المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

يوميات عائلةٍ مدلّلُها مفقود! – زينب صالح



قال له مرتضى(اسم مستعار): اتركني يا أخي واذهب. يجب أن تخرج من هنا معهم. نحن في حصار. هيّا غادر. جهّز العتاد من جديد وعد لتأخذ بثأري."  لكنّ عباس أبى.
وصل الشّباب – وأخيرًا -  إلى بيوتهم، لكنّ عباس لم يكن خلفهم، لم يعد معهم. لم يملكوا ما يقولونه لأهله وباقي الشباب. لم يعرفوا كيف اختفى هو ومرتضى، لكنّ صورة رأس مرتضى المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي كانت كافية.
رأسه كرأس الحسين (ع) يحمله أعداء الإسلام. الزّمن يعود الى الوراء. يتّضّح أكثر مشهد الشّمر يحمل رأس الإمام. "مرتضى"شهيدًا، إذًا أين هو عباس!؟ كيف اختفى؟ ماذا حصل معه؟.



"لو أنّهم قتلوه لأرسلوا إلينا صورته كما فعلوا بمرتضى، لن يستثنوه، سيتفاخرون بـ"قتيلين" من حزب الله!. وإذا إن كان عباس قد استشهد فأين هو رأسه وأين جسده؟".
مسلسلات وسيناريوهات كثيرة لا يخلو منها كل حديث: أين هو عباس؟
بات ابن الواحد والعشرين عامًا نجم قرية، جميع شبابها يبحثون عنه حيث اختفى، وحيث يمكن أن يختفوا هم. هناك حيث حوصر، وحيث يمكن أن يحاصَروا هم. في غيابه، يحضر في كل سهرة، وعند كل صلاة وحول كل مائدة. لم يبق بيت إلا وعلّق أمل رجوعه على منشر الآمال. باتت كثيرة. منها: الأمان، ومنها: نصر يعيد الى القرية أحباءها سالمين، أو شهداء. المهم أن يعودوا.



 بات هذا أملًا يتشاركون فيه مع الإمام السجّاد(ع)، حين افترش ألم انتظار دفن والده والأصحاب ثلاثة أيام. صاروا ينتظرون أكثر! في أول أيام غياب عباس خافوا على قلب الوالدة. قالوا لها:"عباس اتصل، هو بخير". فرحت، لكنّ صوت قلبها كان أقوى من كلامهم:"عباس بعد ما اتصل، عباس بعدو مفقود".



"مفقود" كلمة مؤلمة. ربما يستغرب الكثير كيف تصمد هذه الأم المتقدمة في العمر أمام هذه الحقيقة، خاصة أن عباس هو مدلّلها وأصغر أولادها. كلهم تزوجوا. بقي هو معها في بيت وحشتها، تنتظره كلّما يذهب الى جهاده كأنه يذهب للمرة الأولى، وكلما عاد كأنه عادة لأول مرة بعد غياب طويل. لكنها لم تجزع يومًا. يتناقلون حالها. بات صبرها شريك غياب ولدها. هي الأخرى مثل حسين(صديق عباس المقرّب). لسان الحال يردّد: "يا رب يرجع سالم".
رنّ الهاتف. منذ اختفاء عباس وحسين يخاف الرد على الهاتف، يجيب بصوت خافت، بوجه مرتعد، "نأزتني (أخفتني)، خايف اسمع خبر استشهادو، خليني احلم انو راجع". ثم يتمتم بعد انهاء المكالمة: "شو بدو يرجعو؟!... لا لا، الله يرجعو سالم!".



يلعبون لعبهم التي طالما شاركهم فيها بعد عودتهم من "سوريا": "وينك يا عباس حتى تساعدنا!".
 ثم يحين وقت الأرغيلة". عباس شاطر بتزبيط الأرغيلة، مع إنو ما بأرغل". يتحول الحديث الى فكاهة: "بكرا بس يرجع بدنا نخلّي يعوّضلنا، عقاب إلو شهر كل يوم يولّع أرغيلة". يُجمعون أنّ الغياب مؤلم، ربما أكثر من خبر استشهاده، ربما أقل. ما يهوّن الأمر أنّ الأمل ما زال قائمًا برؤيته.
تقول أخته بأنّ الصبر يتأجرح في قلبها، تشعر أحيانًا بأنّ ميزانه اختل، لم تعد تحتمل. تريد أن ترى مدلّل العائلة، لكن "ما باليد حيلة".
-"لشو بدكم عيّنة مني؟! عباس بعدو عايش!"



يتلعثم الشاب الذي أوكلت اليه مهمة صعبة: جلب عيّنة من أمّ عباس، لمعرفة ما إذا كانت إحدى الجثث في المستشفى تعود الى ولد تنتظر أن تعانقه مرة أرى.
- "يا حجة مش بس منك عم ناخد، من كل أهالي المجاهدين عم ناخد عيّنات، ما بتعرفي شو بصير".
تستدرك الوضع. تتذكر أنّها في حرب. ليست لوحدها من تتحمّل آلامًا موجعة.
-" إي صحيح يا ابني. بس بطمنكم ابني عباس راجع".



لم تره سوى مرة واحدة فقط في منامها. طلب منها ان تقيم مجلس عزاء في بيتها. لم تعرف السبب، هل هو لراحة نفسه، هل هو لخلاصه من حصار؟ هل.. هل..؟ لكن، كل ما تعرفه بأنّ المجلس هو لتحصيل المزيد من الصبر: "الصّبر يا أماه، الصبر يا أحبتي، الصبر يا أمّتي". هذا كل ما فهمته من عينيه المتعبتين.
"حاضر يا حبيبي! رح اصبر! بس ما فيني نام بلا ما قول: عباس راجع!"
03-شباط-2014

تعليقات الزوار

استبيان