المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

أُعذريني هكذا ربيتِني... - جلال شريم



كلما مر طيفك في خاطري خنقتني الدمعة. وكلما شممت ريح الجنة في ثنايا عواطفك أدماني الأسى.  وكلما مر عيدك غالب الفرحُ أساي، ثم خرّ صريعه، وتقطّعت مهجتي عند حواف الذكرى.
ما زال ذلك اليوم يؤرّقني. ولا زالت لحظة اعتقالك تُميد الارض من تحت قدمي، وتلون السموات والارض بالأسود القاني. ما أزال أذكر صباح ذلك اليوم، حين استفقت مع زملاء زنزانتي وبدأنا بتبادل التهاني والأحلام والذكريات، في ما بيننا ومع الزنازين الأخرى، في عيدك وعيد أمهات الارض. كان معي بلال* وعبود** وكامل***. كانت الكلمات تخرج من أفواهنا مغمسة بالحرقة واللوعة و... والأمل.

معتقل الخيام بعدسة جلال شريم

بعد مرور قليل من الوقت جاء شرطي غليظ وناداني برقمي: (3085 جهّز حالك). كان ذكر رقمي، أي اسمي، مفاجأة لي وللآخرين، فالتحقيق معي انتهى منذ حوالي الأسبوع، وانتقلت من صحبة "عميل زنزانة" إلى زنزانة جماعية، فيها من فيها ممن تبيضّ الوجوه برفقتهم. استبشر رفاق الزنزانة خيرًا: لعل ساعة الحرية حانت. لكن ذلك الشرطي لم يطلب مني تجهيز ثيابي، بل أمرني بالخروج بسرعة. كبّل يديّ وألبسني ذلك الكيس، ذي اللون القاتم، في رأسي وشد فوقه على عيوني عُصابة، ثم جرني بجنزير القيد (الكلابشة) وسحبني وراءه، حتى أوصلني إلى مكان ما حيث أوقفني هنيهة.. سمعته يفتح بابًا حديديًا، أدخلني وقال لي: انظر، ركّز جيدًا، سترى شيئًا مهمًا. رفع العُصابة، نزع الكيس عن رأسي لثوانٍ وقال لي من جديد: أُنظر.

كوة الأمل ..... جلال شريم

كانت تلك ثواني من الزمن، لكنها بقيت معي مدى الزمن. رأيت أمي جالسة على كرسي: معصوبة العينين، مكبّلة اليدين، وعلامات الإرهاق تخطف ملامحها. تذكرت لحظتها تعب السنين الستين التي انهكت كاهلها. تذكرت الآلام المقيمة في جسدها، وخاصة في عينيها وظهرها، منذ سنين طويلة ولم ينفع معها العلاج ولا العمليات الجراحية. كانت تلك الأفكار تتوارد في خاطري، مثل سيل طلقات دمدم، والشرطي يجرني إلى غرفة التحقيق، حيث وجدت فيها اثنين من العملاء أخذا يلوحان أمامي بسلسلتين: واحدة من الترهيب، وأخرى من الترغيب، وهدفهما واحد: موافقتي على التعاون مع العدو.


والدة الأسير المحرر جلال شريم

-    أنت هنا، أمك هنا، سوف نستمر في حبسكما وتعذيبكما كما نشاء، إن لم توافق...
-    وإن وافقت سوف نفرج عنكما الآن، وسوف نساعدك في كل أمور حياتك...
رغم ثقل الحمل، والموقف شديد الصعوبة والقهر، لم أرضخ أو أتراجع، ورغم سوء العواقب المنتظرة، ورغم عقدة الذنب التي بدأت بالتكوّن في نفسي منذ تلك اللحظة، رفضت طلبهم، ضحيتُ  - يا أمي - بحريتك وبحريتي ولم أقبل أن أخون وطني. ولم أقبل أن أخون عهدك وتربيتك التي أنشأتني عليها.
ألستِ أنتِ من غرستِ في نفسي، منذ صغري، حب الأرض والوطن، وكذلك الرفض والثورة على هؤلاء الصهاينة؟

في المسجد النبوي الشريف

فإن كانت الأمهات تروي لأبنائها الأقاصيص ليناموا، فإنك كنتِ دائمًا تروين لي كيف استشهدتْ أمكِ في حضنكِ في العام 1948، في قريتنا حولا، برصاص هؤلاء المغتصبين، وكيف هجّروكم وعذّبوكم، وكيف صمَّ الجميع آذانهم.
هكذا ربّيتني أمي، وهكذا رددتُ الجميل ... فهل وفيتُ؟ أعذريني يوم اعتقلوا عيدكِ، كل عام وأنت أجمل الأمهات.


 (*) الأسير بلال السلمان، شهيد انتفاضة معتقل الخيام.
(**) الأسير عبود عبود، شهيد مجزرة جسر المطار في العام 1993.
(***) كامل ناصر: كان عميلًا في ميليشيا لحد، أُعتقل، ولكنه داخل المعتقل عاد لمارسة لعبته القذرة فغدا "عميل زنزانة".

22-آذار-2014

تعليقات الزوار

استبيان