المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

وين رحت يا بابا؟! - زينب صالح



أجمل ما في شهادته، أنّ ابنته الوحيدة  لن تبكيه، لن تشتاق إليه، ولن تقبّل صورته المعلقة على جدار كل قلب.
وغدًا، لن تسأله أن يأخذها معه، ولن تتمسك بردائه عندما يهم بمغادرة المنزل. لن تسكب فوق ثيابه حليبها. ولن تلطّخ وجهه بطعامها. ستكون هادئة جدًا، أكثر بكثير من هدير الغربة في سنوات انتظاره قدومها.
و"محمد" * سيرتاح من إحساسه بالحزن على أنينها ينبتُ أسنانها. لن يصفرّ وجهه عندما تبكي مرضًا، أو من جرّاء حرارةٍ مرتفعة.  لن يعرف أطباء الأطفال، ولن يزور الصيدلية من أجل ابنته "زهراء".



غدًا عندما تمشي لن يحملها حين تقع، أو يقول لها:" لا تبكي يا بابا". لن يقبّلها للتوقف عن ذرف الدموع. لن يدلّلها ولن يزيد على حنان أمها زهرة أبوية.
أما عن المدارس ومسؤولية اختيارها، فقد أوكل الأمر إلى ذويها. من الآن قدّم استقالته من حضور حفلات المدرسة واجتماعات أولياء الأمور. سجّل غيابه في كل السّجلات والمحافل، وهي اعتادت قبل أن تكبر على أن لا تطلب توقيع والدها على ورقة علاماتها. ولن تسمع تذمّره من هذه العلامة، ولا صوت فرحه بتلك.



أمّا عن قصص الفتيات، فقد ارتاح من الكثير. لن يستمع اليها تحكيه عن عريس يريد التقدم لابنته البكر، أول فرحته  في الحياة. لن يشعر بأنّ أميرته ستغادر عرش دلاله إلى بيت رجل آخر. لن يقف أمام دموع زوجته مخفِّفًا: "إنها سنة الحياة". وحتى، لن يلبس البدلة وينتظر قدومها إلى المنزل بفستانها الأبيض، قبل أن يُشبك كفها بكف عريسها. فوالده سيتكفل بذلك، أو ربما شقيقه أو أحد أخوالها، وسيقفون جميعًا  - "بدلًا" منه- مودّعين عروسهم، بدموع حائرة باحثة، إلى حياة جديدة.
وزهراء أيضًا، لن تعتب يومًا. فهي ما شعرت بطعم الأبوة حتى يحرقها الغياب.هي طفلة، لكن ليس كبقية الأطفال. ففي كل مراحل حياتها، لن تسمع سوى دق أجراس الوداع الذي عاشته أمها يوم رحيله!
زهراء، الطفلة التي انتظر والدها قدومها أربعة أعوام، حلم فيها بصوت ناعم يرتّل:"بحبك يا بابا". كانت ابنة أيام حين قبّلها محمد قائلًا لزوجته: "بس ارجع منطلع نحن وزهراء عالبيت". اشتمّ حضن ملاكه الصغير، وهمس لها: "نورتِ حياتنا يا بابا".



"بابا محمد" ذهب، ولم يعد سوى بنعش، احتضن كل ذكرياته القادمة مع  يتيمته زهراء!. تركها لتعيش أكثر مع شهادته، مع صورته على مدخل الدار، لتنسج منها، ومن حكايا الغياب، قصة الوالد الذي غادر مبكرًا جدًّا، حتى قبل أن تراه. لعلها ستسأل:  "ليش مش رح شوفك يا بابا؟ قالولي كنت تحبني، وكنت حنون. وينك؟! ليش رحت قبل ما إكبر؟!"
هي أسئلة زهراء محمد حيدر، ابنة الشهيد العشريني، ذي الوجه المشعّ كشمس أيار. فارس عيتا الذي دفن لعبة ابنته معه في روضته، تاركًا إياها تكبر مع أسئلتها.
أجيبوا يا أصدقاء "محمد" على تساؤلات زهراء البريئة!
"ليش رحت يا بابا؟!"
أجيبوها  بنصر يوازي مرارة  يتمها!
17-كانون الثاني-2014

تعليقات الزوار

استبيان