هو المحرر المبعد إلى غزة أيمن الشراونة الذي خاض إضرابًا تعدت أيامه الـ260، حاول وصف الأمر بعد تحريره فقال: "يقتلك الجوع في أول 20 يومًا، ثم تفقد بالتدريج الشعور بالجوع، ويبدأ جسمك يأكل بعضه بعضه، إلى أن تختل كل وظائف الجسم".
أما المشهد الأقسى في تجربة العيساوي، فكان في اليوم الذي حضرت فيه عائلته محاكمة عُقدت له أواخر 2012م، في ذلك اليوم جرى الاعتداء على سامر الذي كان مقعدًا على كرسي متحرك، فضلاً على التهجم على أهله وضربهم.
http://www.youtube.com/watch?v=FEbsPcoO77M
مع هذا، انتصرت "العيساوي" بصمود "سامرها" و"شيرينها" التي تعمل محامية، اعتقلها الاحتلال 5 مرات سابقًا، لذا خبِرت أساليب إدارات السجون فواجهتها باقتدار.

خلال معركة الأمعاء الخاوية التي امتدت لـ270 يومًا


الحرية ثانيةً
ابن مدينة القدس رأى النور مجددًا في الثالث والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2013، إذ كان الاحتلال الصهيوني قد أفرج عنه ضمن صفقة "وفاء الأحرار" العام 2011 بعد 10 سنوات من الاعتقال، ولكن سلطات الكيان الصهيوني أخلّت ببنود الاتفاقية الموقعة مع المقاومة الفلسطينية برعاية مصرية، وأعادت اعتقال العيساوي في تموز 2012.

والدة العيساوي:"انتظار الحرية يمنح الدفء"

برر الاحتلال إعادة الاعتقال بمحاولة العيساوي دخول "الرام"، ما يخالف، وفق الادعاء، شروط الصفقة التي كانت تنص على ألا يدخل الأخير مناطق الضفة المحتلة، فاستغلت المحاكم الإسرائيلية هذا الأمر لتعيد إصدار حكمه السابق عليه، والذي تبقى منه 20 عامًا.
أن تموت مرتين ثم تحيا، هكذا بدا وجه سامر الذي قال للتلفزة بعد خروجه مباشرة أمس: "انتصرنا في هذه المعركة على هذا الاحتلال المتغطرس المتعسف. هذه الحلقة الأخيرة بعد الانتصار على إدارة السجون". مع العلم أن "مصلحة السجون" تعمدت تأخير إطلاقه إلى ما بعد العِشاء بدلاً من الصباح، على عادتها "التنكيلية" في تأجيل موعد الإفراج لقطع الفرحة على الفلسطينيين.


الأسير المقدسي أمس بين أهله ومحبيه

سعت قوات الاحتلال قبل الإفراج عن العيساوي بليلة إلى كتم سعادة عائلته وأهل مدينته، فاقتحمت منزله وسلمت إخطارات لأهله مفادها: التحذير من أية مسيرات أو مظاهر احتفال خلال استقبال ابنهم.
يقول العيساوي وهو يحتضن والدته: "نحمد الله، تحطمت أسوار السجون أمام عزيمة الأسرى الفلسطينيين"، شاكرًا كل من تضامن معه خلال الشهور التي أضرب فيها. ولم ينس سامر تعزية أهالي الشهداء، ولاسيما الذين ارتقوا خلال اعتقاله الأخير، خاصًا بالذكر عائلات الأطفال الشهداء، والأسرى المرضى الذين قضوا في السجون، كميسرة أبو حمدية وحسن الترابي. ودعا إلى فعل شيء لعدم تكرار مأساة الأسرى المصابين بالسرطان، كيسري المصري ومعتصم رداد.


عن سر صموده ومجابهته السجان خلال المدة الطويلة التي عاشها في الأسر والإضراب والضغط النفسي، يقول العيساوي إن تربية والده علمته معنى المقاومة، مستمدًا القوة والعزيمة من والدته الصابرة المثابرة دائمًا. 
انتصار العيساوي في الثالث والعشرين من أبريل 2013 (قبل 8 شهور)، فتح الطريق واسعًا إلى كسر قانون عسكري كان قد فُرض على الأسرى المحررين يقضي باعتقالهم لأية مخالفة، حتى إن كانت مخالفة سير.


بعد أن أكمل المعركة، التي فجرها من قبله الشيخ خضر عدنان (أضرب عن الطعام حتى نيل الحرية)، ها هو سامر العيساوي يعود اليوم إلى حضن القدس والأم والبيت معززًا مكرّمًا، ومطبّقًا مقولته: "التحرر ليس بانقضاء مدة الحكم بل بالخروج قبلها رغم أنف المحتل".




24-كانون الأول-2013

تعليقات الزوار

استبيان